الفصل ا لأول

13.7K 170 2
                                    


- أي !
قفزت العروس من مكانها ن فهمهمت " هانا " و هي تضع في فمها دبابيس الحياكة :
- معذرة يا " هيلين " .
جلست قرفصاء و تنهدت قبل ان تمسك الدبابيس بيدها و قالت :
- من المستحيل ان تبدو قامة الثوب منتصبة و رائعة ، لابد أنني أخطات عند تصميم الاترون ، و الان من المستحيل علاج ذلك الخطأ .. كيف اخرج من هذا المأزق الآن ؟
ابتسمت هلين سميث ابتسامة هادئة لحماتها المقبلة ، إن هانا خياطة لا نظير لها و تتقن عملها بعناية شديدة فينال اعجاب الجميع .
قالت هلين برقة :
- إنه رائع يا هانا ن و يروقني كثيرا .. انه حقا هائل .. و سترين ذلك بعد الانتهاء منه ..
و إلي الان كان الثوب الحريري ذو اللون العاجي مغطي بالدبابيس و علامات الخياطة .. و لكن هلين كان بإمكانها تقدير شكل الثوب علي الرغم من عدم إلمامها بأعمال الحياكة .
قالت هانا :
- الحق أنني بدات اتساءل هل كنا فعلا محقين في اختيار هذا الموديل ؟ ،
فثوب العروس مقترن دائما بالدانتيل و الازياء الفضفاضة ..
انفجرت هيلين في الضحك .
- و لكن هذه الفكرة كانت فكرتنا من البداية يا هانا !
و انت التي اقنعتني باختيار موديل غير عادي و لا يمكن التراجع الان ، لقد تاخر وقت التراجع كثيرا !
هبت هانا واقفة في مكانها بخفة شديدة لا تلائم سيدة في الستين من عمرها ، و عادت قليلا الي الوراء و هي تعقد ذراعيها علي صدرها لتتأمل عملها عن بعد بعين فاحصة ، ثم قالت :
- من المؤكد أن " إيدا " ستدهش كثيرا ، أليس كذلك ؟
فأجابت هيلين :
- بالتاكيد .
لم تكن إيدا شقيقة هانا لتحسد هذه الأخيرة علي مواهبها كخياطة ، فقد زوجت ابنتها من ثلاثة اشهر و كان ثوب العروس رائعا جدا في طرازه التقليدي .
و كان من الواضح جدا ان هناك منافسة دائمة بين الشقيقتين مما جعل هانا تصر علي استبعاد فكرة الثوب العروس التقليدي لتصمم ثوبا غير مألوف و الحق ان هيلين سعدت كثيرا بهذه الفكرة .
و استوحت هانا هذه الفكرة من معرض للملابس اليابانية كان مقاما في الـ " أرت جالاري " بـ " اوكلاند " ، فالتقطت عدة صور لبعض الملابس عرضتها فيما بعد علي هيلين بحماس شديد .
- لماذا لا نستوحي فكرة الثوب من جداتك .. فيكون عبارة عن كيمونو فوق ثوب ملصق بالجسد و تستطيع مدام هاريسون تنفيذ ذيل الثوب بالتطريز و الجواهر .
فعلقت هيلين التي اعجبت بالفكرة قائلة :
- لقد كانت جدتي الولي من الصين و ليست من اليابان .
و الحق ان هيلين لم تكن تشبه سيدات نيو زيلنده بقامتها التي يصل طولها الي 162 سم ، و شعرها الاسود البراق و عينياها اللتين يميل لونهما الاخضر الي الرمادي و بشرتها التي يميل لونها الي العاجي .
و اخيرا استقر رأي الفتاة و حماتها المقبلة علي ثوب ذي كمين من الحرير الرقيق ترتدي فوقه ثوبا آخر يشبه الـ كيمونو أما الظهر ن فكان له ذيل طويل ، مطرز و رسم عليه شكل استوحته المرأة من كتاب رسومات شرقية بينما ثم تطريز نهاية الثوب الذي يلامس الأرض و الحق ان قماش الـ كيمونو الحريري كان باهض الثمن جدا و لكن هيلين لم تعان من هذه المصروفات لأن اسرة جريج اصرت علي القيام بكل تكاليف الفرح .
و هيلين فتاة يتيمة ليس لها سوى اخت وحيدة اكبر منها تدعي سوزان و هي سيدة متزوجة في الخارج و تعيش بصحبة زوجها و اطفالها الثلاثة الصغار و لذلك لم تستطيع سوزان المجيء للمشاركة في تجهيزات الفرح و كان علي هيلين ان تعترف بجميل هذه العائلة الثانية التي تكرمت بمنحها المساندة المعنوية و المادية .
صاحت هيلين سعيدة :
- لن أضع هذا الثوب الرائع في الصوان ابدا بعد الزواج فهو رائع جدا لأن اقضي به اي اامسية أما بالنسبة للـ كيمونو المطرز فيمكنني استخدامه كتابلوه علي الحائط مثل هذه التي رأيتها في المعرض .
قالت هانا بفرح :
- إنها فكرة رائعة يمكنك اذن وضعه علي الحائط الكبير في حجرة استقبال الضيوف الخاصة بـ جريج بدلا من هذا التصميم الحديث المزعج الذي يضعه هو هناك .
قالت هيلين : التي تشارك هانا في رأيها :
- إنه يؤكد ان هذا التصميم يساوي ثروة .
- علي كل حال لحسن الحظ انه لم يفكر في ابداء رأيه بشأن ثوب العروس و في رأيي ان جريج يعاني من الذوق السيء .. و الا لكا كان ترك هذا الديكور الرهيب علي الحائط في منزله ؟ الحق أنني لا احتمل ان يقرر شخص غيري الألوان او الموبيليا التي اعيش بينها 1 و لكن هذا الولد له تصرفات كثيرة لا افهمها ...
ابتسمت هيلين .. ان هذا الولد في السادسة و الثلاثين من عمره اي انه اكبر منها بحوالي ست سنوات .
كما انه رجل مثقف و يعرف كيف يدير مشاريع الاستيراد و التصدير بمهارة شديدة و دائما مسافر في رحلات العمل .
و لو كان قد اضطر للأستعانة بمهندس ديكور لتصميم ديكور منزله ذلك لأن حياته مضطربة لا تسمح له بالقيام بذلك هذا بلأضافة الي انه لا يثق في ذوق والدته البرجوازي .
تقابل جريج مع هيلين لأول مرة في الطائرة بين سيدني و أوكلاند و كان جريج في طريق العودة بعد رحلة الي معارض اليابن اما هيلين فقد كانت تقوم بآخر مرحلة في الرحلة التي دامت عامين ..
و كانت عبارة عن جولة في جميع انحاء اوروبا مع بعض الاصدقاء و كان هناك من يمول الرحلة نظرا لكونها من افضل السيدات اللاتي ينفذن الملابس الصوفية المصنوعة من التريكو و كانت تبيعها في كل مكان تذهب اليه .
و عندما تقابلت مع جريج كانت تنوي القيام برحلة جديدة و لذلك نوت مرافقته في جميع رحلاته الي الخارج و بفضله تعاقدت مع شركات كثيرة و بدأت اعمالا كثيرة لدرجة انها فكرت بفض الشركة المقامة بينها وبين شركين آخرين و كانت عبارة عن محل صغير في فيكتوريا بارك و لكنها عدلت عن فكرتها لرغبتها في الاتصال بالعملاء دائما كما انها كانت تشعر بسعادة شديدة عندما تسمع كلمات الاعجاب بعملها من افواه الجميع حتي من لم يفكر في الشراء .
قالت هانا فجأة بينما كانت تجمع الخيوط و قطع القماش المتناثرة علي ارض الحجرة الصغيرة التي تستخدمها كــ أتيليه :
- انا سعيدة جدا بزواجك من جريج .. فأنا لم أره ابدا بمثل هذه السعادة علي الاقل منذ سنوات بعيدة .. لقد ظننت في يوم ما انه لن يتزوج ابدا .
وقفت هانا و هي مرتبكة بعض الشيء فقالت لها هيلين :
- لا تنزعجي يا هانا .. لقد حكي لي جريج كل شيء و اخبرني انه كان متيما بحب فتاة فيما مضي كما اعرف المشاكل التي سببها هذا الارتباط في العائلة و لذلك اتفقنا ان ننسي الامر تمام و لا نذكره ابدا ..

.
.

و ما حدث حدث .. و لكن كل ما يضايقني انه تالم في يوم ما ...
- لقد تألمنا كلنا بطريقة او باخرى و لكننا لحسن الحظ مازلنا اسرة متماسكة مع ابني و الحق انه يوجد بعض المنافسة و لكن ذلك يحدث كثيرا بين الاخويين المتقاربين في السن ن غير مهم ، و لكن هذه القصة ،، علي العموم ، ماحدث حدث كما قلت .
و لكن من الواضح ان هناك عواقب اخرى واضحة فقد لاحظت هيلين بوجود تناقض في مشاعر جريج اتجاه اخيه فكان يشعر انه يبدو دائما في الظل بالمقارنة بشقيقه الاكبر الذي تكلل مواهبه و اعماله النجاح و لكنه لم يفكر ابدا في ايذاءه و في النهاية وقع في حب خطيبة شقيقه و هي ايضا نفس الشيء علي الرغم من موحاولاتهما المتسميتة لمنع هذه العاطفة من الاشتعال ... و في النهاية وقف الشقيقان كل منهما في وجه الآخر في مشهد رهيب تبادلا فيه التهم و الكلمات الجارحة و اخيرا هربت الفتاة و تركت الشقيقين لهول الموقف ...
و عندما كان جريج يحكي لهيلين هذه الفترة من حياته كان يبدو حزينا كان الجرح لم يندمل بعد .
استرقت هانا السمع للأصوت التي بدت عالية في الخارج اي في البهو ثم قالت :
- تري مع من يتحدث نيك .. اتمني الا يكون علي وشك استقبال احد الان ... فموعد العشاء قد حان ، هيلين لا داعي لعودتك الي منزلك بعد العشاء و يمكنك ان تقضي الليل في حجرة الضيوف ..
فأجابت هيلين التي كانت لا تفضل العودة الي منزلها :
- نعم افضل ذلك م و اشكرك كثيرا .
و الحق انها كطانت تسكن في منزل مشترك مع فتاة تدعي جين و تعمل ممرضة ليلية و فتاة اخرى تدعي سيرينا و تعمل مربية و الان تعمل لدي رجل دبلوماسي يعيش مع عائلته في اوكلاند .
- ان جريج ينوي الاتصال بي اليوم ن و اعتقد انه اذا لم يجد احدا في المنزل فسيتصل بي هنا .
و كان جريج يتصل بها كل يومين عندما يذهب في رحلة عمل .
كان صوت الزائر الذي حضر لتوه يبدو مألوفا و فجاة صاحت هانا قائلة :
- يا الهي هل هذا جريج ؟ مستحيل ، انه لن يعود قبل يوم الاثنين ، اليس كذلك ؟ و مع ذلك اشعر انه حضر !
و بسرعة شديدة بدات هانا تفك الحزام العريض الخاص بالـ كيمونو و تنزع عنه الدبابيس و هذه الدبابيس كانت موضوعة مكان الازرار العاجية التي ستغلق الثوب من بدايته الي نهايته .
-اتمني الا يكون جريج غبيا حتي يأتي الي هنا ؟ فهو يعرف جيدا اننا نعمل في الثوب ... و الان اصعدي بسرعة و غيري ثوبك ! فمن امؤكد انه سيأتي فورا لو علم بوجودك ...
و فجاة ظهر زوج هانا الرجل الطيب القلب عند مدخل فحاولت هيلين اخقاء الثوب ، عندما قال الرجل بينما كانت عيناه تلمع بفضول شديد :
-معذرة يا سيدتي و لكننا لدينا ضيف و اعتقد انكما ستتوقفان عن عمل اي شيء اذا عرفتما من يكون الضيف !
-هيرمان !
توقفت هانا من هول المفاجاة لثوان معدودة قبل ان تجري عبر الغرفة كانها طفلة صغيرة لترمي بنفسها في احضان الرجل الذي وقف بجانب زوجها عند المدخل .
-مساء الخير يا أمي .
احتضن هيرمان والدته بينما ترسم علي ملامحه ابتسامة هادئة و يبدو من تعبير وجهه كانه لم يبتعد عنهم الا اسبوعا واحد و ليس عاما كاملا .
-هيرمان .. هل ستظل طويلا هكذا ؟

همس هيرمان كانه يقول نفسه :
-اطول وقت ممكن

ليلة عابرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن