أتوا

175 4 0
                                    

انسدل الليل. ليل شديد الظلام والصمت عدا أصوات رصاص تنطلق ممزقة السكون من حين لآخر، ونباح الكلاب أقرب إلى عواء كئيب يرسب في النفس خليطاً من الحزن والتشاؤم وعدم الشعور بالراحة والاطمئنان.. كأن أرواحا شريرة تجوب المكان وتسعى للانتقام!

نام الصغار، نصبت لهم النواميس اتقاء شر البعوض وحشرات الليل والفئران الضخمة التي تجوس عبر الجدران الدائرية والسقف المخروطي بحثاً عن أي شيئ يؤكل..

أدخلت الكرسي الوحيد، الحصير والمبولة ليلاً،  وانزلقت وسط أطفالها بقلب واجف وخائف من لصوص الليل والرصاصات الطائشة بعد أن أغلقت بابها المصنوع من الزنك الرخيص وألواح الخشب التي تآكلت بسبب الأرضة والرطوب..

في ما مضى كانت تنام كل ليلة دون خوف،  لأنها ببساطة لم تكن تملك شيئاً تخاف عليه، أو يشعرها بالاستهداف. أما الليلة فليلة مختلفة، إذ أن هناك شبه ثروة ترقد داخل حقيبة حديد في غرفتها، لذا فهي تنتظر انبلاج الفجر بفارغ الصبر!

أطفأت مصباحها اليدوي وأخذت تراقب حشرة مضيئة كالنجمة، تحط هنا وهناك، تبحث عن مخرج.. وكانت مصدر الإنارة الوحيد في سماء غرفتها المعتمة. وأخيراً نامت بعين مغلقة وعين مفتوحة وهي تستمع إلى هدير مولدات الكهرباء وزئير السكارى وصراخ امرأة تضرب بقسوة وبكاء طفل عصبي يعاني من حرمان ما..

في منتصف الليل، أو قبله بقليل، سمعت خطوات ثقيلة بالخارج. أخذت الخطوات تقترب وتقترب وتقترب.. أزاحت عن قلبها الخلف والتشاؤم وقالت لنفسها لابد أنهم المارة. لكن قلبها وجف بقوة عندما سمعت طرقاً خفيفا على باب الزنك..

تسللت من وسط أطفالها واقتربت بخفة من الباب تسترق السمع. كان هناك نفر يتهامسون في الخارج بلغة لم تعتدها أذنها. ثم ما لبثوا أن طرقوا الباب بشدة، حتى هب الأطفال مرعوبين صارخين، فضمتهم الأم التي لا تقل عنهم رعباً إلى حضنها تحاول إسكاتهم، لكن الطرق استمر بإصرار وشر واضح، وفجأة قال أحدهم: إفتحي وإلا أطلقت النار عبر الباب عليك وعلى أطفالك!

''''

أمي.. أنا خائفة!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن