الفصل الثالث
كان الانطلاق من لندن منذ 24 ساعة وكانت الرحلة مريحة و موفقة .واهتم دون ادريانو بالطفلة ويندي تماما كما يجب .وبينما كانت في احضان ليندا لم تكف عن النظر اليه والابتسام له.
سحرته الطفلة فاصر على حملها تاركا ليندا في افكارها تتساءل عن الشائعات التي ستروجها زميلاتها في المكتب.
خادم دون ادريانو اهتم بكل شيء ,حتى آخرالتفاصيل .لكن الوقت كان قصيرا وشعرت ليندا بانها لاهثة مبهورة .كانت تعي انها ترتكب جنونا حقيقيا .ففي انزعاج كبير ,كانت قد اتصلت بمديرها وشرحت له انها ستقدم استقالتها من العمل .
تنفست الصعداء وابتعدت عن النافدة متوجهة نحو سريرها .منذ وصولهم الى هذا الفندق ,تدبر لها المدير مربية لتهتم بويندي خلال مدة اقامتها القصيرة في العاصمة التشيلية .
نصحها دون ادريانو قائلا :
"حاولي ان تنامي قليلا ,اذا تمكنت من ذلك,يا عزيزتي.سنلتقي وقت الغداء في قاعة الطعام .هناك اشياء كثيرة اريد ان احدثك بها قبل الذهاب الى المزرعة."
قبلت هذا الاقتراح بفرح كبير .فقد تمت الاحداث بسرعة غريبة في الايام الاخيرة .وهذه البلاد تربكها .الضجيج ,والمناظر الجديدة ,والوجوه,كل شيء يبدو غريبا عليها ,بل محيرا وكئيبا .تمددت ليندا على سرير مريح والاغطية ناعمة ,ومع ذلك فلا شيء باستطاعته تهدئة اضطراب مشاعرها .كانت متقلصة الوجه ومشوشة الافكار .
لم تتوصل الى الراحة المنشودة وظلت تتقلب في فراشها من دون جدوى .احتلها ارتخاء متعب وتدريجيا شعرت بثقل في جفنيها وسرعان ما غطت في نوم عميق .
وعندما استيقظت من نومها ,بعد مرور ساعة تقريبا ,كانت الدموع تتلالا في عينيها .نظرت الى ساعة يدها .مازال امامها الوقت الكافي قبل ان تهيء نفسها لموعد الغداء .شعرت برغبة في الاستحمام فتوجهت نحو الحمام ,وتوقفت فجأة حين رأت تلة من الصناديق الرمادية موضوعة في ارض الغرفة .انها من مختلف الاحجام وكلها تحمل اسم "ميرابيل"محفورة احرفها بالذهب .تناولت الصندوق الاول وفتحته بيدين مرتجفتين ابعدت الورقة الحريرية البنفسجية وشاهدت قميص نوم من الدانتيل الناعم .لم تتمكن من الامتناع عن اطلاق زفرة استغراب فرحة قبل ان تسحبه من العلبة وتتامله مليا .
وواحدة بعد الاخرى فتحت جميع العلب بنوع من الاثارة جعل انفاسها تتقطع:كل صنف من الالبسة يسحر الالباب , ومن دون ان تصدق ,انتشرت أخيرا مجموعة من الفساتين و قمصان النوم والبزات والبنطلونات والحقائب اليدوية والاحذية .لا شك ان هذا كلف اموالا طائلة .كانت الغرفة قد امتلات بالاوراق واغطية العلب .وعندما فتحت الصندوق الاخير ,الذي يفوق حجما بقية الصناديق الاخرى,وجدت صعوبة لتمزق الورق الملفوف حول العلبة قبل فتحها .لكنها سرعان اطلقت صرخة اندهاش وهي تنظر الى معطف من الفرو الغامق اللون.وبعد تفكير طويل ,اختارت ثوبا ابيض بسيطا ,يدخله التطريز الانجليزي .ارتدته ووقفت امام المرآة تتأمل نفسها داخل هذا الثوب فوجدت انه يليق بها اذ ان قصته ذات فن رفيع .ان هذا الفستان يظهر شكل جسمها النحيف والممشوق ويلفت الانتباه .
وبعد ان تاكدت ان ويندي تنام في هدوء ,ليندا توجهت الى مطعم الفندق حيث دون ادريانو كان في انتظارها .نهض واقفا عندما رآها تقترب منه فشعرت ليندا برغبة التعبير عن امتنانها ,فمدت له يدها ,لكنها اندهشت عندما رفعها الى فمه .وقال باعجاب :
"الشعلة الجميلة "
قالت وهي تهز راسها :
"شكرا جزيلا ,يا سيدي."
بعد وقت قصير ,جلسا امام مائدة الطعام وقدم لها الخادم سلطة "بالتا " المؤلفة من القريدس والافوكادو المتبلة بعصير الحامض. والوجبة الاساسية كانت مؤلفة من عجينة تحتوي على مجموعة اللحوم ,والزيتون والبصل والفلفل الاخضر والزبيب .وبينما كانا ياكلان كان الحديث يدور حول امور عادية لكنهما كانا يعرفان جيدا,انهما سيشرعان بعد قليل في بحث الامور الاساسية .انتظر دون ادريانو ان تنتهي ليندا من تناول وجبتها .ثم اعلن بغثة :
"صباح اليوم اتصلت بحفيدي .سيأتي في طائرته لملاقاتنافي مطار سنتياغو."
ثم القى نظرة الى الساعة وأضاف :
"سيصل بعد ساعة بالضبط "
قالت ليندا بصوت مخنوق :
"هذا باكرا؟"
باشارة من رأسه وافق ثم قال:
"اريد أن أطلب منك شيئا .قبل وصول حفيدي بعد تفكير طويل ,توصلت الى النتيجة التالية :أرى انه من الافضل ان تدعيه يعتقد ان ويندي ابنتك"
ارتسم الاندهاش على وجه الفتاة ,فأسرع يقول بالتحديد :
"وفي الوقت المناسب ,سأفصح له بالحقيقة كلها ."
"لكن لماذا تريد ان تكبده خيبة الامل هذه؟"
ظل ساكتا يحدق فيها بامعان .كان وجهها مليئا بالبراءة والنظارة ,مما جعل دون ادريانو يبتسم وقال :
"بما اني اعرف ذوق حفيدي بما يسمى الالغاز ,فقد قررت ان اطرح عليه لغزا .يوقظ التحدي مثل سر يبقى كاملا .وكيف عندما يرى فتاة متحفظة وبشوشة لايمكن لأحد ان يشك انها ام لطفلة صغيرة ؟الطفلة تشبهك كثيرا وسيعتقد ,كما سبق واعتقدت انا ,انها ابنتك .سيكون الامر طبيعيا ."
احمرت وجنتا ليندا وحاولت جهدها للحفاظ على هدوئها وقالت :
"اذن,تريدني ان أدعي بأني والدة ويندي من أجل ان تعرف فضول حفيدك ,فقط لا غير .اعتقد ان ذلك ليس تصرفا لائقا من جانبك ,بالنسبة الي او بالنسبة اليه ."
تجهم وجه دون ادريانو وظهرت القساوة في نظرته وقال بلهجة لاذعة:
"لا دخل للعواطف بهذه الصفقة التي عقدناها وليس فيها سوى الفوائد المادية التي تحصلين عليها ."
اكفهر وجهها ,ظاهريا يبدو هذا العجوز طيبا ولكنه يخفي وراء ذلك قساوة حقيقية .غير انها توافق بأن له الحق ان يذكرها بغاية هذا الاتفاق ,الذي تجني منه فائدتها بسعادة ساذجة .
قالت :
"سأفعل ما تريده .لكن ,ماذا تريد مني ان أقول لحفيدك بالضبط؟الموضوع شديد الدقة ."
انك مسؤولة عن طفلة و عليك تحمل اعباء ذلك ,ببساطة ."شيء في اعلانك اثار اهتمامي وهي الفقرة التي تتعلق بقبول طلبات اللواتي يتحملن أعباء الاسرة .نادرا ما يقبل أصحاب العمل ان يقيم الموظف لديهم في بيوتهم مع أفراد العائلة .اذا,لماذا "
وبما ان ليندا وعدت بلطف ان تفعل ما يريده العجوز منها ,فقد تغير مزاجه وتناول سيجارا وأجاب قائلا :
"كل كلمة وردت في الاعلان كانت مدروسة في اعتناء ودقة ,وخصوصا ما جاء في الفقرة التي تنوهين بها .الفتاة التي كنت ابحث عنها عليها ان تملك كل الصفات التي لا جدل فيها ,ان تتحلى بحس الواجب ,الذي هو اهم شيء في نظري .يجب الا افقد ثقتي بها في المستقبل .وعندما يكون المرء خاليا من هذه الصفات لا يمكنه ان يتحمل أعباء الاسرة وخصوصا لفترة طويلة .وهذه الطفلة تخدم خطتي تماما.لا يحب المرء أهله فعلا الا بعدما يصبح ابا او ام .لذلك ,اذا امضى حفيدي ليلة قرب طفلة مريضة سيتعلم الكثير وسيجني ثمارا لا يمكن لأي فلسفة نظرية ان تمنحها له ."
"قلت ان حفيدك لا يتذكر والديه اطلاقا .وبنظره ,انت لعبت دور أهله.هل هذا يعني انه تصرف بجحود نحوك ؟"
"ليس تماما .لكنه يشك بصحة طريقتي وليس قادرا ان يفهم بوضوح دوافعي .ربما اذا جابه بنفسه المشاكل التي تطرأ على تربية طفل ,سيعى الصعوبات التي واجهتها عندما كنت أربيه .سيفهم أخيرا ان ما أفعله يخدم مصالحه ."
بقدر ما كانت المصالح تخدم مصالحك .هذا ما فكرت به ليندا في نفسها وهي ترتعش .
منذ لقائهما الاول ,تنبأت ليندا ان هذه اللياقة التي يظهر بها دون ادريانو تخفي وراءها رجلا قاسيا و حاسما ,يسخر بآراء غيره , ويفرض ارادته على الضعفاء ,وذلك في عجرفة وتعاضم دون مراعاة .وبالنتيجة, ايقظ في نفس حفيده الخجول والمطيع العداء والضغينة .
انقبض قلبها . حفيده انسان ضعيف وواهن مثلها .ماذا بامكانهما ان يفعلا ,اذا كانت هناك يد حديدية تعاملهما كما تشاء ؟
أنت تقرأ
روايات احلام/عبير:خدعه مصيريه
Romance- خدعة مصيرية - دار النحاس ( كاملة ) قرات ليندا اعلان عمل في الجريدة يطلبون فيه انسة للزواج بمواصفات مميزة.فتقدمت اليها علها تجد ملاذا مناسبا لها ولشقيقتها الصغيرة .فدخلت الى عالم المال و السلطة وتزوجت من الحفيد المغرور الذي يحب السيطرة على كل من...