43 ليلة لا تُنسى

47 1 0
                                    

وقفت ماري أمام المرآة، تُمرّر يديها برفق على قماش فستانها الأخضر الزمردي وهي تأخذ نفسًا عميقًا. كان كلاوس قد اعتنى بأدق التفاصيل لتنظيم موعدهما هذا المساء؛ أصرّ على أن تكون ليلة تُنسيهما كل شيء، ليلة ساحرة تمنحهما بعض السعادة بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية. وفي تلك الليلة، كانت ماري تخفي سِرًّا عظيمًا لا تعرفه سوى نفسها، سرٌّ جعل قلبها ينبض بشدة وحماس.

ظهر كلاوس في المدخل مرتديًا بدلة سوداء أنيقة، وشعره مرتب بعناية، وعيناه تتألقان بنظرة حب ودفء لطالما ذابت ماري أمامها.

"تبدين رائعة،" قال بصوت عميق ينم عن إعجاب حقيقي وهو ينظر إليها. "كنت أعلم أن الأخضر سيبدو رائعًا عليكِ."

ابتسمت، تشعر بالدفء في قلبها، تمامًا كما شعرت في كل مرة كان ينظر إليها بتلك الطريقة. "وأنت تبدو رائعًا أيضًا،" ردّت وهي تضع يدها في يده وهما يسيران معًا إلى السيارة الفاخرة التي كانت تنتظرهما في الخارج.

كانت الرحلة عبر المدينة أشبه بحلم جميل؛ موسيقى هادئة تنساب من مكبرات الصوت، وصوت خافت للعجلات، بينما يسيطر بينهما إحساس بالترقب الصامت. وعندما وصلا إلى وجهتهما - قصر تاريخي قديم تم ترميمه وتحويله إلى مطعم فاخر - شعرت ماري بالدهشة والذهول.

أضواء الشموع كانت تتلألأ عبر النوافذ، تلقي ضوءًا ناعمًا ورومانسيًا على المكان. نظرت إلى كلاوس، الذي كان يراقب تعابيرها بفخر وابتسامة صبيانية. "هل أعجبكِ؟"

"أعجبني للغاية،" همست، تشعر بفيض من المشاعر. "لم أرَ شيئًا كهذا من قبل."

قادهم النادل إلى داخل المطعم، مرورًا بثريات متلألئة وديكورات راقية، حتى وصلوا إلى غرفة طعام خاصة تطل على حديقة هادئة مليئة بالورود المتفتحة. كانت هناك رباعية وترية تعزف موسيقى ناعمة، تزيد من جمال الجو العام.

وبينما كانا يجلسان على الطاولة، أمسك كلاوس بيدها، وبدأ يمرّر إبهامه برفق على بشرتها، قائلًا: "أردتُ أن تكون هذه الليلة لا تُنسى. لقد مر وقت طويل منذ أن استمتعنا حقًا بوقتنا معًا."

شعرت ماري بخدودها تحمر تحت نظراته. "أنت دائمًا تفاجئني،" قالت بابتسامة. "لا أعتقد أنني يمكنني الاعتياد على هذا، حتى لو حاولت."

وصل العشاء على شكل وجبات متتالية، كل منها أجمل من سابقتها، وتبادلا الضحكات والأحاديث بين رشفات من النبيذ وتذوق الطعام الفاخر، حتى فقدا إحساس الوقت في متعة تواجدهما معًا.

وفي لحظة من الصمت الهادئ، جمعت ماري شجاعتها لطرح سؤال كان يدور في ذهنها منذ مدة. أخذت نفسًا مطمئنًا قبل أن تسأل. "كلاوس، هل يمكنني أن أسألك شيئًا؟"

تلطّف تعبيره، وأومأ برأسه. "بالتأكيد، اسألي ما تشائين."

"هل... هل أحببت شخصًا آخر قبلي؟" قالتها بهدوء، آملة ألا يكون السؤال قد بدا مفرطًا في الجدية.

ارتسم الحزن على وجه كلاوس، وشدّ يده على يدها قليلًا. "مررت بعلاقتين قبل لقائك،" قال، وصوته يحمل شيئًا من الألم الذي لمسته ماري.

شعرت ماري برغبة في مواساته، فقد شعرت من نبرة صوته بمدى تأثّره.

"العلاقة الأولى كانت... واعدة في البداية، على الأقل. كانت فتاة ساحرة، وكانت تقول كل الأمور... الصحيحة التي جعلتني أصدقها، لكن عندما اكتشفت أنها كانت تخونني مع شخص آخر، شعرت وكأن هناك شيئًا تحطّم بداخلي. لاحقًا اعترفت بأنها كانت مهتمة أكثر بالمال والحياة المترفة التي كنت أقدّمها لها، أكثر مما كانت مهتمة بي شخصيًا." ظهرت في صوته نغمة حزينة أثارت تعاطفها العميق.

ضغطت ماري على يده بلطف، وعيناها تلمعان بالشفقة والحب. "يبدو أن ذلك كان مؤلمًا جدًا."

"كان كذلك،" أومأ برأسه. "استغرقت بعض الوقت لأتعافى، وفي النهاية قابلت شخصًا آخر. أقنعت نفسي بأنها مختلفة، لكن بعد بضعة أشهر، ظهر نفس النمط من جديد. كانت تحب العشاء الفاخر والرحلات والهدايا الغالية لكنها لم تهتم بي كإنسان. أدركت لاحقًا أنها لم ترني حقًا كشخص تود الارتباط به بل كبنك شخصي لها."

شعرت ماري بألم عميق في صدرها، فهي لم تكن تستطيع تخيل كم كان ذلك صعبًا، أن يكون الرجل الذي أحبّته قد عومل بهذه الطريقة

"وبعدها بقيت أعزبًا لسنوات،" أكمل كلاوس، صوته ينخفض بينما نظرته الدافئة ثابتة عليها. "لم أعتقد أنني سأجد من أستطيع الوثوق بها... حتى التقيتك أنتِ." توقف قليلًا، وعيناه مليئتان بحب وحنان لا متناهيين. "أنتِ لا تهتمين بكل ذلك، ماري. أنتِ ترينني على حقيقتي."

امتلأت عينا ماري بالعاطفة، وهي تتساءل كيف يمكنها إبقاء صوتها ثابتًا. "كلاوس... لم أرد شيئًا في حياتي أكثر منك. لا نمط حياتك أو أموالك.. فقط أنت."

فكرت ماري في أن هذه اللحظة هي المناسبة لإخباره عن الحمل، ترددت بشدة لكن كان عليها اخباره

"كانت أمي محقة، فكلا الفتاتين قبلك لم تحبهما أبدا، لكن أنت منذ المرة الأولى التي رأتك فيها أحبتك و لم تكن مخطئة أنت أجمل ما حصل لي في حياتي كلها أنا ممتن لوجودك معي"

ذكرت ماري لوسي و حفلة عيد ميلادها و هنا لمعت في ذهنها فكرة أن تفاجئ الجميع بحملها في ذلك اليوم لذلك غيرت رأيها بشأن اخباره الليلة

استكملا سيرهما في الحديقة وسط الأزهار تحت سماء مرصّعة بالنجوم، ليقف كلاوس فجأة ويمد يده في جيبه.

"ماري، هناك شيء أردت أن أهديكِ إياه منذ فترة." فتح علبة مخملية صغيرة، كاشفًا عن عقدٍ بديع يتلألأ تحت ضوء القمر. كانت القلادة متواضعة في تصميمها ولكنها تأسر النظر، تلمع كأنها تتراقص على ضوء النجوم.

"كلاوس..." لم تستطع ماري الكلام، وهي تضع العقد حول عنقها برفق. شعرت ببرودة المعدن على بشرتها، وكأنه تذكير مادي بحبه وتفانيه.

"أنتِ تستحقين كل شيء، وأكثر من ذلك،" همس في أذنها، يلف ذراعيه حولها من الخلف. "أريدكِ أن تعرفي ذلك."

انحنت ماري في حضنه، وشعرت بموجة من العواطف تتصاعد بداخلها. كانت تنوي إخباره بسرّها في تلك الليلة، ولكن وهي بين ذراعيه وتحت ضوء النجوم، أدركت أنها تود الانتظار قليلاً. الكشف عن ذلك السر في حفل والدته، بين كل من يحبونهما ويشاركونهما فرحتهما، بدا وكأنه التوقيت المثالي.

مؤامرة زهرة الربيع || The Primrose Conspiracyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن