خيط أمل

61 7 31
                                    

كان النسيم باردًا، يحمل رائحة خفيفة من القهوة والكعك بينما كان عمر جالسًا على الطاولة، ونظره يتجول ببطء على الطريق المزدحم أمامه. اختلطت أصوات حركة المرور - الفرامل الحادة، وطنين المحركات المنخفض، والصراخ العرضي من المارة - مع همهمة المحادثات البعيدة. ومع ذلك، داخل فقاعته الهادئة، بدا العالم وكأنه يتباطأ. كان في تلك اللحظة، وحيدًا مع أفكاره وصفحات الكتاب بين يديه.

أخذ نفساً عميقاً، واستنشق رائحة الهواء، ثم قلب الصفحة. مرت عيناه على الكلمات بسرعة، وبدا إيقاع الكتاب أشبه بترنيمة. ثم استقرت عيناه على جملة معينة: "لا يوجد مكان للراحة هنا".

توقف عمر. وترك الكلمات تستقر في ذهنه، وشعر بسحب خافت من التعرف. ابتسم بخفة، وتمتم لنفسه: "نعم، لا يوجد مكان للراحة هنا".

قبل أن يتمكن من التمعن في أفكاره، قاطع هذه اللحظة صوت هاتفه المفاجئ وهو يهتز على الطاولة .

ألقى عمر نظرة على الشاشة. ومض إسم خالد بأحرف كبيرة. تنهد ورفعه، وشعر بثقل مألوف في صدره.

أجاب على المكالمة. "خير إن شاء الله؟"

كسر صوت خالد  الصمت، وكانت ضحكته خفيفة ولكنها كانت مصحوبة بإلحاح. " نعم خير إن شاء الله. لقد وجدنا تنبؤات حول مكان القاتل".

تسارع نبض عمر، وانتشلته الكلمات من شروده. أغلق الكتاب، فجأة أصبح أكثر وعيًا بثقل اللحظة. "أوه؟ جيد..." توقف صوته، غير متأكد مما إذا كان يشعر بالارتياح أم الخوف. كانت أفكاره تتغير بالفعل، وقطع اللغز تتشابك معًا. "أين أنت الآن؟ أنا قادم إليك".

كان هناك توقف قصير على الطرف الآخر. "في المكان المعتاد منزلي "

"انطلقت عينا عمر نحو النافذة، وبدا أن أصوات المدينة بالخارج تتلاشى في همهمة مملة. شحذ ذهنه، وضيق في كلمات خالد . قال بصوت ثابت، لكن عقله يحسب بالفعل كل تحركاته: "سأكون هناك في غضون عشرين دقيقة".

أغلق عمر الهاتف ووقف ببطء، وأصابعه تتأرجح على حافة الطاولة. بدا أن برودة الهواء بالخارج تتسرب إلى عظامه. تنبؤات حول القاتل - ما مدى قرب الحقيقة الآن؟ وما نوع الخطر الذي سيكشفونه؟ لم يكن يعرف، لكنه كان يشعر بالفعل بثقل ما كان قادمًا.

ارتدى معطفه، وخرج، وأنفاسه مرئية في البرد. امتدت المدينة أمامه، حية وغير مبالية.  تحرك بسرعة، ضائعًا في إيقاع خطواته، لكن ذهنه كان في مكان آخر. القاتل. ترددت الفكرة في ذهنه. كم مرة تم سحب الخيط، فقط ليعود مرة أخرى دون إجابة؟ هل ستكون هذه المرة مختلفة؟ لم يكن يعلم، لكن لم يكن أمامه خيار سوى معرفة ذلك.

ركب عمر سيارته وبدأ تشغيل المحرك، وهو ينطلق إلى الطريق. ومع ذلك، كان عقله في مكان آخر - منشغلاً بالقاتل الغريب. كانت واحدة من أكثر الحالات غير العادية التي واجهها في حياته المهنية القصيرة. معقدة ومحيرة، بلا نمط أو دافع واضح. ومع ذلك، لسبب ما، لم يستطع التخلي عنها. كان هناك شيء في الأمر جذبه.

بينما كان يقود سيارته، كانت أفكاره تتسابق. كانت هذه القضية متاهة منذ البداية - منعطفات وطرق مسدودة عند كل منعطف. لكن عمر لم يكن من النوع الذي يهرب من التحدي. لقد واجه قضايا صعبة من قبل، ولكن ليس مثل هذه. بدا القاتل متقدمًا بخطوتين، دائمًا بعيدًا عن متناوله. لم يهم عدد المرات التي انهارت فيها الأدلة أو عدد الخيوط الزائفة الموجودة.

أصوات صامتة و أيادٍ مميتة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن