٣- حفل زفاف

24 0 0
                                    

الضجيج ..
هذا الخليط الفريد من الاصوات الغير مرغوبه الذي يدور حولي ..
دلفت رئيسه الخدم وهي تحمل فستاني الابيض المعلق والمكوي بعنايه .. لم اختره بنفسي ، كما حال كل شئ في حياتي ..
كنت اجلس على سريري بلا كلام او اي تعبير يذكر ..
خاطبتني المرأه ذات الزي الابيض والاسود " لقد جاءت خبيرة التجميل وهي تنتظر ، هل تأذنين لها بالدخول ؟ " .. سألت بادب ..
حدقت في السقف لعدة ثواني قبل ان اجيب " امهليني فقط ... "
ولكنني قطعت جملتي عندما رأيت مادلين تدلف ومعها السيدة ذات الحقيبه الفضيه الكبيرة ..
قالت مادلين بحماس "اتت خبيرة التجميل يا فريدة ."
ثم اشارت الي السيدة البدينه التي تبدو في اواخر الثلاثينات ذي شعر بني كثيف عقد على هيئه ذيل حصان ، والكثير من مستحضرات التجميل تغطي كل انش في وجهها حتى وجدت صعوبه في تمييز ملامحها الحقيقيه ..
قالت السيدة ببطئ " اهلا عزيزتي انا خبيرة التجميل لارا حايك " قالتها وهي تقترب لترحب بي بطريقه ودودة عادة ما امقتها ..
اضافت مادلين " لارا من امهر خبراء التجميل في البلدة وصاحبه اكبر beauty center في المنطقه وقد اتت خصيصا لتجميلك "
واضافت لارا مكمله هذا الود المصطنع " صدقيني انا لا اذهب لاي عروس في منزلها ولكنك يا عزيزتي استثناء "
بصعوبه حاولت افتعال ابتسامه ودودة ولكن شكلي كان اقرب لمن يزور طبيب الاسنان ..
بعد مرور عشرة دقائق من الاحاديث المفرغه التافهه انتهى بي الامر جالسه امام المرآة الكبيرة وهناك الكثير من الفرش امامي والكثير من الالوان ومستحضرات التجميل ..
طالما كرهت مستحضرات التجميل ..
بدأت لارا في لف شعري بطريقة مؤلمه وتثبيت بعض الدبابيس هنا وهناك .. قلت وانا اقاوم موجه غضب تتصاعد بداخلي ..
" ولكني لا احب كل تلك الاشياء في شعري افضله حراً "
اضافه مادلين التي لم تتركنا ولو ثانيه وكأنها مهندسه تشرف على مشروع بناء مهم .. " عزيزتي انك عروس يجب ان تكون لك تسريحة شعر مميزه واجد ما تفعله لارا مميزاً و جميلاً "
ابتسمت لارا وتابعت ما تفعله متجاهله اعتراضاتي ..
وثم تبع هذا ساعات من تلوين الوجه ووضع طبقات لا تعد من كريمات الترطيب والتي بررتها لارا بان بشرتي مليئه بالنمش واليوم المثالي يحتاج الى بشره صافيه .
وبعد ساعات من الاعتراضات انتهت اخيرا .. نظرت الي وجهي في المرآة .. كان انعكاس صورة لارا ومادلين خلفي .. تبدو لارا فخورة بلوحتها الفنيه اما مادلين فقد كانت تقف مبتسمه وقد اعجبها منظري .. اما انا ...
اين انا !
نظرت الى تلك التي تقف امامي .. كانت تتحرك لحركتي ولكنها لم تكن انا .. رموش اكبر واغمق وجهه خالي من النمش المألوف، عينان استبدلتا بعدسات اصطناعيه بلون ازرق غامق .
وشعري الطويل الذي اصبح كومة فوق رأسي اشبه بغابه قد تشابكة اشجارها ونثرت عليها بعض الازهار ..
لم يعجبني ما اصبحت عليه .. اشبه بدميه مطليه ..
ولكن لا فائدة من الاعتراض ..
بعد الكثير من احاديث الشكر التي دارت بين مادلين ولارا قررتا اخيرا ان تتركاني لارتدي الفستان بعدما اطررت لاردد لعشرات المرات لمادلين انني لا احتاج لمساعدة ..
واخيرا انتهيت ..
كان فستانا ابيض ذا شرائط كثيرة من الخلف بخصر مشدود مما يجعل فكرة التنفس شبه مستحيله ومن ثم قماش منفوش ثقيل اشبه بفساتين اميرات ديزني ..
ارتديت الحذاء ذي الكعب ليكتمل منظري العام كمهرج ..
سمعت طرقات خفيفه على باب الغرفه .. توقعت ان تكون مادلين .
ولكن صوت الطارق قد فاجأني ..
لقد كان والدي ..
قال باختصار كالعادة " هل انتهيتِ ؟ "
اجبت بتوتر " نعم تفضل " ..
دلف في بدله سوداء انيقه وشعرة الاسود الذي اخذ الشيب منه مأخدا مسرح بعنايه .. عيناه العسليتان ثابتتان وعكازه القوي يحتل يده اليمنى كالعادة ..
كنت اقف في منتصف الغرفه لا اعلم ماذا افعل ، فانا نادرا ما اتعامل مع ابي وجها لوجه ..
جلس على حافه السرير واشار الي المكان الخالي بجانبه " تعالي "
بدون تردد ذهبت وجلست حيث اشار ..
تنحنح قليلا ثم قال بصوته الغليظ " لقد وصل زوجك منذ قليل "
لقد استقر نظري على ارضيه الغرفه .. لا اعلم ما السبب ولكني لم اتمكن يوما من النظر في عينيه .. ظللت في هذا الصمت لبعض الدقائق قبل ان يتكلم مره اخرى ..
" انتِ ابنتي الكبيرة، وطالما تسببتي في المشاكل ولكني كنت اعلم انك يوماً ما ستكونين امرأة عاقله تشرف اسم ارسلان "
سعل قليلاً ثم تابع " اريد منك ان تكوني زوجة مطيعه حنونه كما يجب على الزوجة ان تكون ، ولقد اخترت لك زوجا صالحاً سيهتم بك ويؤمن لك حياة سعيدة في بيت جميل "
احسست بشئ يلتف حول رقبتي بيطئ شئ يجعل التنفس صعبا ، وكأن الاكسجين بدأ ينفذ من الغرفه ..
" لقد حان الوقت لتنزلي للترحيب بالضيوف ورؤيه خالد وعند الساعه التاسعه والنصف سيكون المأذون قد وصل ليتم عقد قرانك على خالد " ..
أومأت ..
وقف واشتدت قبضته على عكازه ومد يده ليساعدني على الوقوف ..
وقفت بمساعدته وخرجنا ..
كان البيت مختلفاً .. تغير كثيرا بين ليله وضحاها .
كان مليئا بالزينه والازهار .. الكثير من الاصوات والغناء يعم المكان ..
نزلنا السلم بيطئ وقد تجمهر الضيوف بالاسفل .. سمعت همهمات اعجاب وتصفيق عندما وصلت الى القاعه .. كان خالد يقف بقامته الطويلة في المنتصف .. شعر ذي لونٍ بني فاتح ممشط بعنايه ، عينان خضراوتان وبشرة بيضاء اكثر نقاءا من بشرتي ! ..
وجسد ممشوق وقد ارتدى بذله كحليه تبدو قد كلفته مبلغا وساعة ذهبيه احتلت معصمه ..
قال بلطف مبالغ وهو يأخذ يدي من بين يدي والدي " عنك يا سيدي "
ينادي والدي سيدي !!
اومأ ابي بوقار والتفت ليرى الحضور ..
همس خالد باعجاب " تبدين ساحرة يا زوجتي "
قلت من بين اسناني بعند " لم اصبح زوجتك بعد "
ابتسم وهو يضيف بانتصار " ولكنك ستصبحين ان المسأله مسأله وقت " ..
كنت على وشك الرد عندما اتت ريما في فستان وردي رائع وطوق من الورد يزين شعرها البني الناعم .. " فريدة انكِ تبدين رائعه "
قالت وهي تحتضنني " اجمل عروس على الاطلاق " ..
ونظرت الى خالد " وانت ايضاً تبدو رائعا زوج اختي "
رد بلطف " يمكنك مناداتي بأخي فمن اليوم ستكونين مثل اختي الصغيرة " ..
لم تبدو ريما مرحبه بكونها اخته الصغيره ولكنها بادلته بابتسامه مؤدبه ..
قالت وهي تكلمني بحماس " كريم كان يريد تهنأتك "
اومأت لها " فل يأتي "
اشارت اليه ريما ليأتي ، كان يقف بعيدا ، كان كريم فتى خجول دي شعر يتساقط على جبهته وبنيه رفيعه .. اتى بكل ادب وهنأني وتمنى لي حياة جميله ..
حاولت ان اكون ودودة معه قدر المستطاع ..
بعدها قطع حديثنا صوت رنين هاتف .. لقد كان هاتف خالد استأذن وهو يجيب ويبتعد قليلا عن الضجة المحيطه بالمكان ..
كنت اعلم ان حياتي معه ستكون دائما بهذا الشكل .
اتصالات واجتماعات ، حياة خاليه كما هي حياة ابي ..
***
قبل 3 ساعات ...
"ماذا قلت !! "
قالها سليم بصوت مدهوش وهو يدور حول نفسه في الغرفه الصغيرة ،
رد يونس الذي ينظر الى يديه بتوتر
" صدقني لم اكن اعلم ان هذا سيحدث "
سدد سليم لكمة للجدار بغضب. " عليك اللعنه يا يونس ، هل انت غبي لتلك الدرجة كيف تذهب لتسدين المال من هذا الحقير دونا عن الجميع "
طأطأ يونس رأسه في خجل وقال بصوت اشبه بالهمس " لم اكن اعلم انه سيهددني بتلك الاوراق التي قمت بتوقيعها "
واضاف بصوت اضعف " وخفت ان قمت باخذ المال من احد تعرفه سوف يخبرك " ..
نظر سليم بغضب اليه وقد ازدادت عينيه سواداً وحدة ..
" ولهذا قررت ان ترمي بنفسك وعائلتك بين براثن هذا الوغد ، "
ثم اضاف بغضب " لماذا لم تأت لي "
اجاب يونس وهو ينظر اليه بضعف " لم تكن لتعطيني هذا المبلغ "
اردف سليم بصوت حاول السيطرة عليه " ما كنت لامنع اي شيء املكه عنك ! لو اخبرتني انك تحتاجة لاعطيتك اياه "
"كنت ستتهمني انني انفقه لشراء المخدرات " رد يونس مدافعاً ..
اقترب سليم منه " اولم تنفق كل ما اعطيتك اياه سابقاً فيها !"
قال يونس بشكل هستيري " لكن ليست هذه المره اقسم "
وضع سليم يديه على جانبيه ونظر لصديقه الذي يجلس بضعف على الاريكة المهترئه .. " اذا في ماذا انفقته ؟ "
اخذ يونس نفسا طويلا قبل ان يجيب ..
" سارة " ..
تنهد سليم " اللعنه ! تلك الفتاه مرة اخرى "
دافع يونس " صدقني كانت تحتاج المال لقد طردها اهلها من المنزل ولم يكن لها مكان لتذهب اليه " ..
سأله سليم بعدم تصديق " وانت ماذا فعلت لها ها ؟"
قال بتلقائيه " استأجرت لها شقه .. "
عنفه سليم " ولماذا لم تحضرها لتسكن معك هنا "
اتسعت حدقه يونس واشار الي المكان حوله " انت ترى هذا المكان صغير بالكاد يسعني "
تنهد سليم في يأس .. منذ عرف يونس تلك الفتاه وهو اصبح شخصا اخر ، ضعيف مغلوب على امره، اشبه بكلب يركض وراءها اينما كانت .. لا يستطيع تفسير ما فعلته في صديقة الا انه لا يحب ما آل اليه بشكل عام ..
***
-هاي انت ! من انت يا صاحب القبعه ؟
- انا المصور ..
نظر الحارس الي الكاميرا والمعدات التي يحملها الشاب مفتول العضلات ..
-انتظر هنا .
اخرج هاتفاً من جيب بنطاله وطلب رقما ما ..
ثم عاد اليه بعد بضع دقائق -هل انت يونس ؟
-نعم .
اشار الحارس الى باب خلفي -ادخل من هنا ، والتقط بعض الصور للحفل الى ان يأتي السيد خالد ويخبرك ماذا تفعل ..
اومأ سليم وتقدم الى الباب وفتحة ..
كان هناك الكثير من المدعويين..
ولكنه اتى بعزم وخطه لن يجعلها تفشل مهما كلفه الامر ..
خالد من بدأ هذا ويجب عليه ان يتحمل عواقبه ...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 13, 2016 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

غير قابلة للاصلاححيث تعيش القصص. اكتشف الآن