الفصل الثامن
خلال الاسابيع التالية ,عرفت ليندا معنى السلام والهدوء في حياة متميزة و ثرية .حياة لم تكن تجرؤ على الحلم بها .وعندما عاد دون ادريانو من اقامته القصيرة في منزل دونا ايزابيلا ,اعلمه ماريو بقراره ,وهو رفضه ادارة المزرعة ,الهدف الذي كان يرغب العجوز بتحقيقه ,ولو بالحيلة والخداع .واعلمه انه يفضل ان يتقاسم حياة الرعاة كالماضي .
ومن وقت لاخر كان يضطر الى مرافقة الماشية الى مرفأ بعيد ,لذلك كان يتغيب اياما عديدة .ولدى عودته كانت ملامح وجهه تبدو مرهقة ومليئة بالغبار وكان جسمه النحيل يبدو اطول من العادة عندما يظهر قرب المنزل.
كان الكونت يتحمل الوضع بصعوبة .لكنه اخيرا لم يعد يتحمل .وفي احد الايام , بينما كان حفيده عائدا من رحلة طويلة ,استدعاه وابلغه بقراره النهائي.
ولما وصل ماريو كان العجوز يأخد حمام شمس قرب حوض السباحة ويستمتع برؤية ليندا وويندي تلعبان بالماء .
كان الطقس حارا وكانت ليندا ترتدي ملابس سباحة بيضاء وبدا جسمها اسمر من شدة تعرضه للشمس .كما ان صحتها تحسنت وزاد وزنها .راحت تقهقه بصوت مرتفع عندما تمسكت ويندي بشعرها محاولة التسلق على كتفيها .وماريو الذي كان يقترب بخطى بطيئة لم يستطع ان يزيح نظره عن المشهد .بل كان يبدو مندهشا وسعيدا .
صرخ الكونت لدى رؤيته قائلا :
"ماريو,يا بني ,اهلا وسهلا بك في المزرعة !ليندا انظري ,هذا ماريو .تعالي واظهري فرحك بعودته ."
وكي تخفي اضطرابها ,انهمكت لحظة بويندي المتعلقة بعنقها.كانت تعرف ماذا ينتظر الكونت منها.
اقتربت من الرجل المرهق حاملة شقيقتها بين ذراعيها .هذا الرجل الذي وجدت في غيابه الراحة والطمأنينة داخل المزرعة .ثم رفعت رأسها نحو ماريو من دون خوف .والكونت يراقب تصرفاتها بفرح.طبع ماريو على خدها قبلة سريعة فخاب امل ليندا .ثم ركز اهتمامه على الطفلة وقال :
"وكيف حال جميلتي الصغيرة اليوم ؟"
اخد الطفلة بين ذراعيه واضاف :
""احب ان الهو معك ,ياحبيبتي .لكني مليء بالغبار .اذهبي الى امك حتى اخد حماما واعود اليك ."
"هل تحب موافاتنا الى هنا بعد ذلك ؟"
لم تصدق ليندا ما سمعته فهي نفسها التي طرحت السؤال .
"اذا كان هذا ما تريدينه ,اتفقنا ."
تدخل الكونت بقوة وقال :
"ولماذا تظن انها لا ترغب بذلك .انت حقا زوج وشبح في آن واحد .حتى الآن ليندا تتكيف مع الوضع لكن ,قررت ان أضع حدا لغيابك المتواصل .منذ الآن سأستقيل من المزرعة ,لكن لنناقش هذه الامور بعد العشاء ."
هز ماريو رأسه وتوجه نحو المنزل .وبانتظار عودته فكرت ليندا ان ماريو سيحقق هدفه .وبينما هي منغمسة في افكارها ,لم تلاحظ ليندا ان الخادمة اخدت الطفلة بطلب من الكونت .ولما ظهر ماريو على الشرفة ,ابتعد العجوز بدوره تاركا الزوجين بمفردهما .
"طلبت مني ان أرافقك ,اليس كذلك ؟"
فوجئت ليندا به وانتفضت ,فقال :
"هل كنت جادة بالدعوة ,ام انك تصنعت ذلك ارضاء رغبات جدي ؟"
حبست ليندا انفاسها وهي تحدق بقامته الممشوقة وعضلاته المتناسقة كليا .واشتبكت نظراتهما ,فقال بسخرية :
"اذن؟هل ترافقينني .اشعر بحاجة كبيرة للسباحة ."
فجأة شعرت برغبة قوية للمكوث بجانبه .مد لها يده ليساعدها على النهوض فراحت تركض ثم قفزت في الماء واحتل كيانها قشعريرة ونوع من الاثارة البهيجة عندما لمحت ماريو يغطس في المياه.ظل بضع لحظات قربها ثم تجاوزها وهو يسبح بقوة .
ولما وصلت ليندا الى طرف الحوض كان يبدو فرحا .
قال بصوت منخفض :
"انني احلم بهذه اللحظة منذ ايام وايام ."
ثم التف نحوها وتابع يقول :
"خلال هذه الرحلة لم التقي الا بالمشاكل ."
قالت بجفاف :
"لكني لاأشك انك نلت بعض التعويضات المرحة لدى وصولك للمدينة."
"نعم بالفعل ,بعض التعويضات "
فجأة اختفى تحت سطح الماء .وشدها بكاحليها وجذبها الى الاسفل .اعتقدت ان رئتيها ستنفجران .تركها اخيرا ,وصعدت الى الهواء وفتحت فمها تلهث .ولما شاهدت ماريو قررت ان تنتقم ,فتسلقت كتفيه وشدت تقلها حتى انزلته تحت الماء .وفي الحال اصبح ذلك لعبة مرحة .وخلال ساعة تقريبا كانا يلعبان كالاطفال ,بكل بساطة .وبصورة غير منتظرة التقت طباعهما المختلفة بنوع من الاتفاق .
وبعد ان تمددا على الكراسي واحضرت لهما كارمين المشروبات المنعشة .
تنهدت ليندا وقالت :
"اني احب فصل الصيف هنا .انه جاف من دون ان يكون خانقا .لااصدق اننا في كانون الثاني /يناير في لندن لا شك ان الثلج منهمر الان . "
بكلامها لفتت انتباه ماريو الذي راح يراقبها بدقة ويسألها :
"حدثيني عنك .ماذا كنت تفعلين قبل ان تلتقي بالكونت ؟وكيف تم اللقاء ؟"
"تجهم وجه ليندا فجأة .لأول مرة تشعر بارتياح وارتخاء بوجوده .لكنه بأسئلته اعادها الى مدار الخطر.
تلعثمت وهي ترد على سؤاله قائلة
"كنت اعمل في مكتب واعيش مع ويندي في غرفة صغيرة قرب مركز عملي ."
"وماذا كنت تفعلين بالطفلة عندما تكونين بالعمل."
"كنت اضعها في دار الحضانة وآخدها في المساء لدى عودتي "
انها تعرف تماماعقلية الناس في امريكا الجنوبية وكانت متأكدة من رد فعل ماريو المصدومة لما قالته.
"لم يكن امامي أي خيار ,في انجلترامن عادة النساء ان يضعن اولادهن في دور الحضانة .على كل فالعاملون هناك يهتمون بالاولاد كل الاهتمام وكل العناية ."
لمعت عينا ماريو وقال:
"هكذا اذن ,انت تعتقدين انه بامكانهم التعويض عن حب الام ؟"
قالت ليندا وقد سئمت من هذا الحديث :
"كلا أبدا ! ولهذا السبب انا هنا .كنت اشغل وقتي وعقلي كله من اجل مصلحة ويندي وهذا الوضع كان مزعجا ,لأني لم اكن اربح المال الكافي .كنت امر بحالة نفسية سيئة عندما شاهدت الاعلان الذي وضعه جدك فلم اتردد في اللجوء اليه ."
توقفت عن الكلام لحظة وشعرت بانزعاج يحتلها .وماريو تشنج بدوره وقال بصوت فاتر :
"تابعي كلامك.كيف كتب الاعلان ؟هل ما زلت تتذكرين الكلمات التي استعملها ؟"
كادت ليندا ان تهرب بسرعة لكن نظرته القاتمة اقنعتها وراحت تتلو عليه بشكل آلي قائلة :
"وظيفة لفتاة شابة انجليزية شقراء ."
توقفت لحظة واختنق صوتها ثم اكملت :
"يجب ان تكون كتومة وديعة وطيعة ."
ابتسم ماريو بسخرية فتابعت تقول :
"وتقبل طلبات من يتحملن أعباء الأسرة "
تنهد قائلا :
"ألم يحذرك أحد من مخاطر هذا الاعلان ؟رميت بنفسك هكذا؟"
أجابت برصانة :
"لم يعرف احد بخطتي .ولم يكن لدي أصدقاء .وكنت مستعدة ان أفعل أي شيء لأبقى مع ويندي ."
نهض ماريو فجأة وراح يحدق بها ويقول :"مهما اصر جدي ,فلقد تزوجت الشيطان ."
فكرت ليندا بمرارة "كيف تنكر ذلك ؟"لكن لسبب غامض ,حاولت متابعة الحديث وقالت بحزم:
"كلا ,كلا,لكن جدك سخر مني .صحيح انه لم يكذب ,غير انه اعطاني صورة خاطئة عنك .فحسب قوله انك رجل خجول ومعقد تنقصك الثقة بالذات .ولقد اتفق معك على ان يجد لك زوجة .لو كنت اعرف اني خدعت لما وافقت على اقتراحه."
وبصوت مخنوق راح ماريو يشتم جده ولم ترى الرأفة والحنان في عينيه الباردتين عندما حدقتا بها وقال :
"اذن جئت الى شيلي باعتقادك انك ستجدين يمامة !غير انك التقيت بنسر تشبت بك بمخالبه ,لقد خدعنا معا .لكننا سنثأر منه في الوقت المناسب.وسأسهر على ان تكوني قد أخذت تعويضات كما يجب ."
ابتعد عنها لكنها احتجت قائلة :
"سبق واكرمني الكونت كثيرا ولا ارغب بشيء آخر ,و..."
قاطعها قائلا :
"لا تعتقدي ان ملابس أنيقة ومنزلا تسكنينه يكفيان لتكوني امرأة ثرية,حتى ولو اهداك الحلي والمجوهرات,فهذا بنظري كأنك لا تملكين شيئا."
بعد قليل من ذهابه ,توجهت ليندا الى غرفتها .كانت الشمس ساطعة ,لكنها كانت ترتعش بردا .لقد عاملها ماريو باحتقار حتى اصبحت باردة كالجليد.هذا التصرف ليس جديدا من قبله ,لكن هذه المرة ,بعد هدنة بعد الظهر في حوض السباحة دهشت ليندا فالصدمة كانت قوية.
بينما كانت تخلع ثوب السباحة ,سمعت وقع خطى خلف الباب .ليس امام ماريو سوى باب غير مقفل ليجتازه لكنه لم يغامر بدخول غرفتها منذ اليوم الاول لزواجهما.
ارتدت روبها وتمددت على السرير.مازال امامها ساعتان قبل موعد العشاء.اغمضت عينيها بعدما شعرت بثقلهما وغطت في نوم عميق لم تفق منه الا بعد ساعة ,وشعرت بالراحة ونهضت تأخد دوشا .احست بنشاط كبير وانتعاش.اختارت فستان احمر فاقع وضيقا ارتدته وشعرت بتحد سيساعدها على السيطرة على خجلها.ثم وضعت قرطين عريضين من الذهب .
ثم وقفت امام المرآة تنظر الى نفسها عندما دخل ماريو الغرفة .البساط السميك خنق صوت حركاته ,لكنها شعرت بوجوده والتفتت نحوه .محى ابتسامته في الحال.كانت نظراته تتفحصها بدقة,فستانها الاحمر ضيق يظهر تفاصيل جسمها .لكنها تسمرت مكانها عندما صرخ باشمئزاز:
"اخلعي هذا الفستان في الحال ."
رفعت رأسها غرورا وسألته :
"لماذا انه يليق بي تماما ؟"
قال بسخريته المعتادة :
"كما يليق جلد الذئب بالحمل ,فقط النساء المغريات يرتدين مثل هذه الملابس,يا عزيزتي,وانت لست منهن .انت تجهلين كليا معنى الاغواء."
وبحركة عنيفة انتزع القرطين ورماهما أرضا ,ثم امسك بكتفها ومسح الحمرة عن شفتيها .وأمرها قائلا :
"والأن ,اغسلي وجهك.ولا تنسي ان تغيري ملابسك ,انك غير محتشمة ."
واجهته ليندا بغضب :
"لا يحق لك التكلم عن الحشمة .رقصت كابرييلا امامك بوقاحة وانت شجعتها وأقنعت الحضور انك كنت تود الزواج منها ."
قاطعها بجفاف وغضب :
"لا تدخلي كابرييلا بالموضوع "
"لكن. لديك ضمير "
"بالطبع. عندي ضمير ."
وضع يده في جيب سترته الداخلية وأخرج منها علبة صغيرة مخملية وأضلف قائلا:
"ارفض استغلال الرعاة .ومثلهم انت تستحقين الاعتبار .هذا ملك والدتي .جئت به اليك تعويضا عن خدماتك .اصر ان أراك تضعينها .هذا المساء بالذات ."
"كلا شكرا انه لا يليق بفستاني ."
وفي اللحظة التالية شعرت بسحابة فستانها تنسحب .امسك ماريو بالقماش الناعم ومزقه على طوله وقال بلهجة قاتمة :
"المشكلة حلت .وكي تحافظي على فساتينك مستقبلا ,اعرفي ان من عادتي ان يطيعني الآخرون من دون نقاش ."
وبهدوء نظر الى ساعته ثم أضاف :
"يبقى امامك عشردقائق قبل العشاء .وهذا يكفي لتغييرملابسك."
أنت تقرأ
روايات احلام/عبير:خدعه مصيريه
Romance- خدعة مصيرية - دار النحاس ( كاملة ) قرات ليندا اعلان عمل في الجريدة يطلبون فيه انسة للزواج بمواصفات مميزة.فتقدمت اليها علها تجد ملاذا مناسبا لها ولشقيقتها الصغيرة .فدخلت الى عالم المال و السلطة وتزوجت من الحفيد المغرور الذي يحب السيطرة على كل من...