الحياة الريفية ممتعة! (2)
مرَّت الأيام بسرعة، وكأنها لحظات، حتى أصبح قد مرَّ ما يقارب الشهر منذ أن بدأ كارل دراين يأتي إلى المقهى يوميًا.
اليوم أيضًا، جلس على الطاولة يضع ذقنه على يده، وأرى من خلال النافذة المفتوحة رأسه يظهر.
كان كارل دراين.
'لقد جاء مرة أخرى.'
سواء كانت السماء تمطر او كانت الرياح تعصف، كان ذلك الرجل يأتي كل يوم ويظل في مكانه ثابتًا.
في البداية، كنت أكتب رسائل تطالبني بطرده فورًا، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت معتادة على رؤية ذلك الرجل الضخم الذي يشبه كتلة صخرية وهو يشغل زاوية من المقهى.
وضعت ذقني على يدي وطلعت نفسًا طويلًا من أنفي وأنا أفكر.
'أحيانًا يبدو وكأنه مجرد ديكور في المقهى.'
لم أكن أمزح، ففي بعض الأحيان كان كارل يبدو وكأنه تمثال أكثر من كونه إنسانًا. ما إن يتخذ مكانه بجانب النافذة حتى يبقى ثابتًا دون أن يتحرك إلا إذا قرر تناول شيء.
'هل جاء اليوم ليأكل مرة أخرى؟ هل يجب أن أخبره بالدخول فقط؟'
كنت أفكر في السبب الذي جعله يأتي إلى هنا، لعلهُ يوضح لي سبب وجوده حتى أتمكن من اتخاذ قرار بشأنه.
وأثناء تفكيري، فتحت ظرف الرسالة التي كنت أحملها، وكانت رسالة ناناري التي وصلت بالأمس، دافئة من الطباعة.
'حقًا، كل مرة أرى خط يدها أشعر بمدى حيويته.'
يبدو أن ناناري لديها عادة الضغط بقوة على القلم أثناء الكتابة، مما يجعل الحبر يتجمع في بداية الحروف دائمًا.
كان محتوى الرسالة مختصرًا للغاية.
<إلى الآنسة الخجولة من عائلة جولدوردي، فيفيانا.
فقط قومي بإطعامه.>لم يسبق لي أن رأيت رسالة يكون فيها وصف المستلم أطول من النص نفسه.
'قلت لكِ خذي أخاكِ، فتخبرينني بإطعامه؟'
رفعت الرسالة في الهواء وكأنني أحاول العثور على أي نص مخفي، ولكن لا شيء هناك.
'هل حقًا يأتي يوميًا طوال شهر كامل لمجرد تناول الطعام الخاص بي؟'
لا يمكن أن يكون ذلك السبب.
ضحكت بسخرية على فكرتي. طعامي ليس بهذه الروعة ليظل هنا بلا انقطاع طوال هذا الوقت.
'لابد أن لديه نية خفية. ربما أرسله ذلك الأحمق ولي العهد للتجسس عليّ.'
كان يستخف بي دائمًا، لكنه في الوقت نفسه يخشاني بقدر كبير.
'هاه، يا لحالي البائسة.'
يمكنك تجاهل شخص ما مرة أو مرتين، لكن أن يظل يشغل مجال رؤيتك باستمرار، فهذا يجعل التجاهل مستحيلاً.