البداية

479 14 0
                                    

كانت فرحتها مثل فرحة طفل، نقية ومتجاوزة للاحتمالات المتشائمة، وذلك عند استلامها الحقوق النقدية لزوجها الذي قتل في الحرب..

علت وجهها أثناء تسلمها تلك الجنيهات من شباك أحد البنوك ابتسامة أقرب إلى الضحك، وهي تتخيل مدى فرحة أطفالها عندما تلبي لهم بعض طلباتهم الصغيرة الساذجة، ومضى عقلها وقلبها يسابقان خطواتها في التخطيط لطرق صرف المال الذي صار بيدها..

أولاً مدارس العيال، وثانياً شراء مؤن الشهر من دقيق وزيت وسكر وكيموت (الفول السوداني المسحون) وبعض اللحوم الجافة وأسماك جافة، وثالثاً التفكير في مصدر دخل ثابت للبيت بشراء بودا (دراجة بخارية تستعمل كمواصلات في جوبا)، أو بابتكار تجارة مربحة تقيها وأطفالها شر مد الأيدي للناس.

أما هو فكان هناك تتحرك عيناه مراقباً يدها وهي تحتضن الجنيهات كأنها تحتضن شيئاً مقدساً، وتفجرت في رأسه أكثر الأفكار شراً وأنانية، لقد قرر أن يستولي على ذلك المال بأي ثمن. تحركا معاً إلى خارج البنك..

كانت تطبق على حقيبتها اليدوية المصنوعة من السعف بألوان قديمة باهتة، مرتدية فستاناً أسود حرقته الشمس حتى الاحمرار، يوحي بحزنها القديم المتجدد على زوج خرج ذات يوم دون وداع ولم يعد، تاركاً لها أطفالها صغار في ظروف الحرب والنزوح والمجاعة..

كانت خطواتها حذرة وخائفة، فقد كانت تعلم خطورة مدينتها التي امتلأت بأخطر المجرمين الذين لا يترددون في قتل الناس ونهبهم كما تسمع وتشاهد. لكن فرحتها كانت أقوى من كل تلك المخاوف...

''''

أمي.. أنا خائفة!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن