مجرد طبق

128 6 0
                                    

ومضت أيام وشهور ... ومحمود هو محمود ... يعامل الناس بإحترام وتواضع ...ويبعد نفسه عن المشاكل قدر المستطاع ... ليس له في رفقاء السوء .. ولا قعدات المزاج ... ولا السهرات الحمراء ....يخلص في عمله كالمعتاد ... وتنكسر نظرته أمام نظرات أي أنثي فارقها الحياء تتأمله ... ويتحمل سخرية أقرانه الرجال منه ...

لكن أمه راضية عنه ... تقول دائما عنه أنه هو ما خرجت به من هذه الدنيا .. وأنه نعمة أنعمها الله عليها ... وتدعو له دائما بأن يستره وينصره علي الناس ... 

وبينما كان محمود يمشي يوما في شارع الحارة التي يسكن فيها ... تعثر رجل عجوز يمشي أمامه وإنكفأ على الأرض ...أسرع محمود إليه وأعان الرجل على النهوض .. وساعده في تنظيف ثيابه وأعاد له عصاته ... وناله من دعائه ما ناله ...

نظر محمود إلى الأرض .. إلى الموضع الذي تعثر فيه الرجل ...فوجد شيئا بارزا بشكل غريب من الأرض .. أراد أن يزيله من مكانه كي لا يؤذي أحد من المارة ...حاول أن يشده إليه ... وجده مغروسا بقوة ... تعجب من ذلك الشيء .!! ..تري ما هذا ؟؟ .. لا حظ أهل الحارة محمود وهو منحني فوق الأرض يتفحصها ... بدأوا في تعليقاتهم الساخرة  منه كالمعتاد : 

أحدهم : إيه يا محمود ؟؟ الماهية وقعت منك وإلا إيه ؟؟ ( يضحك  

آخر : (مارا في عكس الإتجاه ) بتعمل إيه يا محمود ؟؟ بتدور على بترول في الحارة .؟؟؟ حاسب بس لا تجيب زيت ....

كاد محمود أن يترك الأمر متأثرا بسخريتهم منه .. لكنه تذكر أنه واجب ديني ...وإنساني في الحقيقة ..إماطة الأذى عن الطريق ..فتحمل الموقف وإستمر في محاولته إخراج ذلك الشيء ....

أخذ قطعة معدنية صغيرة وجدها وبدأ يستخدمها كأداة حفر حول ذلك  الجسم .. وشيئا فشيئا ... بدأت تتضح معالمه ...

إنه طبق أو صينية صغيرة مستديرة .. يا للعجب !!! ..هل هي أثرية ؟؟... إنتزعه تماما ... وأهل الحارة حوله مجتمعون ينظرون له بتعجب وسخرية وتعليقاتهم اللاذعة لا تتوقف ... 

وضع محمود الطبق الضخم الملوث بالطين على الأرض مسندا إياه على الحائط الجانبي لمسجد الحارة ... وتركه هناك .. وأخذ ينظر له بحيرة ( وقال في نفسه ) : لا أعتقد أنه يساوي شيئا .. لا فائدة منه ...نظر إلى ساعته .. لقد تأخر على عمله .. ذهب ليغتسل في المسجد من آثار الحفر .. وأسرع مغادرا الحارة إلى عمله وتاركا ورائه الطبق للزبال كي يتولي أمره ....                                                             ومضى اليوم... وعاد محمود  من عمله .. حتي إذا وصل إلى المكان الذي ترك  فيه الطبق وجده على حاله كما هو .. لم تصل أيدي الزبال إليه .. ولم يثر فضول أحد من أهالى الحارة ...

كاد أن ينصرف لولا أن أوقفه فضوله ... فأخذ الطبق بين يديه وذهب به إلى المنزل ...

رأته أمه بالطبق فسألته : إيه ده يا إبني ؟؟ 

محمود : لا ولا حاجة يا أما .. ما تشغليش بالك إنت ..

وبعدما تناول عشاءه .. أخذ معه الطبق إلى الحمام وقرر أن ينظفه قدر المستطاع .. وبفعل خرطوم الماء وفرشة البلاط ... إتضحت ملامح الطبق ... شكله غريب .. لابد أنه أثري .. من مائة أو مائة وخمسين سنة على الأقل .. هو لا يفهم في الآثار .. لكن الحارة قديمة ... وقد يوجد بها ماهو قديم أيضا ..... 




الباشا الغلبانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن