أمنيات أضاعها الهوى
الفصل الثاني والعشرون:
وإنك تسكن الروح، وهذا مكان خاص جدًا بك، هو أعمق من الروح بين الوتين والنبض، وإن الرُوح تألف من تحب، والروح للروح دوما ما تحن. قد يستطيع المرء أن يلمس القلب بيدية لكن الروح لا تُمس لكنك وحدك دونًا عن سائر الخلق قد فعلت.بعدما غاب بيجاد لساعةٍ يتحدث بهاتفه جُن جنونها وهي تنتظره فقررت حاسمة أمرها أن لا هاتف اليوم ولا الغد ولا طيلة مكُوثهما معًا. بالنهاية الهاتف لا يجلب الا المشاكل .
تأففت من اتساع ابتِسامته بعد إنهاء المكالمة، وكأنها ضحكة نصر. مازالت تشعر ، وأن هناك شئ يخفيه عنها لكنها صدقًا لم تعد تهتم. اقتربت منه وألقت بهاتفها بعيدًا بعدما أغلقته، وأمسكت بهاتفه وفعلت به كمثل. ضحك وأمسك بهاتفه؛ فغضبت فعاد يسلم أمره إليها وهو يعطيها هاتفه. أرادت أن تسرق معة بضع لحظاتٍ من العمر. بالأمس فتح لها قلبه، وحكى الكثير مما كان يخفيه عنها.
فتح لها قلبه طواعيةً؛ لتدلِف إليه. تشعر بأنه يشبهها وهي تشبهه. تشعر بشيء بدأ يتسلل إليها بجوارة أو هو بدأ بالفعل وهي تنكره وهو كمثل.
لا تعلم لما أرادت أن تستمع لنُصح أثير، وتنتهز فرصة العمر بجواره. الله يعلم أنها لا تكترث إلا لذلك الدفء الذي يتسلل إليها بجوارة، والله يعلم أيضًا متى ستسنح لهما الفرصة مجددًا؛ ليكونوا معًا بهذا القرب.
ليلة أخري بجوارة، ومازالت تمطر بغزارة؛ ليستحيل عليهم الخروج من البيت إذ أغرقت الأمطار الوديان من كل اتجاه.
أنه الجو الأحب لقلبها كم تعشق فصل الشتاء، وتعشق كل ما به حتي أزمة الطرقات، وحتى غرقها بالمياه بِبلدتها كانت تعشقها. إنه فصل الحنين والأشواق والأمنيات.
لقد باتت تنتظر ساعات الليل؛ لتقضيها بالثرثرة معه لكنها اليوم أرادت أن تكون هيَّ، وهو ،ولا أحاديث جانبية على الهاتف تشتتهما. فعلى كل حالٍ هاتفها ما أن يرن يشتعل بالغضب.
عمار لا يتوقف من إرسال الرسائل لها، وهي صدقًا سئمت من اتهامات عينيه حتى بعدما قصت له كل شيء لا تزال تشعر بأنه لا يصدقها.
وقفت أمام الشرفة مجددًا لم يري أنثى مثلها تعشق مشاهدة الأمطار إلا هي وطفلها ومؤخرًا عدي الذي صار يُقلدهما بكل شيء. كلما رأى سعادة ابنة التي يراها لأول مرة منذ ولادته يشعر بالامتنان لوجودهما بحياته يشعر وكأن الله يكافئه بهما. كلما ازدادت سعادتهم تمنى لو يظلوا هنا بقية العمر هو وهي وطفليهما؛ وليذهب العالم أجمع للجحيم لن يكترث إليه.
إغلاقها للهواتف كان مبتغاهُ منذ أتوا لهنا لكنه مقيد بعمله، وعليه متابعة ما يدور بعيدًا عنه كما أنه لا يجرؤ على اقتحام مساحتها الخاصة يشعر بألف قيد يقيده عنها أولهم رد فعلها.
اقترب؛ لينتشلها من شرودها هامسًا بصوت أجش:
_ بت أحسد المطر.
استدارت تنظر له متعجبه، ولم يصلها مغزى حديثه بعد:
_ ولما؟
_ لأنكِ تعشقين تأملة.
_ أتعلم ! أراه كلوحة فنية متكاملة.
_ كما أراكِ أنا.
_ تراني أنا؟
_ نعم، أتتذكرين ذلك اليوم الذي التقيت بكِ به أول مرة؟
_ أجل بالطبع، فأنا لم أنساه قط لقد كان يومًا مميزًا لي.
_ وما المميز به؟
_ كنت قد أتممت عدتي، وتخلصت من كل ما يربطني بالماضي.
_ نعم تذكرت صياحك حينها كنت حانقًا جدًا عليك.
_ ولما؟
_ ربما غِرت منكِ مثلًا
_ غرت مني!
_ لكني كنت أراك ِ كجنية خرجت لي من العدم.
_ أنا!
_ نعم أنتِ بل أكثر من ذلك. كنتِ أشبة بلوحة فنية خرجت عن إطارها؛ لتزين الطرقات بصخبها، وضحكتها المميزة.
_ لا تكذب يا بيجاد عليَّ، هل تراني بذلك الجمال؟!
_ أنا لا أكذب عليك أبدًا أنتِ أجمل امرأة رأتها عيناي.
كانت تخشى أن يكون كاذبًا عليها رغم أنها تود لو كان صادقًا لكنها آثرت الصمت، واكتفت بالقاء نظرة ماكرة عليه جعلته يشك بأمرها. لكنها سرعان ماضحكت وعاودت النظر للخارج، وهو بجوارها يرمقها كل حين بنظراته العاشقة بتلك العينين الزيتونيه التي تزيد من وسامته المفرطة نظراته التي لم يعد يكافح كي يخفيها، وهي َّ كمثل إلى أن شعرت باحتمالية تعب قدمه فجلست، وهي تشير له أن يجاورها لكنه بدلًا من ذلك أمسك يدها وسحبها خلفه بهدوء، فهتفت بدهشة:
_ إلى أين يا بيجاد؟!
سحبها حيث الدرج؛ ليصعدوا معًا الدرجات الفاصلة بحماسٍ غير مكترثًا بإصابته:
_ بيجاد اهدأ قدمك ستتأذى.
_ لا تقلقي عليّ.
اتسعت عيناها ما أن وجدت نفسها على السطح، والمطر يهطل بغزارة بلا توقف. دفعها بخفة لتستمتع بالمطر وتنحى هو جانبًا. دارت بسعادة حول نفسها تشعر وكأن المطر ينهمر؛ ليغسل كل ما مضى من حياتها بعيدًا عنه.
ووقف هو ينظر إليها بشغف. رؤيتها بهذه السعادة كان أقصى أمانيه منذ كُتبت على اسم وصارت ملكًا له. كل شيء يحدث لهما معًا الآن كان أمنيته الوحيدة. هى لا تعلم ماذا يفعل من أجلها؟ ومن يحارب؟
لا تعلم أنه يقضي الليل ينظر لوجهها. لم يكن من قبل هكذا مع امرأه غيرها حتى مع زوجته الراحلة وهذا سبب كافي ليعلم منه أن الحب دق ابواب قلبه التي كفرت بالعشق دائمًا. لطالما سخر من الحب والمحبين لكنها أتت وغيرت كل ما به. انتبه لها، ولِنبرة صوتها التي تغويه. كل ما بها يغويه لِيسقط كل ثانية بعشقها:
_ أقسم بيجاد أني أردت الصعود منذ الصباح لكن كنت خائفة منك.
ضحك بسعادة، وهو يشاهدها تدور كفراشة بالهواء إلى أن توقفت، واقتربت منه تخفي نفسها أسفل معطفة الطويل؛ ليهتف بضحك عليها، وهو يخفيها بداخلة
_ بهذة السرعة انتهى شغفك.
_ لا بل؛ لأبللك معي ليس عدلًا أن اتبلل وحدي.
ضحك من قلبه عليها معها يشعر، وكأنه يستعيد حياتة الماضية. تحقيق أمنياتها أمر يسعده حقًا كما تحقيق انتقامه ممن آذاها وآذاه غايته الكبرى.
هتفت بدهشة بينما مد يده؛ ليّجذبها حتى ترقص معه بهدوء وخطوات متباطئة أذابَتهما معًا؛ لتهمس بصوت مغري:
_ هل انت الفانوس السحري؟ من أين خرجت لي يا إلهي؟ قد تكون جنيًا يارجل لست بشري! لطالما كانت خالتي تخبرني بيقين أن بي مس من الجان؛ لذلك كنت أحتفظ بذلك السلسال؛ ليحميني منه.
لم يستطع تمالك ضحكته. ضحك كما لم يضحك من قبل ثم مال هامسًا لها بحنو :
_ إذا أنا جني الفانوس السحري خاصتك هيا أخبريني عن أمنياتك الثلاث أسرعي قبل الهرب.
أغمضت عيناها بطفوله قبل أن تهتف بعفوية:
_ ياالهي أخشى أن تفهمني خطأ.
_ لا لن أفعل بالتأكيد.
ضحك بينما هي انتابها شك من نبرته لكنها لم تكترث منذ وَثقا معًا عهد الصداقة، وهي أصبحت أكثر تقبلًا للحديث معه، لا تُخفي عليه شيئًا، وهو كمثل:
_ هيا ربى أسرعي.
ضحكت، واقتربت منه هامسة بطفوله:
_ أخبرك سرًا، وليكن بيننا؟
_ أخبريني كل أسرارك يا ربى ولا تخجلي.
_ حسنا سأخبرك أتعلم؟! لقد كانت أمنيتي دائمًا هو أن أصبح راقصة.
_ ماذا..ماذا تقولين أنتِ؟
كاد يضحك حقًا علي وجهها الذي رحلت عنه كل ملامح البهجة، وحل محلها حزن حقيقي:
_ هذه كانت ردة فعل والدتي حينما استمعت لي وأنا أحدث خالتي عنها .
ياالهي أذكر حينما تمردت في مرة، وصعدت مسرح المدرسة كراقصة بإحدى المناسبات دون إخبار أحد ليكتشف أخي الأمر، ويخبر والدتي؛ وتقوم القيامة بعدها.
_ ماذا فعلوا بك؟!
مالت تتحسس قدميها تلقائيًا فهي تشعر بحكة بأقدامها كلما تذكرت.
_ لقد أَكلت ليلتها عشرون ضربة على قدمي التي رقصت بها بعد جلسة حكم دامت لمنتصف الليل، وأنا أبكي؛ لترحمني والدتي من العقاب فتقترح خالتي مشكورة ضربي عشرون ضربة على قدماي التي رقصت بهما حتى ينتهي عقابي، واعود للمدرسة صباحًا.كانت تتحدث غير واعية على الشماتةِ التي ارتسمت بعينه؛ ليهتف بسعادة داخلية:
_ من أقام الحد؟
_ أخي بالطبع.
_ رجل والله، وقليل عليكِ عشرون ضربة.
_ نعم..!ماذا تقول انت؟!
_ أقول الصدق لو كنت مكانهم لفعلت أكثر.
اغتاظت، وضربت الأرض بأقدامها كالأطفال:
_ لم يطلب أحد رأيك! أنت الآن جني الفانوس، وعليك أن تُنفذ رغبتي فقط.
هتف باستنكار:
_ وما هي رغبتك سيدة ربى خانو؟
_ الرقص.
_ علي جثتي.
_ بيجاد أتوسل إليك.
_ انسِي ربى وتأدبي وإلا.
_ وإلا ماذا؟
_ اقتلعت عقلك اللعين هذا من مطرحة.
_ ولكنها مجرد أمنية.
_ أن ترقصي هنا علي السطح تبًا لأمانيكِ هذه التي تأتي بغير أماكنها.
تأففت مردفة:
_ أين أرقص إذًا؟!
اقترب منها هامسًا بأذنها برغبة:
_ ربما لي مثلًا، لزوجك بغرفة نومنا، وأنا أعدك أني سأشاهد بأدب.
_ وقح..أريد الرقص تحت المطر ليس كما فهمت أنت.
_ دعك من تذمرك هذا الذي سَيدفعني لِفعل شيء لن يروقك الآن إن فعلتِ، وأخبريني ما هي أمنيتك الثانية؟
_ امم، حسنا ولكنك سَتنفذ الآن بلا جدال.
_ علي حسب عزيزتي، هل أمنية مشروعه أم مجنونة بلا أدب كسابقتها؟
_ اصمت أنت لا فائدة منك، واستمع لي. أمنيتي أن تعزف لي تلك المعزوفة التي شاهدتها على هاتفك، وكنت تُريها للأولاد.
كانت قد شاهدت فيديو له وهو يعزف الكمان. معزوفة بإحدى الحفلات تُرجح أنها كانت قبل إصابته لكنها بالفعل أَخذت قلبها، وهالها جمال عَزفة.
_ أمم حسنًا هذا شيء أقبل به.
لو كان أحد غيرها طلب منه ذلك لم يكن ليقبل أبدًا لكنها استثناء بكل شيء.
لمعت عيونها، وهمست من أين لنا بكمان الآن ؟
اقترب من الغرفة المغلقة ودفعها؛ ليدلفْ لغرفة مرتبة مبهجة جدًا بها كل ما يحتاجه المرء للعيش وحده بهكذا مكان على السطح. اقترب يمد يده لكِمانه المعلق على الحائط، فهتفت بسعادة:
_ انت رائع حقًا!
لمحت التردد بعينيه، فهمت ما يعانيه فبدأت بِتشجيعه؛ ليهتف:
_ أنتِ متأكدة مما ستجعليني أقدم علية!
_ نعم؛هذة أمنيتي.
_ أنتِ مزعجة حقًا!
_ من أجلي بيجاد .
_ حسنا ..لا أعلم أين كنتِ تخبئين كل هذه الثرثرة وكل هذا الجنون لكن من أجلك سأفعل.
_ أنا هكذا دائمًا مع من أرتاح لهم.
_ هل ارتحت لي؟
_ جدًا، جدًا حتى أني قررت أن التصق بكَ دائمًا هيا لا تطل بالأمر .
ضحك بسعادة حقيقية. الوقت الذي يقضيه معها بمثابة نعيم خالص لا يود الخروج منه. أكثر ما كان يخشاه أن تبتعد عنه يوم أو ترغب بالفراق. إن كانت تود الالتصاق به؛ لتلصق أكثر ، وهو سيكون أكثر من سعيد بِالتصاقها.
كان المطر قد بدأ يتوقف، واحتل الصمت المكان. نظر لها فَشجعته بعينيها؛ ليغرق بعدها بالعزف .كان بالفيديو يعزف معزوفة عمر خيرت الشهيرة التي تعشقها هي أيضًا " عارفة" بدأ يغرق بعزفه لكنها فاجأته بصوتها الذي شدت به من خلفه كَكروان.
( عارفة..مش عارف ليه .. بتونس بيكِ، وكأنك من دمي..على راحتي معاكِ وكأنك أمي..مش عارف ليه؟!)
انتهي وصمت وصمت كل شيء من حولهما إلا من نظرات العينين. كل شيء هنا يحث المرء على التمرد، الحنين، والرغبة وهو بشر ضعيف.
ربى:
يقولون أن العمر يمر. هو صدقًا يمر. يمر بكل ما به إن كان خيرًا أم شر، وأنا أعترف أني عشقت حُنوة عليّ. لم أصرخ يومًا ونَهرني، ولم أغضب وتَركني. كان مزيج عجيب الشكل. يعلم متى يكون حازمًا، ومتى يرخي الحبل؟ من قال أن الرجل يكن رجلًا فقط بالصفع والصراخ طيلة الوقت! الرجل الحقيقي هو من يحتوي من هم منه. وهو كان هادئًا منذ عَرفته إلا من نظرات العينين التي كانت تُوشي لها بكل شيء يخفيه القلب.
انتهي العزف، ومعه بدأ كل شيء. عيناه التي تعامدت على عيني كانت تحكي ما لم نستطع البوح به. أراد القرب، وأردت أنا العيش دومًا بين كلتا الذراعين .
اقتربت بإرادتي ولم يجبرني عليه. أردت أن يعاملني كزوجة ولو لليلة واحدة فقدت تعقلي. لقد اهلكني هذا الكبرياء اللعين الذي يطل من عينيه. أنا الآن اعترف أنا أرغب به، وهو أمنيتي الثالثة التي لن أستطع أن أصرح بها أبدًا إليه ولو هرمت.
الحياة بين ذراعيهِ كانت كالنعيم الذي تمنيت يومًا أن أحيا به طيلة العمر. همس بصوت أجش قبل أن يأسر شفتيتيها، ويغمرها بعاطفة أطاحت بما تبقى لديهم من عقل:
_ رُبى أشعر برغبة قوية بك. إما أن تهربي الآن من أمامي أو لتقتربي ولا تلوميني فيما بعد! ولم تكن هي بحالٍ أفضل منه لم تتحدث لكنها كانت أكثر من مُرحبةٍ بة. إذ شعرت وكأن هناك بين أحضانه مغناطيس قوي يجذبها إلية.
نار الشوق أحرقت كليهما، وكلاهما آَثرا الغرق حتى تنطفئ؛ لتنتهي الليلة بها غافية بين ذراعيه طواعية. وباعتراف صادق بالعشق اعترفوا به كلاهما بعد ما حدث؛ لترحل الصداقة للأبد، وتبدأ مرحلة العشق والوله.
همس وهو يشعر بلمسة من يديها:
_ يا إلهي أنا أعشقك يا رُبى منذ الليلة لا خلاص لكِ مني.
همست بذات الشعور :
_ وأنا لك بُكلِ الحب.
إنه الحب من يجعلنا لا نسيطر علي أي شيء. يصنع من كَذِباتنا عَالمٌ من الصدق، ومن خيباتنا ينسج خيط أملٍ عجيب الشكل. إنه الحب بكل تخبطاته من يجعل الكافرين به يسخرون منا بكل قبح.
_____
أنت تقرأ
أمنيات أضاعها الهوى
Romantikإهداء: إلى أولئك المخلصين الأوفياء. إلى أولئك الذين لم يخونوا عهدًا ولا وعدًا وإلى تلك الأيادي التي امتدت؛ لتمحي دموعنا في الخفاء. إلى تلك الأيادي التي دفعناها مرة تلو الأخري، وعادت بلا رجاء. وإلى أولئك الذين يلمحون ما خلف كلماتنا من أوجاع. وإلي أ...