حج التائبين Part 4

150 4 0
                                    

🌟((حج التائبين)) الجزء الرابع          

غيّرت عباءتها التي عطّرتها للقاء حسن، أحسّت بأنها تحمل رائحة الذنوب ولبست عباءة أخرى وأغلقت هاتفها وقد تركته بغرفتها وقرّرت الذهاب إلى المسجد القريب من منزلهم.
حينما كانت مع عبير بالسيارة ارتفع صوت من جهة المسجد قائلاً: الآن صحائفنا تُعرض على صاحب العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف،     اليوم ينظر الينا إمامنا ويرى اعمالنا.                اليوم سيشاهد من الذي يتوسل ببابه طالبا الرضا ومن هو ساهىٍ عنه. سارعوا الى مغفرةٍ من ربكم ورضوان ---- أه أه يا لخجلي مما سترى من أعمالي يا سيدي.
غاص قلب مريم: أنت أيها القارئ الباكي تقول هكذا؟ أنت تخجل من الإمام إذاً ماذا عني أنا؟ كنت مستعدة للقاء شاب في ليلة القدر. آه يكفي بأن الله سبحانه وصفها بأنها خير من ألف شهر. كم أنا غبية!
لستُ متديّنة ولستُ صالحة ولكنني خفتُ عندما تخيّلت إماماً مُهيباً نورانياً حنوناً يشع النور الالهي من وجهه  وهو يرى الجميع يناجيه هذه الليلة بينما أنا يراني متوجهة لرؤية رجل غريب في ليلة القدر. لستُ عابدة لكنني متيقنة بوجود الإمام الحجّة. معنا وفينا وفي كل خطوات حياتنا وصلتْ إلى قسم النساء في المسجد وجلستْ قرب الباب بسبب الإزدحام. وكانت أصوات البكاء والمناجاة والإستغفار ترتفع من كل جهة.
القارئ يردد بين حين وآخر: الليلة ليلة الأقدار، ليلة الضيافة الإلهية، ليلة البكاء على النفس. استغفروا واطلبوا ما تريدون فهذه ليلة العفو وليلة التقرّب لله عن طريق الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.        .                                          آه آه ما هذه الكلمات ماذا يقول هذا الرجل؟ أستغفر عن ماذا وأتذكر ماذا؟ ذنوبي كثيرة وللتوّ فقط أتيت للمسجد وليس لي عبادة تذكر في هذا الشهر فهل بسهولة سيغفر لي الله ثم أطلب منه ما أشاء؟ يا لخجلي منك ياربِ يا لخجلي من دموع المؤمنين. لا تبكوا أنتم طاهرون لستم مثلي أنا أحقر فتاة في هذا المسجد. كان الجميع يرفع يديه بتذلّل وخشوع.
رفعت مريم يديها بتردد قائلة: إلهي.. ماذا أقول.. ماذا أطلب.. أنت أعلم بما في داخلي.
لا أشعر بما في داخل عبادك المؤمنين الذين يبكون ولكن أحسّ بالخجل من والدي وشعرتُ بالخوف حين أحسستُ بأنّ الإمام الحجّة يراني ذاهبة لموعد حبّ. فهل ستقبلني يا رحيم أم ستطردني؟؟
بعد انتهاء مجلس الإحياء لمحتْ ابنة عمها زهراء فأقبلت الأخيرة مسلّمة.                           زهراء:-: تقبل الله. قلتي ستذهبين لمكان آخر لم أعلم أنك هنا. كيف حال أختك كوثر مع الحمل؟.     لا زالت مريم مضطربة أجابت باقتضاب: بخير. في تلك اللحظة رنّ هاتف زهراء فأجابت: اهلاً علي أنا قادمة. أغلقت الهاتف وهي تستعجل مريم للذهاب معها: تعالي معي الوقت متأخر عودي معنا أفضل من المشي لوحدك. في السيارة أخذت تفكر بقلق.. لا تهمني عبير ولكن ماذا حصل لحسن؟ ماذا ستقول له؟ قطعت حبل أفكارها زهراء منادية: مريم.. مريم.. لقد وصلنا.                              في المنزل أخذت تبحث عن والدها الذي وجدته مستلقياً غافياً على كرسي الصالة. اقتربت منادية: أبي.. أبي
انتبه أبا مريم: ها.. ابنتي حبيبتي كنت أنتظرك لم أقدر على النوم وأنتي بالخارج. اتصلت بكِ وكان الهاتف مغلقاً. عضّت شفتيها متذكّرة بأنها تركته بالغرفة. آه يا والدي يا لحنانك.. كيف كنتُ سألوّث سمعتك بلقاءي بحسن؟ قالت: أبي حبيبي اذهب لترتاح بغرفتك ولكن لا تنم فلم يبقى شيء على أذان الفجر. أجاب بتعب: لن أنام فالليلة القدر. تذكرت مريم فجأة.. نعم إنها ليلة القدر. ماذا جرى لحسن؟ لم تجرُأ على فتح هاتفها كانت مضطربة لذلك صلّت الفجر ونامت سريعاً.
أوصل علي أخته للمنزل قائلاً: اقفلي الباب سأعود للمسجد.                                                علي شاب ناضج يبلغ من العمر 30 عاماً. مؤمناً هادئاً لكنه كثير الصمت وثمة حزن يسكن عينيه بعدما فقد خطيبته المصابة بمرض السرطان. مرّت شهور على وفاتها لكنه ظل حزيناً متأثراً فكانت نِعم الزوجة المؤمنة المناسبة له. تذكّر كيف كانت في شهر رمضان الفائت تحثّه بحماس لتأدية مستحبات هذا الشهر الكريم، وآلمه قلبه عندما تذكرها في ليلة القدر كيف تدعو أمامه:
إلهي اكتب قدري في ليلة القدر التوفيق لإسعاد علي المؤمن الطيب. وكيف ضحكا معاً بعدها. ولكن شاء الله سبحانه أن يكون قدركِ تحت التراب وقدري أن أعيش وحيداً.
استيقظت مريم متأخرة، صلّت الظهرين وفتحت هاتفها. وصلتها رسائل نصية تشير إلى ورود مكالمات حينما كان الهاتف مغلق، كلها من حسن، اتصالين من عبير واتصال من والدها. أما الواتس اب فكان مملوءاً برسائل حسن مستفسراً وغاضباً من تخلّفها عن اللقاء وغلْق هاتفها. عاد لها التوتر، سأبرر له ما حصل وسيعذرني بالتأكيد.
ذهبتْ للمطبخ لإعداد الفطور. حين أرادت فتح الثلاجة انتبهت إلى باب غرفة والدها مفتوحاً  وشيئاً ما على الأرض، صرخت فجأة: أبي.. أبي!! كان أبا مريم قُرب الباب على ركبتيه ويصدر منه تنفّس بطيء. جرت مسرعة لغرفة أخيها أحمد فتذكرت بأنّه في الخارج. اتصلت بأخيها الكبير محمد وهي تخبره بما حصل. خلال نصف ساعة كانا ينتظران على باب الطوارئ. اتصلت بابنة عمها زهراء فهي أقرب انسان لها: زهراء.. أبي مُتعب نحن بالطوارئ
ضربت زهراء على صدرها: ماذا؟ ماذا حصل لعمي؟
كانت عائلة العم تجلس في الصالة فسمعها والدها الذي أخذ الهاتف حينما سمع اسم أخيه: مريم يا ابنتي أين أنتم ماذا حصل لأخي!
ولم تمر الدقائق إلا وكان العم مع ابنته زهراء بقسم الطوارئ. احتضنت زهراء مريم التي كانت تبكي بصمت فيما راح العم يسأل عما حصل.
مريم: عمي أرجوك افعل شيئاً أنا خائفة.
واقعاً هذا العم هو بمثابة الأب للعائلة كلها والجميع يلجأ له باطمئنان لمروءته وطيبة قلبه.
قال العم: لا تقلقي سأكون مع أخي. محمد يا ولدي خذ الفتاتين للمنزل سأبقى هنا.
دخلتا المنزل واستقبلتهما زوجة العم التي احتضنت مريم بقوة وهي تدعو لأبيها بالشفاء
قالت لابنتها: خذي ابنة عمك لغرفتكِ حتى ترتاح.
تقلّبت مريم على السرير.. لا أستطيع النوم هنا أشعر بالخجل وعدم الراحة. وأبي الحنون.. آه أبي ماذا حصل له. رنّ هاتفها وتفاجئت برقم حسن. أغلقت هاتفها بضيق وحزن قائلة: صحيح بأني أحتاج لك ولكن سأردّ عليك حين يطيب والدي. تقلّبتْ لم تستطع النوم فلبست عباءتها وحجابها ونزلت للصالة فرأت عمها. هبّت إليه مسرعة: أين أبي لماذا عُدتَ بدونه؟ انكسر خاطره وهو يرى ابنة أخيه على هذا الحال فأجاب بلطف: لديه ارتفاع شديد بالضغط. لن يطول الأمر بإذن الله. اذهبي لترتاحي أخبرت أخاكِ أحمد وسيأتي مباشرة إلى هنا. إفطاركم معنا الليلة.
ولكن ما حان أذان المغرب إلا وقد تلقّى العم اتصالاً من المستشفى يفيد بوفاة أخيه.                                🌴((أنصار))🌴

حج التائبين ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن