الفصل الاول

2K 19 0
                                    


لم يكن المفتاح تحت اص زهور البنفسج حيث يتركه جدها عادة كانت لاتزال تبحث عنه حين سمعت صوت الباب يفتح خلفها،استقامت واستدارت وهي ترمش بعينيها تحت شمس المساء الباهتة ورأت خيال شخص عند عتبة الدار .
كان رجلا هذا ماعرفته على الفور،رجل طويل القامة عريض المنكبين لعله المسؤول عن المنزل لكن لم تذكر رسالة المحامي من بلدة سكاثيوس اي شيء عن وجود مسؤول ما عن المنزل...
ابتسمت بارتباك وقالت "كالسبيرا."لكنها لم تلق اي رد.
للحظةواحدة فقط شعرت بالذعر ينتابها،من هذا الرجل؟
متشرد؟احد محبي التسكع والتطفل تمارا من الذين يغزون الجزر اليونانية كل صيف ويغتنمون فرصة خلو المنازل من ساكنيها كي يأووا اليها ليلا؟ربما يكون كذلك...لكن عليها ان توقفه عند حده فذاك افضل.
هزت كتفيها وصعدت درجات الشرفة بتصميم.
ثم رددت"كالسبيرا." ايضا لم تلق رد.
انتابتها موجة من الغضب الآن،من يعتقد نفسه هذا الرجل ومالذي يفعله هنا برأيه بوقوفه بعجرفة عند عتبة دارها؟
وفكرت هل تتكلم بالأنجليزية ام اليونانية.
قالت بنبرة حانقة:
"مالذي تفعله هنا؟"
-انتظرك بالطبع ياكاثرين والا فلم اكون هنا اصلا؟.
سحبت انفاسها ببطء لسماعها الصوت الكسول النبرات الهادي،كان الصوت كما تتذكره تماما،عميق مثير ومغلف بدفئ اليونان المشرقة،لكن مع طبقة رقيقة من السخرية. انه صوت رجل الآن لا صوت صبي.
"نيكولاس."
كان هذا الأسم كل مااستطاعت كاثرين التفوه به.
فقد جفت حنجرتها فجأة فيما هي تحدق به وقدلف نفسه بذلك القناع الغامض الذي تذكره تماما عنه ووصل تأثير ذلك اليها فتجمدت على قمة السلالم من بين كل الناس على جزيرة سكايثوس هو من تراه اولا...توقفي عن هذا،عنفت نفسها بشده فطوال فترة سفرها بالطائرة كانت تتمنى ان يكون هو اول من تراه هنا،اليس كذلك؟لاغير صحيح ردت على نفسها بقوة واظافر اصابعها تنغرز براحة يدها اليسرى لدرجة شعرت معها ان حجر الألماس في خاتم خطوبتها يكاد يقطع جلدها.
بدا اطول قامة مما تذكر،وقد تحول الجسد النحيل الى جسد رجل رياضي قوي وبدا اكثر وسامة من الحلم الذي كان يراودها احيانا خاصة حين تكون محبطة او حين تتخاصم هي وجوليان خطيبها،ذاك الحلم الذي وبعد مرور ثماني سنوات لازال يقض مضجعها احيانا ويوقظها من نومها بأزعاج...
كان يقف مكانه ناظرا اليها ويديه في جيبه نظرت في عينيه الزرقاوين ثم رمشت بعينيها وااشاحت ببصرها عنه تمارا قائلة بصوت كان مرتفعا اكثر من اللازم رغما عنها:
"لم اعرف انك ستكون هنا."
رد بنبرة ساخرة:
"بالطبع لم تكوني تعرفين،لكنها رغم ذلك مفاجأة سارة بالتأكيد."
ردت بجمود:
"انها مفاجأة دون شك،لكني سألتك مالذي تفعله هنا؟"
"وأخبرتك اني بأنتظارك."
"لكن لماذا؟"
رفع كتفيه قائلا:
"علمت ان الوقت لن يطول بك قبل المجيء للمطالبة...بميراثك؟"
التوى فمه بازدراء وهو ينطق كلماته الأخيرة فهتفت بعنف:
"وماادراك بهذا الشأن؟"
"ستجدين ان اخبار الثروات المفاجأة تنتشر بسرعة."
ازدادت نبرته سخرية فردت كاثرين بحدة:
"لاأرى لميراثي كما قلت اي علاقة بك."
"على العكس ياكاثرين اظنك ستكتشفين ان له علاقة بي."
حدقت كاثرين به بذهول ،وفي المرة الأخيرة لم يستخدم نيكولاس معها هذه النبرة لم يسبق له ان نظر لها ابدا نظره العدائية هذه،
مالذي حدث في السنوات الثمانية الأخيرة كي يجعله يتغير كليا هكذا؟ام ان السبب يكمن بها هي؟
هل تغيرت هي كثيرا لدرجة رؤيتها للناس على حقيقتهم لاعبر ضباب المراهقة الزهري؟
لعلها ترى نيكولاس الحقيقي لأول مرة الآن،لعلها رأت لمحة سريعة من هذا النيكولاس حين غادر اخر مرة كانا معا
بقسوة ودون كلمة وداع حتى ,لكن حتى رغم ذلك...لتحاول اخفاء تألمها من هذا قالت بغرور:
"لايحق لك مكالمتي بهذه الطريقة لكني سأكون ممتنة لك ان اوضحت لي مالذي يجري ."
"ان كنت لاتعرفين بعد كاثرين..."
.بدأ كلامه ولم يحاول اخفاء عدم تصديقه للجهل الذي تدعيه وتابع:
"سأكون اكثر من مسرور لشرح الأوضاع لك،تفضلي بالدخول."
وانحنى لها بمبالغة مصطنعة مشيرا الى الباب.
ايعقل هذا؟انه يدعوهل لدخول منزلها وكأنه مالك المكان،لكنها لن تتاثر بذلك.
ردت:
"شكرا لك."
رفعت راسها بشموخ ودخلت المنزل.
كانت غرفة الجلوس كما تذكرها تماما،مريحة غير مرتبة بتلك الرائحة المميزة لأكواز الصنوبر المعلقة على حافة النافذه الكبيرة برائحة الدخان.
مجموعة غلايين جدها كانت مرتبة على الرف قرب الآلة الكاتبة تمارا التي كان يستخدمها لطبع كتب رحلاته.
تناولت واحدا من غلايين جدها وشمت رائحته،بدا وكأنه وضعه للتو ودخل الغرفة المجاورة،اعادت الغليون الى مكانه واستدارت لترى نيكولاس يراقبها بذات الوجه الخالي من التعبير الذي استقبلها به.
فقالت:
"لم اكن ادري انك تعرف جدي."
سبق وتقابلت مع جيرالد العجوز.
كان صديقا لوالدي في الواقع،صديقا يشاركه احتساء الشراب.
"فهمت."
ردت كاثرين. ولتحاشي النظر لتلك العينين الباردتين،جالت ببصرها على الغرفة وتابعت:
"لم تتغير الغرفة عما كنت عهدته في الماضي،آه،باستثناء تلك المرآة."
واشارت الى مرآة ضخمة الأطار معلقة على الحائط.
كانت قديمة جدا وتفتقر للمعان الزجاج الحديث لكنها تعكس بجمال صف المزهريات الصينية الملونه المواجهه لها.
قال:
"اخبرني انه وجدها في سوق في اسطنبول مع انها صنعت مبدئيا لتكون في قصر كما يبدو."
سألت بضحكة:
"حقا؟."
اجابها بسخرية:
"اجل صنعت لعكس االجمال المواجه لها.انظري."
وقبل ان تتمكن كاثرين من التراجع وضع يديه على كتفها وقادها عبير الغرفة مجبرا اياها على الوقوف امام المرآة .
واطل شكل عليها في ضوء المساء الشاحب المتسلل عبر النافذة والذي التمع على وجهها وملامحها الناعمة وعينيها الخضراوتين الواسعتين،وترك بريقه على شعرها البني الفاتح المرفوع بتسريحة كلاسيكية.
لكنها بالكاد كانت ترى انعكاس صورتها هي بل كانت ترى فقط صورة الرجل الواقف خلفها مباشرة،
حين كان نيكولاس في سنته العشرين كان بالغ الجاذبية والآن بعد مرور ثماني سنوات تحولت تلك الجاذبية الى فتنة وسحر رجولي طاغ،كان وجهه اكثر نحولا لكن هذا اظهر بوضوح اكبر جمال ملامحه اليونانية الكلاسيكية ذات البشرة السمراء البرونزية.
الآن اضحى وجهه مليئا بالتناقضات،قسوة هائلة لكن ايضا جاذبية حسية طاغية في عينيه الباردتين وكثافة رموشه السوداء الطويلة.
كل ماستطاعت رؤيته كان شعره الداكن وشيء بارد لابل خطير يبرق داخل عينيه،وكل مااستطاعت الشعور به هو قوة جسده خلفها فيما يديه تمسكان بكتفيها بقسوة ودفء راحتيه تتسلل الى بشرتها عبر سترتها الحريرية الرقيقة.
وكل ماستطاعت الأحساس به هو العطر الرجولي الدافيء لهذا الرجل الذي يحيط بها كهالة من السحر،كانت تحس وجوده بقوة لدرجة ان انفاسها كانت مكتوبة بذعر داخلها.
قال وانفاسه تداعب شعرها:
"مرآ' قديمة كهذه...مفروض بها ايضا ان تكشف حقيقة من يقف امامها.اتساءل ياكاثرين مالذي ترينه بداخلك في العمق؟"
"انا.."
بدأت تشعر وشعرت بنفسها مسمرة بصوته وحدقت بعينيها التين تنظر اليهما عبر المرآة وللحظة فقط برق شيء ما في اللون الأخضر كأنه حصاة ترمى على سطح بحيرة ما.
انزل يديه على جانبيها ووصل بهما الى خصرها واوراكها الرشيقة تمارا.
وقال برقة:
"لقد فقدت الكثير من وزنك ياكاثرين".
فقالت:
"اجل لكن ليس الكثير".
جاءت كلماتها واهية وهو يرفع يدها وينظر الى معصمها النحيل والعروق الزرقاء الخفيفة الظاهرة تحت بشرتها الرقيقة.
ووضع ابهامه على نبضها الذي تسارع بشكل جنوني للحظات.
سحبت يدها من يده بسرعة وقالت:
"على كل حال كنت مريضة.اصبت بالأنفلونزا الشديدة الشتاء الماضي".
"ولم تشفي كليا منها بعد؟"
"شفيت منها منذ فترة قصيرة فقط".
لكن صوتها بدا ضعيفا فجأة وكأنها لازالت على سريرها في شقتها بلندن محاطة بالوسائد الوثيرة وتشرب كوب الحليب الساخن.
وبما انها شعرت بالدوار الخفيف الآن فقد تهالكت على اقرب كرسي منها.
قال:
"اترغبين بكوب من العصير؟لابد ان هناك زجاجة مافي المطبخ".
احمرت وجنتاها للنبرة الساخرة التي عادت لتبطن كلماته وقالت :
"لاشكرا لك،افضل الشاي".
ابتسم بأقتضاب وقال:
"آه،اجل لقد نسيت هوس البريطانين بالشاي،الذي هو العلاج الناجح لأي مناسبة بسبب التوتر".
جلست على الكرسي وعينيها شبه مغمضتين
وهي تستمع الى الأصوات الصادرة من المطبخ،يبدو وكأنه في منزله،فكرت بأمتعاض وتذكرت انه لم يشرح لها بعد سبب تواجده هنا في منزل جدها الذي اصبح الان منزلها..
فور وضعه الصينية على الطاولة الخشبية المنخفضة سألته بأختصار:
"اكنت تأتي الى هنا غالبا لرؤية جدي؟فأنت تبدو وكأنك تعرف كل شيء في المنزل".
اجاب:
"كنت آتي الى هنا بالمناسبات اجل.لكني اعرف كل شيء هنا الآن لأنني حاليا اعيش هنا.اتريدين الحليب مع الشاي؟"
"اجل من فضلك".
ردت بصوت منخفض ثم حدقت به وهتفت:
"انت..؟".
تحت عينيها من الصدمة وهي تتابع:
"انت تعيش هنا؟اتقصد..انك المسؤول عن المنزل بغيابي؟".
لكن مجرد فكرة ان يكون هذا الرجل مسؤول عن شيء يخصها كانت فكرة غير مقبوله..وان يكون موظفا عندها؟هذا مستحيل.
كانت حينها لتدفع له اتعابا اضافيه لأي مبلغ يدين جدها له به.كان شهر ايار"مايو"على وشك البدء لذا فبأمكانه ايجاد اي عمل آخر لأن موسم السياحة قد بدأ.لكن بأي حال عليه المغادرة الآن!
اخذت نفسا عميقا وهدأت من روعها.فهي بالطبع لم تعد المراهقة الضعيفة ابنه الستة عشر ربيعا التي يسهل التأثير عليها والتي كما يبدو لايزال يعتبرها كذلك.كانت الآن امرأة عصرية وهادئة وذكية.
لكن رغم ذلك..رمته بنظرة سريعة وهو يقترب منها مقدما اليها فنجان الشاي ورأت ميدالية ذهبية تتدلى من صدره تحت بلوزته السوداء.بالطبع هذه ميدالية كريستوفرالذهبية ذاتها؟كان قد اخبرها انها هدية ذكرى مولده للسنه الأولى.
وتذكرت ذلك اليوم فيما كان مستلقيان على الشاطيء في ظل اشجار النخيل يغرزان اصابعهما بالرمل الذهبي.
فك هذه الميداليه للحظات كي يريها اياها ووعدها بشراء واحدة مماثلة لها.لكن ذالك اليوم كان اليوم الآخير ولم تعد تراه من حينها....
اجل ,عليه المغادرة بالتأكيد،فبعد كل شيء مالذي سيقوله جوليان ان عرف انها احضرت معها الى الفيلا معزولة على بعد اميال من اقرب مكان سكين،رجلا يونانيا وسيما؟تناولت بسرعة فنجانها منه وهي ترمقه سرا بطرف عينيها.
تمدد على الكرسي الخشبي الكبير وبدا اكثر استرخاء وراحة منها مع انها في منزلها هي.كان يحمل كوب شراب كرز بين يديه ..تلك اليدين الجميلتين القويتين.
قالت بجفاف:
"يجب ان تخبرني بكم ادين لك؟".
رفع حاجبيه مرددا:
"كم تدينين لي؟بأي طريق ياكاثرين؟".
كان يضعها في موقف حرج مجددا فقالت بصوت ارادته هادئا ومتزنا :
"حسنا،اظنك كنت تعتني بالمنزل تبعا لتعليمات جدي،او لعل محاميه فكر بتوظيفك؟في كلا الحالتين ان اعطيتني رقم حسابك المصرفي فسأتمكن من.."
قاطعها قائلا برقة:
"آه.اظنك اسأت فهم الأمر.لكنه سوء تفاهم بسيط يمكن تصحيحه بسهولة".
وضعت فنجانها على الطاولة وسألت :
"آه حقا؟وماهو سوء التفاهم ذاك؟".
اجابها بتهكم وثقة:
"كما ترين ياكاثرين فيلا انجيليكا ملكي انا".
شهقت نيكول بذهول وقالت:
"ماالذي تقوله؟بالطبع هي ليست ملكا لك.."
سكتت قليلا وحين لم يرد بشيء تابعت وهي تشدد على كلمة:
"ان هذا منزل جدي.لقد بناه قبل ثلاثين سنه وحين مات تركه لي،لحفيدته الوحيدة وهذا مذكور في وصيته".
قال بصوت هاديء فجأة:
"آسف لخيبة املك.لكن وصيته غير صالحة".
"غير صالحة؟"ردت بدهشة.
اجاب بهدوء:"بالضبط".
شرب ماتبقى من كوبه ووضعه على الطاولة بحركة متعمدة.آن الوقت لوضعه عند حده تماما،تناولت حقيبتها عن الأرض وعبثت بمحتوياتها ثم اخرجت مغلفا ازرق وقالت:
"الوصية معي هنا وكذلك رسالة من محامي جدي.وهو يدعى السيد جونايدس".
مد يده البرونزية اليها وسألها:
"هل لي بالنظر الى الورقتين؟".
فتحت المغلف وبصمت ناولته الوثائق.
"في الواقع الوصية هذه نسخة عن الأصلية لازالت الأصلية مع المحامي لذا..."
تركت جملتها دون تكملة عمدا لكنه ابتسم ابتسامة الثعلب الماكر.
وقال:
"اذن فلاجدوى من عناء تمزيقي لها؟"
ردت بجفاف:
"شيء من هذا القبيل".
نظر سريعا الى الاوارق ثم اليها.
قال:
"لكن اترين لاحاجة الى تمزيق هذه الوصية".
ورمى الأوراق بازدراء في حضنها.
فسألته:"ولماذا؟"
"لأنها لاتساوي الورقة المكتوبة عليها".
"ماذا؟"
هل هو مجنون ام انها المجنونة ؟
"لاتكن بالغ..".
قاطعها قائلا:
" لافائدة ياكاثرين.اخشى انه في هذه اللعبة بالذات.."
جاء دورها لمقاطعته بالقول:
"لعبة؟لاألعب اية العاب."
تابع متجاهلا مقاطعتها:
"انا من يمسك بكل الأوراق الرابحة بما في ذلك ورقة الآص".
وتناول من جيبه فعلا ورقة لعب وضعها امامها على الطاولة فوق الصينية متابعا"اص الكبة".
حدقت بالورق بدهشة وغضب"
تمالكت اعصابها وسألت:
"خسنا ماذا اذن؟".
"اقلبي الورق على الجهة الآخرى".
فعلت كاثرين ورأت كتابة باليونانية وتحتها ثلاثة توقيعات احدها توقيع جدها ثم كان هناك تاريخ محدد شهر شباط"فبراير"من السنة الفائتة،حدقت بذلك التوقيع والجمود يعتريها وحين رفعت نظرها وجدت نيكولاس يحدق بها.
ناضلت لأبقاء صوتها خاليا من اي شعور وهي تسأل:
"مالمكتوب هنا؟".
"انه يوافق على منح فيلا انجيلكا وبستان الزيتون المحيط بها والشاطيء امامها الى كوستاس ديميتريوس".
"كوستاس؟".
"أبي".
هزت رأسها بذهول تام وقالت:
"لكني لاأفهم".
رد قائلا:
"ظننت اني كنت واضحا كفاية،والدي هو المالك الشرعي الآن لهذا المنزل".
"ماذا؟"
هتفت به وعيناها جاحظتان بذعر لكن حين واجهت التحدي الجلي في عينيه الداكنتين اشارت الى ورقة اللعب متابعة:
"مع افتراضي ان المكتوب باليونانية هنا هو ماقلته فعلا...وطبعا لاسبيل لي لمعرفة ذلك الآن،اليس كذلك؟".
قطب حاجبيه بتهديد فسارعت لتتابع:
"فلماذا هو مكتوب على ورقة اللعب هذه؟".
"لأن اص الكبه هذا بالذات هو الذي جعل والدي فوز بالمنزل".
"وماكان سبيله الى ذلك بالضبط؟".
اجابها:
"اخبرتك انه وجيرالد كانا صديقين قديمين وكانا يقضيان معظم الأمسيات معا في المقهى يتحدثان ويتسليان بلعب الورق،وبأحدى الأمسيات اقترح جدك على ممتلكات كل منهما.فعلا كان هو من اقترح ذلك وكان هو من خسر".
مرت فترة صمت طويلة وهي تحدق به فاغرة فاهها.ثم قالت :
"انا لاأصدقك".
هز كتفيه بعدم اهتمام واشار الى ورقة اللعب قائلا:
"هاك الدليل".
"بضع كلمات غير قانونية على جهة ورق اللعب؟".
"موقع عليها من قبل المالكين وهناك توقيع الشاهد على ذلك وهو المدعو ميخاليس تريبو وهو زبون دائم في المقهى...".
"وهو احد رفاق والدك على الأرجح".
"في الواقع هو كان صديقا لجدك في ذلك لا لأبي".
رد ببرود وتابع:
"وهذه الورقة تحمل تاريخا يسبق تاريخ وصيتك بستة اشهر كاملة".
قالت:
"يالهذا الهراء".
وضحكت بازدراء واستخفاف متمنية ان تبدو واثقة اكثر مما تشعر به حقا وتابعت:
"يجب ان احذرك،ان اصريت على هذا الأدعاء السخيف فساضطر لمجابهتك في قاعات المحاكم".
رد ببرود:
"هذا شأنك،لكن لربما عليك معرفة هذا صباح اليوم التالي عرض والدي على جدك نسيان الأمر برمته".
ردت بارتياح:
"آه،لابأس بتلك الحالة لامشكلة اذن".
"لكن جدك تابع تصرفه كرجل نبيل يلتزم بكلمته ورفض عرض ابي،وبتلك الحالة انا لست والدي".
شعرت بالأرض تميد تحتها مجددا وجاهدت للحفاظ على رباطة جأشها وهي تسأله:
"حسنا وماعلاقة هذا بك اصلا؟سأذهب لرؤية والدك في الصباح .يبدو اقل عنادا من ابنه".
رأت قبضته تتكور في حضنه والقساوة تظهر على وجهه لكن كل ماقاله كان:
"انتقل والدي الى اثينا بسبب صحة والدتي المتوعكة وقد تركني كمسؤول عن شؤونه في سكاثيوس".
"للأسف".
تمتمت بتهكم لكنه هذه المرة تعمد تجاهل قولها.
"رغم هذا الأتفاق ظل الأثنان صديقان واصر والدي على ضرورة بقاء جيرالد في المنزل طيلة حياته.الشيء الوحيد الذي وعد به جدك بالمقابل هو تغيير وصيته وهذا وعد من الواضح لم يكن الوفاء به".
اشتد غضب كاثرين وقالت:
"لوكان قد اعطى ذاك الوعد فعلا لألتزم به.وان كان لم يفعل فالأرجح انه فعل لأدراكه انه تم خداعه بالأيقاع به مع والدك المخادع".
شهقت برعب حين نهض نيكولاس عن كرسيه بغضب لسماعه شتمها لوالده ووجدت نفسها رغم ذعرها تحدق بصدره الذي يعلو ويهبط مظهرا قوة عضلاته.
"كاثرين".
لم يحاول الأقتراب منها او لمسها لكنها تراجعت بسبب قوة نبرة صوته وحدتها.
للحظة اجبرت نفسها على النظر اليه لكنها عادت لتركز بصرها على الميدالية الذهبية المتدلية حول عنقه.
"اجل؟"
"عادة لاأعطي الناس فرصة ثانية..لكنك مجنونة،غريبة وقد اصبحت امرأة..نوعا ما"
وشعرت بنظره ينتقل بازدراء من رأسها حتى بذلتها الرسمية وحذائها ذي الكعب المنخفض وتابع:
"لكن ان حاولت تلطيخ شرف عائلتي مجددا،فسوف...".
قاطعته بصوت حاولت جعله عنيفا لكنها لم تنجح
:"ستطردني من الجزيرة مغلفة بالعار على الا اعود اليها ابدا مرة ثانية؟".
"لا؟".
قال ورفع ذقنها اليه لتواجهه واصابعه على بشرتها:
"بل سأعاقبك بنفسي".
حدقت في عينيه والغضب الجامح يلتحم مع الخوف داخلها.لم يرفع صوته بها ولامرة واحدة وكل السلاح الذي يملكه مجرد ورقة لعب قديمة لكنها رغم ذلك تشعر بسيطرتها على الوضع تتبخر دون عودة.
لكنها لن تسمح له باخافتها.
فقالت بتحدي:
"حقا؟اتطلع بشوق لذلك".
رمته بنظرة متحدية ايضا وتأوهت بداخلها لأن اصابعه انغرزت في لحم ذقنها للحظة،لكنه فجأة تركها واتكأ الى الحائط واضعا يديه في جيبه وكأنه يمنعها من القيام بشيء اخر.
ظلت كاثرين جالسة مكانها للحظات واصابعها تطرق بصمت على خشب كرسيها،اخيرا قطعت حبل الصمت هذا وقالت:
"هناك طريقة واحدة لتسوية هذه المسألة سأعود الى بلدة سكايثوس لمقابلة السيد جونايدس الآن وفورا.".
تناولت حقيبتها الجلدية ونهضت.
اوقفها بقوله:
"لكن بالطبع سنذهب اليه لكن ليس هذه الأمسية".
نظر الى ساعة معصمه وتابع:
"سنراه غذآ،آسف لتكبدك عناء السفر الى هنا دون جدوى".
ردت قائلة:
"لاعلى الأطلاق .اخشى انك من سيصاب بخيبة امل".
"اتعتقدين ذلك؟"سألها وهو يبتسم بخفة ثم اضاف بصراحة وكأنه سئم من الموضوع الممل:
"كيف وصلت الى هنا؟استأجرت سيارة؟".
"لابل اتيت بسيارة اجرة من المطار الى هنا".
"لم أرها..".
"دفعت له ونزلت عند اسفل التله".
قال بحقد:
"كي لايشارك احد نظرتك الأولى الى ميراثك على ماأظن".
كانت نبرته مغيظة بتعمد لكنهاتجاهلت التقاط هذا الطعم وردت ببرود:
"في الواقع لم يرغب سائق الأجرة بالتعرض لمشاكل ابتعاده عن خط سيره المحدد على الطريق العام".
مع ان نيكولاس كان محقا في الواقع،فهي ارادت ان تسير وحدها بين بساتين الزيتون التابعة للفيلا لتعيش مجددا اللحظات الساحرة لآخر صيف قضته هنا،لكن هذا النيكولاس البالغ القسوة والبرودة لن يفهم ذلك ابدا.
"فهمت".
قال وهو يتفحصها بنظره للحظات متابعا:
"اخشى ان جيرالد رفض بعناد وضع الهاتف في منزله لذا سأنزل الى القرية لأطلب لك سيارة اجرة".
سألته بجفاف:"لماذا؟".
"سترغبين بايجاد غرفة في بلدة سكابثوس لقضاء الليلة او لأيجاد غرفة شاغرة في فندق ما،هناك العديد من الفنادق الجيدة على الساحل الجنوبي".
التقت نظراتهما وتشابكت للحظة طويلة مشحونه ثم دون التفوه بكلمة اخرى نهضت كاثرين بتعمد وغادرت الغرفة الى الشرفة ثم نزلت السلالم متجهة الى حيث تركت حقيبة ملابسها.
فيما هي ترفع الحقيبة عاد صوت جدها ليتردد في اذنيها وهو يقول:
"آه حبيبتي لاتقللي من قيمة نفسك بتبادل الكلمات النابية مع فلاح دون مباديء".
وغمرتها رغبة جامحة للهرب من هذا المكان،لكن حين استدارت ورأت نيكولاس ينظر اليها بعينيه الساخرتين ومتكئا الى باب المنزل عاد الغضب ليجتاحها.
انه بالغ الثقة بنفسه لدرجة الغرور،اليس كذلك؟
امسكت بحقيبتها بقوة وسارت صاعدة الدرجات مجددا.
قالت بثقة:
"عذرا من فضلك".
لكن عوض عن الأبتعاد عن طريقها بأدب وضع ذراعه عن الباب مانعا اياها من الدخول وسأل:
"ومالذي تعتقدين انك فاعله؟".
"لاأعرف الكثير عن القوانين اليونانية لديكم قوانين هنا بالطبع،اليس كذلك؟".
اضافت بعذوبة لكن بعد نظرة واحدة الى عدائية نظرته الجليديه عادت ببصرها الى حقيبتها وتابعت:
"لكن في انجلترا التملك تسعة اعشار القانون،آسفة لكن لانية لدي اطلاقا بالهروب،والأستسلام تاركة لك العشر الباقي،لذا سأبقى".
وضربت ساقه بحقيبتها.
نظر الى الحقيبة للحظات ثم استقام قائلا:
"لابأس،بأمكانك ان تكوني ضيفتي".
"لست ضيفتك.."
"وسأرشدك الى غرفتك".
اجابته بغضب:
"شكرا جزيلا،لاداعي لذلك فانا اعرف الطريق اليها".
شدت على حقيبتها اكثر وعبرت غرفة الجلوس ومنها الى الممر الذي يؤدي الى غرفتها القديمة،الغرفة التي بناها جدها لها خصيصا بشكل فوضوي كبقية الزيادات في هذا المنزل.
فتحت باب المنزل ثم تجمدت مكانها وبنظرة رعب لاحظت وجود محتل فيها...كان على السرير قميصا ابيض اللون وبنطال جينز معلق على الكرسي المجاور للسرير وحذاء رياضي ابيض قربه.
سمعت خلفها تعليق نيكولاس المتكاسل:
"ياللروعة.لم ادرك ياكوكولا انك بانتقالك الى منزلي ستشاركيني سريري ايضا".
تأوهت بداخلها فبسبب اضطرابها فتحت باب الغرفة التي الى اليمين بدل باب غرفتها الى اليسار،رفعت حقيبتها مجددا واستدار غاضبة والأحمر القاني يلون وجنتيها.
قالت بغيظ عبير اسنانها المصطكة بارتباك:
"آسفة هذه غلطتي".
ودفعته بعيدا قبل ان تفتح باب غرفتها الحقيقية.
اجل هذه هي غرفتها.كما تذكرها تماما وكأن جدها احتفظ بها لها نظيفة ومرتبة ومتوقعا وصولها بأي لحظة.
شعرت بغصة بسيطة في حلقها وهي تنظر حولها الى السريرالصغير ،خزانة الأدراج الصغيرة قربه والتي صنعها لها خصيصا نجار القرية كريستوس ولونها باللون الزهري زالوروود البيضاء تمارا الصغيرة الى الأرض الخشبية المصقولة المغطاة بوسطها بالسجادة الصينية الملونة القديمة التي بهتت الوانها بعض الشيء والذي احضرها جدها معه من الصين قبل سنوات وسنوات.
كل شيء كان على حاله باستثناء ان احدهم قد وضع باحد زوايا الغرفة عدة لوحات زيتية لم تكتمل بعد.
قال:
"آسف بهذا الشأن سأنقل اللوحات فورا".
سألته بسرعة دون تفكير:
"اذن لازلت ترسم؟".
فرد قائلا:
"بالطبع اخبرتك اني اريد ان اكون رساما مشهورا قبل ثماني سنوات ،اليس كذلك؟".
كان هذا السؤال اول ماتفوه به احدهما بالعودة الى الماضي،ازدادت زرقة عينيه لتلك الذكرى ثم خفض نظره وكأنه عاجز عن الأحتفاظ بنظرته المتحدية.ولاحظت كاثرين انتفاض عرق رقبته بقوة.. رغم النسيم العليل الذي كان يتسلل من النافذة المفتوحة الا انها كادت تشعر بالأختناق فرمت حقيبتها على السرير وقالت دون ان تنظر اليه:
"ان كنت لاتمانع ارغب بتنشق الهواء المنعش".
"هل اكلت؟"
سأل دون ان يتحرك من مكانه على الباب مانعا اياها من مغادرة الغرفة.
"تناولت العشاء في الطائرة".
سألها بملل ونفاد صبر:
"قلت هل اكلت؟".
ردت:
"كان الطعام جيدا بالفعل".
واجبرت نفسها على تجاهل رجفة احست بها.
قال بنبرة آمرة لادعوة:
"ستنضمين الي لتناول العشاء".
ردت بصرامة:
"لاشكرا لكني لن افعل،سأنزل الى المقهى.والآن عن اذنك".
تنحى مقدار نصف انش فقط وتلامست ذراعيهما وهي تمر بقربه مغادرة الغرفة.
شعرت وكأن نيرانا لاهبة لسعت ذراعها ودون ان تنظر اليه تابعت سيرها وغادرت المنزل،احست بذراعها لاتزال تحترق لكنها لم تتوقف لتمسيدها الا بعد ان ابتعدت عن المنزل الذي اصبح خارج مجال الرؤية.

حورية بحر الجليدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن