الفصل الرابع ....كتاب لاينسى

1.3K 16 6
                                    


الفصل الرابع:
كتاب لاينسى
ج١
أحسست بشيئ ما يجرني نحو بدني ,فدخلت القبر معه ولم أستوحش منه بالرغم من احساسي بألم الفراق وضيق الآفاق ,وذلك لعلمي بقرب مؤمن ,وأنسي بقراءة القرآن
مضت ساعة على هذه الحالة حتى غادرني مؤمن وغادر النور معه .وبقيت وحيدا في منزلي 
وازدادت ظلمة قبري وعظم خوفي ووحشتي ,
واذا بالنداء يأتي من فوق القبر ومن تحته وعن يمينه وعن شماله فأطرق سمعي وشغل فكري وهو يقول 
انا بيت الوحشة انا بيت الوحشة
أصابني هول شديد ووضعت يدي على رأسي وصرخت بأعلى صوتي :
من المنادي؟
ومن أين هذا الصوت الذي أرعبني؟
عاد الصوت مرة اخرى ولكن بشدة اكبر وصدى أكثر ,ثم أضاف ألا تعرفني من أنا؟ 
انا بيت الوحدة والغربة, انا بيت الوحشة والدهشة , ألم تكن تحسب يوما أنك سوف تأتي وتنزل عندي,كنت مشغولا بالدنيا فنسيتني ,
وكنت تعمل وتجمع الأموال لبناء منزل فيها ولم تفكر في منزلك بعد موتك
كنت خائفا منبهرا من كلامه , التفت يمينا ويسارا لعلي أعرف مصدر ذلك الصوت ولكن دون جدوى , فصرخت مرة أخرى:
قل لي بالله عليك من أنت؟ وأين أنت حتى أجيبك؟
قال :
انا القبر الذي دفن فيه بدنك.
قلت :
عجبا وهل القبر الذي كله جماد يتكلم؟
قال:
نعم (أنطقنا الله الذي أنطق كل شيئ)
ولا تتعجب فأن كل شي في هذا العالم حي ينطق كما نطقت لك, ويشهد عليك بما فعلت ولكن الذين بقوا في الدنيا لايعلمون ذلك,
فهم يستخدمون الجمادات ولا يعلمون انها سوف تشهد عليهم , وترى بعضهم يصنعون السياط ووسائل التعذيب ليؤذوا بها المؤمنين وهم لايعلمون أن نفس السياط سوف تشهد عليهم وعلى ظلمهم 
سكت قليلا ثم عاد ليقول :
انك سوف ترى العجائب والأهوال عندي اولها ضغطتي عليك,
قلت مع نفسي : بسم الله هذا ماأخبرنا به الرسول والأئمة الاطهار عليهم السلام, فكم قرأت في دنياي عن ضغطة القبر وانها شديدة تخرج زيت البدن منه وتهشم العظام وتكسر الأضلاع و و ؟
آه آه والويل لي كيف سأتحملها أم من ينقذني وينجيني منها ؟ وبدوامة الأفكار هذه كاد يغمي علي لولا أملي بالنجاة , وتذكري مقامي في الجنة الذي رأيته عند الاحتضار , لذلك عزمت على سؤاله فقلت له :
وهل هناك سبيل للنجاة من ضغطتك هذه؟؟
قال:
-الآن كلا كان السبيل لديك في الدنيا فلماذا أهملته ولم تعمل بما قرأته يوم ذاك؟؟؟؟

سمعت ماقاله وتذكت أني عملت بما قرأته في دنياي, فسألته متعجبا:
- لعلك نسيت اذ أنني عملت بها , فهل ترغب بتذكيرك اياها , 
نعم كتنا الاولى كفران النعم , وقد سعيت واجتهدت في شكر نعم الله مااستطعت , والثانية اجتناب النجاسات وقد اجتنبتها , والثالثة الغيبة والنميمة وقد تركتها , والرابعة سوء الخلق مع الأهل وقد كنت حسن الخلق مع زوجتي وطفلي فماذا تقول في ذلك ؟
أجابني بصوته الخشن :
- صحيح ماتقول , ومن جعله الله شاهدا عليك لايخطئ ولا ينسى , ولكن شكر النعم الذي تقول انك اديته , انما الكثير منه لقلقة لسان فقط فعندما كنت تقول الحمد لله , لم تكن تستحضر في قلبك ذلك , ولم يختلط معه الخشوع والذل بمقابل المحمود عندما تحمده , اما مع انسان آخر مثلك , فعندما يقدم لك خدمة صغيرة تشكره وفي قلبك احسان بمنته عليك وكأنك تستحي منه و وقد تشعر ان شكرك اياه لايعادل خدمته لك ,فتنوي منحه هدية ما , أو تجازيه بخدمة أخرى , والآن قل لي هل كانت كل هذه الاحاسيس لديك عندما كنت تقول (الحمد لله)؟؟
تحيرت في اجابته وماذا عساي أن اقول له , لذا التزمت الصمت ولم أجبه فعاد مرة اخرى ليقول :
- ولايكفي ما ذكرته ,للأن شكر النعم لايكون كاملا الا بأداء حقها العملي , فمن رزقه الله المال عليه التصدق ومراعتة الفقراء وأداء الحقوق الشرعية المترتبة عليها , ومن رزقه العافية فعليه صرف قدرته وعافية جوارحه في الله ومن أجل الله وفي خدمة الدين والناس , ومن رزق الجاه والمنصب فعليه العدل بين الناس وأداء حقوقهم بما يتناسب مع منصبه ومنزلته 
التزمت الصمت مرة اخرى , فليس عندي شيئ ادافع به عن نفسي , وأصابني اليأس من النجاة منه , ولكن في هذه الأثناء تذكرت انني قرأت ذات يوم في كتاب منازل الآخرة أذكارا تخفف على الأنسان ضغطة القبر , وقد التزمت بها وداومت عليها فلعلها تشفع لي الآن ,
حينها رفعت رأسي قائلا:
ماذا تقول في الأذكار التي كنت أداوم عليها وهي مما يؤمنني منك ومن وحشتك وضغطتك , فأني كنت أقرأ سورة النساء في كل جمعة , وأداوم على قراءة سورة الزخرف و..
قاطعني في كلامي على الرغم من أن لدي ماأقوله أيضا اذ قال :
ان ملائكة ربي قد سجلوا لك كل ذلك صغيرة وكبيرة , وايا منها كان باخلاص ونية صادقة لله وايا منها كان رياء , وايا منها كان لقلقة لسان , كما سجلت لك درجة كل منها , وبناء على ذلك جاءني الأمر من العلي الأعلى ولولا اعمالك وأذكارك تلك التي كانت خالصة لله لكانت ضغطة القبر وعذابه أشد بكثير وكثير مما سوف تلاقيه 



تحت اجنحة البرزخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن