" خسارة مُفجعة "

26 3 0
                                    

تلك اللحظات التي يتوقف بها الزمن ، اللحظات التي يتوقف بها شعورنا بما يدور حولنا ، تلك هي اللحظة التي يعيش بها ذلك الذي يقف أمام ذلك المبنى الضخم الذي يتصاعد منه دُخان حريق مُرعِب .

كان يوجد الكثير من الناس يقفون حول المستشفى ، و رجال الإطفاء يحاولون إخماد ذلك الحريق ، و المسعفون ينجدون المَرضى و بعض العمال و الأطباء .

إلتفت بعينيه عدت مرات يبحث عن وجه أحدهم ، يبحث عنه علَّه خرج من هذا الحريق ، وجه أخيه الصغير ، كان يلتف في هلع ، عندما سمع صوت مختنق يخبره

ـ" دكتور مُعاذ جوا مخرجش لسه من الحريق ، إحنا بندور عليه من فترة طويلة في اللي خرجوا مفيش أثر له أو لدكتور سيري .

إلتفت لمكان هذا الصوت كان يرتدي معطفًا أبيض فأدرك أنه أحد الأطباء في المستشفى ، تقدم بقدميه للأمام فأمسكه صديقه الذي لحقه بسبب نظرات الهلع التي كان يحملها عندما أجاب على إتصال والده ، ثم أردف بصوت عالٍ يحذره

ـ إنتَ رايح فين ؟ ، إنتَ شايف النار عاملة إزاي ؟ ، فكر بعقل ، لو دخلت هنا مش هتطلع .

كان يحدثه وهو يوجهه ناظريه ناحية المبنى الذي تغطيه النار من كُل جانب ، نظر له بعينين لامعتين ثم أجابه بقلة حيلة

ـ" طب أعمل إيه ؟ ، أعمل إيه يا " كريم " أقف أتفرج و أخويا بيطَلع في روحه جوا ، أقف مشلول مبتحركش و أنا عارف إنه بيتوجع جوا .
ذلك الحديث الذي كان يحمل في ثناياه قلة حيلته و عجزه ، ذلك الشعور بالعجز الذي طالما كرهه منذ كان طفلًا ، يكره الوقوف مكتوف اليدين ، مشلول الحركة ، و ها هو يَمُر بهذا الشعور في أصعب لحظاته .

في تلك الأثناء وجد سيارة فخمةً وراقية تأتي من بعيد قد أدرك أنها لوالده الذي أسرع له في قلق

ـ أخوك فين ؟ ، في أنهي مكان يا " مازن " ، عايز أطمن عليه .

أنهى حديثه وقد غلب على نبرته التعب ، هذا هو الحال عندما تصل للحظات الوداع ، عندما يصل الحال بأبٍ على هاوية الخسارة ، خسارة قطعة من روحه .

أسند " مازن " والده وهو يبتعد به يجعله يجلس في أقرب مقعد .
ولحقه أخيه الكبير الذي جاء مع والده من مكان عملهم ، إتجهوا لزاوية بعيدة و أجلس والده وهو يطمئنه

_هيخرج إن شاء الله ، هما لسه بيخرجوا المَرضى و إن شاء الله يطلع و نطمن كلنا عليه ، بس أهدى عشان متتعبش يا بابا .
أنهى حديثه وهو ينظر لأخيه الذي أدرك من حديثه أنه يطمن والدهم فقط ، أخذ بيد أخيه وهما يتجها ناحية المسعفين و أوقفه أمامه ثم أردف

_ «مُعاذ» مات يا «مازن» .

هي جملة واحدة سقطت على روحه لتغرز نصلها في ذلك الجرح لينزف من جديد ، رجع «مازن» للخلف خطوتين و قد جَفِل جسده من حديث أخيه الغير مُبرر

شيزوفرينيا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن