الفصل الاول

45.9K 1.2K 27
                                    

١_كوني زوجتي

_ بحق الجحيم ما الذي تعنيه بقولك إنك لن توقعي ؟
حدق رافايللو دي فيسنتى بالمرأة الجالسة وهي شقراء رائعة الجمال ذات عينين زرقاوين تنساب خصلات شعرها بحرية فوق كتفيها .
وضعت أماندا بونهام إحدى ساقيها فوق الأخرى ونظرت إليه بعينين متسعتين ثم قالت بصوت يشبه الخرخرة : من المهين يا عزيزي أن نقوم بتوقيع اتفاق كهذا قبل الزواج .
توتر فم رافايللو وقال : لكنك وافقت على بنود الاتفاق كلها وأنا تحدثت إلى محاميك بهذا الشأن فلم تراجعت الآن ؟
نظرت أماندا إليه باستياء وقالت بصوت أجش : راف عزيزي نحن لسنا بحاجة إلى ذلك الاتفاق قيل الزواج .
ظهرت على فمها الجميل ابتسامة مغرية ثم تحركت قليلاً في دعوة صريحة له ليجلس بقربها فيما راحت عيناها تتأملان الرجل الذي يقف قبالتها والذي يرتدي بذلة أنيقة تحمل اسم مصممها المشهور .
لوح رافايللو بيده في الهواء في حركة تنم عن نفاذ صبره إنه منيع ضد إغراءات أماندا وسحرها .. لقد طفح كيله منها ظهرت لكنته الإيطالية واضحة حين قال بغضب واضح : ليس لدي وقت لهذه الألاعيب أماندا وقعي على ذلك الاتفاق اللعين كما سبق واتفقنا ..
اختفت الابتسامة عن وجه أماندا وعن عينيها الزرقاوين وفجأة غدت عيناها أقسى من الحجر .
_ كلا أنت تريد الزواج بي .. فلنتزوج من دون توقيع اتفاقيات مسبقة سخيفة .
أطلق رافايللو شتيمة من بين أنفاسه كابحاً طبعه الإيطالي النزق متجنباً استخدام مفردات لا تليق بالمجتمع الراقي .
إلا أن نظرات عينيه تسلطت بقوة على المرأة التي من المفترض أن تكون عروسه العتيدة ثم قال بنبرة متأنية : أماندا عزيزتي ! أنا لم أحاول خداعك على الإطلاق أريد زوجة لمدة ستة أشهر ثم طلاقاً سريعاً غير مؤلم في المقابل سوف تحصلين أنت على حياة ملؤها الرفاهية في الستة أشهر وذلك بعد القيام بزيارة قصيرة إلى إيطاليا وسوف تخرجين من هذا الزواج بثروة صغيرة وذلك كتعويض لك بموجب اتفاقنا هذا هل تفهمين ؟
جاء صوت أماندا قاسياً وهي تقول : آه ! بالطبع فهمت هذا جيداً والآن هل يمكنك أنت أن تفهمني ؟ الوثيقة الوحيدة التي سأوقعها هي تلك التي تعطيني المال بموجبها .
تجمد رافايللو في مكانه هكذا إذن ! لقد نقضت أماندا اتفاقهما كان عليه أن يتوقع ذلك قد تكون أماندا ذات رأس فارغ إلا أنها تتميز بالجشع عندما يتعلق الأمر بالمال .
لكن لا أحد يستطيع التلاعب به .. لا أحد .. لا صديقته الجشعة ولا والده المتسلط .. لا أحد يستطيع ذلك !
فجأة غدت تعابير وجهه غير مقروءة وازداد اللون الداكن في بشرته السمراء جاءت نبرة صوته قاسية حين قال :
_ إنه أمر مؤسف حقاً !

إن اللذين يعرفون رافايللو دي فيسنتى في عالم الأعمال يدركون جيداً أنه يجدر بهم الاستسلام والتراجع ما إن يصل إلى هذه النقطة من الغضب هذا إذا كانوا ما يزالون راغبين في إبرام أي اتفاق أو صفقة معه إلا أن أماندا لا تتمتع بهذه الحكمة توهجت عيناها الزرقاوان وقالت بحدة : يبدوا لي أن لا خيار لديك عزيزي رافايللو أنت تحتاج إلى زوجة بصورة عاجلة .. حسناً ! هذا الأمر يناسبني .. لكنني لن أورط نفسي باتفاق سخيف كهذا !
هز رافايللو كتفيه بلا مبالاة وهو يستدير بعيداً عنها ثم التفت نحوها مجدداً ليقول إنه خيارك سوف اتصل بسيارة أجرة لتقلك .
ثم سار باتجاه طاولة إلى جانب الجدار والتقط هاتفه الخليوي فاندفعت أماندا نحوه قائلة : مهلاً ! انتظر دقيقة واحدة ..
لم يكترث رافايللو بكلامها وراح يطلب الرقم وهو يقول : انتهت الصفقة يا عزيزتي من الأفضل أن تجهزي نفسك للمغادرة .
أطبقت يدها بقوة على كم سترته الأنيقة وقالت : لا يمكنك أن تفعل ذلك بي .. أنت تحتاج إلي .
أبعد يده عنها وكأنه يبعد حشرة مزعجة وقال بنبرة صوت قاسية كالماس : أنت مخطئة .
ثم تغيرت نبرة صوته ليقول : جو ! اتصل بسيارة أجرة ولتكن هنا بعد عشر دقائق .
استدار متجهاً نحو الباب ذي المصراعين والذي يؤدي إلى بقية أقسام المنزل .
_ أخبرني فقط كيف ستحل مشكلة إيجاد عروس لك بسرعة ؟
بدا الصوت خلفه ساخراً ومليئاً بالقسوة فلم يكلف رافايللو نفسه عناء الالتفات إلى الوراء بل أجاب بصوت ناعم كالحرير : سوف أتزوج أول امرأة ألتقي بها .
وخرج من الغرفة ....
لوت ماغي أصابعها المتعبة داخل القفازات المطاطية وبدأت عملها في تنظيف بلاط الحمام الرخامي الفاخر متمنية أن يزول عنها ذلك الشعور بالتعب الذي يرهقها ظل بنجي مستيقظاً لمدة ساعتين الليلة الماضية .. يبدو أن لا أمل بأن يستقر بنومه تثاءبت وأبعدت بظاهر يدها خصلة شعر سقطت على جبينها قبل أن تعود لفرك البلاط بالإسفنجة التي تحملها في يدها فكرت أن استيقاظ بنجي أثناء الليل يجعله على الأقل يمضي وقته الآن نائماً وهذا أمر جيد بالنسبة لها .
علت جبينها تقطيبة وهي تفكر أنها لن تتمكن من الاستمرار في عملها هذا لوقت طويل عندما كان بنجي صغيراً جداً كان من السهل عليها أن تحمله في كرسيه الخاص أينما ذهبت وتبقيه بجانبها وهي تقوم بعملها في تنظيف المنازل الفخمة أما الآن وقد أصبح في بداية مشيه بات من الصعب عليه البقاء محتجزاً في كرسيه لوقت طويل إنه يريد الخروج ليكتشف ما حوله .. لكن هذا مستحيل في منزل كهذا حيث كل شيء بدء من السجاد إلى الأواني المطبخية باهظ الثمن .
وضعت المزيد من سائل التنظيف وراحت تفرك من جديد قبل أن تتنهد مفكرة ما هي الوظيفة التي يمكنها الحصول عليها بوجود طفل في عامه الثاني يسير أول خطواته في الحياة ؟ لا يمكنها أن تتركه برعاية حاضنة
إذ ستضطر إلى دفع كل ما تجنيه من عملها لها إن أفضل ما يمكن أن تفعله هو القيام بعمل الحاضنة هي نفسها
وهكذا يمكنها رعاية طفلها بالإضافة إلى أطفال آخرين وأن تجني فوق ذلك بعض المال لكن أي أم ستوافق على ترك طفلها لديها وهي تعيش في ذلك المكان التعيس ؟" فهي نفسها تكره أن يبقى بنجي هناك لمدة قصيرة في سريره فتحاول الخروج به من ذلك المكان ما إن تستطيع ذلك .
رقت ملامح وجهها وظهرت عليه ابتسامة لطيفة وهي تفكر في بنجي نور حياتها والشعاع الذي يحيي قلبها طفلها الذي هو أغلى ما لديها في الوجود ... إنه كل ما لديها .. وهي لن تتأخر عن القيام بشيء من أجله .
سار رافايللو بخطوات واسعة وهو يشعر بالغضب عبر القاعة الفسيحة اتجه نحو الدرج العريض الذي يؤدي إلى قاعة الاستقبال الواقعة في الطابق الأرضي من المنزل المؤلف من طابقين اللعنة على أماندا التي حاولت ابتزازه واللعنة بالدرجة الأولى على والده الذي وضعه في هذا الموقف المزعج منذ البداية .
لم لا يستطيع أن يتقبل فكرة أنه من المستحيل عليه أن يقبل بالزواج من قريبته لوسيا ليغدوا ذلك الزوج الذي لطالما تاقت إليه ؟
آه ! نعم إنها تبدو جذابة إلا أن تفكيرها سخيف وهي ذات مزاج سيئ .. على الرغم من أنها تستطيع إخفاءه عن والده ما جعل ذلك الأخير يقتنع بأنها الزوجة المثالية لابنه وعندما فشل في إقناعه بهذا الزواج عن طريق إصدار الأوامر والتلميحات لجأ إلى تهديده الأخير .. سوف يبيع الشركة ! يا الله ! لقد وضعت لوسيا يدها على نقطة الضعف لديه .. إن والده يرغب برؤية أحفاد له يرثون شركة فيسنتى كي تبقى هذه الشركة في نطاق عائلي هكذا تمكنت لوسيا من اللعب ببراعة على هذا الوتر الحساس .
ما زالت الكلمات التي تلفظ بها والده ترن في أذنيه : أريدك أن تتزوج و إلا أنني سوف أبيع لا تظن أني لن أفعل لكن ........
ثم رقت نبرة الرجل المسن ليقول بلفتة بارعة : و .. إذا قدمت لي عروسك قبل بلوغك الثلاثين من العمر سوف أنقل ملكية الشركة إليك في اليوم نفسه .
حسناً ! فكر رافايللو بعبوس سوف يفعل ذلك سوف يقدم عروسه إلى والده يوم ميلاده الثلاثين لكنها لن تكون العروس التي يفكر فيها والده فالعروس التي سيعرفه بها سوف تمنعه من تنفيذ وعيده وهذا كل ما في الأمر .
راح الغضب يعتمل في داخله مرة أخرى أماندا بونهام كانت ستبدو العروس المثالية التي يمكنه مواجهة والده بها كجزاء مناسب على إجباره إياه على الزواج لا شك أنها كانت ستسبب لوالده ارتفاعاً في ضغط الدم فهي فتاة مدللة منذ صغرها ذات شعر طويل يصل حتى خصرها ورأس فارغ لا يهمها سوى المظهر الجميل وإنفاق المال الذي تحصله من عشاقها .
لكنها أفشلت خطته وأعادته إلى البحث من جديد عن عروس يمكنها إثارة سخط والده ومسح تلك الابتسامة المتكلفة عن وجه لوسيا علا العبوس جبينه وفكر أن تنفيذ الوعيد الذي أطلقه في وجه أماندا بدا جيداً في وقته أما الآن فهو يشعر أن إيجاد عروس في غضون أسابيع لن يكون الأمر سهلاً بل إنه يشكل تحدياً حتى بالنسبة إليه .
هبط السلالم بخطوات رشيقة مستعجلة وعلى وجهه تقطيبة وما لبث أن توقف مجفلاً .. هناك طفل نائم في وسط الردهة .
مسحت ماغي الأرض للمرة الأخيرة وتطاولت إلى صندوق الذي يحتوي على مواد التنظيف لتناول علبة معطر الجو إن تنظيف الحمامات في المنازل الفخمة هو عمل ممتع على الأقل فكل ما فيها رائع ولامع ومن النوعية الممتازة بالتأكيد فكرت بجفاء أن الأغنياء يعيشون حياة مختلفة تمتماً ذلك لا يعني أنها رأت أصحاب المنزل على الإطلاق فالذين يقومون بالتنظيف لا يسمح لهم بالقدوم إلا أثناء غياب أصحاب المنازل .
رفعت غطاء علبة معطر الجو وخضتها فأصبحت جاهزة للاستعمال ..
_ ما الذي تفعلينه هنا ؟
الصوت العميق ذو النيرة الساخطة الذي أتى من خلفها جعلها تقفز مجفلة ردة فعلها هذه جعلتها تضغط على معطر الجو بقوة فاندفع السائل الأزرق اللون ليسيل على الأرض الرخامية .
أطلقت ماغي صرخة ملؤها الرعب قبل أن تبعد علبة المعطر وتبدأ بمسح الأرض بإسفنجة التنظيف .
_ أنا أتكلم معك .. أجيبيني ؟
بدا الصوت من خلفها أكثر سخطاً ما جعل ماغي تستدير بسرعة وتحدق بصاحبه .
وقف الرجل في باب الحمام وراح ينظر إليها بادلته ماغي النظر وهي ترمش بعينيها دون أن ترى شيئاً وقد تحول رعبها إلى ما يشبه الهلع من المفترض أن يكون المنزل خالياً هذا ما قالته لها مدبرة المنزل لكن من هن الواضح أن أحد سكان المنزل موجود هنا الآن وهو يبدو ساخطاً تماماً .
تمكنت من القول بصوت متهدج : أنا .. آسفة سيدي .
قالت ذلك مدركة أن عليها إظهار الخضوع أمام شخص كهذا على الرغم من أنها ليست هي المخطئة لوجودها هناك في وقت غير مناسب .
_ قيل باستطاعتي القيام بأعمال التنظيف هذا الصباح .
توتر فم الرجل قائلاً : هناك طفلاً في الردهة !
في مكان ما من دماغها أدركت ماغي أن الرجل ليس إنكليزياً ليس فقط بسبب بشرته السمراء الداكنة بل بسبب تلك النبرة التي تميز صوته إلى حد بعيد أهو إسباني ؟ أم إيطالي ؟
وقفت ماغي على قدميها بطريقة خرقاء إذ لا يمكنها البقاء راكعة على ركبتيها إلى ما لا نهاية .
_ إنه لي .
ظهر في عيني الرجل السوداوين بريق من الغضب الشديد .
_ هذا ما قدرته ما الذي يفعله هنا ؟ لا مكان للأطفال هنا !
طفل في مثل هذا السن يجدر به البقاء في المنزل في مثل هذا الوقت من اليوم أي نوع من الأمهات ه هذه المرأة ؟ من الواضح أنها عديمة المسؤولية ! ابتلعت ماغي ريقها وقالت : أنا آسفة جداً .
انحنت لتحمل الصندوق الذي يحتوي على مواد التنظيف بعد أن ألقت نظرة سريعة على أرضية الحمام لتتأكد من أنها أصبحت لامعة ونظيفة كما يجب .. بعد ذلك تمكنت من القول : سأذهب الآن يا سيدي أنا آسفة جداً لتسببي بإزعاجك .
توجهت نحو الباب فتنحى رافايللو جانباً مفسحاً المجال لها للمرور بدا لها من غير المريح أن تمر بجانبه وهو قريب منها إلى هذا الحد إنه يتمتع بجاذبية هائلة ومن الواضح أنه قد استحم من وقت قصير بينما أمضت هي الساعات في تنظيف البلاط شعرت بأنها متسخة ومتعرقة و أن رائحتها كريهة بسبب عملها لساعات طويلة خرجت بسرعة متوجهة إلى حيث يرقد بنجي في كرسيه فإذا هو ما يزال نائماً حملت كرسي الطفل وعلقته بسرعة على ذراعها .
_ انتظري !
جاء الأمر صارماً فتوقفت ماغي بصورة غريزية استدارت بعد برهة من التردد والكرسي الثقيل الوزن الذي يحمل بنجي معلق بذراعها كان الرجل يحدق إليها ما جعل ماغي تتجمد خوفاً كأنها أرنب تلاحقه الأضواء أو ظبي لمح نمراً يخرج من الأجمة فكرت بصمت : يا رباه ! النجدة ما الذي سيحصل الآن ؟
جالت نظرات رافايللو على الفتاة إنها معتدلة القوام قمحية البشرة ذات شعر بني وملامح غير مؤثرة تغضن أنفه ازدراء وهو يفكر أن رائحتها تعبق بروائح مستحضرات التنظيف لاحظ وجود بقعة من الأوساخ على خدها بدت المرأة في حوالي العشرين من العمر .
وجد نفسه يحدق إلى يديها ولاحظ أنهما تختبئان داخل القفازات المطاطية الصفراء اللون علا العبوس وجهه وعادت إلى نظراته إلى وجهها كانت الفتاة تنظر إليه وعلى وجهها ملامح الخشية والترقب .
_ ليس عليك أن تهربي وكأنك أرنب مذعور .
قال ذلك متعمداً تلطيف نبرته إلا أن ذلك لم يؤثر على تعابير وجهها الخائفة فقد ظلت مسمرة في مكانها متأهبة للخروج وهي تحمل طفلها في إحدى يديها وصندوق التنظيف في اليد الأخرى .
سار رافايللو خطوتين باتجاهها وسألها : أخبريني هل أنت متزوجة ؟
هذه المرأة عادت النبرة الفظة تميز صوته ومع أنه لم يتعمد أن يكون كذلك مطلقا! إلا أن هذا ما حصل ذلك أن جزءاً من دماغه كان يقول له بأنه رجل مجنون تماماً ما دام يفكر بما يفكر به ومع ذلك لم يتراجع رافايللو عما في ذهنه ...
ظهر الارتباك في عيني الفتاة كما لو أنه سألها سؤالاً محرجاً إلا أنه عاد يلح عليها : حسناً ! .
لم يبدوا عليها أنها مستعدة للإجابة هزت المرأة رأسها إلا أن نظراتها ظلت ثابتة والارتباك ظاهر فيها تركزت نظرة رافايللو عليها بتصميم أكبر حسناً ! يبدوا أنها ليست متزوجة .. إنه لا يظن ذلك على الرغم من عدم قدرته على رؤية يديها ليتأكد من خلوهما من خاتم زواج وعلى الرغم من وجود الطفل .
لا بأس إن كان لديها طفل صغير .. مهما كانت الأم عديمة المسؤولية ! وعاد يفكر باهتمام أن وجود الطفل أمر جيد أما هي .. لا بأس بها أيضاً ومرة أخرى راحت عيناه تتفحصانها متأملتان مظهرها بأكمله ولاحظ رافايللو شدة إجفالها .
_ أود أن أقدم لك عرض عمل .
صدر عنها صوت أشبه بالتذمر هذا ما استنتجه رافايللو مع أنه فكر أن لا داعي لأن تتذمر مطلقاً سار باتجاه باب يؤدي إلى المطبخ وفتحه وأشار إليها لندخل إلى هنا .
عاد ذلك الصوت إلى حنجرتها مرة أخرى وهذه المرة تراجعت نحو الباب الرئيسي وهي تقول : علي أن أذهب .
مرة على العبوس وجه رافايللو .. في تلك اللحظة بالذات سمع صوت انغلاق أحد الأبواب في الطابق العلوي وفي اللحظة التالية أطلت أماندا وراحت تهبط السلم بقدر ما يمكنها من السرعة وبقدر ما يسمح
لها كعبي حذائها العاليين و تنورتها الضيقة وما إن رأت المشهد الواضح أمامها حتى أضاءت وجهها ابتسامة شريرة وقالت بنبرة تقطر سماً عزيزي راف لماذا ؟ أول امرأة تصادفها .. سيكون الأمر صعباً عليك .
وتابعت مقلدة لكنته الإيطالية : وهذا ما حصلت عليه يا له من حظ سيئ !
أجابها الرجل بزمجرة أشبه بزمجرة نمر ما جعل شعر جسمها يقف خوفاً : نعم عزيزتي أماندا إنها مناسبة لي تماماً .
_ إنك تمزح لا بد أنك كذلك !
رمقها رافايللو بنظرة ساخرة مكتفياً برفع أحد حاجبيه الداكنين المقوسين .
_ لا بد أن سيارة الأجرة تنتظرك بالخارج عزيزتي حان وقت ذهابك .
للحظة وقفت المرأة في مكانها وهي تشعر بالذهول فيما الغضب يغلي في داخلها ثم شدت عضلات وجهها وسارت بتصميم نحو الباب الرئيسي مبعدة ماغي عن طريقها قبل أن تفتح الباب .
صاحت ماغي بحدة : انتظري !
وحاولت أن تلحق بها بسرعة .
ما الذي يدفع مالك المنزل إلى سؤالها إذا كانت متزوجة أم لا ؟ ما تفكر به ليس سبباً جيداً على الإطلاق .. ما خطر ببالها هو أمر سيئ |إلى أبعد الحدود لطالما سمعت قصصاً روتها عاملات التنظيف عن أثرياء يجبرونهن على القيام بأعمال وضيعة غير لائقة .
انفجرت المرأة الأخرى في وجهها قائلة : ابتعدي عني أيتها المخلوقة المثيرة للاشمئزاز .
حاولت ماغي بيأس أن تمسك الباب الخارجي إلا أن المرأة أبعدتها عنه بقوة وخشونة .
عاد الصوت ذو اللكنة المميزة ليقول بنبرة هازئة لا تخلو من الغضب : قلت لك أن لدي عرض عمل لك ألا يمكنك التحلي باللباقة الكافية لكي تصغي إلي ؟ إنه عرض سخي وسوف يوفر لك مبلغاً محترماً من المال .
سددت ماغي إليه نظرة ملؤها الرعب يا إلهي ! إنها على حق إنه على وشك أن يقترح عليها أمراً مشيناً .
_ كلا .. شكراً لك .. لا أريد هذا النوع من العمل .
ثم إذا صوتها أكثر حدة : أرجوك دعني أذهب .. أرجوك لقد قمت بواجبي وهذا كل شيء .
فجأة تغيرت تعابير الرجل وكأنه أدرك سبب خوفها الكبير هذا فقال بنبرة صوت جليدية : لقد أسأت فهمي ما أود اقتراحه ليس عملاً شائناً ولا يسيء إليك مطلقاً .
حدقت ماغي إليه وقد بهرتها وسامته الفائقة عادت أفكارها إلى الأرض الواقع من المؤكد أن رجلاً بمثل هذه الوسامة لن يقترح على امرأة مثلها إقامة علاقة عاطفية معه بعد أن رأت نفسها من خلال عينيه المليئتين بالازدراء
شعرت بقامتها تتقلص وملأها شعور غامر بالخجل .
فجأة أحست بأن ثقل الصندوق الذي يحتوي على مواد التنظيف قد خف عنها .
_ تعالي إلى المطبخ وسوف أشرح الأمر لك .
جلست ماغي على أحد الكراسي المرتفعة الموزعة على جوانب طاولة الطعام في المطبخ وقد شعرت بأوصالها تتجمد لحسن الحظ أن بنجي ما زال نائماً في كرسيه الخاص الذي وضعته على الأرض .
قالت بنبرة مترددة : كرر ما قلته مرة أخرى .
راح الرجل يعيد ما قاله بنبرته المميزة مشدداً على كل كلمة يقولها :
_ سوف أدفع لك مبلغاً من المال قدره مائة ألف جنيه مقابل أن تتزوجي بي زواجاً شرعياً لمدة ستة أشهر وبعد هذه المدة سنقوم بإجراءات الطلاق بموجب اتفاق مبرم بيننا كل ما عليك القيام به هو أن ترافقيني إلى إيطاليا لأسباب .. قانونية وبعدئذ يمكنك العودة إلى هنا وسوف أتكفل أنا بكافة مصاريف معيشتك وبعد أن يتم الطلاق بيننا سوف تحصلين على مائة ألف جنيه لا أكثر هل فهمت الآن جيداً ؟
كلا ! هذا ما فكرت به ماغي لم أفهم شيئاً كل ما فهمته هو أنك شخص مخبول !
لكن ما بدا لها أن ليس من الحكمة في شيء أن تقول ذلك للرجل الذي يجلس قبالتها إلى الناحية الأخرى من الطاولة فهي تشعر بعدم الارتياح ويخطر لا تفهم كنهه ليس مرد ذلك فقط إلى ذلك الاقتراح الغريب الذي قدمه لها الرجل لتوه بل لأنه هو نفسه أكثر الرجال وسامة بين الذين رأتهم على الإطلاق سواء كان ذلك وجهاً لوحه أو عن طريق المجلات وبين صفحاتها .. إنه نحيف القامة ذو مظهر جذاب بسماته الإيطالية الواضحة التي تحيط به هالة من القوة تمنع ظهور الرقة في ملامحه حسناً ! إنه يتمتع بجمال رجولي أخاذ كما أن رموشه الطويلة المحيطة بعينيه ذات اللون الأسود البركاني تضفي على وسامته جاذبية خطيرة .
_ أنت لا تصدقين ما أقوله أليس كذلك ؟
حشرها سؤاله في الزاوية ولم تعرف بما عليها أن تجيبه كل ما استطاعت القيام به هو فتح فمها ثم اقفاله ثانية .
التوى فمه بابتسامة مشدودة فتغيرت تعابير وجهه شعرت ماغي بشيء ما يتفجر بداخلها لكنها لا تملك الوقت الآن لتعيره انتباهها عاد الرجل ليتحدث إليها مرة أخرى : أنا نفسي أعرف أن ما أقوله هو .. غاية في الغرابة لكن مع ذلك ...
بسط يديه فوق الطاولة ما جعل ماغي تلاحظ كم هما جميلتان فهما طويلتان وهما تتميزان بالقوة على رغم من تلك الأظافر التي تمت العناية بها جيداً تابع يقول : هذا ما أفعله علي أن أجد زوجة لي في أقرب وقت ممكن وذلك لأسباب خاصة جداً .
حتى صوته لم يكن يخلو من الأناقة والجاذبية ما جعل ماغي تشعر بالخجل لافتقارها إلى تلك الجاذبية أمام هذا الرجل الذي يبدوا في منتهى الجاذبية عاد الرجل يقول موضحاً : ربما يجدر بي إيضاح نقطة هامة هذا الزواج سيكون اسمياً فقط أخبريني هل تملكين زواج سفر ؟
هزت ماغي رأسها نفياً فظهرت على وجه الرجل لمحة من الاستياء إلا أنه ما لبث أن حرك يده بلا اهتمام قائلاً : هذا لا يهم يمكن ترتيب مثل هذه الأمور بسرعة والآن ماذا بشأن والد طفلك ؟ هل ما زال موجوداً في حياتك ؟
بحق الجحيم ما الذي يمكنها أن تقوله ؟ فكرت ماغي بقول شيء ما إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً .
_ لا أظن ذلك .
قال رافايللو هذا وكأنه قد فهم الأمر من صمتها وعدم قدرتها على الرد عن سؤاله ثم تابع : هذا أمر جيد فهكذا لن يستطيع التدخل بمشروعنا هذا .
شملها بنظراته القاتمة وكأنه اتخذ قراراً نهائياً بهذا الأمر وعاد يقول : إذاً لست أرى أي عوائق تمنعك من الموافقة على اقتراحي .. من الواضح أنك مناسبة تماماً .
تملك الذعر ماغي إنه يتحدث عنها وكأنها ليست سوى علبة فارغة من العصير تتدحرج على الأرض عليها أن توقف هذا الهراء في الحال إنه جنون !
_ أرجوك ...
توقفت قليلاً عن الكلام ثم تابعت القول : أنا لست مناسبة البتة .. حقاً .. أنا آسفة لكن علي أن أغادر الآن لأني تأخرت لدي منازل أخرى بحاجة لتنظيف .
لم يكن ذلك صحيحاً بالطبع فهذا المنزل كان الأخير لكن لا داعي لأن يعرف ذلك .
جاء صوته ناعماً كالحرير حين قال : إذا وافقت على عرضي هذا فلن تضطري إلى تنظيف المزيد من المنازل بعد اليوم بالنسبة إلى امرأة لها خلفيتك الاجتماعية ذلك سوف يوفر لك ظروف عيش مريحة تماماً إذا كنت حريصة في الإنفاق فسوف تعيشين لعدة سنوات في بحبوحة تامة مقابل ما سأدفعه لك خلال ستة أشهر من حياتك .
قفزت الكلمات إلى ذهنها ! ما الذي قاله هذا الرجل بحق الجحيم ؟ تحدث عن مائة ألف جنيه .. لا يمكن أن يكون ذلك صحيحاً إن التفكير بمثل هذا المبلغ أقوى من طاقتها مع هذا المبلغ سوف تتمكن من مغادرة لندن يمكنها أن تشتري شقة بل منزلاً صغيراً .. أن تستغني عن الدعم المالي الذي يوفره لها مكتب الشؤون الاجتماعية
أن تتوقف عن العمل .. أنم تجد الوقت الكافي لرعاية بنجي كما يجب .. يمكنها القيام بمشاريع للمستقبل .
في الجهة المقابلة من الطاولة ضاقت عينا رافايللو وهو يفكر أنها ابتلعت الطعم كما أراد تماماً بإمكانه أن يرى ذلك لقد عمل جاهداً كي يصل إلى تلك النقطة .. بذل جهداً اكثر مما كان يتصور لكنها بدأت تتجاوب أخيراً .
يا إلهي ! قد يصاب والده بذبحة قلبية عندما يعرف أن ابنه تزوج من امرأة لديها طفل في سنته الثانية وهي تعمل في تنظيف المراحيض وتبدو أقذر من مؤخرة حافلة ركاب لكن ذلك سيلقنه درساً قاسياً . .
رأت ماغي بريق الانتصار في عينيه السوداوين مما جعلها تتراجع لا بد أن تكون مجنونة لتقتنع بمجرد التفكير بما يعرضه عليها مائة ألف جنيه .. إن الأمر غير معقول إنه جنوني ! جنوني بقدر ما هي مسألة زواج امرأة مثلها من رجل مثله ..
قالت بسرعة : يجب علي الذهاب حقاً .
ووقفت على قدميها لكن يبدوا أن بحركتها هذه اصطدمت بكرسي بنجي لأن هذا الأخير استيقظ وبدأ بالبكاء انحنت ماغي وراحت تدغدغ خديه قائلة : لا بأس يا بنجي أمك هنا.
توقف الطفل عن البكاء ومد يده نحوها يتلمس وجهها وسرعان ما راح يتحرك متململاً محاولاً التملص من الأربطة التي تثبته في كرسيه .
_ انتظر يا صغيري نحن ذاهبان في الحال .
قالت ماغي له ذلك وهي ترفع الكرسي لتحملها على ذراعها ثم لوت ساقها لتحافظ على توازنها وهي تلتقط الصندوق لتحمله في يدها الأخرى ثم قالت بارتباك : سوف .. سوف أخرج الآن .
قالت ذلك للرجل الذي طلب منها لتوه الزواج به والذي ما زال جالساً إلى الجهة الأخرى من الطاولة وهو يراقبها بعينين أشبه بعيني قناص .
_ مائة ألف جنيه ! لا مزيد من التنظيف .. لا مزيد من حمل طفلك إلى هنا وهناك على هذا النحو .. إنها ليست حياة ملائمة له .
نزلت كلماته كالحجارة على مسامعها فدمرت ما تبقى من رباطة جأشها فجأة قالت بصوت أجش : هذا ليس صحيحاً لا يمكن |أن يكون كذلك إنه مجر هراء هذا الأمر برمته .
التوى فمه بتلك الابتسامة غير المرحة مرة أخرى وقال : لدي الشعور نفسه إن كان ذلك يريحك ...
النبرة التي رافقت كلماته جعلتها ترتجف لكن ما الذي يمكنها قوله ؟ لا شيء يمكنها فقط غادرة المكان خرجت من ذلك المنزل كأنها خفاش يخرج من نار جهنم .
كان صوت الموسيقى يصدح عاليا ً مسبباً الارتجاج في الجدران الغرفة الصغيرة الضيقة أما ماغي فراح ضجيج الموسيقى يضج في رأسها ما سبب لها الصداع طيلة النهار وذلك منذ مغادرتها منزل ذلك الرجل المجنون .
مائة ألف جنيه .. ظلت تلك العبارة تضج في أذنيها تماماً كما يضج صوت الموسيقى الصاخبة الآتية من الشقة المجاورة مذكراً إياها بقسوة بحياتها المليئة بالفقر والكدح والمصاعب .
هل ستتمكن يوماً من الحصول على منزل يخصها وجدها ؟ لقد أدرج مجلس الولاية اسمها على لائحة الذين يحتاجون إلى مأوى خاص بهم وأثناء ذلك ستبقى ملتصقة بهذا المكان الكئيب القذر لم يكن الأمر بهذا السوء
عندما كان بنجي صغيراً لكنه الآن بات بحاجة إلى مكان أكثر اتساعاً .. إنه بحاجة إلى بيت حقيقي هذه الغرفة ليست منزلاً حقيقياً ولا يمكن اعتبارها كذلك إنها مجر مكان يأويان إليه فقط .
مع أن موظف الرعاية قد لمح لها ذات يوم قائلاً : من الصعب جداً من ان تتمكني من تربية الطفل بنفسك آنسة جونز على الرغم من المساعدة التي تتلقينها من الأفضل لك ان تتخلصي من هذا العبء وهكذا تتمكنين من الاعتناء بنفسك .
هذا العبء ! وقعت الكلمة على رأسها كالصاعقة ما جعلها تقف وهي تحمل طفلها المولود حديثاً بين ذراعيها قائلة بنبرة متوترة : بنجي سيبقى معي .
من خلال الجدران المتقاربة كانت تسمع باستمرار صوت الموسيقى المرتفع . لا أحد من السكان يجرؤ على الشكوى فذلك الرجل في الشقة المجاورة شرير ومتسلط الطباع والجميع يعرف هذا على أي حال من المحتمل أن يمل مما يسمعه فيوقف هذه الموسيقى المزعجة إلا أن هذا كان يحصل مع ساعات الصباح الأولى فلا عجب إن كان بنجي لا يستطيع النوم جيداً خلال الليل .
ومع أن الساعة قد تجاوزت الثامنة مساءاً فماغي تدرك أن من الصعب أن تحمله على النوم لذا تركته يلهو بألعابه ها هو جالس في سريره القماشي بالقرب منها وهو يبدو سعيداً وهو يضع الحلقات البلاستيكية في مكانها على المخروط المخصص لها بحيث يهتف جذلاً حين يضع كلاً منها في مكانها المخصص يا لها من لعبة جيدة ! كم سرت ماغي حين وجدتها في أحد المحلات التي تقدم المساعدات الخيرية ألعاب بنجي وثيابه بالإضافة إلى ثيابها أيضاً ومجمل ممتلكاتها هي من الأسواق الخيرية ومؤسسات الإحسان .
فيما هي تلعب معه محاولة تجاهل الموسيقى الصاخبة راح ذهنها يدور ويدور وهي تفكر بذلك اللقاء الصباحي غير المتوقع والخارج عن المألوف .
هل حدث ذلك حقاً ؟ ذلك الرجل الذي يبدو صورة مثالية عن المليونير الذي تحلم به كل امرأة هل عرض عليها حقاً أن تتزوجه لمدة ستة أشهر مقابل مائة ألف جنيه ؟ ذلك هو الجنون بعينه ولا يمكن أن يكون قد حصل ..
طرقة على بابها جعلتها تجفل من سريره تطلع بنجي بتساؤل حوله عادت الطرقة مرة أخرى ...
_ الآنسة جونز ؟
بدا الصوت مكتوماً وبالكاد تمكنت من سماعه بوجود ذلك الصخب الآتي من الشقة المجاورة أيكون هذا مالك المبنى ؟ من عادته أن يقوم بجولة من حين لآخر ليتفقد ملكيته فهو يجني مبلغاً مادياً جيداً من هذا المبنى ونجح في التهرب من الضرائب مشت نحو الباب باحتراس شديد لقد أضافت بنفسها سلسة حديدية من الداخل إلى قفل الباب فهي لا تشعر بالأمان في هذا المكان الذي يقطنه أمثالها من الفقراء .
ألقت ثقلها على الباب وفتحته قليلاً مبقية السلسلة مكانها استعداداً لدفعه بجسمها و اقفاله عند الحاجة إلى ذلك .
_ نعم ؟
_ أنا رافايللو دي فيسنتى تكلمنا معاً هذا الصباح أرجوك كوني لطيفة معي ودعيني أدخل .

روايات احلام / معا فوق النجومحيث تعيش القصص. اكتشف الآن