انطلقت سيارة عمر على طول الشارع المرصوف حديثًا، ورائحة الأسفلت الجديد تختلط بهواء الشتاء المنعش. كان الحي قد بدأ للتو في تأسيس نفسه - مبانٍ جديدة، ومحلات بقالة صغيرة بنوافذ زجاجية لامعة، وأرصفة نظيفة. كان هناك شعور بأن هناك عملًا غير مكتمل في المنطقة، وكأن المكان لا يزال ينتظر شيئًا ما ليترسخ حقًا. كان عدد السكان قليلًا .
"يبدو... جديدًا، وهادئ"، تمتم عمر وهو يوقف سيارته أمام المبنى، وينظر بعينيه إلى المناطق المحيطة. " وكأنه أحد تلك الأماكن التي قد يحدث فيها شيء سيء، ولا يسمعه أحد".
لم يقل خالد، الذي كان يجلس بجانبه شيئًا في البداية، وكانت أصابعه تتتبع بغير وعي حافة دفتر الملاحظات في حضنه. كان بالفعل يجمع أجزاء الموقف عقليًا قبل أن يدخلوا المبنى.
كان المبنى المعني يتكون من سبعة طوابق، وكان تصميمه الحديث البسيط يشبه مبنى نفعيًا وليس منزلًا. كانت الهندسة المعمارية باردة، ولا توجد علامات تدل على شخصية المبنى بخلاف مظهره الخارجي البسيط. تتواجد العديد من سيارات الشرطة حول المبنى وسيارات البحث الجنائي مع وضع حواجز حول المبنى .. لكن من يهتم ؟ هذا المكان شبه خالي من السكان .
تحدث خالد أخيرًا، وكانت نبرته ثابتة ومنفصلة تقريبًا. "أود أن أقول إنه من المحتمل أن القاتل اختار هذا المكان لأنه منعزل. فالمبنى الذي به عدد قليل من السكان يعني عددًا أقل من الشهود المحتملين، وكان من شأن العزلة أن تجعل التخلص من الأدلة أسهل".
أومأ عمر برأسه وهو يخرج من السيارة. كانت يده تلامس السطح البارد للسيارة وهو يحدق في المبنى أمامه، وعقله يطن بالاحتمالات.
كان الهواء يحمل رائحة شتوية مبكرة مع احساس بالرطوبة.
وبينما اقتربا من المبنى، قابلهما ضابط شرطة عند المدخل. كان أمير، الضابط المسؤول، رجلًا في منتصف الثلاثينيات من عمره، يتمتع بسلوك هادئ ولكن نظرة صارمة في عينيه. لقد رأى بوضوح نصيبه من القضايا الصعبة.
"المحققان عمر وخالد، على ما أظن"، قال المحقق أمير، عارضًا مصافحة مهذبة لكن مقتضبة. "شكرًا لكما على مجيئكما بسرعة. الموقف معقد".
قال عمر، مبتسمًا بالكاد يخفي التوتر في جسده: "سنتعامل مع الأمر من هنا". كان مستعدًا بوضوح للتدخل، وعقله يتسابق بالفعل بالأسئلة. "قُد الطريق".
قادهم أمير إلى المبنى، متجاوزًا بهوًا صغيرًا يبدو غير مستغل بشكل كافٍ. كانت الطوابق العلوية بها وحدات قليلة مشغولة فقط، وكان الصمت في الممرات خانقًا. صعدوا إلى السطح على مصعد.
عندما فتح الباب إلى السطح، كان المشهد قاتمًا. تجمع فريق من ضباط الطب الشرعي ومحققي مسرح الجريمة حول جثة - امرأة شابة، لا يزيد عمرها عن أوائل العشرينيات من عمرها. كان جسدها ملقى على أرضية غرفة صغيرة ذات إضاءة خافتة بها نافذة مكسورة وبضع قطع أثاث متناثرة. بدا أن الغرفة كانت عبارة عن منطقة تخزين
لا شيء فيها يوحي بأنها مكان يقيم فيه شخص ما عادة.مسحت عينا عمر الغرفة، مستوعبة التفاصيل.
تحول نظر خالد إلى الجثة. كانت الضحية مستلقية على ظهرها على الأرضية الخرسانية، وكان بطنها يظهر جرحًا كبيرًا متعرجًا بالقرب من الكبد. كان الدم متجمد بالفعل في المنطقة المحيطة، لكن كان من الواضح أن الطعنة كانت دقيقة، واستهدفت عضوًا حيويًا. أظهر رأس المرأة علامات صدمة قوية، والتورم بالقرب من صدغها هائل. ضربة كبيرة، ربما جسم ثقيل. وأيضا تحول لون جسدها إلى الأزرق في إشارة إلى أن القتل كان منذ زمن طويل .
تحدث أمير عندما رأى ردود أفعالهم. "لا توجد علامات على صراع، ولا جروح دفاعية. ولا توجد علامات على دخول عنوة إلى الغرفة أيضًا. كان القاتل يعرف إلى أين يتجه".
اقترب خالد خطوة، وكان تعبيره غير قابل للقراءة. "هل بحثت عن بصمات الأصابع؟"
"لا شيء"، أجاب أمير، بصوت ثابت. "بصمات الأصابع الوحيدة في الغرفة هي للضحية نفسها وفريق الطب الشرعي".
"هل كانت الضحية تعيش هنا؟" سأل عمر، وعقله بدأ بالفعل في ربط النقاط.
"ما زلنا نجري الاختبارات"، أجاب أمير، "لكن الإصابة التي أحدثتها على رأسها حادة تبدو وكأنها جاءت من شيء ثقيل، ربما جسم معدني. من المحتمل أن يكون جرح الطعن سكينًا أو شيئًا بشفرة حادة وضيقة."
غيّر خالد موقفه، ونظر حول الغرفة مرة أخرى. "لم يترك القاتل أي شيء خلفه. لا بصمات أصابع . ولا ورقة خلفه . من فعل هذا كان يعرف كيف ينظف بعد هذا أو ربما لم يخطط أبدًا للقبض عليه."
كان عقل عمر يدور، لكن كلمات خالد جعلته يستقر. "لذا فنحن نتعامل مع شخص حذر ومنهجي."
"وذكي"، أضاف خالد، بنبرة باردة. "شخص يريد منا مطاردة الأشباح."
صفى أمير حلقه، كاسرًا الصمت. "سنستمر في الحفر، لكن هذه القضية بدأت بالفعل تبدو وكأنها تحتوي على طبقات أكثر مما كنا نعتقد في البداية."
ألقى عمر نظرة على خالد، الذي كان يتحرك بالفعل عبر الجثة نحو النافذة الصغيرة. "دعونا نعود إلى البداية"، قال عمر، وهو يعود إلى دوره كمحقق. "نحن بحاجة إلى معرفة سبب إحضار هذه المرأة إلى هنا. ما الذي كانت متورطة فيه؟ من كان لديه سبب لإسكاتها؟"
نظر خالد من النافذة، وكان الضوء الخافت لأفق المدينة خلفه. "نحن بحاجة إلى دافع. هذا ليس عشوائيًا. ليس حتى قريبًا."

أنت تقرأ
أصوات صامتة و أيادٍ مميتة
Mystery / Thrillerفي قضية قتل غامضة حيث يسعى المحقق ومساعده لإيجاد هذا القاتل .. غامض .. خطير .. أين هو ؟ .. ومن يكون ؟ متاهات عديدة