٣_ امرأة في حقل ألغام
اتخذ انريكو لنفسه مقعداً بجانب الطاولة الحديدية المزخرفة التي وضعت عند آخر الشرفة المقابلة لقاعة الاستقبال الرسمية .
قال بصوت حاد وهو يوجه نظرات أكثر حدة من صوته نحو ولده : حسناً ! هل يعقل أن تكون قد عدت إلى رشدك أخيراً ؟
شعر رافايللو بضيق شديد كأن حزاماً راح يشد فوق صدره مجدداً لكنه أجاب بصوت عادي : وهل لديك شك بذلك ؟
أصدر والده صوتاً من حنجرته يدل التذمر والانزعاج وقال : أعلم أنك عنيد وأناني ولطالما كنت كذلك !
قال رافايللو بهدوء : حسناً ! لمرة واحدة سأكون الابن المثالي ...
وإن كان ضمن نبرة صوته بعض السخرية إلا ان أحداً غيره لم ينتبه لذلك تابع يقول : .. ولكن أول أريد أن أتأكد أني إن فعلت ما تريد وتزوجت في عيد ميلادي الثلاثين ستعطيني الحرية المطلقة في إدارة الشركة أليس كذلك ؟
علق والده : ها .. تعلم جيداً أن الأمور ستسير على هذا النحو بالذات .
_ وهل تعدني بذلك حقاً ؟
_ بالطبع .
ابتسم رافايللو وقال بهدوء وبصوت مهذب : في هذه الحالة إذاَ عليك تقديم التهنئة لي والالتزام بالجزء المتعلق بك في الاتفاق .
تسمر والده في مكانه وتمسكت يداه بقوة بذراعي الكرسي ولم يتمكن من النطق بأي كلمة لبضع لحظات أما لوسيا _ وعلى العكس منه تماماً فقد ضحكت قليلاً وتكلمت على الفور بصوت مليء بالغزل الغاضب : يا لك من رجل شيء ! أهذه طريقتك لطلب يدي ؟ لكنني سأعاقبك على عدم لباقتك تأكد من ذلك .
ثم أطلقت ضحكتها الرنانة مجدداً والتفتت نحو والده تمازحه بغنج نسائي : أخبرني انريكو كيف سأعاقب ولدك الفظ الذي تنقصه اللباقة في التقدم لطلب يد امرأة بشكل مهذب .
مرة أخرى ضحكت قليلاً لكن بدلال أكثر هذه المرة ونظرت مجدداً نحو من اعتقدت بأنه أصبح زوج المستقبل بدت نظرة رافايللو فضولية وكان يشعر بمزيج من التوتر والراحة أشار بيده ثم قال : قبل أن نتابع أظن أن الوقت حان للاحتفال .
وعلى الفور ظهر غوسيب حاملاً صينية العصير إلى الطاولة فتمتم له رافايللو بضع كلمات لم يسمعها أحد سواه فهز غوسيب رأسه وانسحب وشغل رافايللو نفسه بملء أكواب العصير وتوزيعها .
قالت لوسيا بغضب وسخط : لقد جلب غوسيب كوباً إضافياً أظن أن الوقت قد حان ليتقاعد ويكف عن العمل .
أعطاها رافايللو كوبها وهو يقول بخفة : حين تصبحين سيدة المنزل تصرفي كما يحلو لك .
ظهرت ابتسامة رضى وافتخار خفيفة على زاوية فمها رآها رافايللو لكنه لم يعلق على الموضوع اكثر .
أخذ والده كوبه ووقف وهو يرفعه برضى شديد : سأقترح نخباً .
بدا مسروراً جداً لقرار ابنه وكذلك كانت ابنة أخيه .
_ نخب السنيورا دي فيسنتى الجديدة .
رفع رافايللو كوبه وتمتم : يا للطف ! في الوقت المناسب أيضاً .
سمع صوت شخص قادم وسرعان ما التفت رافايللو باتجاهه .
وقفت الفتاة هناك ووقف غوسيب خلفها تماماً .. شعر رافايللو بالرضى فقد بدت بالصورة التي أراد إظهارها بها وبينما التفت الجميع لينظروا إليها وقفت بفستانها البالي وشعرها المربوط إلى الوراء وفوق ذلك كله هناك طفل رضيع يبكي فوق ذراعيها .
وقف رافايللو وساعدها على التقدم نحوهم فيما بدت المرأة جامدة لا تبدي أي تفاعل على الإطلاق أمسك بيدها ليتأكد أنهما يريان خاتم الزواج قال بصوت مرتفع واضح : اسمحا لي أن أقدم لكم زوجتي سينيورا دي فيسنتى .
للحظة وبينما وقفت ماغي متجمدة متمنية لو انشقت الأرض وابتلعتها عم صمت مطبق على المكان .. وبعد ثوان قليلة ارتفع صوت صاخب ..
بدا صوت العجوز كزئير الأسد لم تفهم ماغي كلمة واحدة إلا أن الغضب الشديد والثورة في صوته سقطت كالإعصار فوق رأسها ..إلى جانبها أخذ رافايللو وهو زوجها بالمعنى القانوني يشد بقوة على ذراعها الأيسر .
علقت أنفاس ماغي في صدرها حين راح الرجل العجوز بصوت مرتفع يصرخ توقعت أن يكون هذا الرجل والد رافايللو لأنه يملك وجهاً متغطرساً وسمات مشابهة تماماً لرافايللو .
وقف الخادم صامتاً وكأن أحداً ضربه على رأسه بشيء حاد أما المرأة التي كانت تجلس قرب والد رافايللو العجوز فبدت صامتة ومذهولة تماماً .
للحظات طويلة بدت كأنها ساعات لم سمع شيء سوى صوت العجوز الإيطالي المرتفع الغاضب بعدئذ بدأ بنجي يبكي بذعر شديد .
حررت ماغي يدها من رافايللو لتتمكن من ضم ابنها بقوة فوق صدرها واستدارت لتدخل مجدداً إلى قاعة الاستقبال الفخمة ما الذي يجري بحق السماء ؟
قاطع صراخ العجوز صوت مرتفع آخر .. إنه صوت رافايللو الذي جاء صوته أكثر حدة وغضب حاولت ماغي أن تبتعد قدر المستطاع عن ذلك المكان وهي تضم بنجي إلى صدرها محاولة تهدئته لكن ذلك بدا مهمة مستحيلة .
فجأة شعرت بيد تمسك ذراعها وتنهرها بقوة اشتمت رائحة عطر نسائي قوي وسمعت صوت امرأة يوجه الكلام لها بالإيطالية ورغم أنها لم تفهم كلمة إلا أنها شعرت بالذعر .
قالت بصوت متشنج : أرجوك .. أنا لا أفهم ..
أخذت المرأة نفساً طويلاً وضاقت عيناها وهي تسألها : أنت إنكليزية ؟
وعادت تهز ذراع ماغي مجدداً : من أنت ؟ وما الذي تخططين له بالادعاء أنك زوجة رافايللو ؟
أرادت المرأة ان تدقق في خاتم ماغي فأمسكت يدها لتراه لكن ماغي أبعدتها عنها ليصبح جسدها حاجزاً بين تلك المرأة وبنجي الذي راح يبكي من الخوف ركضت بعيداً نحو الباب وعبرت القاعة الرئيسية ثم صعدت الدرج متوجهة نحو غرفة نومها وحين تأكدت أنها أصبحت بأمان أخت نفساً عميقاً من الارتياح .
كان بنجي أول من فكرت به لقد أصبح بكاؤه هستيرياً الآن وقد يتطلب منها عناء كبير كي تهدئ روعه جلست على السرير ووضعته في حجرها وراحت تهزه بلطف وحنان فتحسنت حالته تدريجياً ثم وضع إصبعه في فمه وبدأ يشعر بالراحة .
آه ! يا إلهي ! ما الذي فعلته بنفسي ؟ أرجوك .. أرجوك يا إلهي دعني أستيقظ وأرى أني مازلت في منزلي ..
لكن ذلك لم يكن حلماً كي تستيقظ منه فهي فعلاً في توسكانا متزوجة من رافايللو دي فيسنتى ويبدو أن عائلته أصيبت بالهلع حين سمعت الخبر .
سمعت صوت وقع خطوات غاضبة في الممر ثم سمعت صوت أبواب تغلق بعنف و أخيراً أغلق أحد الأبواب بعنف فاق كل ما قبله وشعرت ماغي أن المنزل اهتز بأكمله جراء ذلك .
هدأ الوضع لبعض الوقت ثم سمع صوت محرك سيارة يدور بعنف وانطلقت السيارة مسرعة ليختفي بعدها الصوت ويخيم بذلك صمت طويل في أرجاء المنزل .
فتحت ماغي حقيبة يدها وأخرجت منها تفاحة وبعض قطع البسكويت أكلها بنجي بشراهة كبيرة لكنه ظل يشعر بالجوع راحت تحاول إلهائه بأشياء أخرى لساعة أخرى تقريباً لكن جهودها ذهبت هباء حتى العصير لم ينفع معه فالطفل يحتاج إلى طعام يناسبه وإلى شرب الحليب لم تعد تملك خياراً عليها النزول للبحث عن بعض الطعام له . فتحت الباب بهدوء وقلبها يقفز خوفاً بدا المكان معتماً في الخارج فنزلت الدرج بحذر لتصل إلى الطابق الأرضي .
دخلت عبر ممر توقعت أن يوصلها إلى المطبخ وتمنت أن تجد غوسيب هناك فتحت باباً أمامها بحذر شديد وحين دخلت أدركت أنها وصلت إلى مطبخ واسع قديم الطراز في الجهة المقابلة للباب رأت موقداً كبيراً وضعت فوقه أواني الطعام أما في وسط المطبخ وضعت طاولة خشبية كبيرة غطت معظم المساحة وخلفها نافذة قديمة الطراز أيضاً وقفت امرأة كبيرة السن تنظف قدراً نحاسياً كبيراً فوق مغسلة حجرية .
وقفت ماغي عند الباب مترددة فالتفتت المرأة نحوها سألتها بنبرة غير ودودة : نعم ماذا تريدين ؟
بدا وجهها قاسياً وتعبيرها بعيداً عن الترحيب ابتلعت ماغي ريقها وقالت متلعثمة بالإيطالية : عفواً هل .. من الممكن .. ؟
أملت أن يكون لفظها للكلمات صحيحاً كما تعلمته من كتاب تعليم الإيطالية التي اشترته مؤخراً .
قاطعتها المرأة وقالت بنبرة جافة : أنا أتكلن الإنكليزية ماذا تريدين ؟
أوشكت ماغي على الهرب والابتعاد بسبب قسوة المرأة حتى بنجي شعر بتلك القسوة ما زاده تعلقاً بأمه ابتلعت ماغي ريقها مجدداً وقالت بصوت يشبه الهمس : عفواً .. هل من الممكن بعد إذنك .. أن تقدمي بعض الحليب لابني ؟
نظرت المرأة نحو ماغي بعينين ثاقبتين من تحت حاجبيها الرماديين فشعرت هذه الأخيرة بتوتر شديد .
أخذت المرأة تتفحصها وتراقب ثيابها البالية وجسدها النحيل والطفل الذي تحمله ثم عادت تنظر إلى وجه ماغي المتوتر فجأة تغيرت تعابير المرأة فوضعت القدر جانباً وعلقت ببضع كلمات إيطالية لم تفهمها ماغي قبل أن تتحرك متجهة نحوها ثم قالت : تعالي .. تعالي اجلسي هنا ؟
أمسكت ماغي بقبضة قوية وحثتها على الدخول والجلوس على أحد الكراسي حول الطاولة .
_ أنت جائعة أليس كذلك ؟
مشت المرأة نحو الموقد حيث وضع العديد من الأواني وبواسطة إحدى الملاعق الخشبية الكبيرة سكبت من إحدى الأواني صحناً من السباغيتي ثم وضعت على وجه الصحن صلصة البندورة الحمراء وحملت صحن الطعام إلى ماغي وضعت الصحن على الطاولة ثم عقدت أحد مناديل الشاي الصغيرة حول عنق بنجي كي تحمي ثيابه من الصلصة .
فتح بنجي فمه تلقائياً لرؤية الطعام تذوقت ماغي القليل من السباغيتي كي تتأكد من برودتها قبل أن يمسك بنجي بذراعها ليوجه شوكة الطعام المليئة نحو فمه .
أكل بنجي وجبة كبيرة وحالما انتهى من تناول طعامه وضعت المرأة صحناً ثانياً من السباغيتي وصلصة البندورة أمام ماغي وأخذت الطفل منها ثم قالت لها : لقد حان دورك لتناول العشاء الآن .
حملته المرأة بشكل يدل على خبرة بالأطفال ثم استدارت لتملأ له كوباً من الماء أعطته إياه ليشربه بدا بنجي سعيداً جداً بذلك وأخذ يصدر صوتاً قوياً وهو يشرب .
راحت المرأة تداعبه وتخاطبه بكلام إيطالي ودود لم تفهم منه ماغي شيئاً سوى كلمة طفل .
أحضرت المرأة ملعقة خشبية وقدمتها إلى بنجي كي يلعب بها فالتقطها بسرور ثم جلست في الكرسي المقابل لماغي وقالت : هيا ! كلي طعامك .
بدا الطعام لذيذاً جداً التهمته ماغي بشراهة تماماً كما فعل بنجي .
تركتها المرأة تكمل طعامها وهي تلهي نفسها ببنجي الذي بدا غير متضايق للتكلم معه بلغة يجهلها راقبت ماغي تلك المرأة وقد بدا بوضوح مدى خبرتها مع الأطفال ما جعلها تعرف بالضبط ما قد يسلي بنجي مثل ضرب الطاولة بالملعقة الخشبية ومحاولته الوصول إلى المملحة الموضوعة على الطاولة ليلهو بها رشفت آخر ملعقة من صلصة البندورة وتنهدت بارتياح نظرت المرأة إليها وقالت وهي تنقل بنجي من جهة إلى أخرى في حضنها : إذاً سنتكلم الآن ..
وتابعت بنبرة إنكليزية ثقيلة : هل هو ابن رافايللو ؟
ظهرت على وجه ماغي تعابير الذهول وفتحت فمها من الصدمة ما جعل ردة فعلها تريح تلك المرأة التي قالت : حسناً ! هذا أمر جيد .
ظهرت النبرة اللاذعة مجدداً في صوت المرأة التي تابعت تقول : إذاً لقد تزوج ببساطة لكي يغيظ والده يا له من غبي ! .
حدقت ماغي بها ولم تعلم ماذا تقول فهي لم تكن تملك فكرة عن الوضع الشيء الذي ستواجهه عندما تصل إلى هذا المنزل أما مدبرة المنزل فلم تبدوا مندهشة أبداً مما حدث .
علقت المرأة قائلة : هل هو مجنون ليفعل هذا بوالده ؟ دائماً تتكرر الأحداث نفسها .. يتشاجران دائماً كالرعيان يا لعنادهما ... ! لكن هذا أسوأ ما حصل بينهما على الإطلاق .
قالت المرأة بضع كلمات بالإيطالية ثم تابعت تقول بالإنكليزية : حسناً ! لقد حدث ما حدث الآن لكن إن لم يكن رافايللو والد طفلك فمن هو إذن ؟
صدم ذلك السؤال القاسي ماغي .
_ همم .. قال السنيور دي فيسنتى إنه بحاجة للزواج لأسباب قانونية في عيده الثلاثين .. وأنا وافقت لأني ..
صمتت فجأة وقد شعرت بالخجل من الاعتراف بأن السبب الذي جعلها توافق على الزواج من رجل غريب هو المكسب المالي .
رمقتها المرأة بنظرات قاسية وقالت : من اجل المال أليس كذلك ؟
احمرت وجنتا ماغي ونظرت أمامها خجلاً .
_ بالمال الذي وعدني به السنيور سأشتري منزلاً صغيراً لابني .
عادت النبرة اللاذعة للمرأة لكن بدا صوتها ضعيفاً ومتعباً وهي تسألها : وأين والد طفلك ؟ لا .. لا تقولي لي .. لقد رحل أليس كذلك ؟ المسألة تتكرر دائماً الرجال لا يكترثون والفتيات غبيات .
أعطت بنجي مجدداً لماغي وأخذت الأطباق كي تغسلها ثم رمقت ماغي بنظرات داكنة تحذيرية وهي تقول : حسناً ! لم يعد هناك ما يمكنك أن تقومي به الآن لكن بعد ما فعلته من المستحيل أن يسامح والد رافايللو ابنه .
تثاءب رافايللو حين وصلت أشعة الشمس إلى سريره ما زالت كلمات والده ترن في أذنيه .. استعاد كل كلمة بغيضة تبادلاها .. تذكر غضب والده العارم وسخريته هو الشريرة حين قال إنه بفضل إصراره على تزويج ابنه تزوج هذا الابن من امرأة كانت تقوم بتنظيف حمامات الشقق لكي تعيش وهي أم بلا والد .
*******
لعشر ثوان فقط فكر أن انريكو قد يصاب بأزمة قلبية بسبب هذا الكلام لكنه بدلاً من ذلك أخذ يوجه لرافايللو كلمات الغضب والشتائم لأنه جلب العار للعائلة بسبب هذا الزواج الطائش أما لوسيا فكانت تبحث عن شخص لتنفث سمها عليه وبد هو الشخص المناسب .
أعاده حمام ساخن إلى رشده قليلاً نظر إلى ساعة يده ليكتشف أن الوقت أصبح ظهراً إنه أول يوم من عمره بعد بلوغه الثلاثين لكنه لم يشعر بالسعادة وبرغبة بالاحتفال نظر من نافذة غرفته بتشاؤم ولم يشعر بالراحة لرؤية الحدائق في الأسفل حاول التركيز على أمور مهمة عليه الذهاب إلى روما لعقد اجتماع موسع وإعلان نفسه رئيساً لمجلس الإدارة الجديد .. ثم سيبدأ بتطبيق الخطط التي وضعها للدخول إلى السوق الأمريكية و الأسترالية ..
لفتت نظره حركة في الحديقة فعاد ينظر نحو الأسفل رأى الفتاة تقوم بجولة حول المنزل مع طفلها كانت تمشي ببطء ممسكة بيد الطفل وهو يحاول السير متأرجحاً في الممر المرصوف بالحجارة يا إلهي لقد نسي أمرها تماماً ..!
ما الذي سيفعله بها الآن ؟ لقد أدت مهمتها وأمنت له الزوجة التي يريدها لمواجهة والده لم يعد بحاجة إليها الآن لكنه لن يخاطر بنظرة الرأي العام له وتوضيحه هدفه من هذا الزواج المدبر بإرسالها الآن إلى إنكلترا هز كتفيه وفكر أن يطلب من ماريا أن تبقيها بعيدة عنه وسيسمح لها بقضاء عطلة تستمتع بها في الفيلا بينما يذهب هو إلى روما .
قبل أن يستدير نحو الغرفة لمح شخصاً آخر يخرج من المنزل .. إنها لوسيا ! بدا بوضوح أنها تتجه نحو الفتاة وهي تستشيط غيظاً .
خارجاً في الحديقة شعرت ماغي بالهلع فتلك المرأة أياً تكن كانت بالأمس غاضبة من إعلان رافايللو تماماً كما كان والده وهي الآن تتوجه نحوها عن سابق تصميم راح حذاء تلك يصدر صوتاً عالياً فوق الممر المرصوف بالحجارة وهي تمشي بسرعة إلى ان وقفت مباشرة أمام ماغي ..
ضاقت عينا المرأة بغضب ملتهب فشدت ماغي بيد بنجي الذي كان ينحني لاستكشاف الحجارة ..
مهما كان ما أرادت أن تقوله تلك المرأة فقد بقي طي الكتمان إذ سرعان ما سمع صوت وقع خطوات أكثر قوة وأكثر سرعة وظهر رافايللو عند زاوية المنزل كان يرتدي هذا الصباح بذلة رمادية أنيقة نظر إلى ماغي فإذا هي تحدق إليه باستسلام وبأنفاس متقطعة .
وجه كلامه إلى لوسيا بلغة إيطاليا سريعة : عليك أن تغادري لوسيا ليس لك أي عمل هنا كما لم يكن لك يوماُ كان عليك أن تعلمي أنني لن أتزوج منك أبداً .
لمعت عينا لوسيا غضباً وقالت بالإيطالية أيضاً : إذاً لقد تزوجت بهذه الساقطة بدلاً مني انظر إليها إنها تبدو كالدجاجة الهزيلة .
نظرات الازدراء التي رمقت بها المرأة ماغي جعلت رافايللو يتوتر ألقى بنظرة خاطفة نحو ماغي وهو يقول : كفى !
شحب لونها فجأة وتمنى رافايللو ألا تكون ذكية بما يكفي لكي تدرك معنى الكلام الذي وصفتها به لوسيا لكنه لم يساوره الشك بأنها سمعت النبرة العدائية في صوت قريبته مهما كانت اللغة التي تكلمت بها أخذ نفساً عميقاً وقال : لوسيا أظن أن من الأفضل لك أن تعودي إلى شقتك في فيرنز فأنت لم تقدمي خدمة جيدة لوالدي بجعله يعتقد أنك قد تصبحين زوجة ابنه العتيدة .
ظهرت نظرات مزعجة في عيني لوسيا الداكنتين وقالت بغضب : وأنت .. هل تظن أنك قدمت خدمة لوالدك بإحضار هذه .. هذه الفتاة إلى منزله ؟ أتمنى ان تكون فخوراً بما فعلته رافايللو .
استدارت لوسيا على عقبيها ومشت مبتعدة .
تنفست ماغي الصعداء وفي ذلك الوقت كان بنجي متشبثاً بيدها وقد شعر بالخوف من الصراخ و الأجواء المشحونة التي تحيط به حملته ماغي على ذراعها وهي تهمس له فوق رأسه : لا بأس يا صغيري .. كل شيء على يرام .
لكن لم يكن كل شيء كان يسير بشكل خاطئ .. كل ما يدور في هذا المكان الجميل كان خاطئاً .
_ كان عليك أن تخبرني .
لم تعلم من أين أتت هذه الكلمات أو من أين أتتها الشجاعة لقولها لكنها قالت ما قالته وهي الآن تنظر إلى الرجل الذي ظنت أنها تزوجته لأسباب قانونية تتعلق بالأعمال فقط لكنها استنتجت أن الأمر لم يكن يتعلق بالشركة .
لا يعقل أن يكون الغضب والسخط اللذين واجهتهما منذ ظهورها على الشرفة أمس متعلقين بأسباب غير شخصية كإدارة أعمال الشركة إنها مشكلة عائلية مشكلة عاطفية بشعة ومستمرة .
_ أخبرك بماذا ؟
بدا صوته حاداً أكثر مما أراد فالحديث الذي تبادله مع لوسيا جعله يبدو قاسياً .
أجابت ماغي بقوة : لم تخبرني أني سأسير في مكان مليء بالألغام البشرية الكل غاضب لأنك تزوجت مني والدك .. تلك المرأة .. أياً تكن .. وحتى مدبرة المنزل والخادم لم أكن اعلم أن الجميع سيكونون غاضبين مني .
حاولت ماغي بيأس أن تخفي الرجفة التي ظهرت في صوتها وهي تتكلم .
أجاب رافايللو ببرودة : ليسوا غاضبين منك بل مني أنا أما الشخص الوحيد الذي أنا غاضب منه هو والدي .
أخذ نفساً عميقاً : ربما يجب أن تعرفي أنه أراد أن يزوجني من لوسيا إنها قريبة لي وتود أن تصبح السينيورة دي فيسنتى كي تتمتع بمالي لقد عملت عليه بقوة كي يقتنع بأنها الزوجة المثالية لي والأم المثالية لأحفاده الذي يتمنى الحصول عليهم قريباً أما هو فحاول إجباري على ذلك بالقوة وهدد ببيع حصته في الشركة لكنني لم أكن لأسمح بذلك لقد عملت بجهد في السنوات العشر الأخيرة كي لا أضطر أبداً للزواج من امرأة لا أريدها لذا تحديته وتزوجت قبل يوم واحد من عيد مولدي الثلاثين .
بدا صوتها جافاً جداً هذه المرة وهي تقول : من امرأة ساقطة .
تفاجأ رافايللو أيعقل أنها تعلم ما معنى الكلمة ؟ وكأنها تمكنت من فهم أفكاره فتابعت القول : أليس هذا بالضبط ما تعنيه تلك الكلمة التي استخدمتها المرأة لوصفي سيد دي فيسنتى ؟
بدأت بالسير وقد أرادت فقط أن تبتعد عنه شعرت بالصدمة لبشاعة المواقف حولها لكن رافايللو أمسك ذراعها وقال : لا تعيري لوسيا اهتمام فهي غاضبة وحزينة لقد نفست عن غضبها أمامك ليس أكثر .
_ شكراً لك لكنني أفضل ألا يهينني أحد فلا أنت ولا قريبتك تعرفان أي شيء عني أو عن ظروفي أنا وابني .
امتقع وجهه بسبب ردها القوي فقال : كونك فتاة شابة لديها طفل صغير تخلى أبوه عنه يعني على الأقل أنك كنت غير حذرة باختيار الرجل المناسب .
تصلبت تعابير وجهها وأجابت : أظن أنني كنت أقل حذراً باختيار الرجل تزوجته بالأمس سيد دي فيسنتى كان علي بالتأكيد ان أتحرى عن علاقاتك المشبوهة أيضاً .
هزت ماغي ذراعها تحررها من قبضته وأسرعت بالابتعاد عنه خلفها سمعت رافايللو يطلق شتيمة ثم سمعت خطواته تسرع ليلحق بها وحين أصبح بقربها قال بقسوة : أنا آسف لأنك تعرضت إلى هذا الموقف لكن أود ان أذكرك أني سأدفع لك مبلغاً كبيراً من المال من أجل ما تقومين به .
شعرت بالإحباط حين ذكرها بذلك توقفت عن السير و أخذت تنظر إلى حذائه اللامع إنه محق عليها أن لا تنسى ذلك حتى لو لم يكن صادقاً حين أخبرها عن أسبابه التي دفعته للزواج منها .
رفعت بصرها نحوه وأجابت بعنفوان : لقد قمت بما وسعي سيد دي فيسنتى .. فعلت ما أردته تماماً ولكني لا أتوقع منك أن تسمح لأفراد عائلتك بصب جام غضبهم علي لأنهم غاضبون منك بسبب زواجك بي .
التوت شفتا رافايللو : هل تطالبين بالمزيد من المال ؟
ظهر الشحوب على وجهها بسبب سؤاله وقالت نافية : لا سيد دي فيسنتى ! أنا لا أطلب المزيد من المال أنا اطلب فقط ألا أكون عرضة لإهانات أقاربك إن لم يكن لأسباب أخرى فقل إنها تسبب الذعر لبنجي والآن إذا سمحت هل يمكنك ان تعطيني التعليمات التي علي اتباعها هذا اليوم وسأفعل ما بوسعي لتنفيذها هل تود مني أن أعود لغرفتي ؟
فاجأته للحظات ردة فعلها الغاضبة قال لها : تصرفي بحرية وافعلي ما تريدينه المنزل والحديقة تحت تصرفك أنا لست رهيباً إلى هذا الحد .. لقد عبرت لك عن أسفي الشديد لتصرفات قريبتي لكنها ستغادر قريباً وكذلك أنا لذا تصرفي وكأنك في بيتك .
مشى بعيداً تاركاً ماغي تغلي في غضبها لكن شعورها اختفى فجأة ما الذي جعلها تخوض هذا الشجار معه ؟ فالأغنياء لا يكترثون لمشاعر الناس وهي تعلم هذا جيداً بالنسبة لرافايللو فإنها مجرد أداة يستخدمها .. لقد وظفها لديه وهو يدفع لها مقابل عملها عليها ان تبقى صامتة ولا تتدخل مع أحد .. مهما حدث من شجارات حولها .
سمحت لبنجي ان ينزل إلى الأرض مجدداً وراقبته بصمت وهو يمسك بالحجارة ويرميها مجدداً على الأرض حين شعر أخيراً بالملل أمسكت يده وقالت له : هيا دعنا نعود إلى المنزل .
دارت حول المنزل تدخل من باب الخدم فهي تشعر بالراحة في ذلك المكان على الأقل إذ يبدو أن مدبرة المنزل قررت أخيراً أن تكون ودودة معها علمت ماغي في الصباح عندما نزلت إلى المطبخ لتطعم بنجي أن مدبرة المنزل تدعى ماريا وقد أظهرت ماريا لطفاً شديداً نحوهما مقارنة بالفظاظة التي تظهرها عادة وتوقعت ماغي أن ماريا تخبئ وراء فظاظتها ما إن دخلت ماغي إلى المطبخ حتى تهجت ماريا كلمات جديدة بالنسبة إليها بالكلمات الإنكليزية : حليب من أجل الطفل .
توجه بنجي نحوها بفرح معبراً عن ثقته بهذه المرأة الجديدة التي تدخل حباته حدثته ماريا بالإيطالية وأجلسته على الطاولة لتقدم له كوباً من الحليب بشراهة بدأت ماريا تكرر حليب أمامه مرات عديدة كي يتعلمها جيداً .
كرر بنجي الكلمة وراءها وهو يقول : بيب ....
ثم اخذ يراقبها وهو يسأل بكلام غير مفهوم : أيضاً ؟
فسرت ماغي لماريا ما يقصده بنجي بكلامه : يقصد أنه يريد كوباً آخر .
_ آه فهمت .
ملأت ماريا كوب بنجي بالمزيد من الحليب ونظرت إلى ماغي قائلة : إنه ولد جيد رغم أنه بلا أب .
بقيت تنظر نحو ماغي مطولاً بعينيها السوداوين ثم لان تعبيرها وأكملت : لكن من الواضح أنك تحبين ابنك كثيراً وهذا ما يجعل منك امرأة صالحة .
اغرورقت عينا ماغي بالدموع عند سماع هذا الكلام الذي بدا قاسياً ولطيفاً في الوقت نفسه فأصدرت ماريا صوت اعتذار بحنجرتها ووضعت أمام ماغي كوباً من الحليب الذي قدمته لبنجي .
لدهشتها أمضت ماغي بقية نهار ممتع حيث قضت وقتاً طويلاً برفقة ماريا وهما تمرحان مع بنجي فقد أخرجت ألعابه من الغرفة وأنزلتها إلى المطبخ لتلعب معه عند زاوية من الطاولة الكبيرة بينما كانت ماريا تحضر الغذاء لوالد رافايللو كما قدرت .
أما لوسيا فقد غادرت المنزل كما أعلن غوسيب حين أتى ليلقي نظرة على المطبخ لبعض الوقت وحسبما استنتجت ماغي فإن لوسيا لم تكن محبوبة من موظفي الفيلا .
لقد رحل رافايللو أيضاً منطلقاً بسيارته بسرعة إلى روما ما جعل ماريا تشعر بالاستياء لمكن ماغي شعرت بالراحة طول النهار .
بعد الغذاء بدأ القسم المشوق من النهار اصطحبتها ماريا مع بنجي إلى حوض السباحة الذي يقع في حديقة مسورة بدت المياه ملتمعة تحت أشعة الشمس بشكل يغري بالسباحة فركض بنجي الذي يحب الماء نحو البركة بحماس كبير سألت ماغي ماريا بتردد : ألن يمانع السنيور دي فيسنتى أن يسبح بنجي هنا ؟
توتر فم ماريا : أنت السينيورة دي فيسنتى الآن .. ولا تقولي أن ذلك حدث بالاسم فقط .. إنه متزوج منك وأنت زوجته .. إن أردت السباحة فاسبحي .
لم تستطع ماغي المقاومة رغم ان المياه بدت باردة بعض الشيء لكن بنجي استمتع بالسباحة في الإطار المليء بالهواء الذي جعله يعوم فوق الماء ولم تخشى ماغي أن يصاب بالبرد لأن أشعة الشمس كانت قوية .
مر الوقت بسرعة وهما يستمتعان بالسباحة بهدوء لوحدهما .
بعد فترة غفا بنجي على كرسي طويل تحت مظلة كبيرة فتحها لهما غوسيب بجانب المسبح بينما جلست ماغي تتشمس قربه .
على الرغم من المشاكل التي عصفت حولها منذ وصولها إلى هذا المنزل عليها أن تنسى كل المشاحنات وتستمتع بوقتها إذ لا علاقة لها أبداً بمشاكل رافايللو دي فيسنتى وهمومه .
أمضت ماغي أمسية هادئة مع بنجي برفقة ماريا و غوسيب في المطبخ .
قالت ماريا وهي تبدو غير راضية عن تصرفات رافايللو : ذهب إلى روما ولم يعد .
وفي المساء حين استغرق بنجي في النوم في السرير الكبير شربت القهوة التي أحضرتها ماريا وقرأت لمدة ساعتين تقريباً .
قبل أن تخلد إلى النوم جلست أمام النافذة تستمتع بأجواء الليل الإيطالي إنها الليلة الثانية لها في إيطاليا فيما هي تراقب الظلام الهادئ قالت لنفسها بنعومة : أنا محظوظة أكثر مما حلمت بمجرد خوضي هذه التجربة التي لم أفكر بها أبداً .
تراءى لها في الظلام وجه ذو عينين سوداوين بشرة سمراء عظام بارزة فوق الخدين وفم منحوت .. وجه يمثل قمة الوسامة الرجولية راح قلبها يخفق بجنون .. آه ! إنه ذلك النوع من الرجال الذي الذين يسلبون ألباب النساء .
تزايد شعورها بالضعف !
إن رافايللو دي فيسنتى بعيد عن متناول يدها أكثر من لوحة قيمة معلقة على جدار متحف .
ضغطت شفتيها معاً بقوة وهزت رأسها وقد اتسعت عيناها دهشة لتفكيرها به تنشقت هواء توسكانا المنعش المحمل بعبق أشجار السرو وعطر الأشجار و ببطء وقفت على قدميها وتوجهت نحو سريرها .عليه وبد هو الشخص المناسب .
أعاده حمام ساخن إلى رشده قليلاً نظر إلى ساعة يده ليكتشف أن الوقت أصبح ظهراً إنه أول يوم من عمره بعد بلوغه الثلاثين لكنه لم يشعر بالسعادة وبرغبة بالاحتفال نظر من نافذة غرفته بتشاؤم ولم يشعر بالراحة لرؤية الحدائق في الأسفل حاول التركيز على أمور مهمة عليه الذهاب إلى روما لعقد اجتماع موسع وإعلان نفسه رئيساً لمجلس الإدارة الجديد .. ثم سيبدأ بتطبيق الخطط التي وضعها للدخول إلى السوق الأمريكية و الأسترالية ..
لفتت نظره حركة في الحديقة فعاد ينظر نحو الأسفل رأى الفتاة تقوم بجولة حول المنزل مع طفلها كانت تمشي ببطء ممسكة بيد الطفل وهو يحاول السير متأرجحاً في الممر المرصوف بالحجارة يا إلهي لقد نسي أمرها تماماً ..!
ما الذي سيفعله بها الآن ؟ لقد أدت مهمتها وأمنت له الزوجة التي يريدها لمواجهة والده لم يعد بحاجة إليها الآن لكنه لن يخاطر بنظرة الرأي العام له وتوضيحه هدفه من هذا الزواج المدبر بإرسالها الآن إلى إنكلترا هز كتفيه وفكر أن يطلب من ماريا أن تبقيها بعيدة عنه وسيسمح لها بقضاء عطلة تستمتع بها.
أنت تقرأ
روايات احلام / معا فوق النجوم
Romanceالملخص : لم يكن المليونير الايطالي رافايللو دي فيسنتى يملك حلاً فالشركة ستطير من بين يديه تهديد أبيه واضح وصريح تزوج و إلا أبيع الشركة ! وهكذا قطع على نفسه وعداً بأن يتزوج أول امرأة يصادفها وصادف أن تكون ماغي خادمة منزله .. وكيف لماغي أن ترفض تمثي...