الفصل الثالث
على أبواب السفر
أفقتُ من حالة الإغماء العميق الذي غرقتُ فيه , وظهرت لي ملامح شخص لم أتعرف عليه مسبقاً ,
ولم أرَ له من قبل نظيراً , وكلما أنظر إليه تبهت عيني لرؤيته , وينبهر فكري لعظمة خلقه ,
فهو بهيئته يعجز الخيال عن وصفه ومقارنته بخلق من مخلوقات الدنيا . ظهر فجأةً بين الجمع المزدحم حولي ,
يصاحبه عدة مخلوقات أخرى ذات أجنحة لطيفة وأبدان تبدو خفيفة , لكن العجيب أن الناس كانوا
مشغولين بيَّ عنه , ولم يلتفتوا إليه على الرغم من غرابة منظره واختلاف هيئته وعظمة خلقه ,
وكأنهم لم يروه , أما أنا فقد شغلني هو عن غيره , ولم أعد أنظر إلى ما حولي بقدر ما أنظر إليه ,
نعم يبدو انه كان بجانبي ثم ابتعد عني , والآن بدأ يقترب أكثر فأكثر ,
فاضطربتُ حتى أحسستُ برجفة في بدني , وكلّ لساني عن النطق والسؤال عمن يكون .
التفتَ إلى من كان معه وتكلم معهم بكلام لم أفهمه , إذ اختلط كلامهم مع دوي من اجتمع حولي ,
وصراخ عدة نساء يبدو أنهن قد أتين من البيوت المجاورة للمبنى , لكني التقطتُ منه بعض الكلمات منها قوله لهم :
- انه من المؤمنين , لكنه لم يصل إلى مرتبة الأولياء فارفقوا به قليلاً وأعينوه على نطق الشهادتين .
كان بدني بصورة لا يسمح بالتحرك يميناً ويساراً , وبصعوبة بالغة كنتُ التفتُ إلى ما حولي ,
فوجئتُ بصديقي مؤمن وهو يصل بصورته المشرقة , ويجلس بجنبي ليقول :
- سعيد , سعيد هل تسمع كلامي ؟
أجبته بصوت ضعيف جداً :
- نعم .
- سعيد , قل لا اله إلا الله وان محمّداً رسول الله , فقد يكون آخر كلام يجري على لسانك , هل تسمعني يا سعيد ؟
سمعت ُ كلامه , وأردت ُ نطق ماقاله لي ولكن ظهر فجأة عدة مخلوقات بوجوه قبيحة سوداء فهي كالقير الأسود ,
أصابني خوف شديد منهم وقد اجتمعوا حولي فأمسكوا بلساني عن النطق , وكلما أردتُ نطق لااله إلا الله
منعوني من ذلك , عندها سمعتُ مؤمنا مرة أخرى ينادي :
- سعيد هل تسمعني ؟
مرة أخرى أجبته بصوت ضعيف :
- نعم .
- سعيد ألم تستطع قول لا اله إلا الله .
- بلى .
- سعيد , يبدو أن الشياطين قد اجتمعت حولك لتمنعك من النطق , والملائكة حولك يرشدونك