الفصل الثانينزاهة لا تطاق
ج1
كان ما يشغلني أثناء إقامة الفاتحة هو لقائي مع العالم الجليل في هذه الليله , وهل ساتمكن منه على الرغم منأن صديقي مؤمن لم أتصل به لحد هذا الوقت , وهل سأجد الوقت لذلك , أم كيف ساترك المعزين الذين امتلأ المسجد بهم .
هكذا كانت الافكار تشغل فكري وتجرني بحبالها يميناً ويساراً , وإذ بالحاضرين يقومون وبالصلاة على محمد وآل محمد
يهتفون , ياترى مالذي حدث ؟ ! نظرات الجميع متجهة نحو باب المسجد , التفت أنا أيضاً نحوه , وإذا بالذي
كان يشغل فكري يقدم بنفسه ويطل بوجهه النوراني , نعم , إنه مع صديقي مؤمن وكأنه يتفقد أحد ويسأل عنه ,
أجل إنه يسأل عني بالتأكيد , لكن من أنا وما خطري حتى يطلبني إمام الجمعه , وهل أستحق ذلك ,
أم انه يبحث عن شخص آخر غيري ؟
استقر في مجلسه , وهدأ الحاضرون , واستأنف القارئ كلامه , فتقدمت بخطوات مرتبكة نحوه حتى وقفت أمامه .
فوجئ برؤيتي فقام معزياً لي بكلامه المذكر بالله ورحمته مشفوعاً بجمل من الدعاء لي وللطفل الذي بقي وحيداً معي ,
شكرته على تفضله وطلبت منه الجلوس مع صديقي مؤمن , فجلس وجلست عن يمينه, وأردت أن أؤكد له أنني
على وعدي في الحضور إليه على الرغم مما حدث , لكنه سبقني بالحديث مبادراً بلهجته الحوزوية المحبوبة
عندي والتي كثيراً ما لاحظتها على ألسنة طلبة العلوم الدينية فقال :
- أنا أعتذر من عدم تمكني لاستقبالكم هذه الليلة لحدوث امر طارئ يحتم علي السفر ,
ولا أظنني سأتمكن من ذلك عن قريب أو بعيد لأنكم على أبواب سفر طويل .
لا أعلم إن كان قد أتم كلامه معي أم لا , فقد جاءه وفد للسلام عليه وتجمعوا حوله فانقطع كلامنا ولم أستطع
التحدث معه مرة أخرى حتى نهض وأراد الخروج من المسجد , وكان أخر كلامه معي أن قال :
- إعلم يابني أن خير الزاد في السفر التقوى , فاسع لتحصيلها هذه الايام . ثم غادرنا وذهب لا أدري مالذي
عقد لساني عن سؤاله عن معنى أنني على أبواب سفر طويل , مع أنه حالياً ليس عندي قصد السفر إلى أي مكان ! لا أدري !
انقضت الأيام الثلاثة لمراسيم الفاتحة , وقد اختلفت فيها مع عدة أشخاص من الأقارب بشأن الاسراف والمصروفات
الزائدة عن الحاجة , والتي أفنوا وقتهم وأجهدوا أنفسهم رياءً في رياء . أنا أعلم أن أعمالهم كانت رياءً وهي
عند الميت لاتنفعه بشيء ولا تخفف عن قسوة اللحظات التي يعيشها الآن , نعم انه بحاجة إلى ركعتين خفيفتين