مرت ثلاثة أيام قبل أن يخرج غلين مع كاترين لركوب الخيل ، ثلاثة أيام قضاها في فراشة ن ماعدا ساعات المساء فقط حيث كان ينضم فيها إلى بقية أفراد العائلة على مائدة العشاء ، أو في غرفة الجلوس ، وأما كاترين فكانت تجد سلوى في رفقة ماريا في المطبخ تستمع إلى حكايتها المثيرة الجميلة 0
غير أنها بعد ظهر أحد هذه الأيام ، رافقت بن فريزر في جولة في أنحاء الطابق الأرضي وهو يحكي لها تاريخ العائلة ، أخذا ينتقلان من غرفة إلى أخرى ، وهي في حالة من الذهول أمام فخامة وأناقة ما ترى ، والواقع أن كاترين لم تعرف عدد الغرف التي مرت بها ، ولم تستطع أن تقدر المساحات التي بنيت عليها ، وجميعها لا تقل رحابة ، وزخارفها لا تقل جمالاً عما سبق ورأته من أجزاء المبنى ، وعجبت في نفسها ، وتسألت لم كل هذه القاعات ، ولم كل هذه الغرف ؟!!
كان بن قد قرأ أفكارها فقال وهما لم ينهيا جولتهما بعد :
(( في الواقع ، لم يكن من الضروري بناء جميع هذه الغرف ، ولكن ماكدونالد أراد أن يبني أكبر وأفضل بيت في الجوار ، وهذا ما فعله ))
مرا بغرفة خاصة للموسيقى ، مزخرفة بأجمل الزخارف وأتقنها 0في وسطها بيانو فخم لم يفقد رونقه ولمعانه ، وفي إحدى الزوايا قيثارة كأنما لم تمسها يد 0
مر بن بأصابعه على مفاتيح البيانو ، وقال وفي صوته نغمة حزن عميق :
(( مارغريت اعتادت أن تعزف عليه كثيراً ، ولكن بعد ولادة أنجس وجيرد، لمتعد تملك الوقت الكافي لذلك ))
شعرت كاترين بأن جيرد احتفظ بهذه الغرفة كما هي لذكرى أمه ، ولما نظرت إلى بن رأت ملامح أسى دفين ترتسم على وجهه0
وصلا إلى غرفة المكتبة ، فكانت كبقية الغرف باتساعها وزخارفها وترتيبها وفخامة أثاثها ، ألقت كاترين بنفسها على إحدى الأرائك طلباً للراحة ووقف بن قبالتها يتكئ على حافة مكتبة تغطي الجدار صفت فيها الكتب من الأرض حتى السقف 0 ثم قال :
(( في هذا المكان يقضي جيرد معظم وقته ، هذا إذا لم يكن في غرفته التي يخلو إلى نفسه فيها ))
سحب من بين الكتب مجلداً ضخماً وأخذ يقلبه بين يديه ، وقال :
(( لقد اشترى ماكدونالد هذا المجلد لأنجس ولدي الأكبر ، لقد كان صياداً ماهراً ، وكان يسعده الخروج للصيد في كل الأجواء 0))
ومرة أخرى مرت سحابة حزن على وجه بن 0 واستمر في الكلام ، واستمرت كاترين في الإصغاء إلى حديثه ، ولكنها فجأة لمحت جيرد من خلال النافذة 0
فوقفت مسرعة وتراجعت تخفي نفسها وراء الستائر المخملية ، لئلا يظن أنها أخذت حريتها أكثر مما يجب 0 أما بن فإنه لم يلمح ولده الأصغر وتابع :
(( انجس قتل ، الطائرة التي كانت تقله سقطت في الغابة ، على الجهة الشمالية من هنا ، في طريق عودته من رحلة صيد ، مسكين انجس 00))
لم يدخل جيرد إلى الغرفة ، ويبدو أنه صعد مباشرة إلى سريره ، أما هما فقد أكتفا بهذا القدر من التجول ، وافترقا كل إلى غرفته0
أصبح الهواء عليلاً ، والشمس دافئة ، مع إطلالة صبح اليوم التالي ، وحالة غلين تسمح له بالخروج برفقة كاترين لركوب الخيل 0
كان الإسطبل قريباً من مساكن العمال ، ولكن قلة منهم كانوا قد خرجوا في ساعات الصباح ، رأت كاترين اثنين من العاملين هناك ، فصاحا يحييان غلين ، وقام غلين بمصافحتهما وتقديم كاترين إليهما ، وقال أحدهما :
((لقد سمعنا بما أصابك ، ولكن يبدو أنك عوفيت تماماً ، فإن دماء ماكدونالد تجري في عروقك ، ولن يستسلم أي ماكدونالد!))
(( أني مسرور لسماع ذلك ، هل فو قريب من هنا ؟ أريد أ، أعرفه على فالنتينا ))
رأت كاترين أنهما كانا مولعين بغلين ، وبعد أن ودعهما ، قادها إلى مبنى وجدا فو في المطبخ فتبادلا معه التحية ، وبينما كانت كاترين تلقي نظرة على الغرفة التي يتناول الرجال فيها طعامهم ، أخذ فو يشرح لها بعض الأحداث التي تجري هناك ، فقال :
(( يسكن هنا خمسون عاملاً ، بعضهم يعيش مع أهله ))
تعجبت كاترين :
((كنت أحسب أن جميعهم يعيشون مع عائلاتهم في هذه البيوت ))
قال غلين :
((كانوا يفعلون ذلك منذ سنين ، لكن جيرد حفاظاً على سعادة وراحة عماله ، ترك لهم حرية العيش أينما يريدون ، كي يتمتعوا بأوقات فراغهم على فراغهم على النحو الذي يشاؤون ))
(( أن جيرد يقدر على ذلك ))
قال فو باعتزاز :
(( جيرد رجل بكل معنى الكلمة ، فهو يستحق أن يكون حفيد ماكدونالد ))
قال غلين معلقاً :
(( فو يحب جيرد ويخلص له ، فقد أنقذ حياته ذات مرة من الغرق ))
وأضاف فو :
(( فعلاً ، أنقذ حياتي من الغرق ، أو الموت برداً ، وخاطر بحياته من أجلي ، مع أنه كان من الممكن أن يتجمد مثلي ))
لم يرض غلين بالحصان الذي قدمه له تروي ، ذلك الشاب اليافع الذي لاقاهم في المطار ، وألح على ركوب حصانه برنس ولكن تروي قال :
((إن جيرد هو الذي حدد لي أي حصان أعطيك ، وللآنسة فالنتينا ))
(( أنا لا أبالي بما يقوله جيرد ، أريد برنس ، أين برنس ؟ ))
(( لقد ركبه جيرد هذا الصباح ))
قال غلين غاضباً :
(( لا بأس ، سوف أركب بيكر ، ولكن أخبر جيرد ، أنني لست مبتدئاً ، ولو كنت أعمى ))
كان الصبح رائقاً ن والشمس ترتفع تدريجياً إلى كبد السماء ، تلوّن الجبال البعيدة بريشتها الذهبية ، فتبدو كسلاسل من الذهب الخالص 0
قال غلين لكاترين وحصانهما يسيران جنباً إلى جنب :
((آسف على تصرفي ، لكن مثل هذه الأمور تقلب كياني ))
(( لا تبالي غلين ، والآن أعلمني إلى أين نذهب ، فالمساحات شاسعة ، ولا أستطيع أن أقرر وحدي ))
(( حسناً ، هل ترين تلك الجبال التي تقع على يسارنا ؟ إنها تبدو قريبة ولكنها في الواقع بعيدة جداً ))
(( إنها تبدو غاية في الجمال ، أليس كذلك ؟ ))
وتمنت كاترين لو قُطع لسانها قبل أن تعطي مثل هذه الملاحظة ، ولكن غلين أخذ الأمر بروح طيبة وأضاف :
(( أظن أنها أجمل جبال في الدنيا ، ولكن إضافة إلى بعدها فهي خطيرة جداً ))
(( إني أتوقع ذلك ، إلى أين نذهب ؟ ))
حوّل غلين رأسه وقال :
(( من جهة اليمين ، - إذا لم أكن مخطئاً - هناك غابات كثيفة الأشجار ، شاسعة المساحة ن ثم تنحدر بشدة إلى واد ضيق عميق ، وهناك تشاهدين الشلالات التي أعطت منطقتنا اسم شلالات موز ))
(( ولكن غلين ، أليس هذا خطراً علينا أيضاً ؟ ألا يمكن أن نتجول فقط في هذه المراعي الفسيحة ؟))
(( ماذا ؟ أميال وأميال من المراعي ، و الآف من المواشي ، فهل هذا كل ما تريدين رؤيته ؟ ))
(( لا ليس هذا كل ما أريد رؤيته ولكن هذه أول مرة نخرج فيها ، وأمك 000))
قاطعها بغضب :
((أمي ، أمي متى تحافظ على وجودي إلى هذا الحد ؟ كل ذلك من أجل جيرد ، هو يريدها أن تعنى بي ، ولذا فهي تفعل ما يريد ، وهذا كل ما في الأمر ))
(( آه غلين , أنا متأكدة 00))
(( متأكدة من ماذا ؟ أنها أم صالحة ؟ أنها تهتم لما يحدث لي ؟ فالنتينا ، هي فقط تريد جيرد ، وهي مستعدة لتفعل أي شيء ممكن لتتزوج منه ، دعينا نمضي الآن ))
حرك غلين حصانه إلى الأمام ، وتبعته كاترين ثم تقدمته تشق الطريق ، فرأت الأرض تزداد وعورة كلما توغلا إلى داخل الإحراج ، ثم إلى المنحدرات التي تؤدي إلى الوادي ، كما كانت الأشجار تزداد كثافة فضاق الممر الذي يعبرونه 0
أطلت كاترين من فوق ، فأذهلها مشهد بحيرة تترجرج مياهها لامعة تحت ضوء الشمس الفضي ، وخرير المياه التي تتدفق من فوق الصخور ، وعندما بلغا مكانا فوق الشلال مباشرة ، وقفت مسحورة أمام هذا الجمال الأخاذ 0
سمعت غلين يقول :
((شلالات موز ، كم كنا نسبح في الصيف في هذه البحيرة ، دعينا ننزل إليها ))
((لا ، لا، يا غلين ، الطريق صعبة جداً ، إلى هنا ويكفي اليوم ن دع ذلك إلي يوم آخر ، فأنت لا شك متعب الآن ))
(( أنا بخير فالنتينا ))
أصر غلين على الاستمرار في الرحلة ، فهمزت الحصان بقدمها تحثه على المسير 0
أصبحت الطريق أشد انحداراً عندما اقترب من القاعدة ، وأشعة الشمس لم تعد تجد لها منفذاً من بين أوراق الشجر الكثيفة ، ورائحة العفن تنتشر في كل مكان من النباتات الكثة الرطبة 0
كانت كاترين كلما تقدمت قليلاً تلتفت لتراقب غلين بكثير من الخوف والقلق ، وإذا بها تجد نفسها ترتفع عن ظهر جوادها ، عالقة بأحد الأغصان القاسية الناتئة عرض الممر 0
صرخت بأعلى صوتها وهي تسقط عن صهوة الجواد على ظهرها ، فوق النباتات الندية الشائكة ، وسقط فرع الشجرة بعنف على وسطها ، غابت عن وعيها لبضع ثوان ن ولما جاءها صوت غلين المضطرب منادياً ، لم تستطع أن تجيبه0
كرر غلين النداء ، ولكن بلا مجيب ، نزل عن ظهر حصانه ، وأخذ يتلمس الأرض بحثاً عنها وهو يصيح :
(( فالنتنا ؟ أين أنت ؟ ما الذي أصابك ؟ ))
ولما وجدها جثا بقربها وتناول يديها بين يديه بحب وحنان ، حاولت التكلم و بصعوبة خرجت الكلمات متقطعة من بين شفتيها وقالت :
(( أنا 000أنا بخير غلين ))
(( هل أنت حقاً بخير ؟ كان من الممكن أن يدق عنقك ، إنها غلطتي ، ما كان علي أن أجبرك على النزول ))
استطاعت كاترين الجلوس ، وحركت جسمها ، فاطمأنت أنها على الأقل لم تصب بكسور ، ثم تناولت الشعر المستعار الذي سقط عن رأسها وثبتته مكانه ، وقالت :
((غلين لا تكن أحمق ، لست المسؤول عن ذلك ، هيا بنا ألان نعود إلى البيت ، وإني آسفة إذ قطعت عليك هذه النزهة ، ومن جهتي ، اطمئن فسوف أكون بخير عندما أغتسل وأبدل ثيابي ))
ضحكت كاترين من نفسها وهما عائدان ، لأنها هي التي سقطت وليس غلين ، وتأكدت أن هذا سيفرح ليزا ، وتمنت ألا تراها وهي على هذه الحالة ، وألا يراها جيرد أيضاً وهذه الأوحال تغطي ثيابها 0
تجاهلت كاترين ألآمها وسمحت لغلين أن يتكئ عليها طوال الطريق من الإسطبل إلى البيت ، وقالت في نفسها : كان يجب ألا أستجيب لإلحاحه وشعرت لو أنها رفضت النزول على الوادي ، لكان قد تخلى عن ذلك وما أجبرها عليه 0
رأتهما ماريا عندما دخلا البيت ، ولكنها لم تعلق على مظهر كاترين الملطخ بالأوحال ، ودعت غلين ليرافقها إلى المطبخ ويتناول فنجان من القهوة ن بينما ذهبت كاترين لتغتسل وتبدل ملابسها 0
خلعت ثيابها بصعوبة ، فقد كانت جميع أعضائها تؤلمها ، بالإضافة إلى البرد الذي تسلل إلى جسمها من خلال ملابسها المبتلة ن فكان الحمام الساخن بلسماً شافياً لجروحها ورضوض ظهرها ، وأسلمت عينيها لاغماضة قصيرة ليتسنى لحرارة المياه الساخنة أن تتسرب إلى عظامها التي تتجمد من البرد 0
نبهتها الأصوات المنبعثة من تحت النافذة ، إلى أن الرجال عادوا من أعمالهم ، وعرفت أن وقت الغداء قد حان 0
أسرعت خارجة من الحمام لترتدي ثيابها ، حانت منها التفاته إلى مرآة الحمام التي كانت خلفها ، فهالها ما رأت من بقع أرجوانية تنتشر في كل مكان على ظهرها ، وأدركت أن السقطة لم تكن بسيطة أبداً كما تصورت 0
لبست كاترين بنطال أخضر جميل مع قميص أنيق سكري اللون وتحملت على مضض كل ما تحس به من أوجاع ، ونزلت إلى الطابق الأرضي ، حيث رأت في القاعة الكبرى حشداً من الناس ، كما رأت غلين يجلس على إحدى الأرائك يتحدث إلى عجوز معه فتاة صغيرة ،
وليزا تقف قرب جيرد تجامل بعض الضيوف وعيناها تنظران نحو المخل ، أما جيرد فلم يكن له أثر هناك ، أسرع إليها بن فريزر وتناول يدها وقال :
(( تعالي يا فالنتينا ، لأعرفك على زوارنا ))
ثم سار بها بين الضيوف يقوم بمهمة التعارف ، ولما انتهى من ذلك قدم لها كأساً وتناول هو كأس آخر من
عصير البرتقال.
أخذت إحدى الزائرات تتحدث إليها قائلة :
((السيد بن أخبرنا أنك ممرضة ، آنسة فالنتينا ، لقد كنت أنا أيضاً ممرضة عندما التقيت بزوجي ))
(( أني طالبة تمريض فقط ، ولم ابتدئ بذلك إلا منذ ستة أشهر ))
سمع غلين صوتها وطلب منها الانضمام إليه ، فاستأذنت بن والمرأة التي كانت تحادثها ، وهي تشعر بالارتياح لابتعادها عنها 0 ومضت إلى غلين حيث جلست بجانبه ، فقال :
(( دعيني أعرفك على فرانك ستيفنس ، ولوري صديقين من أيام الدراسة ))
لم تكن لوري بالفتاة الجميلة ولكنها - والحق يقال - كانت كثيرة الجاذبية 0 وقد لاحظت كاترين أنها تميل إلى غلين ، فتمنت لو أنها تستطيع أن تخبرها الحقيقة ، وأنها لا تشكل خطراً عليها 0
انفض الزوار في الساعة الواحدة والنصف تقريباً من غير أن يظهر جيرد ، مما اضطر الآخرين إلى تناول غداءهم معاً من دونه تقوم على خدمتهم ماريا ومساعدتها كاترين 0
نظرت ليزا إلى بن وسألته :
(( لماذا لم ينظم جيرد إلينا ؟ وهو يعرف أني سألته أن يطلب من مارتن المجيء وإلقاء نظرة على غلين ؟ ))
كان غلين هو الذي أجاب :
(( أنت تعرفين يا أمي أن جيرد مشغول وليس لديه الوقت للثرثرة أثناء النهار 0 في أية حال لماذا يجب أن يأتي جيرد إلى هنا الآن ؟ أتمنى ألا تقحميني في أمورك الشخصية ))
((ماذا تعني بأموري الشخصية ؟))
(( لا أدري ، أنت تفهمين قصدي تماماً ، وأنا لا أحتاج إلى طبيب أخرق مثل مارتن ليشرف على علاجي ، الدكتور سنغ عمل الترتيبات اللازمة لأقابل الطبيب المختص في مشفى ماكنزي ، في كالجري ، بعد أسبوعين ، وحتى ذلك الحين لا أحد يمكنه أن يفعل شيئاً مطلقاً ))
قالت ليزا باقتضاب :
(( أنا فقط أفكر فيك يا ولدي ، وأريد أن أفعل أي شيء لمساعدتك ، ولا أظنك تتوقع مني التصرف وكأنك لم تصب بشيء ))
شرب غلين العصير الذي في كأسه دفعة واحدة ، وأزاح الصحن من أمامه ، وقال :
((حسناً ، أنا لست عاجزاً يا أمي ، وأتمنى أن تتذكري ذلك دائماً ))
بعد الغداء طلب بن من كاترين البقاء معه ، ريثما يذهب غلين ليستريح وبعد معارضة قصيرة من غلين مضى إلى غرفته ، تتبعه ليزا 0
((يبدو أن جيرد يكرس كل وقته للمزرعة ، مع أني أعرف أن لديه من ينوب عنه في أعماله ))
(( هناك فعلاً من يشرف على المزرعة ، ولكن جيرد لا يوكل أحداً وهو موجود هنا ، هذه ليست طريقته في العمل ، لم تكن طريقة ماكدونالد من قبل ن إن حب المزرعة وتربية المواشي يجري في عروقه ، كما انه يستمتع بصحبة العاملين عنده وخصوصاً هورس ))
(( هورس ؟ آه ، نعم ، تعني ابن ماريا ))
(( لقد نشأ هو وهورس معاً ، فبعد وفاة والدته مارغريت ، أصبحت ماريا بمثابة أمه ))
((آه ، لقد فهمت ))
(( ما رأيك في ركوب الخيل معاً في جولة قصيرة ؟ أم أنك ركبت اليوم بما فيه الكفاية ؟ ))
(( أجل ، لقد فعلت ، وأحب الآن قضاء بعض الوقت في المكتبة ، فأنا أحب الكتب ، وفي الواقع أني لم أر مجموعة كبيرة من الكتب كهذه ، إلا في المكتبات العامة ))
(( لم ما شئت ، وأنا سأجد شيئاً آخر أفعله ))
(( هل ستذهب وحدك إلى الإسطبل ؟ ))
(( لا أدري ، ربما ، وسوف أراك فيما بعد ))
بقيت كاترين في غرفة المكتبة طيلة بعد الظهر ، وعيناها تنظران إلى الطريق بين الحين والحين ، ربما كانت تنتظر مجيء جيرد ، لاشك أنها تحاول جاهدة إبعاده عن مخيلتها ، ولكن بالرغم من جميع محاولاتها ، لم تستطع تجاهله ، وأيقنت أن عدم حبها لليزا كان بسببه 0
بعد حين تركت المكتبة إلى غرفتها 0 ولما كان ظهرها يؤلمها وتشعر بتصلب في أنحاء جسمها ، وجدت أنه من الأفضل أن تأوي إلى فراشها ، وتمنت أن تجد لها حجة كالصداع مثلاً لتتحاشى بها الاجتماع على طاولة الطعام 0
وفي المساء ، وبعد أن استراحت كاترين بضع ساعات ، لم تجد مناصاً من النزول إلى غرفة الطعام ، وهناك على المائدة ، رأت جيرد ومعه هورس ابن ماريا 0
لم تأكل كاترين كثيراً ، وكذلك غلين ، أما جيرد وهورس فقد امضيا مدة تناولهما الطعام يتحدثان عن تجارة الماشية ، حتى أن ليزا لم تعد لديها القدرة على تحمل ذلك ، وقالت :
(( هل من الضروري أن تدخل موضوع المواشي إلى غرفة الطعام ؟ أنا لم أتحدث معك طيلة النهار يا جيرد ، أكثير على أن تبدي لي - على الأقل - شيئاً من الاحترام في المساء ؟ ))
أجاب هورس بصوت منخفض فيه معنى الاعتذار :
(( إني آسف يا سيدة ليزا ، إنها غلطتي أنا ، لدينا أمور كثيرة يجب أن نبحثها ولكن الحق معك ، فإن مائدة الطعام ليست مكاناً لهذا البحث ))
قال جيرد وهو ينظر إلى أرملة أخيه نظرة تحذير:
((حسناً ياهورس ، ليزا لم تقصد ذلك بالضبط ، لكن أين بن ؟ لا تقولي أنه لم يكن هنا طيلة بعد الظهر ؟ ))
(( أظن ذلك ، في الواقع أنا لا أعرف ، فقد قضيت فترة بعد الظهر في غرفتي أستريح لأني كنت أحس بصداع شديد ، وأنت تعلم أن خدمة الضيوف ليست سهلة ))
ضاقت عينا جيرد وقال :
((ضيوفك ، ماذا تعنين بأنك تظنين ؟ إما أنه كان أو لم يكن ، أريد أن أعرف ))
(( لقد تناول طعام الغداء معنا ))
(( وبعدئذ ؟ ))
تدخل غلين قائلاً :
(( أنا وفالنتينا ذهبنا في نزهة نستمتع بركوب الخيل هذا الصباح ، أما بعد الغداء فقد ذهبت إلى غرفتي أستريح ، وبقي بن مع فالنتينا ))
قالت كاترين :
(( هذا صحيح ، وقد طلب مني مرافقته في جولة قصيرة على الخيل ، ولكني اعتذرت منه ، لأني كنت متعبة قليلاً ))
(( إذن أين ذهب ؟ ))
ضاقت ليزا ذراعاً بهذا النقاش وهي تكره اهتمام جيرد بأحد حتى ولو كلن أباه ، وقالت :
(( لم كل هذه الضجة حول غيابه ؟ لا بد وأنه في مكان قريب ، قد يكون أخذ العربة إلى موزباي ))
قال جيرد :
(( يبدو عليك يا ليزا الكثير من الضجر ، وتحتاجين بعض التغيير ، أليس كذلك ؟ وأنا أشعر أن الحياة في المزرعة موحشة لامرأة مثلك ، وعليك أن تري حلاً لذلك))
لمعت عينا ليزا ، وقالت :
(( جيرد هل تعني ما تقول ؟ أنت تعرف كم أحب قضاء أسبوعين في نيويورك ، أشتري ما أريد ، أتمتع ، أشاهد آخر المسرحيات ، هل تظن أننا نستطيع ذلك ؟ وطالما فالنتينا هنا ، فلن يكون غلين بحاجة إلينا ))
قال جيرد جازماً :
(( يمكنك الذهاب ، حيث تشائين ، ونحن نستطيع التغلب على الصعاب ، وكما قلت ، فإن غلين لا يحتاج إليك الآن ))
شحب وجه ليزا وقالت :
(( ماذا تعني نستطيع التغلب على الصعاب ؟ هل تعني أنك لست قادماً معي ؟ ))
تراخى جيرد على كرسيه وأجاب :
(( ليزا ، أنت تعلمين أنني لا أستطيع ترك المزرعة الآن ، بالإضافة إلى أني لا أحب نيويورك ))
أجابت ليزا بوقاحة :
(( أية حيلة عفنة هذه التي تلعبها ؟ ))
نظر جيرد حوله وقد نفذ صبره وقال :
(( أية حيلة تعنين ؟ ليزا أنا لا أمنعك أن تفعلي ما تشائين ، اذهبي إلى نيويورك ، خذي معك بام بالمير إن أردت ، أنت تعرفين أنها تسر بمرافقتك ))
كاترين لمست موجة كره تتدفق من عيني ليزا ، من آخر الطاولة ، وهي تجيب :
(( أنا لا أريد أن أذهب مع بام بالمير ، سأبقى هنا حتى يكون لديك الوقت الكافي لتذهب معي ، حتى لو انتظرت الصيف كله ))
لم تخف هذه الملاحظة على كاترين ، أما جيرد فقد هز كتفيه وانثنى إلى هورس يتابع حديثه 0
عندما انتهى العشاء ، اختفى الرجلان ، واختليا في غرفة جيرد الخاصة ، ليتابعا بحثهما ، وغادرت ليزا الغرفة وفي صدرها عاصفة من غضب مكتوم ، أما كاترين فقد وقفت قبل أن تترك مجالاً لغلين ليبدأ أي حديث وقالت :
((غلين هل يزعجك أن أذهب إلى فراشي ؟ إني أحس ببعض التعب ))
((هل أنت بخير ؟ أليس هناك ما يؤلمك ؟ ))
قالت كاترين لتزيل مخاوفه :
(( يا لله ، غلين لا ، ليس هناك ما يؤلمني ، أنا متعبة فقط ، سوف أراك في الصباح ))
لما طلع الصباح ، لم تستطع كاترين التحرك مطلقاً ، فقد أحست بالآم لا تطاق في جميع أنحاء جسمها ، دفنت وجهها في وسادتها تمسح دموعها ، فما هذه الورطة التي أوقعت نفسها فيها ؟
لم تستطع النزول لتتناول الفطور ، وقالت في نفسها ، سوف يخرج جيرد مبكراً كالمعتاد ، وإذا خرج معه بن ، فلن يبقى سوى غلين وماريا ، من المتوقع أن يسألا عنها ، ستتدبر الأمر مع ماريا ، أما غلين فسوف تخبره بما تحس به من الآم 0
انقضى الصباح إلا أقله من دون أن يسأل عنها أحد ، وأخيراً وقبل الساعة الثانية عشرة بقليل ، سمعت نقراً على الباب ، فقالت وهي تشعر بدوار :
(( أدخل ))
ولدهشتها لم يكن غلين هو الذي يسأل عنها وكذلك لم تكن ماريا !!!!
واعتدلت في فراشها عندما دخل جيرد ، وسأل باختصار :
(( هل أنت مريضة ؟ ))
(( لا ، أني فقط أشعر ببعض التعب ، هذا كل ما هناك ، ووجدت أنه من الأفضل قضاء فترة الصباح في فراشي))
اتكأ جيرد على حافة القنطرة المؤدية إلى غرفة نومها :
((هل هذا صحيح ؟ أم تراك تتهربين بهذه الطريقة من مواجهة الأسئلة التي أجد نفسي مضطراً لسؤالك إياها ؟ ))
صاحت كاترين باستغراب :
(( أسئلة ؟ أية أسئلة ؟ أنا لا أ'رف عن أي شيء تتكلم ))
(( ألا تعرفين لماذا خالف أبي تعليماتي ؟ أو لماذا ارتفعت حرارة غلين هذا الصباح ؟!))
***
أنت تقرأ
روايات احلام / قرار متهور
Romanceالملخص لقد وافقت كاترين على مضض أن تلعب دور اختها الهاربة فالنتينا التي تسببت في حادث مروع لصديقها غلين فقد على أثره البصر ولم يدر بخلد كاترين أن مقابلة جيرد عم غلين والقادم من كندا ذاك الرجل الذي لا يمكن اختراق مشاعره يمكن أن تكلفها حياتها هناك وس...