قال هيرمان اخيرا :
- اعتذر يا هيلين ... لم اكن اعرف ..
- لا تعتذر يا هيرمان ..ز فلم يكن بوسعك ان تعرف ذلك .
تدخل جريج قائلا :
- في المرة القادمة حاول معرفة الحقائق اولا قبل الحكم علي الاشياء .
و لكن هيرمان تجاهله تماما و قال لـ هيلين :
- لكن تسمحين لي .. هل دام هذا الفقدان للذاكرة طويلا ؟
كانت هذه الاسئلة تزعجها و لكنها لن تستطيع قول ذلك و الا اعطت لجريج فرصة مهاجمة اخية ثانية ، فتماسكت قليلا حتي قالت :
- انه يخص بعض أطلال الماضي .
ثم ابتسمت و تحاشت نظرات هيرمان الثاقبة لتوجه حديثها الي سيان :
- انه شيء محير جدا لدرجة انني اجهل ماذا حدث خلال هذه الفترة .. و لكنني اعتقد انه ليس هناك
.
.
انه شيء محير جدا لدرجة انني اجهل ماذا حدث خلال هذه الفترة .. و لكنني اعتقد انه ليس هناك اشياء مهمة ..
و فجأة ظهرت الحقيقة جلية امام عينيها و جف فمها تماما و لم تستطيع النطق بكلمة واحدة ... هي و هذا الرجل ..
حاول جريج تصليح موقفه امام خطيبته فقال في خجل :
- الحقيقة وفقا لما قاله الاطباء لم تنس هيلين كل ذكرياتها فهناك طرق كثيرة تؤدي الي ذلك و في كلمات علمية فإن الكروموسومات التي تقترن بالخلايا العصبية تجمع هذه الذكريات و لكي تتذكرها لا بد من اعادة تفريغ هذا الجزء من المخ عن طريق كروموسومات جديدة .. اليس كذلك يا هيلين ؟
وافقته هيلين بابتسامة شاحبة ، فقال هيرمان :
- و كيف يتم ذلك ؟
- عن طريق تجميع افكارها مثلا لاحظت هيلين انها نسيت تماما فترة المدرسة الابتدائية كما لو كانت لم تمر بها اساسا ، و لكن بعض الذكريات كالبالطو الواقي من المطر و بعض الملابس الصوفية الخاصة بها اعادت الي ذكرياتها قليلا من الافكار فتذكرت فترة وجودها في الفتاء اثناء تنالها لسندويش جبنة ثم تذكرت مدرسا قديما لها عندما سمعت صوتا يشبه صوته و في النهاية عادت اليها ذكريات هذه المرحلة كاملة ..
قالت سيان مازحة :
- مم .. علي كل حال .. هناك بعض الاحداث في حياتي التي افضل الا اتذكرها نهائيا ..
قال هيرمان بهدوء :
- هذا اذا لم تكن تلك الذكريات محفورة في ذاكرة شخص اخر ربما يكون ذلك مزعجا اذن ..
فانفجرت سيان في الصحك و بدات بعض ذكريات المرحلة التي كان هيرمان خلالها مجرد صحفي مبتدئ فأعجبت هيلين بهذا الحديث و ان كانت لم تعد تريد الا العودة الي المنزل لتبدأ في التذكر و التفكير و لكن هيرمان و جريج و سيان كانو يريدون استكمال السهرة في هذا المكان و عندما .
.
ذهب هيرمان لدفع الحساب و ذهبت سيان الي دورة المياه استغلت الفتاة الفرصة لتقول لجريج انها مرهقة و لكنه لم يتفهم الموقف و قال لها :
- و لكنني لم اطلب منه بعد ان يوقم بدور الوصيف في حفل زفافي كما .. انني لم أجد الفرصة سانحة بعد ان هاجمته بشدة بسبب موضوع الجواز السفر هذا !
اعذريني لحديثي معه يا عزيزتي ولكنه يملك موهبة دائما ليضغط علي اعصابي .. كما اعدك الا ننتظر طويلا لو كنت حقا مرهقة .
لم تتوان سيان عن دعوتهم لقضاء السهرة في ملهي ليلي ممتاز و الحق ان مهنتها كصحفية سابة قد منحتها فرصة للذهاب الي افضل الناطق في اوكلاند لذلك اختارت ملهي روستيز حيث يذهب عليه القوم و اكثرهم تعقلا كما ان اسعار المشروبات هناك كانت باهضة جدا .
و ما ان جلس الجميع حتي نهضت سيان طالبة من هيرمان مشاركتها في الرقص و بعد قليل تبعها جريج و هيلين .
كان جريج راقصا ماهرا و كانت خطواته مع هيلين متناسقة جدا حتي هدات الفتاة و سعدت لكونها مرتبطة بهذا الرجل الذي تتفق معه في اشياء كثيرة ! و لكن هناك شيء واحد يشعرها بالضيق و هو انها كانت تتمني ان تكون حبيبة له و ان تكون منتمية اليه ... كما انتمت الي شقيقه في ليلة ما ..و لكنها سرعان ما استبعدت هذه الفكرة من رأسها ..
كما انه لا يوجد اي شيء يثبت ذلك و فجاة اعادها صوت هريمان الي الوقاع .
- هل يمكنني اختطاف رفيقتك ؟
و بعد قليل كانت هيلين بين ذراعي هيرمان و علي الرغم من تغير رفيق الرقصة الا انها سرعان ما شعرت بالإنسجام مع خطواته مما جعلها تشعر
.
.
ما شعرت بالإنسجام مع خطواته مما جعلها تشعر بخيبة الأمل .
و ما ان لف هيرمان ذراعه حول خصرها حتي ابتعجت قليلا فلم يحاول ان يقربها منه ثانية و عندما نظرت في عينيه لم تر يفهما هذا التعبير بالإنتصار و لكنها وجدت تعبيرا بالحزن مشوبا بالحنان لا حد له .
و فجاة قال لها :
- هل هناك خطورة لعودة المرض ثانية اليك ؟
لا داعي للهروب منه .. كما ان هذه الاسئلة من اهم مميزاته كصحفي ناجح فاجابته بصوت ملموء بالإحساس :
- اعتقد انني شفيت تمام .
فأغمض عينيه و لاحظت الفتاة ارتعاش جفونه .
.
ذات الرموش الشقراء الكثيفة و عندما لاحظت ضعفه الي هذا الحد ارتعدت و قالت هامسة :
- هيرمان !
- لقد اخبرني جريج انك فقدت والديك قبل سن السابعة عشرة فهل كان هناك من يتولي رعايتك اثناء هذه الفترة الصعبة من حياتك ؟ و هل جاءت شقيقتك لمد يد العون لك ؟
هزت رأسها قائلة :
- لم اطلب منها ذلك ، فقد كانت تعيش انذاك مع زوجها في المانيا و كانت متعبة جدا في بداية حملها و لك يكن باستطاعتها مجرد نغاردة الفراش خوفا من فقدان الجنين .
- اذن انت لم تخبريها بشيء ... و اخفيت عنها نبأ مرضك حتي .. اخبريني حتي متي ؟
لم تستطيع هيلين مقاومة اصراره اكثر من ذلك و سردت عليه كل شيء :
الآم رأسها التي اعادها الاخصائي الي وجو\د فيروس في جسمها و سلسلة من الفحوصات الطويلة التي لم يؤكد اي شيء و ظهور الورم اخيرا و محاولة العلاج الكيميائي و محاولة الاخصائي للحصول علي دعم من الدولة لتغطية تكاليف علاجها و رحلتها الي انجلترا و محاولتها الاتصال بـ جاك لتطلب منه اخبار شقيقتها سوزان بمرضها بدون ان يزعجها كثيرا .
و كان هيرمان يستمع اليها كما لو كان يعيش نفس الآمها و أحزانها من جديد لدرجة انها بدات تشعر بالفزع ثانية و اخيرا همس قائلا :
- كنت صغيرة و وحيدة ...
.
- و لكني كنت محاطة بالأصدقاء يا هيرمان كما انني لم اكن طفلة ! و هذه التجربة جعلتني قوية فلأحساس بدنو الموت جعلني ابدو متماسكة و جعلني ما احدد ما اريده بالضبط من الحياة فبدات اقيم الاشياء من الجديد كالحب مثلا .
- و لكنك لم تجدي من يحبك و يساعدك في هذه الفترة حيث كنت بحاجة شديدة الي المساعدة اليس كذلك ؟ كما ان العلاج الكيميائي قاس جدا ...
- الشعور بالغثيان و الهزال فقط لا غير كما انني لم اضطر باللشعة و لم افقد شعري .. كل ما حدث انه اصبح فقط ...
اختنقت الكلمات في حلق هيلين و لكن هيرمان قال :
- اصبح لونه اشقر
قالت بصوت خفيض :
- لقد نسيت ذلك تماما او ربما اردت نسيانه .
- كنت متأكدا ان لونه لا يلائم لون بشرتك .. كما انني لم اتصور انك تفضلين الظهور بشعر اشقر ...
اكتسي وجهها بحمرة الخجل فاخذ ينظر اليها مبتسما و فجاة قال لها :
- هل تنوين إخبار جريج ؟
- اخباره بماذا ؟
- بما حدث في هونج كونج ؟
- و لم ذلك ؟ فانا اجهل ما حدث و لا اعرف الا ما اخبرتني به لماذا فكرت في ذلك ؟
- يمكنك اخباره بالتفاصيل ، الا تريدين ذلك ؟ انت لا تتذكرين شيئا الان و لكن من يعرف فيما بعد ؟ فقد ذهبت في هذه الليلة الي ..
قاطعته هيلين :
- هيرمان ... انا اقدر معاونتك لي ، و لكن لا داعي لذلك انها مجرد صدفة فقد تلقيت تربية صارمة و لم اكن ابدا من النوع الذي يفكر في قضاء ليلة مع شخص غريب .
- و لكنها ليست مغامرة ، كما ان ذلك لا يعد خرقا لعادتك و تقاليدك ، مجرد فتاة استغلت الفرصة لتصبح امرأة ...
- و لكنها ليست انا ! مستحيل ! فأنا ما ازال عذراء .
تعثر هيرمان في وقفته و اعتذر ثم نظر الي رفيقته بثبات في عينيها .
- هيلين ، هل تظنين انك مازلت عذراء ، هذا مستحيل !
سكتت الفتاة و هي تهز رأسها غير مصدقة ثم قال ثانية في لطف :
- هذا يعني انه لم يقترب منك اي رجل غيري .
تقلص وجه الفتاة في ذعر شديد .
- لا تتشبتي بهذه الفكرة يا هيلين حتي لا تصابي انت و جريج بخيبة امل اذا تخيلت ...
- كفى يا هيرمان ! كيف تجرؤ ؟
- اجرؤ لأن ذلك ضروري يجب ان تواجهي الحقيقة لقد كنا حبيبين يا هيلين و لم يقتصر الامر علي مجرد ليلة عابرة ...
- هل قرأت قصة ملاك في الظلمات ؟
انفجرت اسارير الفتاة بعض الشيء و تجابت :
- كلا لم اجد الوقت المناسب !
- حسن يجب ان تقرئيها ! فبطلة القصة هي أنت !
- ماذا ؟
جذبت صرخة هيلين الفزعة انتباه الراقصين من حولهم .
تابع هيرمان حديثه :
- انها قصة لقائنا لقد نجحت ان تجعليني افهم خلال هذه الليلة كل معاني الحياة و الحب و الخلق انني كتبت هذه القصة تكريما لأمرأة لم تسعفني الظروف لن اشكرها بنفسي ...
حتي ذلك اليوم .
لم تصدق هيلين ما تسمعه و تمتمت :
- لماذا تتصرف معي بهذه الطريقة ؟ ماذا تريد مني في النهاية ؟
هكذا تتحدث دائما عن ماض لم اكن ابدا مسؤلة عنه بل و لا ازال غريبة عنه !
اخيرا تماسكت الفتاة و لكن هيرمان كان ينظر اليها بابتسامة غريبة علي شفتيه ثم قالت هيلين بحماس :
- ارجوك لا تحاول اتعاس جريج بهذا الحديث !
انت تريد ان تجعله يدفع الثمن و لك ما تريد و لكن لا تفعل ذلك من خلالي ! و حسب ما أعلم فهو لم يدمر حياتك تماما ... فقد تزوجت من اخري بعد رحيل خطيبتك ، اليس كذلك ؟ و انت لا تتصور ايادا ان جريج اراد تعذيبك عن عمد .. و ربما لم تخلق انت و خطيبتك لبعضكما ... ؟
رمي هيرمان رأسه الي الوراء كأنها لكمة في وجهه و قال :
- اهذا ما اخبرك به ؟
- لم يكن يقصد اي شيء مما حدث اتعتقد انه وقع في حب المرأة التي اختارها شقيقه عن عمد ؟
اجاب هيرمان ببطء :
- كلا ! لا يمكن ان يفعل ااحد ذلك عن عمد .
فوجئت الفتاة بتعبير وجهه و شعرت انها فهمت ما يريد هيرمان قوله و قرأت في عينيه تأكيدا هادئا و كأن الاحساس رغما عنه ... تصريح هادئ بالحرب .
قالت الفتاة بصوت مختنق :
- انا اجهل اللعبة التي تنوي القيام بها و لكنها لن تتم بواسطتي .
و كأن هيرمان و هيلين في هذه اللحظة في الطرف الآخر من القاعة بعيدا عن سيان و جريج الجالسين علي المائدة و فجأة جذبها هيرمان وراء احد الاعمدة منذ متي و هما يرقصان ؟ ان هيلين لا تستطيع تحديد هذه المدة ...
وربما كان امد الدهر .
- هيرمان ...
و لكنه اسكتها بقبلة علي شفتيها بينما تلتف يداه حول خصرها كان يقبلها بحرارة غريبة و عندما ابتعد عنها كانت وجنتاها مخضبتين باللون الاحمر و الانفاس تكاد تكون متقطعة .
و فجاة لمعت عيناها ببريق الغضب علي الرغم من نظرات هيرمان التي تشتعل برغية عارمة و قالت :
- لماذا فعلت ذلك يا هيرمان ؟
- لكي اعيد الذاكرة اليك ... لكي افتح الطريق امام ذاكرتك ...
هل تذكرت اي شيء ؟
شعرت الفتاة بسخونة و برودة في نفس الوقت .
- كلا لم اتذكر شيئا و لا اريد ان اتذكر شيئا ! و للمرة الثانية ارجوك دعني و شأني يا هيرمان دعنا و شأننا انا و هو .
فاجابها بحدة جعلتها ترتبك :
- لا استطيع يا هيلين ، لا استطيع ان اتركك ترتكبين مثل هذا الخطأ .
انهت بقية الامسية كأنها كابوس و في النهاية عندما حاولت هيلين ترتيب الاحداث في مخيلتها تذكرت انها لدى عودتها الي المائدة مع هيرمان كان جريج هادئا جدا و اخذ ينظر اليهما باستغراب شديد كانه يشك في امرهما .
و ازدادت الامور تعقيدا عندما عرض جريج علي اخيه ان يقوم بدور الوصيف في حفل الزفاف و كأنه القي بقنبلة في وجهه و كأن هيرمان كان ينتظر هذا العرض لينفجر فقال له :
- لقد قمت قبل بدور ما في قصة زواج فاشلة يا جريج ولا اريد تكرار ذلك ثانية !
صمت جريج تماما و بعد ثلاث دقائق كان قد اصطحب هيلين و خرجا من الملهي .
و عندما عادت هيلين الي المنزل جلست مع نفسها و شعرت بتوتر شديد كما ان جريج رفض ان يتحدث معها ثانية في هذا الشأن و ظل طوال الطريق شاحب الوجه مقطب الجبين و لم ينطق بكلمة واحدة حتي وصلا الي المنزل .
لقد تسببت له هيلين في الألم و تركته يعتقد ان هيرمان سيقبل عرضه و لكنها لن تتركه يتعذب هكذا بدون كلمة واحدة .
كما من حقه معرفة الحقيقة ، و لكن اي حقيقية ؟
**************************************
أنت تقرأ
ليلة عابرة
Romanceروايات عبير . . ..{ الملخص<* مفاجأة العمر · يبحث عنها منذ خمس سنوات . . . امرأة من نسج احلامه . . ملاك ، دون اسم ، نجح في هدفه الليلة في تبديد ظلام حياته الي الأبد ، حلم الصين .. حلم ليلة . . و أخيرا وجدها . . مبتسمة و مشرقة ، كانت هنا أمام عين...