منزلي أصبح هاديء في الأسابيع الأخيرة على غير عادة، منذُ أن بدأتُ في الخروج ومواعدة هاري..
لربما قضائي الوقت مع هاري قام بإبعاد تفكيري عن كُل مايحدث..
أو ربما كانت فعلاً مجرد اعراض جانبية للحادث..، لا هذا غيرُ ممكن لم أكُن اتخيل لقد كان حقيقياً.ركنتُ سيارتي في مواقف الشركة ثم توجهت لمكتبي كالعادة لأرى القهوة تنتظرني.. لازالت ساخنة مع ورقة ملتصقة على الجانب.
"ابتسمي.
هاري.x"
لاشعورياً ابتسمت والتقطتُ القهوة من فوق المكتب ثم نزعتُ الورقة ورميتُ بها في حقيبتي.
"أتحتفظين دائماً بهذه الأوراق؟" انطلق صوت هاري من خلفي.
انتفضت.
"هاري لقد أخفتني! منذ متى وأنتَ هنا؟ لم أرك." قلتُ له وأنا أحاول تهدئة نبضاتُ قلبي.
"لقد أتيتُ للتو ولكنك كُنتِ منشغلة بالإبتسام للورقة ولم تشعري بي." قال مبتسماً بثقة.
"اخرس." قلتُ ضاحكة.
"لم تُجيبيني." قال عابساً.
"علامَ؟" سألتهُ وأنا أجلسُ فوق الكرسيّ وأقوم بتشغيل حاسوبي.
"أتحتفظين دائماً بتلك الأوراق؟" سألني بإهتمام.
"أية أوراق؟" سألتهُ مستغربة وأنا أنقر فوق أزرار لوحة المفاتيح.
"التي أقوم بلصقها لكِ على القهوة." قال مبتسماً وهو ينتظر إجابتي.
إحمرّت وجنتايّ ولم أستطع النظر له.
"أجل، دائماً." تمتمتُ بصوتٍ منخفض.
"ولمَ؟" سأل مجدداً وقد جلسَ فوق طاولة مكتبي وأمسك بوجهي لألتفت له.
"لأني.. أظنها لطيفة." همست.
تركَ هاري وجهي ونهض من على المكتب وعلى وجهه علامات الرضا.
"اتعرفين.." بدأ يقول.
"إني أشعر بالأسف للرجال الذين قاموا بمواعدتك." قال لي.
رفعتُ رأسي سريعاً ونظرتُ له عاقدةً حاجباي.
"فهم الآن لا يعرفون ماهو النعيم أو كيف يبدو." قال مبتسماً.
"أتقول بأن رفقتي كالنعيم؟" سألتهُ ضاحكة.
"بل أكثر." قال بجدية.
"أنتُ رومنسيّ." قلتُ ساخرة.
"اسخري قد ماتشائين يا روزاريو." قال مازحاً.
"لحظة.. لا أتذكر أني أخبرتُكَ بإسم عائلتي.." قلتُ له.
"إنه على بطاقتك الوظيفية أيتها السخيفة." قال ضاحكاً ثم خرج من المكتب.
قمتُ بنسيان الأمر وحولتُ تركيزي على عملي.
كان عليّ أن أكتُبَ عن الحب..
ولكني أنا ذاتاً لا أعرفُ ماهو الحب، لم أستمرّ في علاقتي مع أحدهم لمدة كافية تجعلني أقع في حُبه.
أردتُ الإتصال بهاري ليساعدني ولكني تذكرت... لا أملك رقمه.
ماهذا الغباء؟ إننا نتواعد منذ مدة ولم نتبادل الأرقام؟
قمتُ بتأجيل هذا العمل للمنزل حتى يمكنني التركيزُ فيه جيداً.
خرجتُ من المبنى لأجد هاري ينتظرني، لقد أصبحت عادة له أن يوصلني للمنزل.
"جيد، لقد أردتُ مساعدتك بشأن عمودي في المجلة." قلتُ له وأنا أصعد لسيارته.
"عمّا ستكتبين؟" سألني عندما صعد للجانب الآخر من السيارة وأدار المُحرّك.
"ماهو الحب؟" سألته.
ابتسم هاري وصمت لدقيقة، بدا وكأن مايشعر به لا يُمكن إختصاره في كلمات.
"ماذا تعرفين أنتِ عن الحُب؟" سألني في المقابل وقد ألقى عليّ نظرة سريعة ثم عاد ينظر للطريق.
"لستُ خبيرة.. ولكني أعتقد بأن الحُب هوَ أن ترى الشخصَ الآخر كامل بكُل مافيه من عيوب." قلتُ مترددة.
"هذا إعجاب، ياحلوتي." قال بهدوء وقد شبّك كفّيه على عجلة القيادة.
"إذاً ماهو الحب؟" سألتهُ مجدداً.
"الحُب هوَ أن تكوني على معرفة تامة بأن الشخص الآخر غير كامل، وترين عيوبه وخطاياه ومع كُل هذا لاتزالين مغرمة به بُكل مافيكِ من طاقة." قال لي وقد بدا صوتهُ مليئاً بالعواطف.
صمتَ هاري قليلاً ثم أكمل كلامه.
"الحُب هوَ أن تكون سعادة هذا الشخص الغير كامل مهمة أكثر من سعادتك وقد تُضحين بُكل شيء لأجل إبتسامته فقط." عاد يقول وقد وضعَ يدهُ الباردة فوق رُكبتي.
كُل ماقالهُ هاري للتو جعلني أُفكر.
"هل وقعتَ في الحُب سابقاً؟" سألته.
"لا أُحب استخدام مصطلح 'وقعت في الحب' فكُل مايقع ينتهي بهِ المطافُ مكسوراً، والحبُ لا يكسر بل يبني." قال لي وقد أضاءت الإشارة باللون الأحمر فتوقفنا ونظر لي هاري.
"لم تُجبني." قلتُ ببساطة.
"كلا، إني مُغرمٌ بشخصٍ واحد ولحسن الحظ لم أنكسر بعد." قال ضاحكاً.
أردتُ أن أسأله عن التفاصيل ولكني لم أفعل.
"تعريفك للحب بشأن التضحية والسعادة وغيره.. لا أظن بأن هذا النوع من الناس لايزال موجوداً." قلتُ له بصراحة.
"كُل شيء ممكن، عليكِ البحثُ فقط." قال مبتسماً ثم انحنى ليطبع قُبلة على رُكن فمي.
أضاءت الأشارة للأخضر فانعطف هاري ليركن سيارته أمام منزلي.
"شُكراً لك." همست.
"لا مُشكلة." قال هاري وقد فتح لي باب السيارة كعادته.
فتحتُ باب منزلي وقد لوّحت بيديّ لهاري ثم انطلق بسيارته.
عليّ الإعتراف بأن كلامهُ عن الحُب جعلني ابتسم دون أن أشعر، جعلني أتمنى أن أقوم بتجربة هذا الإحساس يوماً، لقد بدا هاري سعيداً جداً وهو يتكلم عن كل ذلك.
لربما هذا الشخص المُغرم بهِ هاري محظوظاً.
بدلتُ ثيابي ثم توجهتُ لدورة المياه وقمتُ بأخذِ حمامٍ ساخن وأخيراً بدأتُ أكتب عملي الذي قمتُ بتأجيله.
كُل ماكان يدور في ذهني هو كلام هاري، وقد قمتُ بكتابتهِ كما هو ووضعتُ في السطور الأخيرة كلمات شُكرٍ له على مساعدتي.
سمعتُ صوت المياه تتدفق من دورة المياه، لعلّ هنالكَ تسريباً..
نهضتُ من مكاني وتوجهتُ لدورة المياه ثم فتحتُ الباب لأجد ستائر حوض الإستحمامِ مُغلقاً والمياه تتدفق بالإضافة لظلّ رجُلٍ في الداخل.
"هذا يكفي!!" صرخت وتوجهتُ نحو الحوض وفتحتُ الستائر ولكني لم أجد شيئاً.
"لقد سئمت من كُل هذا لم تعُد تخيفني!" صرخت.
توقفت المياه وتجففت دورة المياه في غضون ثوانٍ وعاد كُل شيءٍ لمكانه.
خرجتُ من دورة المياه وتوجهتُ نحو سريري ورميتُ بجسدي فوقه.
لم أعد أهتم.