اللهم لك الحمد في اﻷولى ، ولك الحمد في اﻵخرة ، ولك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
وأزكى صلوات الله وتسليماته على معلم الناس الخير ، وهادي البشرية إلى الرشد ، ورحمته المهداة إلى العالمين ، ونعمته المسداة للناس أجمعين ، سيدنا محمد ﷺ ، وعلى خلفائه الراشدين الهادين المهديين وآله وصحبه أجمعين ، الذين آمنوا به وصدقوه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ، وحملوا الراية من بعده مشرقين ومغربين ؛ حتى تحقق قوله تعالى : 《 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 》 الصف : 9.
وبعد : فإن مولد رسول الله محمد ﷺ لم يكن مولد إنسان ، بل مولد إنسانية.
وروح النبي ﷺ وأخلاقه وشمائله وآثاره وتعليماته بقيت في قلوب أصحابه يتحركون بها ويعملون بوحيها ويوجهون العالم ويصوغونه بها ، فلقد كانوا جيلاً فذاً لم تشهد البشرية له مثيلاً ، صلب المعدن مضيء البصيرة قويم السلوك جياش العواطف ثابت القلب منور الفكر ، جمع بين الصرامة والكرامة ، وأخذ الكتاب بقوة ، وخدم اﻹيمان بعزم ، وانتصب لحرب الجبابرة ببأس شديد ، فأزال عروشاً ودك إمبراطوريات ، وأنار الحياة وأنشأ الحضارة الحق.
والصحابة رضوان الله عليهم هم نخائل -1- البشر ولبابهم ، والخلفاء اﻷربعة هم مصاصة الصحابة ، والصديق مصاصة المصاصة.
وإن الرجل الذي يأتي بعد النبي ﷺ ويسمى خليفة رسول الله ﷺ ويتولى قيادة اﻷمة من بعده ؛ يجب أن يكون صورة صادقة عنه وقريبة جداً منه ، ليملأ الفراغ الكبير الذي تركه الرسول ﷺ بعد لحاقه بالرفيق اﻷعلى ، ويكون عهده استمراراً شامخاً لهدي النبوة ، ويتمثل المواقف الضخمة التي تكافئ ميراث عصر الرسالة ، ويقيم دولة ويؤسس مجتمعاً يضاهي ما شيده المربي اﻷعظم ﷺ ، لأنه يمثل أضوأ النجوم التي كانت تدور في فلك شمس النبوة ، وأكثرها ألقاً وأشدها اتباعاً وأقدرها على أجاء اﻷعمال الضخام. ويثبت بذلك أنه أطيب ثمار الصنعة النبوية ، حيث ترشحت إلى روحه وقلبه ونفسه وعزماته سيرة سيد المرسلين وهديه ، في أيام مكة ، وليال الهجرة وفجرها ، ومشاهد المدينة وغزواتها ، واﻷعمال الكبار في المجتمع المدني . . . وهكذا كان أبو بكر.
إنه الرجل الذي اختارته اﻷقدار ليكون 《 ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ 》التوبة : 40 ، واختاره النبي ﷺ ليكون إمام المسلمين في حياته وأجمع المهاجرون واﻷنصار على أنه الخليفة القائم بعده ، ليصيغ الصفحة اﻷولى من التاريخ اﻹسلامي ، ويكتب الصفحات المشرقة من العصر الذهبي لعهد الخلفاء الراشدين الذي يمثل الانعكاس الحقيقي والامتداد المنساب لعصر الرسالة ، ويكون حقبة فريدة في بؤرة التاريخ اﻹنساني ، والتي ( كان اﻹسلام كما أنزل في الكتاب والسنة هو لحمتها وسداها ، وهو الباعث على كل عمل قامت به في أي اتجاه اتجهت إليه) -2-.
أنت تقرأ
ابو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
De Todoو (ثاني اثنين إذ هما في الغار) لمؤلفه : عبد الستار الشيخ.