الفصل الأول بين الغيوم والذكريات

2 0 0
                                    

الفصل الأول: البداية

 وقف وحده تحت السماء الملبدة بالغيوم، مستندًا إلى جدارٍ حجري بارد. نظر إلى الأعلى بصمت، كأنه يبحث بين الغيوم عن إجابة. سؤال ظل يطارده منذ سنين: "لماذا لا يستطيع الجميع أن يعيشوا كما يريدون؟" طفولته لم تكن سيئة بالكامل، لكنه كان يدرك دائمًا أن هناك شيئًا غامضًا خلف تلك الحياة البسيطة التي عاشها. أحب والدته كثيرًا، لكنها كانت دائمًا مشغولة، وكأنها تحمل عبئًا لا يستطيع فهمه. 

أما والده، فكان رجلاً قليل الكلام، يحمل ملامح صامتة تخفي ما وراءها. يتذكر ذلكاليوم جيدًا، ليس لأنه كان مأساويًا، بل لأنه كان مختلفًا. عاد إلى المنزل مبكرًا بعد يوم دراسي عادي. فتح الباب بحذر، وكأنه يخشى أن يزعج شيئًا لم يكن يراه. المنزل كان صامتًا على غير العادة. لم تكن هناك روائح الطبخ المعتادة ولا صوت التلفاز الذي يبقى مفتوحًا طوال اليوم. اتجه إلى غرفة المعيشة، وهناك وجد والده جالسًا وحده. على الطاولة أمامه كان هناك صندوق صغير

 مفتوح، تظهر منه أوراق قديمة وصورة باللونين الأبيض والأسود. حاول الطفل أن يسأل: "ما هذا يا أبي؟" لكنه تردد. كان هناك شيء في نظرة والده جعله يتراجع. بدا وكأن الرجل قد انتقل إلى عالم آخر، عالم من الذكريات التي لم تُشارك مع أحد. في تلك اللحظة، شعر الطفل بشيء غريب. لم يكن حزنًا، بل كان شعورًا غامضًا من المسافة، كأن هناك جزءًا من حياة والده مخفيًا عنه،

 جزءًا لن يُفهم أبدًا. انسحب الطفل بهدوء إلى غرفته، وجلس على سريره ينظر إلى سقف الغرفة. لأول مرة، شعر أن الكبار يعيشون حياة أكثر تعقيدًا مما كان يظن. لم يكن يدري ما في ذلك الصندوق، ولم يسأل والده عنه مجددًا. لكنه في تلك اللحظة، تعلم

 درسًا ظل محفورًا في ذاكرته: "هناك دائمًا أسرار لا تقال، وهناك دائمًا شيء ما لا نفهمه." كبر، ومعه كبر هذا الشعور. الحياة لم تكن أبدًا كما اعتقد وهو صغير. لم تكن مليئة بالأمان والبساطة. كان يدرك الآن أن العالم مكان معقد، وأن الجميع، مهما بدوا

 أقوياء، يحملون في داخلهم صناديق مغلقة لا تفتح. نظر مرة أخرى إلى السماء، وكأنها مرآة تعكس نفسه. تساءل هذه المرة بصوت واضح، كأنما يخاطب الكون مباشرة: "هل سأتمكن يومًا من فهم كل هذا؟ أم أنني، مثلهم، سأبقى غريبًا حتى عن نفسي؟"


"الظل الذي لا يُرى"Where stories live. Discover now