"اين انت"

1 0 0
                                    


"في أعماق هذ الغابة، لا شيء يحدث بمحض الصدفة. كل خطوة تخطوها تحمل في طياتها لغزًا جديدًا، وكل إجابة تكشف عن سؤال أكثر غموضًا. هنا، لا تبحث عن الحقيقة فقط... بل عن نفسك."

________________

بينما أسدل الليل ستائره الثقيلة، خيّم الصمت على الغابة المحيطة بالقرية. كان الظلام حالكًا، يبتلع كل شيء تحته، وكأن الأشجار العالية قد تآمرت لتخفي السماء خلف أوراقها الكثيفة. لم يكن هناك صوت يُسمع، سوى صمت قاتل بدا كأنه ينبض بالحياة، يخفي في طياته أسرارًا عتيقة لا يجرؤ أحد على كشفها.

كان الهواء مشحونًا بشيء غريب، وكأن هناك كائنات غامضة تتحرك في الخفاء، تسير بين الظلال بهدوء، ترقب كل شيء بصمت مريب. أحيانًا، كانت الرياح تهب فجأة، لكنها لا تحمل معها إلا إحساسًا بالخطر، وكأنها تحمل رسائل تحذيرية من شيء مجهول.

كلما ازداد الظلام عمقًا، بدا وكأن الغابة تزداد يقظة. الأصوات المعتادة في الليل كانت غائبة، لا نداء بومة، ولا صوت حيوان صغير يتحرك بين الشجيرات. وكأن كل كائن في الغابة قد تراجع إلى مخبئه، يراقب بصمتٍ هذا العرض المريب الذي يقدمه الليل.

في هذا الصمت الثقيل، شعرت القرية وكأنها محاصرة، بين غابة تنبض بالأسرار وظلامٍ يبدو وكأنه كائن حي، يتنفس ببطء، ويخفي خلفه عالماً مجهولاً لا يُفسَّر.
مع تسلل أول خيوط الفجر، بدأت أشعة الشمس تخترق ببطء ستار الظلام الذي غلّف القرية طوال الليل. تحرك الضوء بحذر بين الأشجار الكثيفة، وكأنه يخشى أن يوقظ شيئًا ما في أعماق الغابة. تلاشت برودة الليل تدريجيًا، ليحل محلها دفء خفيف وناعم، يعكس وهمًا بالأمان لا يلبث أن يتلاشى عند تذكر صمت الليل الغامض.

وفي داخل إحدى الغرف الصغيرة في منزل إدورد، كانت "رينا" مستلقية على السرير، غارقة في نوم عميق، وكأن الليل قد سلب منها كل قوتها بعد رحلتها الشاقه بالأمس. رغم دفء الصباح الذي بدأ يلامس وجنتيها، ظلت ملامحها تعكس قلقًا دفينًا.

فجأة، انقبض وجهها، وبدأت تتحرك في مكانها باضطراب. كانت عالقة في حلم غامض، بدا وكأنه يحمل شيئًا من الحقيقة، أو ربما تحذيرًا لم تفهمه.

وجدت نفسها في مكان غريب، أشبه بغابة ولكنها ليست كأي غابة رأتها من قبل. الأشجار كانت شاهقة، أغصانها تتشابك في أشكال مخيفة، وكأنها تخلق متاهة بلا مخرج. كان المكان مشبعًا بالضباب، والهواء مشحونًا برائحة الأرض الرطبة. صوت الرياح كان يحمل كلمات مبهمة، تتردد كهمسات غامضة، وكأنها تناديها باسمها.

بينما كانت تقف حائرة، لمحت ظلاً مألوفًا يتجلى في البعيد. إنه أخوها. كان يقف هناك، صامتًا بين الأشجار، نظراته ثابتة ومليئة بالرهبة. نادته بصوت مرتعش:
"ليام؟ هل هذا أنت؟"

الصمت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن