حادث مأساوي

21K 314 7
                                    


(( جكاترين ، أختاه ، يجب أن أراك الليلة 00))
كان صوت فالنتينا على الهاتف متوتراً ومتقطعاً يعتريه الكثير من الخوف والقلق ، مما جعل كاترين تتوقع أن ثمة مأزقاً آخر وقعت أختها فيه ، مساعدتها كالعادة لتنجو منه 0
((لا ، ليس الليلة يا فالنيينا ))
أجابتها كاترين بحزم ، وهي تثبت سماعة الهاتف بين أذنها وكتفها ، لتنظر إلى فصل أوراق الكاربون من التقرير الذي كانت لتوها قد انتهت من طباعته على الآلة الكاتبة ، وتابعت :
((ليس الليلة يا فالنتينا ، علي أن أبقى في المكتب حتى ينتهي الاجتماع مع الإدارة ، واستلم محضر الجلسة لأقوم بطباعته ، ومن ثم سيمر بي سيمون ليصحبني معه الساعة السابعة والنصف تقريباً ))
صاحت فالنتينا بمرارة :
((سيمون ! سيمون ! يمكنك أن تريه في وقت آخر ))
حاولت كاترين جاهدة التحكم في أعصابها ، حتى لا ترد رد قاسي ، وقالت :
(( لكني ، اتفقت معه على ذلك ، وليس في نيتي إلغاء هذا الموعد ))
تعالى صوت فالنتينا ثانية لدرجة الصراخ لما أصابها من خيبة ، قائلة :
(( كاترين ، هناك شيء رهيب قد حدث ، وأنا في حيرة من أمري ، لا أعرف كيف أتصرف على الإطلاق ))
ألقت كاترين الأوراق المطبوعة بإتقان من يدها ، وأمسكت سماعة الهاتف جيداً وقالت :
((اسمعي يا فالنتينا ، أنت طفلة ، لقد بلغت الثامنة عشرة من العمر ، وهذا يكفي لكي تتمكني من تحمل مسؤولياتك بنفسك 0 هلا لأني أكبر منك سناً 000))
قالت فالنتينا مقاطعة :
(( لكن أختاه ، إنك الوحيدة التي اعتمد عليه))
ضاقت كاترين ذراعاً بمشاكل أختها وتحمل مسؤولياتها ، ولم تعد تحس برغبة في الاستمرار في ذلك ، فهي لم تكن تكبر فالنتينا إلا بسنوات ثلاث فقط 0
وهذا لا يعني أنه يجب عليها أن تكون مسؤولة عن أختها الصغرى مدى الحياة 0 فيكفى أنها منذ كانت في في مثل سنها ن وهي تحمل أعباء العائلة على كتفيها ؟ لقد تحملت كاترين أعباء العائلة ن وهي في الثامنة عشرة من العمر ، بدلاً من أمها التي قتلت أثناء الثورة في أفريقيا الوسطى ، حيث كان أبوهما يعمل هناك في ذلك الوقت 0
كانت الأختان في مدرسة داخلية ، عندما بلغهما خبر مقتل والدتهما 0فوقع النبأ عليهما وقوع الصاعقة ، وأحست فالنتينا ، وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة بعد ، أنها فقدت الركيزة التي تعتمد عليها 0 لم يبق أمامها سوى أختها كاترين ، تحملها مسؤولياتها ، فما كان من كاترين إلا أن كتمت أحزانها في صدرها ، وغمرت شقيقتها بحنانه ، لتعوضها عن فقد أمها 0
عاد والدهما السيد مالوري إلى لندن في بداية الأمر ، ليعيش مع ابنتيه 0 ولكن سرعان ما ضاق بمشاكل العائلة وتسرب الضجر إلى نفسه ، وفكر بالرحيل ثانية ، فتلاشت أمال كاترين في الانتساب إلى الجامعة ، والتحقت بوظيفة في أحد المكاتب ، بينما كانت تتدرب على أعمال السكرتارية في معهد ليلي 0
أما السيد مالوري ، فقد قبل بالفعل عملاً آخر في جنوب إفريقيا 0 وترك ابنته كاترين مسؤولة عن المنزل الذي استأجره في هامر سمث 0
استمرت فالنتينا في دراستها ، لكنها عندما بلغت السادسة عشرة من العمر ، طلبت من أختها أن تأذن لها بالعودة إلى المنزل 0 ولما لم يبد الوالد اعتراضاً على ذلك ، وافقت كاترين على طلبها مضطرة 0
أحست كاترين أن تلك الموافقة كانت أكبر غلطة اقترفتها 0 وهذا ما تأكدت منه الآن فإن فالنتينا لم تستطع أن تضبط نفسها في تصرفاتها 0وكانت تتجاهل نصائح أختها وتوجيهاتها 0كما تجاهلت رجاءها عندما طلبت إليها أن تجد وظيفة مناسبة تثبت فيها بدل الاستمرار في التنقل من عمل غير مناسب إلى آخر 0فقد عملت في الملاهي ، وأماكن المراهنة ، ومع فرق الديسكو 0وقضت قسطاً كبيراً من وقتها في مصاحبة جماعة من المراهقين الذين لا هم لهم في الحياة إلا العبث ، ولا يشتهرون إلا بخصلات شعرهم المتهدلة ، ومظهرهم الشائن 0
نسيت كاترين عدد المرات التي دعيت فيها لتستمع إلى شكاوى مخدومي أختها ، فتسوي الخلاف بينهم 0 حتى اضطرت أخيراً أن تكتب لأبيها بعد أن فاض بها الكيل 0 وطلبت منه أن يستدعي فالنتينا إليه 0
عندئذ وافقت فالنتينا على أن تجرب مهنة التمريض 0 ولما مضى عليها ستة أشهر كطالبة في مستشفى سانت ماري ، أظهرت خلالها حباً لهذه المهنة ، أحست شقيقتها بشيء من الراحة ، وهي تأمل أنه جاء الوقت لتصبح فيه الأخت الصغرى أكثر تحملاً للمسؤولية 0
كانت فالنتينا قد بلغت الثامنة عشرة من العمر ، عندما تعرفت إلى شاب يسمي غلين فريزر ، ، و اطلعت أختها على ذلك 0
سعدت كاترين لأن أختها كما يبدو عزمت على الاستقرار ، إلا أنها كانت قلقة في الوقت نفسه لما يخالجها من الشك في نهاية تلك العلاقة 0لم تلتق كاترين بغلين فريزر مطلقاً 0 وكل ما أخبرتها عنه أنه شاب كندي وطالب في مدرسة لندن لعلم الاقتصاد 0
ترى ما الذي حدث ، كي تهتف لها في الساعة التاسعة والنصف صباحاً وتطلب رؤيتها بإلحاح ؟ من الجلي أن كارثة جديدة وقعت 0
قالت كاترين مستوضحة :
(( لماذا تريدين رؤيتي ؟ إن كان الأمر هام ، أخبريني به الآن لأرى ماذا أفعل ))
((لا أستطيع أن أخبرك على الهاتف ، كاترين أرجوك ، يجب أن تحددي لي موعد اليوم ن إن عملي يبدأ في الساعة الثامنة مساءً 0))
أحست كاترين بشيء من الارتياح إذن فالنتينا لم تفقد عملها على الأقل المشكلة لا تتعلق بالمشفى ، وأية مشكلة أخرى لن يكون لها هذا المستوى من الأهمية ، حتى تلح عليها أختها هذا الإلحاح ، وتصر على أن تراها اليوم ، إذن إلى الغد 0
قالت كاترين :
((فالنتينا 000))
قاطعتها فالنتينا من غير أن تترك لها أي مجال للكلام :
(( كاترين أرجوك ))
استسلمت كاترينا كما تفعل دائماً ، وقالت :
((ماذا عن وقت الغداء ؟ يمكنني أن أدبر أموري وأكون عندك قبيل الواحدة ، فهل هذا مناسب لك))

روايات احلام / قرار متهور حيث تعيش القصص. اكتشف الآن