الفصل الثالث

2.4K 56 0
                                    

أفاقت راشيل قبل الفجر. كان يلزمها بعض الوقت كي ترتب الأفكار التي تعتمل بداخلها . لقد أتى بها لوك إلي هنا يوم الجمعة مساءً . ثم التقت بحنا يوم السبت مساء وكان يوم الأحد كله إغراقاً في مزيد من الراحة، والاغتسال، وتغيير الملابس لها، وأن يصفف شعرها برقة. وكلما فتحت عينيها كان يتوسل إليها أن تأكل أو أن تشرب شيئاً. في إحدى المرات أفاقت لتجد لوك واقفا بالنافذة ، كان يدير ظهره إليها . كانت تتقلب طوال اليوم ما بين نوم وصحو، ربما تفعل ذلك دفاعاً عن نفسها.

ثمة منبه قد وضع علي الرف الموجود بجانبها . كانت عقاربه المضيئة تشير إلي الرابعة. الضوء بالخارج أنبأها أن الفجر ليس ببعيد. اليوم هو الاثنين، صباح الاثنين كان بارداً . شديد البرودة. كانت تحتاج إلي أن تذهب إلي الحمام. وتسللت بهدوء كنسمة صيف ، إلي خارج الحجرة . مرت بناظريها علي ورق الحائط البديع.، وحوض الاغتسال الرخامي ، والمرآة المصقولة ، والبانيوالضخم الجاثم هناك، وتلك النباتات التي تتدلي في كل مكان حتى علي ماسورة الدش. والنباتات الموجودة علي الأرض، ذلك الأصيص الذي يبدو كالواحة في وسط الصحراء. شيء لا يقاوم.
وبنظرة سريعة أدركت أنه لا توجد أبواب أخري مغلقة في الممر. لولا صرير الصنبور وهي تغلقه لما كان من الممكن أن تزعج مخلوقاً. أحست بسعادة عميقة عندما تمددت في الماء الساخن. ارتعشت عضلاتها لامست الماء ثم استرخت بفعل دفئه . واختلاط عبق اللافندر بهذا البخار المتصاعد، كانت تتمني ألا يشعر أحد باستعمالها لهذه المستحضرات وعطور الحمام، وأخذت تتوغل أكثر وأكثر في الماء اللذيذ فزاد شعورها بالراحة. قطعاً أن الجنة بها هذا النعيم.

انتظر لوك قليلا بعد خمس دقائق لم يطق فراشه أكثر من ذلك، هذا الفراش الذي كان ينام عليه يومياً بجوار فراشها. ماذا لو أصابها شيء وهي بالداخل ؟ دكتور أندروز كان واضحاً في وصفه لحالتها. قام من فراشه ووقف علي قدميه. وطرق علي باب الحمام. مرة. مرتين، لكن ما من مجيب.
-" راشيل؟"
سمع حركة مفاجئة فأدرك أنه أزعجها . سمعها تطفئ المذياع الذي كانت تنبعث منه تلك الموسيقي الريفية بصوت ضعيف من داخل الحمام.وفتح لوك فمه كي يعتذر ويفسر موقفه.
-" نعم؟"
كان صوتها المنبعث من وراء الباب يملؤه الخوف. تساءل لوك كيف كان يمكن أن يفعل إزاء موقف كهذا؟-أيتصرف بهذا الهدوء بسبب ما دار بينهما في الليلة الأولي لها هنا؟ هل هذا هو سبب إحساسه بالارتباك لوجودها إلي جواره؟
-" فقط كنت أريد أن أطمئن عليك . ظننت أن التعب قد أدركك مرة أخري".
اختلط الإحساس بالذنب بصوتها:
-" إني أعتذر إن كنت قد أزعجتك، لم يكن هناك أبواب أخري . لقد ظننت أنه من المناسب........."
-" لا تمكثي في الحمام طويلاً" ، كان صوت لوك يأمرها بنعومة ، "فقد تصابين بالبرد".
قاوم رغبة شديدة في أن يرفعها عن الأرض ويحملها علي ذراعيه كما لو كانت في عمر جوردي ليعود بها إلي الحجرة ما أن تخرج من الحمام.
-" لقد انتهيت تقريباً ".
وأنبأتها خطواته المنسحبة أنه عائد إلي فراشه مصاباً بعدوي الإحساس بالذنب . أخذت تجفف نفسها . واستخدمت قطعة من القماش لتنظيف الدش .
شيء ما يستولي عليها. هذا هو ما حدث. إنه يفعل الأعاجيب بالناس.المؤكد أنه هو السبب في سعادتها كلما شعرت بلوك إلي جوارها.
ونشرت قطعة القماش علي رف كي تجف. ثم أخذت تبحث عن ردائها . أثارت صورتها المنعكسة في مرآة الحمام انتباهها . أخذت تزيل آثار البخار، وراحت تنظر إلي جسدها بشيء من الفضول. آخر مرة رأت نفسها عارية كانت تسبح في أحد الأنهار. كان خفوت الضوء يريحها بعكس هذه المرآة . أخذت تلاحظ نحول رقبتها، وأخذت تتفحص جسدها العاري. وترددت بعض لحظات ثم أخذت تبحث عن بودرة ألتلك . فلم إذن لا تكمل ما بدأته. فحيثما هي ذاهبة لن يكون يسيراً أن تستمتع بكل هذه النظافة والانتعاش. أصابتها الدهشة عندما وقفت بباب الحجرة . كان المصباح الموجود فوق فراشها يلقي بضوئه الذهبي علي الفراش الأرضي الموجود علي الأرض، وعلي الرجل الممدد فوقه. أخذت راشيل تتأمل الصورة الماثلة أمامها. شعر منكوشا، عيون يغشاها النوم. كان لوك يبدو كمن يعزف أحدي مقطوعات فلورنسا الليلية.
-" لست مضطراً إلي أن تنام هنا ".
قالتها بشيء من الصعوبة ، " أنا بخير". لا بد أنه لا يشعر بالراحة عندما ينام هكذا مرتدياً البنطلون الجينز.
-" إني بخير هكذا".
الطريقة التي تحدث بها ذكرتها بأحداث المحاكمة ، لقد قلل من شأن أي شيء فعله من أجل جوردي ، بنفس هذا الأسلوب.
-" إنني بخير حال الآن ، لذا فإنه لا عليك أن تقلق نفسك بالنوم هنا مرة أخري".
لقد شاهدت أثناء عملها أجساد الرجال شبه العارية مراراً، من كل حجم وجنس ولون. لكنها أبداً لم تكن لديها الرغبة في أن تشاهد وتراقب مثل هذه المشاهد كما هي الآن.
-" إنها الرابعة والنصف الآن ".
كانت له أسبابه الوجيهة في أن يخفض من صوته:
-" إن نوم حنا من النوع الخفيف جداً. لذا فإن عودتي إلي حجرتي سوف توقظها حتما. وهي لن تستطيع العودة في الاستغراق في النوم ثانية."
لم يكن هناك المزيد ليقال.وعادت راشيل إلي فراشها، فدخلته بهدوء، فلربما يكون نومه خفيفا مثل حنا .
-" هل تريدين بعضا من الحليب الساخن ؟"
استقرت عيناها علي الصينية الموضوعة علي الحامل . كوب كبير وقطعتان من الشطائر المغطاة بقماش ابيض أنيقا.
-" من فضلك "، كانت تقاوم دموعها بصعوبة. " إنك غير ملزم أن تفعل كل هذا ".
-" جربي شيئا من الحليب سيساعدك علي النوم".
لم يكن عليها أن تتكلم أو تعترض من الأصل. لقد اقتحمها بأسلوبه هذا مرة أخري . لكن راشيل حاولت النفاذ إليه :
-" إنني بخير صحتي مائة في المائة. غداً عندما ننزل إلي المدينة سأستقل الأتوبيس عائدة إلي لوس أنجلوس . يجب أن أخطر إل م. ر. أ. بمكان وجودي".
هل هذا ما سيكون؟ هل ستقوم هكذا وتغادر بلا أية مقدمات؟ وجمدته الصدمة، جعلته يفكر بصوت مسموع.
-" وماذا عن جوردي"؟
ولبثت هادئة برهة من الزمن حتى ظن أنها لم تسمعه لكنها كانت قد سمعته. وعندما بدأت تجيبه لم يكن صوتها بنفس الهدوء. كانت نبرتها قد أخذت الشكل الحاد الذي سمعه منها من قبل:
-" أنا واثقة أنك والدياموند بار الأفضل له."
-" ألم تجدي الرغبة في رؤيته أبداً؟"

الايمان الامل والحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن