( أمنيات أضاعها الهوى)
الفصل العاشر:
الحياة لن تقف على أوجاعنا ستمر بحلوها ومرها لطالما كانت مؤمنة بذلك، وبأن لا أحد سيرأَف بها، ولن يرحمها الغريب ما دام القريب نهش منها وخاض بعرضها.
الحياة ستمر، ولن تمتد يد أحد؛ لتراعي طفلها ومطالبة، ولن يعمل أحدهم على الإتيان لها بمتطلباتها.
لذا عليها أن تُنحي ذلك الخوف والقلق من الآتي جانبًا.
أن تعمل علي جفاف دموعها علي الفراش ولا تأخذه معها لغرفةِ معيشتها حتى لا يراها طفلها .
تذكرت فراشها التي ظلت طيلة الليل ترتجف، وتبكي أسفله، ولم تمتد يد أحد كي تمسح دموعها وتسحبها لأحضانها. هنا تذكرت زوجها التي تخلصت من رابطة الأبدي حينما أقامت عليةِ دعوى طلاق للضرر وتخلصت منه حينما حكمت المحكمة بطلاقها منه. تخلصت من تلك الليالي الطوال التي ظلت تشكي حالها لحالها، وتبكي وهو مغترب يلهو مع العاهرات كما كان يصلها دومًا. هو دائمًا ما كان بعيد عنها لا يكترث حتى لمعرفة ما أن كان طفلة بخير أم لا! لا تعرف كيف كان يغفو وهناك بآخر بقاع الأرض قطعة منه لا يعرف عنها شيء؟!
لكنها توصلت بالنهاية أن هناك آباء قادرون حقًا على قتل كل شيء حلو بداخل أطفالهم، وزرع الندم والوجع بداخل زوجاتهم، وهذا أن كانوا يعدونهم زوجات لهم، هناك من هم قادرون على لفظهم بعيدًا، وتحطيمهم، وتحطيم آمالهم، إنها الحقيقة الوحيدة التي توصلت لها، والتي عاصرتها بمشكلاتها معه، فبئسًا لأولئك ..صدقًا بئسًا لهم !
تذكرت تلك الأيام التي كانت تقضيها تفكر هل سيّكفيها مصروفها للغد أم لا؟
لم يختلف الأمر عليها كثيرًا إلا أنها تخلصت منه ومن رابطهُ بينما دعائها عليه وعلى من بلاها به لازال قائمًا .
لقد كانت الوحدة دومًا حالها. لم تشعر يومًا بالحنين لزوجها، ولا لوجوده بينهم لم يحبها وهي كمثل. زيجة مصلحة كلٌ منهما وجد مبتغاه من الآخر كما كان يخبرها هو أرضى والديه، وهي كمثل رضت والدتها التي لا ترضى أبدًا مهما فعلت لها.
لطالما قرأت عن الأمان، وعن جمال الشعور بوجود ذراعين تتلقفَك وقت الحاجة والمرض لكنها لم تكن ممن أنعم الله عليهم به، وهي ّ حامدة شاكرة.
الآن عليها أن تُذكر نفسها جيدًا دائما أنها لا تمتلك رفاهية الإنهيار التام، ولا وقت كافي لديها لكي تأخذ وقتها وتتأقلم وتحزن، وهذا كان أكثر شيء متعب عليها في كونها أمًا وأبًا. أن تحنو وتقسو بذات الوقت أمر مزعجٍ ومؤلم.
الشعور بالتناقض طيلة الوقت أن تكون أمًا وأبًا، وصديق وصديقه بذات الوقت إنه لأمرٍ مرهق حقًا.
لملمت كل شيء من خلف طفلها بعد أن ودعته للمدرسة . ارتدت ثيابها، ولأول مرة لم تستطع أن تقف أمام مرآتها تتأكد من هيئتها .
مازال عقلها يدور بداخلة حربًا ضروس لا تعرف كيف ستنجو منها؟
اليوم تشعر أنها ودعت ابتسامتها بلا رجعة خصيصًا مع الأمر الذي صدر بوقف برنامجها، وإعدادها ، وتلك الأمور الكارثية التي التصقت بها ناهيك عن خذلان المرأة التي كانت على استعداد أن تضحي بحياتها من أجل حقها. ذلك الأمر كسرها فعلًا.
تعلم أن رامي يخفي عنها الكثير لكنها آثرت أن لا تسأله يكفيها ما عرفته للآن. هي لن تستطيع أن تحمل كل ذلك على عاتقها..
قررت اليوم أن تتحدى خوفها، وتذهب لجامعتها حتى لا تودع كافة أحلامها دفعةً واحدة.
بالأمس ودعت حلمًا تعبت من أجله، وباتت موقنة باستحالة عودته مرة أخرى.
واليوم هي عاكفة على الاستمرار بما تبقى لها لكن ما أن دلفت لسيارتها حتى ترحل لجامعتها التي سجلت بها من أجل الدكتوراه تذكرت أنها لم تفتح هاتفها منذ أمس بعدما استحال عليها النوم .
مدت يدها وجلبته من حقيبتها وفتحته. حانت منها التفاته فوقعت عينها علي مرآة السيارة الجانبية. لوهلة انتبهت لهيئتها الشاحبة، ولعينيها التي مازالت تغشاها الدموع لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح ما أن سارت قليلاً والهواء الطلق تسلل لها من نافذة السيارة فتناسَت ما ألَم بها وأوجعهَا .
حانت منها التفاتة أخرى فلمحت تلك السيارة التي كانت مصطفة خلف سيارتها قبل سيرها. لفتت انتباهها مجددًا لتكتشف بالنهاية أنها تسير خلفها تمامًا، وكأنها ظلها هتفت بغضب :
_ مؤكد هو العجوز الخرف اللعنة علية لن يخيفني.
أغمضت عيناها تتذكر اليوم المشؤوم التي التقته به، قبل أشهر بتلك الحفلة التي أعدها الشريك الثاني للمالكي، والذي لم تراه إلا ليلتها.
قبل أشهر:
_ لن أذهب يا رامي أرجوك لا تضغط عليّ.
انتفضت هبة مردفة بغيظ:
_ إلى متى ستبقين هكذا جبانة تشجعي يا ربى برنامجك هو الأفضل بالقناة، وأنت ملكة الليلة لا يجوز أن لا تأتي!
_ أنتِ لا تعرفين شيئًا عن مدى قلقي، ماذا أن التقط أحد لي صورة أو فيديو ونشرها ووصلت لعائلتي حينها سيذهب كل شيء أدراج الرياح، ولن أكون أي شيء بعد الآن! أنا خائفة ثم كيف سنترك الأطفال وحدهم؟!
نهرتها هبه مجددًا :
_ هذة جميعًا حججًا فارغة الأولاد ستهتم بهم أم رضوان وزوجها هم من الأساس غارقون باللعب انظري لهم.
نظرت لطفلها وابن هبة الغارقون حقًا باللعب على جهاز البلايستيشن غير مكترثين بما يدور من خلفهم ثم هتفت مصرحة بخوفها الأكبر :
_ وماذا أن التقط أحد لي صورة ما يا هبة ؟!
_ لن يحدث لا تقلقي الحفلة مؤمنه تمامًا المالكي وشريكة حرص علي عدم وجود الصحافة ولا الإعلام لوجود الكثير من المهمين هناك.
بصعوبه رحلت معهم وعلى مضض أيضًا. كانت تشعر بأنها مختلفة عن هذا العالم تمامًا حرصت على ارتدائها لفستان مناسب تمامًا لحجابها الذي تراه ما يميزها.
بأقصي أحلامها لم تفكر بلفت انتباه أحد، ولا أن تكون محط أنظار أحد لكن ما أن دلفت، ورأت رُقي الحفلة صدقًا ورقيها، وخصوصيتها نست نفسها بينهم.
أكثرهم كان من العاملين معهم بينما تنحى رجال الأعمال والمستثمرين بجانب بعيدون بمجلسٍ ممل لم يروقها مطلقًا .
بينما انغمس رامي بينهم، وظلت هي وهبه منفصلين بعالم آخر يثرثرون كعادتهم، وعادة النساء جميعهم.
إلى أن اقترب رامي يمد يده؛ ليرقص مع زوجته على تلك الموسيقى التي صدحت من خلفهم . لم تنتبه بعدها لشيء إِذ انغمست بالحديث مع شقيقتها على الواتس تحكي لها بالتفاصيل المملة التي تراه بالحفل .
لم تنتبه إلا علي تلك اليد الممدودة لها، وصاحبها يعرف نفسه عليها، ولم يكن إلا " فريد الزيني"
رفعت وجهها تلقائيًا تنظر له فوقعت على عيناه التي قرأت ما بداخلها بسهوله . نظرة ذئب مفترس لم ترتح لها أبدًا ناهيك عن رؤيتها لالتصاق تلك المرأة به قبل قليل بطريقة تبعث الغثيان بالنفس .
_ أتسمحين لي سيدتي؟
لم تستطع أن تمحي نظرة الاشمئزاز من علي وجهها، ولم تكن على دراية بعد بمن هو هذا أجابته بصوت متهكم واثق:
_ لا بالطبع أنا لا أرقص يا سيد.
لم تنتبه لنظراته الغاضبة النرجسية التي طلت من عيناه ما أن اشاحت بوجهها عنه.
النار اشتعلت بجسده، وهو يفكر بحقد ليس هو من يرفض هكذا، والنساء جميعًا يلقين بأنفسهن أسفل قدميه.
أنقذت الموقف منى التي لمحتها تقترب واضعة يدها بكف يده التي مازالت ممدودة لها، وكأن الصدمة ألجمته، مردفه بخبث لم تنتبه له:
_ أنا أرقص معك أيها الوسيم.
ما تلى ذلك من مقابلات كانت على ثقة أنها مدبرة حتى تلك الليلة المشؤومة التي تجرأ بها عليها وما حدث بها .
حينما تفاجأت به خلفها بالنادي المشتركة به هي وهبة والذي اكتشفت فيما بعد أنه شريك به حينها تجرأ ليحاوِل التعدي عليها بالغرفة التي كانت تبدل ثيابها بها والتي صدمت من خلو المكان آنذاك، وهي وحدها معه حينها استطاعت تخليص نفسها منه حينما هجمت علية بجرأة، وأصابته بضربةٍ مميتة بين فخذيه.
فاقت من شرودها على صوت زامور السيارات من خلفها؛ لتنتبه قبل ارتكابها حادثا آخر هاتفة بأعين متسعة:
_ ياالهي الصبر ، ألا يكفي تلك المصائب لتأتيني أخرى.
**********
يدية امتدت لمكان ضربتها من قبل. هي لا تعي حجم الكارثة التي كادت تتسبب بها له، لولا تدخل الأطباء لإنقاذه. لقد كاد يلقى حتفه بسببها.
اشتعلت عينا فريد الزيني بالغضب، والرغبة المجنونة بها أكثر من ذي قبل. هو يحب هذا النوع، يحبه جدًا ويعشقة.
رفع يده الممسكة بعصا غليظة للأعلى بقوة. تشبة عصا البهائم التي يسوقها بها أصحابها، ومن ثم هبط بقوته على ظهر العاهرة التي أمامة؛ لتصرخ منتشية:
_ مرارًا يا سيدي.
_هل أعجبتكِ يا مومس؟
_ جدًا يا سيدي مرارًا مرارًا.
_ لكٌ هذا يا عاهرة.
________
_ ماذا حدث يا معاذ لما طلبنتني علي وجه السرعة هكذا؟
كان هذا صوت رامي المضطرب قبل جلوسه أمام معاذ الذي هاتفه صباحًا طالبًا منه أن يقابله على وجة السرعة بذلك المقهى خلف الكومباوند الذي يعيش به.
زفر معاذ دخان سيجارته هاتفًا به بغضب مستتر:
_ اهدأ والتقط أنفاسك أولًا .
كاد رامي يجن من برودة الذي يتمتع به، وما إن هم بالصياح عليه هتف معاذ:
_ تمام اهدأ الأمر بخصوص موضوع ربى اهدأ، وانصت لي جيدًا فلقد اكتشفت كارثة، وعلينا أن نتصرف بهدوء.
_ ياالهي انت تخيفني تحدث معاذ لم يعد بي أي أعصاب.
أنت تقرأ
أمنيات أضاعها الهوى
Romanceإهداء: إلى أولئك المخلصين الأوفياء. إلى أولئك الذين لم يخونوا عهدًا ولا وعدًا وإلى تلك الأيادي التي امتدت؛ لتمحي دموعنا في الخفاء. إلى تلك الأيادي التي دفعناها مرة تلو الأخري، وعادت بلا رجاء. وإلى أولئك الذين يلمحون ما خلف كلماتنا من أوجاع. وإلي أ...