الفصل السابع
في المساء اختارت ليندا تنورة مقلمة ذات الوان زاهية وقميصا فلاحيا باكمام قصيرة واسعة للاشتراك في حفلة شواء ستتم في الهواء الطلق وسط حديقة القصر .
اما ويندي التي ارهقها اللعب والدلال فنامت بعمق عندما جاءت ليندا لتنحني فوق سريرها .وبخفة هبطت بخطوات نشيطة ومرحة السلالم المؤدية الى القاعة حيث كان الكونت يتناول المقبلات قبل تناول العشاء .لكن ابتسامتها اختفت عندما رأت ماريو جلسا على احد المقاعد .وما ان دخلت القاعة حتى نهض لتوه .
لاحظ نظرتها المتسائلة فأعلن ببساطة :
"جدي الرزين والكتوم كالعادة ,قرر قضاء بضعة ايام في منزل الدونا .هذا لطف منه ,اليس كذلك."
فتحت ليندا عينيها اندهاشا وقالت :
"اتريد ان تقول اننا وحيدان هنا ..."
نعم .ليس تماما ,فهناك الخدم الذين يسكنون الجناح القريب من هنا .من يمنعني ان آخدك بالقوة ,هذه الليلة ....لا احد بامكانه سماع صراخك وعويلك."
تلعثمت حين قالت :
"لا تكن تافها ."
"انت مخطئة يا عزيزتي .فالليلة مازالت في بدايتها .اني اجهل تماما ماذا سيكون تصرفي في الساعات المقبلة ."
امسك ذراعها ثم وضع يده على معصمها وادارها نحوه وذكرها قائلا :
"لقد تزوجنا منذ قليل حبيبتي .لذلك من المفروض ان نقدم لبعضنا العطف والمحبة .والعروس عليها ان تبدو متألقة .اما بالنسبة لي,فسأحاول جهدي ان ابدو مغرما وسأهمس في أذنك الكلمات الناعمة وسأضمك الى صدري وفي أوج السهرة سأقطف من خدك قبلة .لنبدأاذن بالابتسام ,ومن جهة ثانية لا أريد ان ارى في عينيك ملامح الكآبة والقلق بعد الآن .فهمت؟"
صمت قليلا وقال :
"افهم تخوفك .لكن لن يكون الامر غريبا عليك ,كما في المرة الاولى ."
من لهجته فهمت ليندا انه يتألم في صميم كبريائه فاستعادة نشاطها ,وتوجهت معه الى باب المدخل حيث ينتظرالرعاة قدومهما .وما ان اجتازا العتبة حتى سمعا اصواتهم الحماسية وصراخ صديقاتهم او زوجاتهم :
"اهلا ,اهلا,انت رائعة يا سيدة ."
تمكنت ليندا من الابتسام بثقة كبيرة ادهشت ماريو كليا .المشهد الذي واجههما عند غياب الشمس كان ذا جمال بدائي .
اجتمع الرعاة حول ماريو وزوجته يشكلون حرس الشرف ,فترك موظفو المزرعة اعمالهم واسرعوا نحو العروسين للتهنئة وتقديم الاحترام والولاء.
ففي هذا المساء يجري الاحتفال بعيد امير الرعاة ,دون ماريو ,وبالتالي كانهم يحتفلون بعيد كل واحد منهم .في الوقت نفسه كانو يشعرون انه مختلف عن بقية الرجال .فلم يحلمو من قبل ان تكون زوجته امرأة شقراء ذات عينين تائهتين جميلة كما هي ,بعيدة ,متحفظة .
وبعد الاستقبال الحار بدأ الهرج والمرح والمزاحمة .جلسو على المقاعد بينما جلس ماريو وليندا الى طرف الطاولة .وفي الحال شرعوا بتقطيع اللحوم وفاحت رائحة ذكية ,كان الجميع جائعون ولم يخشوا ان يستعملو اصابعهم ليتقاسمو قطع الشواء .كانت المأدبة تعم بفرح وضحك حررت ليندا التي تقضم بأسنانها هذه اللحوم اللذيذة بنهم شبيه بنهم الرعاة .كانت تتلقى اسئلة من حين وآخر :
"ما رأيك ؟هل الطعام يعجبك ؟"
"بعم جدا .انه شهي للغاية ."
كانو ينادونها بمختلف الصفات :زوجة الدون الرائعة الجمال,الشقراء الغجرية.
وبعد العشاء ازيحت الطاولات ليحل مكانها العازفون ,الذين راحو يعزفون موسيقى حماسية وتحمس الرعاة فدعوا رفيقاتهن للرقص .
انحنى ماريو فوق ليندا وقال :
"الكويكا رقصة الحب التشيلية ."
ابتعدت عنه لكنه امسك بخصرها وشرح لها قائلا :
"منذ البدء على المرأة ان تجذب انتباه الرجل ,وخلال الرقصة ,تستميل حبه ,وتدخل قلبه ."
لم تعره ليندا الا اهتمام سطحي ,اذ كانت تنظر الى الراقصين .فجأة ظهرت فتاة سمراء ,ساحرة الجمال ,من وراء الاشجار .كانت ليندا تحدق بها وتتبع تحركها .وهمس احدهم قربها :
"كابريللا ,الهجينة .انها تبحث عن رجلها ."
كانت الفتاة تتفحص الوجوه ,ثم ما ان رات ماريو حتى اقتربت منه .كانت تحدق فيه بوقاحة غير مكترثة بتعليقات الرعاة .همسات وفضائح كانت تسمع هنا وهناك .
بأناقة توقفت امام ماريو ودعته بوقاحة ان يتأمل قوامها الرشيق .رمقت ليندا بنظرة اشمئزاز كأنها تقول لها ان نحافتك ولون بشرتك لا يثيرا عشيقي .راحت ليندا ترتعش وتقول لنفسها ان هذه الفتاة لم تبد غاضبة على ماريو لأنه تركها .لكنها تستغل المناسبة لتتحداه .
وبحركة كريمة دفع ماريو بسلة الفواكه نحو الفتاة .تناولت تفاحة وعضت عليها .ثم مدت ذقنها ودعت ماريو ليتقاسمها معها .انحنى ماريو ليلبي دعوتها ,لكن في سرعة البرق ,حولت رأسها عنه وراحت تضحك ,ثم خطت خطوة الى الوراء داعية اياه ان يتبعها .
توقف الراقصون وراحو يراقبون المشهد .ظلت الفتاة تحدق بماريو وهي ترجع الى الوراء بحركات راقصة .كان وجه ليندا جامد ومن دون تعابير .وماريو الذي سحرته الفتاة ,اقترب منها بخطى واسعة وراح الجمهور يصفق والموسيقى تعزف بحماس.وراح ماريو يضرب بقدميه ويصفع المهماز بيديه وكابريللا تدور حوله ببطء ,وتنورتها تتطاير حولها فتظهر قوامها الجذاب .اشتدت الموسيقى وراحت تسرع كما راحت خطوات كابريللا تسرع ايضا وتتظاهر امام ماريو باستعراض مثير متوحش .كانت تقترب منه من دون ان تلمسه .ولم تمتنع ليندا من الشعور نحوها بالشفقة ,لأنها مرفوضة تلقائيا لدى عائلة فالديفيا النبيلة .لا شك ان كابريللا مولعة به لكنه لا يشاطرها الحب .لا يبدو انه يستحسن مرحها واثارتها .لكنه يعتبر هذه العلاقة عابرة لا أكثر أو أقل .
حول ماريو نظره عن الراقصة لينظر نحو زوجته .كانت نظرته تلمع بسخرية .وبغضب منه ومن نفسها ,انتظرت حتى ادار ظهره ونهضت في الظلام ولم يلاحظ احد رحيلها ,لكنها دخلت المنزل راكضة وصعدت السلالم نحو غرفتها .وبعدما صفقت الباب بشدة ,استندت عليه لتلتقط انفاسها .بدأت تخلع ملابسها .كانت على وشك الانهيار .غير ان الليل مازال في بدايته بالنسبة للرعاة .
فتحت درج خزانتها لتأخد قميص نومها.لشدة دهشتها كان فارغا .فتحت الدرج الثاني والثالث ,لم تجد اثرا للالبسة حتى فساتينها اختفت .فاحتلها احساس بالتوتر والخوف .اقتربت من السرير ورأت الفراش عاريا من الشراشف والوسادات والاغطية .
سمعت ليندا خطوات على السلالم .فتناولت الغطاء الوحيد الذي يغلف السرير ووضعته حول جسمها .تحركت قبضة الباب وسمعت ليندا صوت ماريو الجاف يقول :
"دعيني أدخل يا زوجتي والا خلعت الباب ."
لم ترد عليه ولم تفتح الباب ففي اعتقادها انه لن يقوى على خلعه.
وبعد قليل خلع الباب بالفعل ودخل ,ولاحظ وجود الادراج مفتوحة فقال بسخرية :
"هل كنت تتوقعين البقاء في هذه الغرفة بعد زواجنا ؟كارمين المرأة العاطفية حملت كل امتعتك الى غرفتنا التي سنتقاسمها من الان وصاعدا ."
شعرت ليندا بارتخاء في قدميها وكادت تقع لكنها تمكنت من القول :
"لكن ماذا يعني هذا الكلام ؟ألم نتفق على أن..."
قاطعها ماريو ضاحكا :
"اطمئني انهما غرفتان متصلتان بباب مشترك .سننام كل واحد في غرفة .لكن كي لا نوقظ شكوك الخدم علينا ان نتركهم يروننا معا .ارجو ان لا يكون هذا الطلب مهمة شاقة لفتاة انجليزية طاهرة .؟"
"اني اقبل .هل بامكانك ان تريني الغرفة ؟ فأنا اشعر بالبرد ."
حملها بين ذراعيه وتوجه نحو الممر ,لم تجروء على الحراك .كانت يداه تحرقان جسمها .ابتسم ماريو بوقاحة وهمس وهو يقف امام باب الغرفة :
"قولي يا عزيزتي ,لما هربت من الحفلة ؟هل تغارين ؟"
رددت بارتباك "أغار ؟عليك!!"
كان منظرها لا يصدق . فغابت الابتسامة عن وجه ماريو ومن دون ان يلفظ كلمة دخل الغرفة ووضع ليندا على قدميها .خافت ليندا ان يكون ماريو يحضر خطة للانتقام منها .فقال اخيرا باستغراب :
"لا,طبعا !كيف يمكن لقطعة جليد مثلك ان تغار ؟انه شعور تجهلينه ...ماذا اذن وراء تصرفاتك الباردة ؟بماذا تشعرين ,لو كان لديك شعور ؟من المهم ان أعرف ."
جذبها ماريو بين ذراعيه بعنف ,ولم تكن قادرة على التخلص منه خوفا ان ينزلق الغطاء عن جسمها .
راح يهمس في أذنها قائلا :
"اهداي, يا عزيزتي ."
وبعدما لامس خدها الساخن ,راح يعانقها بشغف وهي كانت تشعر بأحاسيس عنيفة تحرق داخلها فارتعبت .ولما رفع رأسه ,كان الامتنان مرتسما على وجهه مما جعل ليندا تصفعه بكل قواها .امسك ماريو بمعصمها وضمها اليه وانتزع من يدها الغطاء الحريري .ارتسم على وجه ليندا تعبير أليم عتم قلبها .فلم تكن تريد الاستسلام له وراحت تتخبط بكل طاقتها للتخلص منه .
ضحك ماريو وشغرت ليندا بالاهانة والكراهية العمياء له حتى تمنت لو تقتله في هذه اللحظة بالذات .
قال ساخرا :
"بدأ الجليد بالذوبان .كان يكفي شرارة ...!"
تمكنت من القول والدموع تتجمع في عينيها :
"انت انسان متوحش وفظ !اني أكرهك."
وتشنجت مستعدة لتتحمل قهقهته الساخرة ,لكنه اكتفى بمراقبتها بامعان ثم قال:
"على الاقل تمكنت من معرفة ان لديك عواطف شغوفة .وانا على يقين اني احدثت فيك انفعالا اكثر من مما احدثه والد ويندي."
ذكرى والدها فتتت قلبها .فحاولت كبت بكائها لكن الدموع راحت تتلالا من جفنيها .
فقال غير مصدق :
"أتبكين لذكرى الرجل الذي تركك؟هل ما تزالين تحبينه ؟"
اجابت بجفاف :
"لم يتركني .بل مات .لكني ما أزال أحبه .وسأظل أحبه ."
ران الصت بضع ثوان.ثم انحنى ماريو والتقط الغطاء ولفه حولها ثم حملها حتى السرير .رفعت ليندا عينيها القلقتين فاسرع يقول :
"بامكانك ان تنامي بهدوء يا عزيزتي .لست أنوي محاربة شبح .لكن لا تنسي شيئا مهما :اننا ننتمي الى عالم الاحياء ,لذلك يجب ان نفكر بهم وليس بالاموات .عزيزتي ارتاحي بسلام."
أنت تقرأ
روايات احلام/عبير:خدعه مصيريه
Romance- خدعة مصيرية - دار النحاس ( كاملة ) قرات ليندا اعلان عمل في الجريدة يطلبون فيه انسة للزواج بمواصفات مميزة.فتقدمت اليها علها تجد ملاذا مناسبا لها ولشقيقتها الصغيرة .فدخلت الى عالم المال و السلطة وتزوجت من الحفيد المغرور الذي يحب السيطرة على كل من...