غادرت متجر عم مازن والسؤال يطوف في رأسي كطائر لا يجد مكانًا يحط عليه. أردت أن أفرغ بعضًا من هذا الضجيج في صدري، فاتصلت بصديقي "رامي". كان رامي من النوع الذي يمكنك أن تتحدث معه عن أي شيء، لكنه غالبًا ما يجيب بطريقة لا تقنعك تمامًا، ومع ذلك يترك أثرًا غريبًا في داخلك.
وصل رامي بعد نصف ساعة، وقررنا الجلوس في مقهى "الربيع"، مكاننا المعتاد. كان المقهى بسيطًا، بأثاثه القديم وروائح القهوة التي تعبق المكان.
بدأت المحادثة بشكل تقليدي:
"كيف حالك؟"
"بخير، وأنت؟"
"ماذا كنت تفعل في الأيام الأخيرة؟"كان كل شيء اعتياديًا. حديث أشبه بتبادل الطمأنينة بين شخصين في محاولة لتأكيد أن العالم لم ينهار بعد.
ثم بدأ رامي يتحدث عن شؤونه الخاصة، وكعادته، بدا غارقًا في تفاصيل حياته اليومية:
"أفكر في الاستقالة من وظيفتي. لم أعد أتحمل الروتين، ولكن المشكلة أنني لا أمتلك خطة بديلة. أريد أن أبدأ مشروعًا صغيرًا، ربما محلًا لبيع الإلكترونيات. لكن رأس المال عائق. فكرت في الاقتراض، لكن الفكرة تخيفني. أحيانًا أشعر أن كل الخيارات أمامي متشابهة، لا شيء يمنحني شعورًا بالرضا."أصغيت له باهتمام، وقدمت بعض النصائح التي شعرت أنها ستخفف عنه:
"أحيانًا، التغيير يبدأ بخطوة صغيرة، وليس من الضروري أن تكون الخطوة واضحة المعالم. المهم أن تتحرك. جرب أن تبدأ شيئًا بسيطًا بجانب عملك الحالي، دون مخاطرة كبيرة. وسترى الأمور بشكل أوضح عندما تكون داخل التجربة."بعد أن انتهى من سرد همومه، جاء دوري للحديث. أخبرته عن الصندوق الذي رأيته في منزل والدي، وعن شعوري بأن هناك أسرارًا في حياتنا لم تُكشف بعد. ثم تطرقت إلى السؤال الذي ظل يلاحقني منذ أن غادرت متجر عم مازن:
"لماذا يعيش الناس كما يعيشون؟ لماذا نعمل ونتعب إذا كان بإمكاننا العيش بطريقة مختلفة؟ أليس من الأفضل أن نخترع طرقًا تجعلنا نتفرغ للمتعة والراحة؟"نظر إليّ رامي مليًا، ثم قال بابتسامة هادئة تحمل شيئًا من الطمأنينة:
"الحياة يا صديقي ليست فقط عن الراحة أو المتعة. هناك معنى أعمق لا يمكننا إدراكه بالكامل. الله خلقنا لنسعى، لنجرب، لنعاني أحيانًا، ونتعلم أحيانًا أخرى. ربما التفاوت في العالم هو جزء من اختباره لنا. ليست كل الأسئلة تحتاج إلى إجابة واضحة. أحيانًا، يكفي أن تؤمن بأن هناك حكمة وراء كل شيء."كلماته كانت مليئة بالإيمان، لكنها لم تجب سؤالي بشكل منطقي. شعرت وكأنني أسمع ألحانًا جميلة، لكن بدون أن أميز الكلمات.
الأمر غير المتوقع
بينما كنا نستعد للمغادرة، ظهر رجل غريب في المقهى، يرتدي بدلة أنيقة بشكل لافت. نظر حوله للحظة، ثم اتجه نحوي مباشرة. لم أتعرف عليه، لكنه بدا وكأنه يعرفني جيدًا. مدّ يده مصافحًا وقال بصوت واثق:
"أنت هو الشخص الذي كنت أبحث عنه. يمكنني أن أشرح لك كل ما تريد معرفته... لكن ليس هنا."شعرت برامي ينظر إليّ بدهشة، لكنه لم يقل شيئًا. الرجل ابتسم ابتسامة غامضة وأخرج من جيبه ورقة صغيرة وضعها أمامي على الطاولة. قبل أن أتمكن من سؤاله، كان قد غادر، تاركًا خلفه فضولًا يلتهمني.
نظرت إلى الورقة، وكانت مكتوبًا عليها:
"كن في محطة القطار القديمة عند منتصف الليل."

YOU ARE READING
"الظل الذي لا يُرى"
Fantasyفي عالم مليء بالغموض والتساؤلات، يعيش بطلنا مع صراع داخلي دائم، يبحث عن معنى لحياته ويكتشف أسراراً دفينة لم تُكشف. منذ طفولته، كان يشعر بوجود شيء مفقود في حياته، سر لا يستطيع الوصول إليه، وهو في محاولة دائمة لفهم ما يحيط به. تدور القصة حول رحلة البط...