۲
وقف هاشم تحت الدش سامحا للماء الدافئ أن ينهال فوق جسده، ذلك الجسد الذي رغم اقترابه من الخمسين إلا أنه كان لا يزال يحافظ على رشاقة الشباب الأقل.
كان طويلا كالنخيل، يملك شعرًا قصيرا تتخلله الكثير من الخصل الرمادية التي يبدو أنه ورثها عن أحد والديه له وجه حاد التقاسيم مثل حافة مشرط وشارب ثقيل متصل بلحية مهملة.
جفف جسده المبلل ثم ارتدى لباسًا ثقيلا يقيه برد الشتاء، ولم ينس بالطبع أن يرتدي سترته الواقية ضد الرصاص وأن يصطحب معه مسدسه المزود بماسورة كاتمة للصوت.
وبالرغم من أن الحالة كانت تستدعي العجلة إلا أن هناك أمرًا كان عليه القيام به، ذلك الأمر الذي منذ قرابة - تسعة أعوام - وهو لا يغادر منزله قبل أن يفعله.
۳۷
سحب مفكرة صغيرة صنعت من جلد فاخر كان يحتفظ بما أسفل المرتبة - مرتبة السرير - ثم وعلى ضوء الأبجورة الخافت استل قلمه وكتب هذه الرسالة
عزيزتي بلقيس..
لقد هاتفني العمل قبل وقت قصير بدو أن هناك أمرًا طارنا قد حدث، وبناء عليه طلبوا حضوري إلى المقر .. سأغادر الآن ... ولن أنسى بالطبع الاطمئنان على ابنتنا قبل أن أرحل
**
ما أن انتهى من الكتابة حتى وضع مفكرة الجلد فوق طاولة توجد بالقرب من النافذة، ترك المفكرة مفتوحة على الصفحة التي كتب عليها الرسالة وغادر.
**
ذهب لغرفة ابنته "أمل" فتح باب غرفتها بهدوء كي يطمئن عليها قبل رحيله
٣٨
وجدها نائمة كما توقع وإلى جوارها - جوار رأسها تحديدا - كان هناك
کتاب ما.
كانت ابنته ذات الأعوام التسعة تملك عقل فتاة ناضجة
وربما يعود السبب في ذلك إلى تعلقها الشديد بالقراءة، وقد سألها ذات مرة عن سر حبها للكتب فأجابته بكلام لم يستطع فهمه آنذاك؛ فالذين لا يقرؤون لا يستطيعون فهم العلاقة المقدسة التي تجمع القارئ بكتبه الورقية
- لماذا أنت متعلقة بكتبك إلى هذا الحد يا أمل ؟
- إنها العالم الآمن بالنسبة لي، إذا أضعتني يوما ففتش عنى داخل الكتاب الذي أحبه.
لقد فهم الجزء الأول من كلامها أما الجزء الثاني الذي قالت فيه:" إذا أضعتني يوما ففتش عني داخل الكتاب الذي أحبه "فسوف يفهمه بعد
وقت طويل جداً".
نهضت أمل من مكانها، وأحضرت كتابًا من رف مكتبتها، وقالت تشرح
له شيئا:
هناك ذراعان لكل كتاب ... انظر ... صفحة عن اليمين وأخرى عن
اليسار، أتعلم لماذا؟
لا.
۳۹
- ليحتضنك الكتاب أثناء القراءة. كانت لديها - لدى أمل - عادة غريبة
حيث إنها كانت تترك الرواية التي تحبها إلى جوار رأسها عندما تنام؛ معتقدة أن أبطال الرواية بتلك الطريقة يعكفون طوال الليل على
حراستها.
كانت الرواية التي تجعلها دائما ملقاة إلى جوار رأسها هي رواية ذات غلاف أبيض ويظهر عليها - على الغلاف - صورة نصف وجه فتاة تشع عينها اليسرى باللون الأحمر الغاضب فتبدو كما لو أنها فعلا تقوم بحراستها أثناء النوم.
**
بعد أن اطمأن على ابنته أغلق باب الغرفة، ثم غادر إلى مقر عمله وهو لا يملك أدنى فكرة عن نوع المفاجأة التي كان القدر سوف يُرسله إليها.
٤٠
أنت تقرأ
آرسِس
Misteri / Thrillerبأسلوبها المتقن، تحفل "آرسس" بتشويق يأسر القلوب، حيث تتناوب الأحداث بإيقاع مثير، وتتعدد الأبعاد لتمتع القارئ برحلة لا تُنسى. تتميز الرواية بشخصيات متفاوتة تنبض بالحياة، ترافقها في مساراتها المتشعبة. بجرأة فائقة، تجمع "آرسس" بين الجوانب المختلفة للأد...