طبق محمود

99 7 0
                                    


أعجب محمود بضخامته وإتساعه .... لكنه كره لونه المتسخ المخضر ... وفكر ماذا يفعل به ؟؟.....

إستقر رأيه على  أن يضعه كطبق الماء تحت القلل الموضوعة أمام باب المسجد ... فقد كسر طبقها ... أهو يكسب ثواب بيه : قال في نفسه 

وفي الصباح وهو ذاهب للعمل ... إتجه نحو باب المسجد ومعه الطبق ووضع فيه بعض الماء ونقل القلل جميعها إليه وتخلص من الطبق القديم المكسور ....لاحظ خادم المسجد ما يفعل .. فإبتسم في وجهه وقال له : شاطر يا محمود .. ربنا يباركلك ... 

وإستقر الطبق في مكانه حاملا قلل الماء بشموخ لا يتناسب مع وظيفته الجديدة ... كأنه عزيز قوم ذل ... لكنه قام بالوظيفة على أكمل وجه ... وإزدادت كفاءة القلل في تبريد الماء ... 

ومحمود يمر يوميا أمام الطبق .... ويرمقه بنظرته المعتادة ... الفخورة المعتزة بطبقه الذي سخره لخدمة  السبيل ...

أما الناس في الحارة فقد إسترعى إنتباههم هذا الطبق الجديد .. وشكله الغريب تحت القلل ... ثم علموا أن محمود هو الذي وضعه تحت القلل ... فأسموه طبق محمود ... ودفعهم الملل في حياتهم إلى المبالغة في الحديث عن هذا الطبق ... 

ولا يكد يمر محمود أمامهم يوميا حتى ينطلق أحدهم ساخرا منه : أخبار طبقك إيه يا محمود ؟؟

وآخر : طبقك يا محمود ده آخر حلاوة ... المية بقت ساقعة قوي في القلل .. هو بالكهربا وإلا إيه ؟؟

وأخرى تقول : خلاص يا محمود .. تكمل على الطبق بطقم كوبايات و تبقى جهزت نفسك ... فاضل العروسة بقى .. ثم تضحك ...

ومضت فترة من الزمن ... فتحول الطبق بقدرة قادر إلى مضارب الأمثال بينهم ....

فيقولون : وتدخل علّي بطبق محمود زي محمود ما دخل على أمه .....

ويقولون : آخرتها أعمل زي محمود وأحط الطبق تحت القلل .... 

لم يتوقع محمود أن يزدادوا قسوة عليه وتجريح ... وهو الذي لم يرد يوما إلا كل الخير لهم !!!....

وإيه آخرتها ؟؟ ..قال في نفسه .. متى يأتي اليوم الذي يهجر فيه تلك الحارة ...لم يعد في نفسه ذرة أمل أن يعيش سعيدا بينهم ...إذا إستهانوا به .. فسوف يستهينون بزوجته وأبنائه أيضا ....وحتي لو لم يفعلوا ... فلن يحتمل أبدا ذلك التهكم والسخرية منه أمام زوجته وأبنائه ... وليس الحل أن يدخل في خناقات ليس لها آخر ....

فقد شتمه أحد الشباب يوما .... فوقف أمامه متسمرا مصدوما ... ينظر له بتهديد ... نظر الشاب في عينيه فخاف منه ... وإتجه إلى ملاطفته لكي ينهي الموقف على أساس من المزاح الثقيل ....

محمود في أساسه إنسان قوي ... لا يفرط في كرامته ... ولا يقبل الإهانة من أحد .... لكنه لا يميل إلى إستخدام العنف .. ولا يواجه أحدا إلا في حالة الضرورة القصوى ....والناس من حوله عرفوا ذلك عنه .. فحرص الساخرون منهم ألا يتطور الموقف معه إلى الخناق أو العراك .

وهكذا .... مضت الحياة ثقيلة ... خانقة ....




الباشا الغلبانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن