😔-((حج التائبين )) الجزء السادس
جلس العم لوحده مع مريم: ابنتي.. ها نحن لوحدنا، إذا كنتِ رافضة فصارحيني لا تخجلي. ولكن صدقيني هذا الأصلح لكِ. إخوانكِ مشغولين بأمورهم وهم رجال، لكنكِِ فتاة وصغيرة وعمرك مناسب للإرتباط، عاجلاً أم آجلاً ستتزوجين يا ابنتي.. وصدقيني علي ولدي وأنا واثق من أنه سيحافظ عليك. هل أنتِ قابلة أم رافضة؟
صمتت مريم.. أريد أن أقول بأني رافضة.. عمي إن كنتَ لا تسمع صرخاتي الخرساء فاقرأ الرفض في عيني، لا أشعر بأن علي عاطفي، يبدو متديناً جافاً وطوال وقته إما بالعمل وإما بالمسجد أو المأتم، وأيضا يكبرني بإحدى عشر عاماً. الأمر الآخر أحب حسن.. افهمني عمي أنا رافضة لا أستطيع الرد عليك. مسح على رأسها وهو يبتسم: هل أعتبر سكوتكِ بأنك موافقة؟
لم ينم ليلتها علي، ما هذا القرار المفاجئ يا أبي؟! سامحك الله. لا أفكر بالزواج يكفي وجعي على رحيل زينب، وإن أردتُ الزواج فحتماً لن تكون مريم. إنها صغيرة وليست ناضجة ولا تبدو متدينة. ليستْ كزينب رحمها الله
في الصباح توجّه مباشرة لوالده الذي كان يأكل إفطاره مع والدته:
- أهلاً بُني علي.. تعال لتأكل معنا
- أهلاً أبي.. أمي كيف حالكِ.. سكت بضع ثواني وقال: أبي.. عذراً لما سأقول ولكنك فاجأتني بقرارك البارحة ولم تأخذ برأيي، المعذرة يا أبي، لا أريد الزواج بمريم ارتفع صوت الأب مدهوشاً: أعلم بأنك متفاجئ ولكن لماذا رفضك؟ فكّر بالأمر، ابنة عمك يتيمة..
قاطعه: هذه ليست مشكلتي. من قال بأنّي كافل للأيتام!؟؟
- أعلم.. ولكنك ستتزوج نهاية المطاف، أم أنك ستقضي بقية عمرك تعيش على ذكرى زينب؟ انظر إلى شقتك قد علاها الغبار انظر إلى عمرك الذي قارب الثلاثين
- أبي، ابنة أخيك صغيرة لا تناسبني
- لكنها موافقة
- ماذا؟! هل قالت بأنها موافقة؟
- البارحة جلستُ معها بعد انصرافكم كانت صامتة وموافقة
- صمتها لا يعني موافقتها. أمي بالله عليكِ تكلمي قولي شيئاً
أجابت الأم بلطف: ولدي حبيبي لا تستعجل فكر بالأمر، أرى بأن قرار والدكَ سليماً كما وأنني أرغب بشدة بتزويجك ومريم كإبنتي زهراء تعجبني
- ولكنها لا تناسبني! أنا الذي سأتزوج وأنا الذي سأتورّط
تمالك الأب أعصابه وهو يقوم من الإفطار: علي! سيكون العقد بإذن الله نهاية شهر ذي القعدة وحتى ذلك الوقت لا أريد نقاشاً، هل فهمت يا ولدي؟
لا تعلم مريم كيف مرّت الأيام سريعاً، كلما حاولت إعلان رفضها والتحدّث لأختها أو لزهراء شعرتْ بعدم الفائدة، أما إخوانها فكانوا موافقين تماماً لقرار العم. وحدهُ علي أصبح يقضي معظم وقته خارج المنزل ويتحاشى التواجد في مكان يجمعه بمريم، حتى إنها قالت لزهراء يوماً:
زهراء كوني صادقة، علي متغير، يبدو غير موافق وعمي يجبره أليس كذلك؟
ابتسمت قائلة: لا، هو طبعه هكذا، هادئ ولا يجلس بمكان فيه نساء، ولكن صدقيني قلبه طيب كما وأنه كريم ومؤمن
شعرت مريم بالحزن.وقالت. وجاف ودائم الحزن أيضاً وغير عاطفي.. ليس كما تمنيت
ها هي نهاية شهر ذي القعدة تقترب، لم تكن هناك تجهيزات احتراماً لوفاة أبا محمد. أنهتْ علاقتها بحسن الذي حفضها الله من شروره ولم تلتقي به كما وأنها لم تخبره بما حصل لها، رجتهُ بأن لا يتصل وقامت بعمل حظر لرقمه.
وبين حين وآخر لا زالت تحدّث نفسها بأن كل هذا الامتحان بسبب غضب الله عليهافي ليلة القدر
إنه إمام زماني الذي رآني اتقدم الى المعصيه ولم يرضَ عن أفعالي لقد المت قلبه .... اه يامولاي
في ليلة العقد لبست مريم فستاناً حريرياً أخضراً مع حُلي ذهبية وتركتْ شعرها منسدلاً
جلستْ مع الفتيات والعائلة، كل شيء هادئ، حتى ليلة فرحي يتيمة مثلي
انتهت مراسم العقد وارتفعت أصوات الصلوات من النساء. سلّم الجميع عليها وبارك لها وآخرهم عمها الذي قبّل جبينها وهو يهمس في أذنيها: الحمد لله، قلبي مطمئن الآن عليكِ، ولكن حتى لو تزوجتي لا تظني بأنني تخلّصتُ منكِ بل ستظلين ابنتي الصغيرة وقلبي مفتوح لكم.
طلب العم من الجميع الخروج وإخبار علي بالحضور. تسارعتْ نبضات قلبها
- عمي هل سيراني علي هكذا بلا حجاب؟ لا أنا أخجل لا تدعه يدخل
ضحك العم بشدة: يا لخجل العذارى.. لقد أصبح زوجكِ
تنحنح علي، دخل بخطوات مترددة وفي يده مسبحة ترابية يديرها بين أصابعه بتوتّر
استأذن الأب وهو يغمز لابنه
جلس بعيداً عن مريم.. ماذا أقول؟ يجب أن أبدأ الحديث فأنا الرجل
- السلام عليكم.. كيف حالك مريم.. أرجو أن..
ارتبك وسكت حين رآها؛ كانت تنظر للأرض متحاشية رؤيته وشعرها ينسدل على كتفيها
من هذه الفتاة الجالسة؟ هل هذهِ حقاً مريم؟ إنها مختلفة تماماً بدون حجاب
إنها جميلة، بل جميلة جداً!
ردت مريم باقتضاب: عليكم السلام. الحمد لله بخير
ساد الصمت مرة أخرى
- مريم
- نعم
- لي طلب
- تفضّل
- بعد صلاة الفجر اقرأي سورة يس واهدي ثوابها إلى أهل البيت عليهم السلام واطلبي منهم أن يباركوا لنا عقدنا
تنهّدت مريم.. كما توقعتُ.. إنه كرجل دين يعيش في كوكب آخر من العبادة وغير عاطفي
- إن شاء الله
- استأذن الآن. مع السلامة
ويبدو أن الأيام تحمل لمريم أحداث متسارعة؛ فها هو شهر ذو الحجة يقبل عليهم. وبعد يومين من العقد يدخل علي ليخبرها عن الحج
علي- مريم؟
مريم- نعم يا ابن عمي
- هناك بُشارة لكِ، حجزتُ لك تذكرة للذهاب معي. الى الحج ما رأيكِ؟
شهقتْ بدهشة: ماذا؟
- الحج، ستذهبين معي إلى الحج
أحسّ بأنها غير راغبة، ويعلم بأنها لا تميل له ولا تريد السفر معه وهو أيضا لا يشعر بشيء تجاهها، ولكنه استسلم للقدر الذي كتبه الله عليهما ورأى بأن يبادر بخطوة منه، والبدء برحلة إلى بيت الله أفضل خطوة
مريم: ولكنني.. أقصد.. لا أعرف شيئاً
علي- كلنا ذهبنا أول مرة ونحنُ لا نعرف شيئا، كما وأنه هناك تُعقد محاظرات فقهية روحية لتهيئة جميع الحجاج لمناسك الحج. لا تقلقي وتوكلي على الله يا مريم
وعلى العشاء أخبرَ العائلة التي فرحت كثيراً وبارك العم لهما هذه الخطوة
احتضنتْ زهراء ابنة عمها من الخلف قائلة: آه يا لحظكِ، خذوني معكم مرافقة. علي أنا أختك وأولى منها خذني معك، فيما رفعتْ الأم يديها بالدعاء وهي تدعو لهما بفرح: ستكونان من ضيوف الله ومع الإمام الحجة هنيئاً لكما
خفق قلب مريم وهي تقول: الإمام الحجة؟!
علي: نعم. صاحب الزمان أمير الحُجاّج، يؤدي جميع الأعمال، ويوم عرفة سترين يا مريم كيف أن جميع الحجاج ينادونه ويبكون
- يوم عرفة؟ لماذا؟
- لأنه يتواجد في أرض عرفة مع الحجاج، يراهم ولا يرونه لذلك يبكون شوقاً إليه
شعرتْ بالخوف.. صاحب الزمان مرة أخرى! تذكرت ذلك الصوت القادم من المسجد في تلك الليلة حينما ألقى المؤذن تلك الجملة التي هزّت كيانها "صاحب الزمان يرى أعمالنا"
انشغل الجميع متحمسين بالحديث عن الحج بينما ظلت هي تفكر بقلق وتدعو بداخلها
يا إلهي أنا خائفة لا أريد منه أن يراني.. صاحب الامر كيف أتخلّص من هذا السفر انقذني يا الله
وللحديث تتمه