الفصل الثاني : سؤال عبثي

8 0 0
                                    

في يوم عادي، توجه إلى متجر "عم مازن" لشراء بعض الحاجيات. المتجر الصغير كان مكتظًا بأكياس الأرز والعدس وصفوف من العلب المعدنية المتناثرة عشوائيًا على الرفوف الخشبية القديمة. "عم مازن"، الرجل المسن الذي تجاوز سن التقاعد منذ عامين، وقف خلف المنضدة كعادته، يبتسم بطيبة ويُلقي النكات التي حفظها زبائنه عن ظهر قلب.

بينما كان يضع الخبز وبعض الفواكه في الكيس، شعر وكأن العالم توقف لوهلة. أصوات الشارع أصبحت بعيدة، وضجيج الحياة اليومية تحوّل إلى همهمة خافتة. فجأة، خطرت على ذهنه فكرة صادمة، كأنها بركان انفجر في عقله: الحالة الذهنية المسماة "الأفكار اللانهائية".

"ما المغزى من كل هذا؟"
سأل نفسه بصمت وهو يراقب "عم مازن" بيده المرتعشة يفتح علبة نقود معدنية.
"لماذا يستمر هذا الرجل في العيش والعمل بعد التقاعد؟"

فكر في الحياة نفسها، تلك الدوامة التي تجرف الجميع دون استثناء. لماذا ينهض الناس صباحًا ليعملوا في أعمال يكرهونها؟ لماذا لا يقررون، ببساطة، أن يناموا، أن يستمتعوا بكل لحظة؟ أليس من الأفضل أن تخترع البشرية آلات تقوم بكل الأعمال الشاقة؟

لكن السؤال الأعمق كان يدق في ذهنه بلا رحمة:
"لماذا يوجد هذا التفاوت الشاسع بين البشر؟"

إنسان يمتلك مليارات، يعيش في قصور ضخمة، يقتني سيارات لا يقودها ومجوهرات لا يلبسها. وآخر لا يملك بضعة جنيهات ليشتري طعام يومه.

توقف للحظة، ناظرًا إلى عم مازن، الذي كان منهمكًا في ترتيب الخضروات على الرفوف بحرص كمن يقوم بعمل مقدس. ثم فكر في أولئك الذين يتصدرون الشاشات، يهزون بطونهم أو يطلقون كلمات بلا معنى، ويحصدون الملايين. كيف يمكن للعالم أن يكون بهذا الظلم؟ كيف يمكن أن تُمنح العبقرية والجدية إلى البعض، بينما تُمنح الثروة والفرص إلى آخرين بلا أي سبب منطقي؟

خرج من المتجر، وكأن رأسه يغلي. لم يكن قادرًا على التفكير في شيء آخر. العالم كله بدا له كأنه بناء ضخم على وشك الانهيار، وكل شخص فيه مجرد لبنة صغيرة تُسحب أو تُضاف دون أن يفهم أحد الهدف من ذلك.

توقف فجأة، ونظر إلى السماء. الغيوم البيضاء بدت كأنها تسبح بلا هدف، لكنها كانت هناك، مستمرة، تتغير وتتبدل بلا توقف. "ربما في استمرارها معنى؟"

حينها تذكر نظرة عم مازن. لم تكن نظرة رجل محطم، بل كانت نظرة شخص وجد سلامه الخاص في أبسط الأشياء: ترتيب الخضروات، الحديث مع زبائن المتجر، سماع أصوات الحياة اليومية.

"ربما الإجابة ليست في الهروب من العمل أو اختراع آلات تحل محل البشر. ربما الإجابة تكمن في التفاصيل الصغيرة التي تجعلنا نستمر. أو ربما..."

توقف عن التفكير للحظة، ثم نظر حوله. في مكان ما، وسط هذا العالم المزدحم، لا بد أن يكون هناك معنى لكل شيء. لا بد أن يكون هناك سبب يجعل البشر يستمرون في النهوض كل يوم.

وسأل نفسه أخيرًا:
"لكن ماذا لو لم يكن هناك معنى؟ هل سأستمر؟ وإذا استمريت، فهل سيكون ذلك اختياري؟ أم أنني مجرد جزء من آلة أكبر مني بكثير؟"

"الظل الذي لا يُرى"Where stories live. Discover now