الفصل الرابع : قصة أبي

3 0 0
                                    

"الرجل الغامض وقصة أبي"

محطة القطار القديمة كانت مهجورة، تملؤها أشباح الزمن الماضي. الساعات المكسورة، والجدران المغطاة برسومات مهترئة، وأصوات الرياح التي تصفر بين الأبواب الصدئة، جعلت المكان يبدو وكأنه جزء من حلم أو كابوس غريب.

جلست على أحد المقاعد المعدنية، منتظرًا الرجل الغامض. كنت أشعر بمزيج من الفضول والخوف. ماذا يمكن أن يقول لي؟ ولماذا شعرت، بطريقة ما، أن هذا اللقاء مرتبط بوالدي؟

ظهر الرجل في الموعد تمامًا، بنفس الهدوء والغموض الذي رافقه في المقهى. جلس بجانبي، لم ينظر إلي مباشرة، بل كان يحدق في الظلام البعيد.

"أعرف أنك تملك الكثير من الأسئلة،" بدأ بصوت منخفض لكنه ثابت. "لكن اليوم لن أعطيك الإجابات التي تريدها... سأعطيك ما تحتاجه لتبدأ بفهم الحقيقة."

لم أفهم قصده، لكن قبل أن أتمكن من مقاطعته، بدأ الحديث.

قصة أبي

"قبل أن تولد، كان والدك شخصًا مختلفًا تمامًا. كان طموحًا بشكل لا يُصدق. رجلًا لديه رؤية وأحلام كبرى، وكان على استعداد لفعل أي شيء لتحقيقها. لكنه لم يكن وحيدًا في طموحاته؛ كان يعمل مع مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين يؤمنون أن العالم يمكن تغييره. ليس بالكلمات أو الأمنيات، بل بالخطط الجريئة والخطوات المدروسة."

توقف قليلًا، كأنه يحاول أن يقرر كم سيخبرني.

"كانوا يعملون على مشروع سري للغاية. شيء لو تم الكشف عنه في ذلك الوقت، لغيّر حياة الملايين. المشروع كان يُسمى 'الاختيار.' فكرة بسيطة لكنها خطيرة: ماذا لو استطعنا تحديد الأشخاص المناسبين لإدارة العالم؟ ليس بالانتخابات أو الأنظمة المعقدة، بل بالذكاء، الأخلاق، والقدرة على اتخاذ قرارات شجاعة. كانوا يريدون بناء عالم خالٍ من الفساد والفوضى."

شعرت بالدهشة، وكأن الرجل كان يتحدث عن شخص آخر، ليس أبي.

"لكن مثل كل الأفكار الكبرى، لم يكن الأمر بسيطًا. المشروع لم يكن نظيفًا كما كان يبدو. القرارات التي اتخذوها كانت تحمل أضرارًا جانبية لم يتوقعوها. والدك، رغم عبقريته، كان دائمًا على حافة الصراع بين ما يعتقد أنه صواب وما يمكن أن يؤدي إليه عملهم. وفي لحظة ما... قرر التراجع. لكن عندما تتراجع عن شيء بهذا الحجم، لا يمكنك ببساطة المغادرة."

"لماذا تخبرني هذا؟" قاطعته بصوت مرتجف.

التفت إلي أخيرًا، نظراته كانت حادة لكنها مليئة بشيء يشبه الحزن.
"لأن والدك ترك شيئًا وراءه. شيئًا أخفاه في مكان ما. والصندوق الذي وجدته في غرفته ليس مجرد صندوق ذكريات... إنه المفتاح لكل شيء."

تجمدت في مكاني.
"أين هو الآن؟"

ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة، وكأن السؤال كان متوقعًا.
"هذا ما عليك أن تكتشفه. لن يكون الأمر سهلًا، لأن هناك آخرين يبحثون عن الشيء نفسه. لكن تذكر، ما ستجده قد يغير كل ما تعتقد أنك تعرفه عن العالم... وعن والدك."

نهاية البداية

قبل أن أتمكن من طرح المزيد من الأسئلة، وقف الرجل فجأة وقال:
"نلتقي عندما تكون مستعدًا للخطوة التالية."

وغادر، تاركًا خلفه المزيد من الأسئلة، لكنها هذه المرة لم تكن مجرد أسئلة عن الحياة. كانت أسئلة عن والدي، وعن نفسي، وعن العالم الذي عشت فيه طوال حياتي.

سؤال الفصل:
"ما هو هذا السر الذي تركه والدي؟ ولماذا يبدو أن حياتي على وشك أن تتغير تمامًا؟"

"الظل الذي لا يُرى"Where stories live. Discover now