لمحة من الماضي

25 5 42
                                    

كان عمر يضع مرفقيه على المكتب، وعيناه نصف مركزتين على ملف قضية مفتوح أمامه، لكن أفكاره كانت في مكان آخر. كانت أصابعه تتتبع حافة الورقة ببطء، كما لو كان يبحث عن شيء بين التفاصيل الدنيوية.  كانت الساعة على الحائط تدق بشكل منتظم، كتذكير بمرور الوقت، لكن عمر لم يكن في عجلة من أمره.

من ناحية أخرى، كان خالد يرفع قدميه على الطاولة، ويمسك بيده حفنة من اللب المملح ويده الأخرى يتصفح مجلة ببطء. كانت ساقاه ممتدتين بطريقة جعلت الكرسي يصدر صريرًا تحته. كان الجو المريح بينهما ملموسًا، وهو تناقض صارخ مع طبيعة عملهما. كانت ابتسامة خالد، التي كانت دائمًا شقية بعض الشيء، بمثابة تذكير بأيامهما الخفيفة، عندما كانت القضايا تبدو أقل استهلاكًا وكان مزاحهما كافيًا لتمضية الوقت.

سأل خالد بين لقيمات اللب ، دون أن يرفع نظره عن مجلته: "هل يجب أن نتناول الغداء لاحقًا؟".

لم يجب عمر على الفور، وكان ذهنه لا يزال مشغولاً بالقضية التي أمامه. كان يتصفح الملفات القديمة لساعات، محاولًا العثور على دليل أو أي شيء قد يساعد في التحقيق الحالي. لكن كل شيء بدا وكأنه ضاع في الماضي.

أجاب عمر شارد الذهن، لا يزال مشتتًا: "بالتأكيد. ربما لاحقًا".

وبينما بدأ الصمت يسود المكان، رن الهاتف على مكتب عمر، ألقى خالد عليه نظرة عارفة، وحرك عينيه نحو الهاتف.

مد عمر يده إلى السماعة، واتخذ صوته نبرة مهنية. "المحقق عمر".

كان الصوت على الطرف الآخر واضحًا وعاجلًا. "المحقق، هذه هي وحدة الشرطة المركزية. لدينا جريمة قتل بين أيدينا. تم العثور على فتاة ميتة على سطح مبنى ، نحتاج منك التوجه إلى مكان الحادث على الفور".

استقام عمر، وثقل الكلمات هبط في الهواء "ما هو الموقع؟"

نقل الضابط على الخط العنوان، وسجله عمر بسرعة على دفتر صغير أمامه يبدو أنه مخصص لتدوين التفاصيل الصغيرة المهمة ، وكانت عيناه تتحركان بالفعل إلى الأوراق المتناثرة عبر مكتبه.

"فهمت"، قال عمر، وكان ذهنه قد بدأ في التحول.  أغلق الهاتف واستدار نحو خالد الذي كان يتناول اللب ببطء، غير مدرك تمامًا للتغير في الجو.

رفع خالد حاجبه، ملاحظًا التغيير. أصبحت نبرة عمر باردة ومركزة.

قال عمر بصوت ممزوج بمزيج من المرح والجدية: "هل ما زلت تخطط لأخذ قيلولة، أم تعتقد أنك تستطيع المساعدة في هذا الأمر؟".

تنهد خالد بشكل درامي، ثم أنزل قدميه ببطء عن الطاولة، وفرك وجهه بيده وكأنه يستعد للمعركة. " بالنسبة لرجل لا يتوقف أبدًا عن العمل، تعلم ما هو خياري "

قال عمر، وهو يقف ويمسك بسترته، "تعال، لقد حان وقت العمل. قُتلت فتاة على سطح مبنى. دعنا نذهب."

أسقط خالد مجلته وألقى باللب المتبقي في فمه. "سطح مبنى ؟" تمتم، وعقله يتحول بالفعل إلى وضع التحقيق. "لست متأكدًا مما إذا كان هذا يجعله أكثر إثارة للاهتمام أو أكثر غرابة."

لم يجب عمر؛ كان يتجه بالفعل نحو الباب. أمسك خالد بسترته وتبعه، وسقط في إيقاع روتينهم المشترك. لقد كانا فريقًا، أو بالأحرى دعنا نقول أنهما صديقان مقربان منذ الثانوية .. لا يعملان وكأنهما محقق ومساعده بل كفريق متكامل .

---

في السيارة، تحول التوتر بينهما مرة أخرى.  كان الأمر وكأن الزمن يعود إلى الوراء للحظة، ويعودان إلى الوقت الذي كانت فيه الأمور تبدو أكثر بساطة، حتى وإن كان العمل صعبًا بنفس القدر. أبقى عمر يديه ثابتتين على عجلة القيادة، ولم ينظر إلى خالد إلا من حين لآخر. أطلق خالد، وهو ينظر إلى النافذة، صافرة منخفضة.

كرر "سطح مبنى". "يبدو وكأنه بيان، أليس كذلك؟"

قال عمر "نعم، بيان سيتعين علينا اكتشافه".

أصوات صامتة و أيادٍ مميتة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن