بعد أيام من التحقيق

17 4 2
                                    

داخل مكتب التحقيق، كان هناك باب يؤدي إلى غرفة . حيث كان عمر وخالد يعرفان أنهما يستطيعان ترك العالم الخارجي خلفهما للإلتفات لأي قضية ولغز يريدان حله .

لم يكن هناك أي عوامل تشتيت في الغرفة ، ولا فوضى، مجرد جدران بطلاء أبيض صارخ لإزالة أي ضوضاء بصرية حتى تركز أذهانهما فقط على القضية المطروحة.
لم يكن هناك أي شيء غير ضروري ، مجرد طاولة كبيرة لفرز الأوراق، وطاولة أصغر حجمًا لوضع هواتفهم والأكواب .. كانت هناك أريكة مستندة إلى أحد الجدران، تقدم راحة مؤقتة، على الرغم من أن أياً منهما لم يستخدمها لأي شيء آخر غير الاستراحة بعد مشيهما ذهابا وإيابا في الغرفة  وهما يفكران .

على الجانب الآخر، حافظ مكيف الهواء على درجة الحرارة باردة، بينما ضمنت المدفأة على الحائط البعيد الدفء خلال الأشهر الأكثر برودة.

كانت الخيوط الحمراء هي التي جعلت هذه الغرفة مختلفة.  كانت الخيوط  تمتد عبر الجدران، وتتلوى بين الخرائط والصور والوثائق، وتربط بين الوجوه والأماكن والأحداث ــ مثل شبكة من الروابط التي لا يستطيع أحد سواهم رؤيتها ومعرفة على ماذا تدل كل إشارة . وكان كل خيط بمثابة دليل محتمل، ومسار قد يؤدي إلى قلب القضية. كانت فوضى من البيانات التي كانت منطقية بطريقة أو بأخرى في أذهانهم.

----------------------------------------------------------

استند عمر إلى الطاولة بشكل غير رسمي، وذراعاه متقاطعتان . وفي الوقت نفسه، كان خالد يسير في الغرفة، وكانت حركاته دقيقة، وميكانيكية تقريبًا أثناء معالجته للمعلومات. بدا أن إيقاع خطواته يعكس أفكاره - هادئة ومتعمدة ومنهجية.

أخيرًا، أمسك خالد بالقلم وسار نحو السبورة البيضاء. ركز نظره، وبدأ في رسم سلسلة من الخطوط والدوائر، كل ضربة هادفة ومدروسة. ترك عمر، الذي لا يزال متكئًا، عينيه تنتقلان من خالد إلى السبورة، وكان تعبيره مزيجًا من الاهتمام والتحليل .

بدأ خالد بصوت هادئ ومنفصل "إيما جاك، من أوغندا. تبلغ العشرين من عمرها . أتت إلى هنا بمفردها" توقف، ونقر بالقلم على يده، وكان عقله يعمل بوضوح على التفاصيل التالية "لإكمال دراستها الجامعية".

انتقل خالد إلى الجانب الآخر من الغرفة، ويداه خلف ظهره بينما واصل حديثه "إنها تعيش في سكن الطالبات، الواقع داخل الحرم الجامعي. الحرم الجامعي يبعد حوالي 250 كيلومترًا عن مسرح الجريمة". استدار بحدة ومشى عائدًا إلى مقدمة السبورة، ووقف ساكنًا للحظة وكأنه ينتظر رأي عمر.

سار خالد مرة أخرى، وكان صوته ثابتًا ومنضبطًا. "وفقًا لأولئك الذين عرفوا إيما في الجامعة، لم يكن لديها أي أصدقاء. كانت حياتها مقتصرة على الجامعة والسكن الجامعي ولكن... كانت هناك أيام تخرج فيها وتقول إنها تزور عائلتها." وأشار بيديه، ورسم خطوطًا غير مرئية في الهواء، وكأنه يحاول فهم كل شيء.

قطع عمر حديثه قائلا "وعائلتها في أوغندا " و
انحنى إلى الأمام، وعقد ذراعيه. "لذا... لا أصدقاء، ولا أعداء، ولا معارف... لا اتصالات في المدينة." هز رأسه ببطء، وأفكاره تدور بالفعل.  "لكن الشخص الوحيد الذي تطلق عليه اسم عائلتها... هو المشتبه به."

توقف خالد، متأملاً كلمات عمر، قبل أن يهز رأسه موافقاً "هذا مناسب. عزلة الضحية هي المفتاح. لم يكن لديها أي شخص قريب منها هنا. هذا يجعل دور القاتل أكثر أهمية."

دفع عمر نفسه عن الطاولة، وسار نحو السبورة "ومع ذلك... ما زلنا بلا شيء. لا شهود. لا دافع واضح. لا أدلة في مسرح الجريمة." نظر إلى خالد، وكان تعبيره مشوبًا بالإحباط ولكن أيضًا بالفضول. "نعلم أنها ماتت منذ أكثر من أسبوعين بسبب الطعنة في الكبد، وأيضا الإصابة على رأسها كانت بشئ ثقيل مصنوع من حديد "

يتحدث خالد قائلا  "حقيقة أنها لم تكن لها أي صلات هنا تجعل القضية أكثر صعوبة. الهجوم العشوائي على شخص غريب نادر، وخاصة مع مثل هذا القتل المنهجي."

تتلألأت عينا عمر بالفكر "أو ربما ليس عشوائيًا على الإطلاق.  ربما يتعلق الأمر بها أكثر - لم تكن إيما مجرد شخص لا تربطها به أي علاقات. ربما كانت تخفي شيئًا ما. ربما كانت تهرب من شيء أو شخص ما."

توقف خالد وهو يفكر  "تختبئ؟ كيف تتخيل ذلك؟"

يجيب عمر  "حقيقة أنها كانت بمفردها. وهذا الشيء المتعلق بالعائلة... ربما كانت قريبة من شخص ما - ربما قريبة جدًا - ولم يكن من الآمن إبقاء هذه العلاقة مرئية. ربما كان المشتبه به شخصًا يمكنه التلاعب بعزلتها."

هز خالد رأسه ببطء "عنصر "العائلة"... إنه ممكن. إذا كانت إيما تحاول إبعاد نفسها عن أي شيء يتشاركانه، فهذا يفسر أسلوب حياتها الانفرادي هنا "

----------------------------------------------------------

بعد ساعة من التحليل، مد عمر ذراعيه، وتثاءب بشكل درامي "ماذا عن الذهاب إلى مطعم دجاج؟ أنا جائع حقًا"، قال، وكأن السؤال كان يختمر في ذهنه طوال العشرين دقيقة الماضية.

توقف خالد في منتصف الخطى، وابتسامة خفيفة تسحب زاوية شفتيه. وضع يده على بطنه وأطلق تأوهًا ساخرًا "إذا لم أقل شيئًا، فإن معدتي كانت ستفعل... بصوت عالٍ".

أضاءت عينا عمر، ورقصت فيها نظرة مشاغبة "انظر؟ كنت أعلم أنك كنت تنتظر عذرًا لتناول الطعام".

هز خالد كتفيه، بلا تعبير على وجهه "يجب على الرجل أن يأكل يا عمر. حتى العبقري يحتاج إلى وقود".  ألقى نظرة أخيرة على السبورة البيضاء وكأنه يفكر في حل رائع من شأنه أن يغير مجرى التاريخ، ولكن بعد ذلك قرقرت معدته بصوت مسموع "ومن الواضح أن الأمر يحتاج إلى دجاج".

بضحكة دفع عمر نفسه عن الطاولة وأمسك بسترته "رائع. يمكننا حل هذه القضية ببعض الأجنحة. من قال إن حل الجريمة لا يمكن أن يكون لذيذًا؟"

رفع خالد حاجبه عندما خرجا "إذا لم يتضمن حل القضية، فأنا أؤيد ذلك تمامًا".

بينما كانا يتجهان إلى خارج الغرفة، قرقرت معدة خالد مرة أخرى. ضحك عمر بشدة وقال "أنت لا تخدع أحدًا خالد. اللغز الحقيقي هو ما إذا كانت معدتك تستطيع الانتظار حتى نصل إلى هناك أم لا."








لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 14 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أصوات صامتة و أيادٍ مميتة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن