😔-((حج التائبين ))الجزء الخامس
مرّ العيد كئيباً على العائلة فالعم مفجوع لرحيل أخيه المفاجئ وأبناءه يتنهدون بصمت كلما اجتمعوا وكوثر تحاول أن تتماسك لأنها حامل، أما مريم فكان الجميع ملتفاً حولها يحاولون احتضانها لبكاءها الدائم. تحاول النوم بجانب زهراء لكنها تتذكر حنانه.. مرضه.. انتظاره في آخر ليلة وأخيراً صورته وهو يحاول عبور الشارع ببطء، تبلّلت بالدموع وسادتها بصمت: آه يا ليلة القدر طلبتُ فيك دفع الضر والغفران .. يبدو أن الله لم يقبلني.
بقيت مع أخيها أحمد في بيت العم فلم يرضَ بقاءهم لوحدهم في منزلهم
العم - أنتم أبنائي ولن أقبل بذهابكم.. إبقوا هنا حتى يفرجها الله. ذات مساء كان العم لوحده في مجلس الرجال، طُرِق الباب بهدوء - ادخل
مريم بخجل: هذهِ أنا يا عمي
العم- مريم يا ابنتي تفضلي
تشعر بالوحدة، باليتم، بعدم استقرار أمورها. حاول حسن التواصل معها، أحياناً تستجيب متعطشة للحب وللحنان وأحيانا تتذكر والدها وتشعر بالضيق فتتجاهله فيسعى لاستدراجها للقاء في مطعم لوحدهم: أريد أن أخرجكِ من جو الحزن.. هذا مقصدي يا حلوتي بينما هو يضمر النية في داخله بإشباع عينيه بالنظر لجمالها ويتمتع بملامستها.
مريم -أنا محتارة.. هل أوافق على اللقاء بالمطعم؟
جاء صوت العم ثانية: مريم ادخلي لا تترددي. جلستْ بجانبه، حاولتْ التحدّث لمْ تستطع. قالت بصوتٍ مغبون: عمي..
- نعم يا صغيرتي قولي ما بخاطركِ أنا كوالدكِ تماماً
حينها انفجرتْ بالبكاء واحتضنت عمها بحركة مفاجئة:
أشعر باليتم.. بالضياع..لا أم لا أب، أختي متزوجة ولكن أنا من لي.. أريد العودة لمنزلنا مع أخي، أريد أن يعود والدي وتعود أيامي السعيدة معه. لماذا يحصل لي كل هذا؟ لماذا أنا محرومة؟
طوّق العم ابنة أخيه بقوة قائلاً باطمئنان: ما هذا الكلام يا ابنتي؟ أنا معك بل معكم جميعاً وكوثر هي الأخرى ابنتي حتى لو كانت متزوجة. كيف تشعرين باليتم وأنا موجود؟ هذا ما كتبهُ الله على والدكِ. قولي الحمد لله فلكِ عائلة تحتويكِ.. أنا وزوجة عمكِ وبناتي كلنا عائلة واحدة وأسأل الله أن يوفقني للحفاظ عليكم.
أثناء حديثه كانت تخرج شهقاتها مرتفعة كالأطفال وهي تحسّ بالإطمئنان. تشم في حضنه رائحة والدها.. رائحة الدفء والأمان فتتمنى الغوص في حضنه أكثر وأن لا تنتهي هذهِ اللحظة
فجأة يفتح علي الباب ويقف مدهوشاً؛ ابنة عمي تحتضن أبي وهي تبكي. ماذا حصل؟
انسحبت مريم من بين يدي عمها وهي ترتب حجابها لتغطي نفسها جيدا. مسحت دموعها وخرجت مسرعة
علي: سلام عليكم.. عفواً والدي..ماذا جرى لابنة العم؟
تنهد الأب: تريد العودة لمنزلهم. بدأتُ أقلق لأمرها إنها دائمة الصمت والبكاء.
علي: لا حول ولا قوة إلا بالله. لا أم والآن لا أب. ليمسح الله على قلبها
نظر الأب إلى ابنه مفكّراً ثم قال:
- بُني علي أخبر والدتك بأنْ تأتي هنا الآن أريدها في أمرٍ ما.
جاء الصباح بخبر أفرح القلوب المتعبة؛ فقد وضعت كوثر طفلاً جميلاً. خرجت مريم من إطار الكآبة قليلاً سائلة زوجة عمها: متى سنذهب لأختي؟ ابتسمت قائلة: سننتظر عودة علي ظهراً من عمله ونذهب جميعاً. وبعد الغذاء والإستراحة انطلقوا عصراً. بكت مريم حينما رأت أختها واحتضنتها، قالت كوثر بقلق: ماذا بكِ يا أختي؟ ابتسمت بخجل: لا لا شيء.. إنها دموع الفرح. كما وإنني مشتاقة لك، أفتقدكِ بشدة. تنحنح العم قبل أن يدخل ليسلَّم على ابنة أخيه. الجميع ينظر بلهفة وسعادة للطفل الجميل، يبدو كملاك صغير يغفو على ضفاف البراءة. حملته زوجة العم وهي تنشد له تهويدة جميلة ثم أخذته مريم التي لم تسمع أحاديث الجميع بل انشغلت بالوجه الطفولي الملائكي. إنه أبيض مشرّب بحُمرة في خدّيه مثلها ومثل أختها كوثر. أخذت تشم رائحته.. آه يا أبي كم كنت تمازح أختي منتظرا ًهذا الطفل، انسابت دموع صامتة لم ينتبه لها أحد. طرق الباب أحمد وفتحه قليلا: يا الله.. يا الله.. هل أدخل؟ معي ابن عمي علي يريد أن يسلّم عليكِ. البسي حجابكِ يا كوثر
دخل من خلفه علي الذي وقعت عينيه مباشرة على مريم وهي مستديرة بالطفل عن الجميع تقبّل جبينه ، ثمة دموع تنساب من عينيها. جال في خاطره: مريم مرة أخرى! يا الله! حنانها مع الطفل مؤثر. يبدو أن ابنة عمي عاطفية جداً. سلّم على كوثر وخرج
قال العم: حسنا. سيأتي بعد قليل أبناء أخي المرحوم. اسمعوني جميعكم ستكونون ضيوفي ليلة الغد على العشاء، سأخبر أخواتي أيضاً، أريدُ من الجميع الحضور. ثم ابتسم وهو يخاطب كوثر: عداكِ يا ابنتي فأنتِ لكِ عذركِ.
اجتمع العائلة في بيت العم وضجيج أطفال العمّات وأحاديث الفتيات، كل هذا أضفى على الجو شيئاً من السعادة والدفء الأسري لمريم. لا زال قلبها متألم لوفاة والدها لكنها تحاول الإندماج مع بنات عمها وعماتها، ترى جميع الفتيات أمهاتهن حولهن عداها هي. في الوقت ذاته كانت قد وافقت على دعوة حسن للعشاء فقط تنتظر الليلة المناسبة، قلبي متعب وأشعر بحاجة إليه.. يجب أن أراه.
بعد العشاء خرج العم من مجلس الرجال: يا الله.. يا الله.. زهراء أين والدتكِ..
أقبلت مباشرة: نعم
- اطلبي من أخواتي ومريم الحضور للمجلس. دخلت مريم مع عماتها، خرج بعض الرجال وبقي عمها وإخوانها محمد وكريم وأحمد وابنيّ عمها باقر وعلي - باقر هو الشقيق الأكبر المتزوج لعلي - استغربتْ: ماذا يريد عمي بهذا الإجتماع، بالتأكيد سيتحدث عن والدي ولكن ما دخل أبناء عمي؟
تحدث العم: اسمعوني جميعا، مرّت قرابة الإسبوعين على وفاة أخي.. دعونا من العواطف قليلاً ولنفكر بجدية في وضع أبناءه، أقصد أحمد ومريم، من الصعب أن يعيشان بمفردهما في المنزل، أحمد طالب ومريم صغيرة ويحتاجان لعائلة تحيط بهما. تحدّثت مع أخيهما محمد وكريم إنْ كان باستطاعتهما الإنتقال لبيت الوالد للسكن هناك، محمد غير قادر على ترك منزله لأنه جديد ولكن كريم بإستطاعته ترك شقته المؤجّرة والإنتقال للطابق العلوي وترتيبه ليكون سكناً ملائماً له مع زوجته وأطفاله
هذا أفضل له من الأجار ولأخيه من البقاء وحيداً. هذا أولاً
ثانياً هاتفتُ أحد رجال الدين لتوزيع الإرث. أعلم أن قلوبكم متعبة ولكن هذه أمور شرعية علينا إنهاؤها.
سكت قليلاً ثم قال: أما الأمر الثالث فاطلب منكم أن تتفهموا طلبي ونظرتي البعيدة له. أنا قلق على ابنة أخي مريم. شعرت مريم بتجمّع الدموع في عينيها..
- وأتمنى بأن توافق على طلبي بأن تقبل علي ابني زوجاً لها.
حملق الجميع في العم وتنقلت أنظارهم بين علي ومريم التي غار قلبها وخفق بشدة رافضاً هذا الأمر
واصل العم بحزن: أعلم هذا ليس وقته.. ولكني أخشى عليها، أريدها تحت ناظري مع بناتي، أريدها في أيدي أمينة ولن أجد رجلاً أميناً يحفظ ابنة عمه كعليّ. لا أريد أن أزكّيه لأنه ابني بل لأني أعرف أخلاقه وإيمانه.
سقطتْ المسبحة من بين أصابع علي مندهشاً وقلبه يضطرب، من قال بأني أريدُ الزواج الآن؟ بالذات مريم هذهِ لا أريدها.. لا تصلح لي إنها صغيرة وغير متدينة كخطيبتي المتوفاة العم: المهم عندي قبول مريم، إنْ قبلتْ هي وإخوانها سيتم العقد أواخر شهر ذو القعدة إذ لن يكون مناسباً الآن، وكذلك لا أريدُ أن يطول الأمر فأنا أودّ الإطمئنان عليها.. الآن من يريد أن يقول شيئاً فليتفضّل.
لم يعقّب أحد، أراد علي الردّ على والده فسكت ناوياً التحدّث معه على انفراد
قال كريم: ولكن يا عمي إن انتقلتُ إلى منزل والدي سنكون مع مريم لن تكون لوحدها
- أعلم.. ولكنك ستكون مشغولاً بعائلتك يا بُني، أحمد أيضا سينشغل بدراسته
التفت لمريم التي أمسكت دموعها بقوة
- أنتِ أهم شخص أحتاج لرأيه، ماذا قلتي يا ابنتي؟
خجلتْ من الرد على عمها واكتفت بإنزال رأسها
أبي أين أنت عني.. أنا أحتاجك الآن.. عمي أرجوك لا ترمني في هذه الورطة، لا أريد علي هذا لا أريده، إنه متدين بشدة ويبدو جافاً وحزيناً طوال الوقت على خطيبته وأنا.. أنا أحب حسن
صحيح! تذكرت مريم: ماذا عن حسن
😔انتظروني مع بقية الاحداث
ﺍﻟﺘﻜﻤﻠﺔ ﻏﺪﺍ