الفصل الثالث

71 3 0
                                    

أسرته ومعاشه

أولاً : والده :

أبو قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، القرشي التيمي.

أسلم عام الفتح ، وكان قد كف بصره.

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : (لما وقف رسول الله ﷺ بذي طوى ، قال أبو قحافة لابنة من أصغر ولده : أي بنية ، اظهري بي على أبي قبيس ، قالت : وقد كف بصره ، قالت : فأشرفت به عليه ، فقال : أي بنية ، ماذا ترين؟ قالت : أرى سواداً مجتمعاً ، قال : تلك الخيل ، قالت : وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك مقبلاً ومدبراً ، قال : أي بنية ذلك الوازع ، يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ، ثم قالت : قد والله انتشر السواد ، قالت : فقال : قد والله إذن دفعت الخيل ، فأسرعي بي إلى بيتي ، فانحطت به ، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته. قالت : وفي عنق الجارية طوق من ورق ، فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها. قالت : فلما دخل رسول الله ﷺ مكة ودخل المسجد ، أتى أبو بكر بأبيه يقوده ، فلما رآه رسول الله ﷺ قال : "هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟") قال أبو بكر : يارسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت. قالت : فأجلسه بين يديه ، ثم مسح صدره ، ثم قال له : "أسلم" ، فأسلم. قالت : فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة ، فقال رسول الله ﷺ : "غيروا هذا من شعره") -1-.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (جاء أبو بكر بأبي قحافة إلى رسول الله ﷺ يم فتح مكة ، فقال رسول الله ﷺ ﻷبي بكر : "لو أقررت الشيخ في بيته ﻷتيناه" ، تكرمة ﻷبي بكر ، قال : فأسلم ورأسه ولحيته كالثغامة بيضاء ، فقال رسول الله ﷺ : "غيروهما ، وجنبوه السواد") -2-.

وفي هذا الموقف أدب نبوي رفيع وتوجيه كريم إلى احترام الكبير وتوقيره ، كما أن فيه وفاءً وتكرمة لصاحبه الجليل أبي بكر بمزيد من التبجيل ﻷبيه رضي الله عنه ، وفيه كذلك رغبته ﷺ بالدعوة إلى الله ودخول الناس في اﻹسلام ، وبر الابن بأبيه متمثلاً في حرص الصديق على هداية أبي قحافة واستنقاذه من الكفر.

توفي أبو بكر في حياة أبيه ، فورثه أبوه ورد نصيبه على ولد أبي بكر ، ثم توفي أبو قحافة بعده بستة أشهر بمكة سنة (14هج) ، وعمره (97) سنة.

_________________________

1- أخرجه ابن إسحاق : 2/ 405 - 406 ، واللفظ له ؛ وأحمد : 349/6 ؛ وابن سعد : 451/5 ؛ وصححه ابن حبان (7208) ؛ والحاكم : 46/3 ، وذكر الحافظ في اﻹصابة : 453/2 طرفاً من رواية ابن إسحاق ، وصححها. ذو طوى : واد من أودية مكة ، وهو اليوم في وسط عمرانها ومن أحيائه العتيبية. أبو قبيس : هو الجبل المشرف على الكعبة من مطلع الشمس ، وهو اليوم مكسو بالبنيان. الثغامة : نبت أبيض الثمر والزهر يشبه بياض الشيب به.

2- أخرجه أحمد : 160/3 ؛ وأبو يعلى (2831) ؛ وصححه ابن حبان (5472) ؛ والحاكم : 244/3 ، ووافقه الذهبي ؛ وبأخصر منه عن جابر عند مسلم (2102).

ابو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن