10 _ العودة إلى الجنة
كانت ماغي قرب بركة السباحة مع بنجي وهي تشعر بثقل في قلبها لم يكن بإمكان رافايللو أن يجعل الأمر اكثر وضوحاً مما فعل فذلك الوقت الذهبي الساحر قد انتهى كانت تسمع صدى كلماته مراراً وتكراراً في رأسها : عندما أعود سنتحدث .
إنها ليست بحاجة إلى قدرة على رؤية المستقبل لتعلم عما يريد ان يتحدث حياة رافايللو الحقيقية طالبت باسترداده حياته الحقيقية التي جعلت منه رجل أعمال قوياً ومسيطراً يقوم بأشياء مهمة بعيدة جداً عن العبث مع امرأة لم يغرب بها منذ البداية .
كانت تعلم أن هذا سيحدث في نهاية الأمر لكن على الرغم من معرفتها ان حياتها المليئة بالسعادة ما هي إلا فترة مؤقتة فإن ذلك لم يجعل خسارتها الوشيكة محتملة إحساسها بالظلم والاضطهاد تضاعف كأنه قيد من حديد .
طرقات قوية لحذاء نسائي على الممر الحجري تقترب من البركة جعلتها تدير ر؟أسها تجمدت نظراتها ما إن رأت لوسيا تقترب منها ما الذي تفعله هنا ؟ كل حدس عند ماغي كان يخبرها أن وجود هذه المرأة لا يحمل أنباء سارة .
_ ماغي لدي أنباء سيئة !
جاء صوت المرأة الأخرى متقطعاً وشعرت ماغي بشعر رقبتها الخلفية يقف بعد مرور لحظة أخرى أدركت ان لوسيا لا تتحدث معها بشكل عدائي لكن بدا وجهها جامداً من الصدمة .
تعرض انريكو لأزمة قلبية !
أطلقت ماغي شهقة ثم وقفت على الفور عن الكرسي الطويل ووضعت بنجي على قدميه .
تابعت المرأة الأخرى حديثها الجارف : نقلوه إلى المستشفى و رافايللو الآن معه ولا أحد يعرف إن كان سينجو .....
توقفت عن الكلام وكأنها تختنق .
وقفت ماغي مكانها تعرف ما الذي تقوله فكرت آه .. ! المسكين , المسكين رافايللو أي عذاب يمر به الآن ....
سمعت نفسها تقول : إني آسفة جداً .
أخذت نفساً وهي تشعر بيأس كبير ثم تابعت تقول ه: هل هناك أي شيء أستطيع القيام به ؟
نظرت لوسيا إليها ثم هزت رأسها قائلة : من الصعب علي قول ذلك ..
توقفت عن الكلام للحظة ثم تابعت : أنا لا أقول هذا بسبب خصومتي معك عليك ان تفهمي ذلك
لكن ...
توقفت للمرة الثانية ثم تابعت : أفضل شيء تقومين به الآن هو أن ترحلي .
للحظة فكرت ماغي أنها تقصد الذهاب إلى روما إلى رافايللو وفجأة شعرت كأن سكيناً إنغرز في قلبها حين أدركت أن هذا ليس ما تقصده ابنة عم رافايللو .
بدت تعابير وجه لوسيا مليئة بالارتباك وبد أن ما ستقوله لها ليس مريحاً .
_ انريكو بحاجة لرافايللو , و رافايللو بحاجة إلى انريكو لقد اعتقدت مرة ...
ترددت قليلاً ثم تابعت : اعتقدت أن الوسيلة الوحيدة لجمعهما هي زواجي من رافايللو لكنني كنت مخطئة فرافايللو رأى ذلك مخططاً من والده للسيطرة عليه وهو لا يسمح لأحد بذلك وأنت من بين كل الناس تعلمين الحدود التي وصل إليها لكي يتملص من هذه السيطرة لكن الآن انريكو قد يموت ويجب أن يحصل على السلام مع ابنه كذلك الأمر بالنسبة لرافايللو .نظرت إلى عيني ماغي وتابعت : لا يمكنهما الحصول على السلام إذا كنت لا تزالين هنا لا بد أنك تعلمين ذلك .
شعرت ماغي بذلك السكين يمزق قلبها أكثر فأكثر لكن رغم الألم سمعت المنطق الذي لا مفر منه والذي كانت لوسيا تتفوه به .
_ يجب أن أتمكن من إخبار انريكو هذا إن كان ما زال حياً أنك قد رحلت عندها سيتمكن من مسامحة رافايللو والحصول على السلام معه .
أصبح الألم قوياً لدرجة ان ماغي لم تعرف كيف كانت تتحمله وكأنما بدا ذلك واضحاً على وجهها فعندما تحدثت لوسيا ثانية جاء صوتها أكثر لطفاً ورقة .
_ أعلم ان الأمر صعب عليك فلقد أغرمت بابن عمي لا ! لا تنكري ذلك بد واضحاً منذ البداية أن هذا ما سيحدث معك فكيف يمكنك ألا تقعي في غرامه ؟ بالنسبة لك هو أمير قادم من قصص الأحلام لكن مع ذلك لن تشكريني على ما سأقوله لك ما كان عليه أن يبدلك كما فعل .
تنهدت وتابعت : آه ! رافايللو لا يفهم هذه الأمور ولم يفعل ذلك يوماً لا يقصد ان يكون قاسياً لكن كل ما في الأمر أنه لا يرى أن ذلك يحدث فعلاً .
رفعت كتفيها ببساطة : لهذا السبب اعتقدت ان زواجنا قد ينجح فأنا اعرفه جيداً ولا يمكن ان اغرم به وذلك ليس بإمكانه أن يسبب لي الألم والأذى .
نظرت إلى ماغي وعيناها السوداوان تحملان تعاطفاً وهي تقول : أنت لا تعتقدين أن ما جرى بينكما يعني أي شيء له أليس كذلك ؟ لا تعتقدين انه سيستمر ؟
راح الألم يمزق أوصال ماغي حاولت السيطرة عليه راغبة بيأس ان تنكر كلام لوسيا على الرغم من التأكيد الذي تجده في قلبها .
_ لا أستطيع الذهاب هكذا من دون ان يقول رافايللو لي هذا ربما هو لا يريدني ان أذهب بعد .
أخرجت لوسيا شيئاً من حقيبة يدها شيء أصفر اللون يرفرف بينما كانت تقدمه إلى ماغي .
_ طلب مني أن أعطيك هذا .
بد صوتها متوتراً ولم تستطع النظر في عيني ماغي وما إن أخذت ماغي الورقة ونظرت إليها حتى علمت السبب .
كانت تلك الورقة شيكاً وهو محرر باسمها بقيمة عشرة آلاف يورو وبينما كانت تحدق فيها راح قلبها ينسحق وكأنه يشد بملزمة تعصر الدماء من كل خلية فيه توقيع رافايللو الأسود القوي كان يرتعش أمام عينيها .
عادت لوسيا تتحدث ثانية .
أجبرت ماغي نفسها على الإصغاء مع أنها في داخلها لم تكن تسمع سوى الصمت المرعب الذي يدور ويدور بلا نهاية .
ترددت المرأة ثانية وكأنها تدرك ما الذي تمر به ماغي ثم قالت : قال رافايللو : انه سيتصل بك فيما بعد ليتمكن من تصفية الأمور لكن الآن واجبه الأول هو البقاء مع والده وهو يتمنى أن تفهمي هذا .
غاب صوتها قليلاً قبل أن تكمل : أنا آسفة يا عزيزتي كما ترين لم يدرك ما الذي تشعرين به نحوه بالنسبة إليه هذا الزواج ان دائماً مجرد معاملة تجارية .
لم تستطع ماغي أن تقول س=شيء لا شيء سوى الموافقة المهزومة الكئيبة فالانسحاق الذي تشعر به في قلبها كان مريراً جداً .
ثم قالت لوسيا شيئاً ما وهي تنظر إلى سلعتها .
_ اعذريني لم أكن أقصد أن أسبب لك المزيد من الإزعاج لكنني بالكاد توقفت هنا في طريقي إلى المطار فأنا سأستقل الطائرة التالية إلى روما لأكون بقرب عمي هذا إذا كان لا يزال حياً .
ظهر قلق في صوتها لم تستطع ماغي تجاهله : إذا كنت لا تحتاجين إلى وقت طويل لحزم حقائبك فأستطيع اصطحابك معي إلى المطار طلب من رافايللو ان اشتري لك بطاقة سفر .
نظرت بإشفاق إلى ماغي وهي لا تزال مكانها وبنجي بجانبها يحدق بهما من دون ان يفهم شيئاً وهو ممسك بساق أمه .
بدا صوتها متعاطفاً تماماً كملامح وجهها وهي تقول : من الأفضل ألا تتأخري .
بقدمين كالرصاص جمعت ماغي حاجياتها وسارت خارج الفيلا .
كان المطر ينهمر ويطرق السطح الرقيق للبيت المتنقل القائم على عجلات ثم ينساب على زجاج النوافذ أما بنجي فكان ينتحب بتوتر على ركبتي ماغي .
_ أعلم حبيبي أن هذا شيء كريه .. هذا المطر كله ربما غداً سيكون اليوم مشمساً .
هبت عاصفة قوية هزت أركان البيت إنه بيت قديم مهمل ولا أحد يرغب باستئجار منزل بال بالقرب من الشاطئ لكن هذا ما جعله رخيص بما فيه الكفاية لتستأجره ماغي لمدة شهر في فصل الصيف وهو رخيص بما فيه الكفاية لتشتريه .
الشاطئ بجانب البحر الجنوبي هو المكان الأفضل لتربية بنجي إذ ليس لديها أي شيء في لندن فقد خسرت مكان إقامتها كما خسرت عملها أيضاً . ليس لي أي شيء في أي مكان .
بغضب دفعت تلك الفكرة البائسة جانباً فهذا ليس صحيحاً فما زال لديها بنجي .
مررت أصابعها في شعره وفتحت صندوق الألعاب ثم أخرجت لوحة القطع المركبة أخرجت القطع القطع وهي ترفض ان تسمح للذكريات بأن تعود إليها .
لكنها أتت كلها وكان من المستحيل عليها أن تبعدها وتتخلص منها .
رافايللو الوسيم الذي من المستحيل ألا تغرم به رافايللو يضمها بين ذراعيه يبتسم لها يضحك معها يعانقها ويحبها .
لم يكن ذلك حباً كانت تلك مجرد علاقة بالنسبة إليه علاقة عابرة كانت تعلم منذ البداية أنها ستنتهي .
تدافع المزيد من الذكريات إلى ذهنها مع أنها حاولت بقوة ان تبقيها بعيدة ولكنها تسارعت وراحت تمزقها كالسكاكين .
راودتها ذكرى أخيرة في آخر مرة وقعت عيناه عليه يومها وقف هناك ينظر إليها وقد بدا الحزن على وجهه وقال : سأهتم بك .
حسناً ! لقد فعل لقد اهتم بها فعلاً تأكد من أنها عادت إلى بلادها مع ما أتت لأجله المال .
من أجل ذلك تزوجت به من أجل المال مال من أجل إيجاد منزل لبنجي لا من أجل الحب ...
لم ترد أن تقبل مال الشيك قاومت ذلم لمدة أسبوعين حيث حصلت على المال الذي حصلت عليه من شركة الطيران بعد استبدال بطاقة سفر لوسيا مقابل بطاقة أرخص كما أنها طارت إلى مطار غاتويك لا إلى مطار هيثرو ثم استقلت القطار إلى الساحل الجنوبي حيث وجدت مخيماً للبيوت المتنقلة .
لكنها لا تحتاج إلى أموال رافايللو لشراء هذا البيت النقال دفعة واحدة لتجد منزلاً لها و لبنجي وسيبقى لها القليل من المال ليكفيهما لفترة ما أما ما تبقى من المال الذي وعدها به رافايللو فهي تعلم أنها لن تحصل عليه .
تماماً كما لم تقدر على أخذ الثياب التي اشتراها لها ولا حتى عقد الذهب الذي قدمه لها كما أن تلك الثياب لا تتناسب مع أسلوب حياتها الآن .
ابتسمت مع أنه من المؤلم أن تفعل ذلك .. على الأقل لديها ذكريات سوف تحتفظ بها طوال حياتها .
بدا الشاطئ مرصوفاً بالحصى وراحت المياه تحرك تلك الحصى بعنف محدثة ضجيجاً صاخباً ربض بنجي على الأرض والتقط الحجارة الرطبة كان ينتعل جزمة وجسمه الصغير مكسو بسترة مقاومة للماء راح المطر ينهمر من جهة الغرب حاملاً معه البرد .
حدقت ماغي عبر القناة الإنكليزية بنظرتها الحزينة الكئيبة بعيداً في البحر رأت ناقلة بترول تسير في طريقها إلى الشرق لم يكن هناك أي قوارب شراعية ولم يكن هناك أحد على الشاطئ جازفت في الخروج لأنها لم تعد تستطيع البقاء في الداخل كان بنجي سريع الغضب رافضاً أن يتسلى بأي شيء وهي أيضاً قلقة تشعر بألم في قلبها وبقشعريرة تهز عظامها يوماً بعد يوم كانت الحقيقية تتعمق في داخلها لقد خرج رافايللو من حياتها .. خرج إلى الأبد .. رحل بصورة مفاجئة كما أتى .
بحزم حاولت أن تجمع شتات نفسها لا يحق لها أن تغرق في الكآبة هكذا فهي سعيدة مع بنجي ولديها صمتها قوتها ومنزل خاص بها وهذا سيكون مكاناً ملائماً لتربية بنجي هواء نقي والبحر عند عتبة بيتها .
هنا على الأقل يمكنها أن تقف تحت المطر ومع هبوب الريح عبر القناة تحدق بالجنوب باتجاه إيطاليا مع شوق يائس في قلبها لن يشفى أبداً ...
أصبح خداها رطبين لكن ليس بسبب المطر ...
التقط بنجي حجراً آخر ورماه بكل ما لديه من قوة في البحر سقط الحجر في البحر محدثاً صوتاً ناعماً لكنه لم يسمع بوضوح بسبب صوت الأمواج القوي بعد ذلك شعر بالملل واستدار ليسير مبتعداً تبعته ماغي وهي تشد معطفها حولها مواجهة المطر الذي لا نهاية له تساقطت حبات المطر على وجهها بينما دفعت إلى الوراء شعرها الذي تتلاعب به الرياح أدركت رقبتها لتتمكن من ربطه بعقدة كان قد انسل منها .. وقفت جامدة وحدقت ... على الرصيف المليء بالحصى وفوق المد العالي وقف شخص ما هادئاً دون حراك .
رمشت بعينيها فقد مسها شيء ما .
مدت يدها إلى بنجي من دون أن ترى لتوقفه استمرت بالتحديق باتجاه اليابسة الشخص على رأس الشاطئ بدأ بالسير نحوها عاصفة من الريح ضربتها بينما كانت تمسك يد بنجي كي لا يقع وتابعت التحديق ...
راح الوقت يمر ببطء شديد وبد لها أن المطر توقف في وسط السماء كذلك الرياح قد هدأت .
ساد الصمت المطبق حولها شعرت بأصابع بنجي تضغط على أصابعها شعرت به يشدها إليه لم تكن قادرة على السير فقد أصبحت قدماها من الرصاص وهي لا تستطيع أن تتحرك .
لا تستطيع أن تتنفس فالهواء قاس جداً في صدرها بقي الشخص يسير باتجاهها ...
وظهر وجهه أمامها من خلال المطر ومن خلال غشاوة بصرها .. لم تستطع أن تتحرك .. لم تستطع أن تتنفس ...
عندها فقط بنجي سحب يده من يدها ورأته يسير بتهاد إلى الأمام ماداً يده إلى رافايللو .
_ راف .. راف .. احملني .
رفعه رافايللو على الفور وقال : مرحباً بنجي !
ثم نظر إلى ماغي نظراته العميقة اخترقتها كالسكين وكأنها وصلت مباشرة إلى قلبها .
قال : تعالي معي إلى بيتنا تعالي معي يا عزيزتي .
ومد يده إليها .
لم تتحرك , لم تستطع ان تتحرك .
قالت هامسة وقد ضاعت كلماتها في الريح : أنا .. لا أفهم .
لوى شفتيه وقال : ولا أنا ليس عندما عدت من روما تلك الليلة لأجد أنك رحلت ليس عندما نظرت ماريا إلي نظرة مستنكرة وقالت أنك رحلت بعد رحيلي في ذلك الصباح لم أفهم شيئاً بعدئذ قالت أن زائرة أتتك يومها وأوصلتك إلى المطار .
أصبح وجهها أكثر حزناً وهو يتابع : وعندما قالت لي من كانت الزائرة فهمت .
أغمض عينيه فبدت رموشه طويلة تكاد تلامس خديه قبل أن يفتحهما ثانية ليقول : يا إلهي ! عندما سمعت ذلك فهمت كل شيء !
كانت ماغي تترنح في الريح وقد اخترقت الريح جسمها حتى عظامها وأحاطت بقلبها .
_ كيف .. كيف هو والدك ؟
_ والدي ؟ آه نعم والدي .
أصبح صوته ثقيلاً وهو يتابع : يستعيد صحته بشكل ممتاز ألم تري الحقيقة بعد ؟ لوسيا كذبت عليك .
قالت بصوت ضعيف : لماذا ؟
_ لماذا ؟ لتتخلص منك بالطبع .
ابتلعت غصة وقالت بصوت متألم : كان بإمكانها الانتظار يوماً واحد فقط وبعدها .. لكانت وفرت على نفسها ثمن الرحلة .
تجهم وجه رافايللو ووضع بنجي على الأرض برفق وبينما تلهى الولد الصغير بصدفة تلمع عاد هو ليقف منتصباً وقال : لم أفهم شيئاً ! ما الذي تقصدينه ؟
لم يكن صوتها واضحاً ولكنها تمكنت من التلفظ بالكلمات .
_ لقد حذرتني في ذلك الصباح أنك .. أنك سترسلني بعيداً .
حدق بها وقال : ما هذا الذي تقولينه ؟
بدا غاضباً ولم تعرف ماغي السبب .
_ قلت لي ... قلت أن علينا أن نتكلم وأنا أدركت ماذا تقصد .
_ وما الذي قصدته عزيزتي ضغطت على يديها بقوة في جيبي معطفها .
_ رافايللو أرجوك أنا أعلم..... أعلم صدقني أعلم انك كنت لطيفاً وأن تدعني احصل على حلمي الصغير أعلم ان هذا كل ما حدث وأنه لم يكن من المفترض أن تذهب بي الأفكار إلى أكثر من ذلك وأنا أفهم هذا حقاً .
ابتلعت غصة قبل أن تتابع : لقد حذرتني من قبل وفي ذلك اليوم في فلورنسا قلت إنك لا تريد ان تشتاق إلي وعندها فهمت .
نظر إليها وقد بدا تعبير غريب على وجهه لم تستطع أن تقرأه لكنها أرادت أن تحدق به أن تشرب من جماله لأنها الآن في الجنة شعاع صغير فضي من الجنة أشرق عليها بطريقة ما ليقدم لها ذكرى أخيرة لتحتفظ بها وتخفيها طوال أيامها .. فرح أخير في حياتها .
راحت تشرب من جماله كما يشرب العطشان من الماء في الصحراء تشرب من عينيه السوداوين الجميلتين ومن شعره الحريري الرطب ومن نقاط الماء على رموشه وأنفه القوي الدقيق وفمه الجميل المنحوت .
قال بصوت واضح : أنت فهمت ؟
راح بنجي يربت على ركبته مقدماً له الصدفة وبدون أي تفكير أخذها منه وتمتم شيئاً للطفل راقبته وهو يقلب الصدفة بين أصابعه وقد عادت نظراته إليها .
قال ثانية فهمت ؟
وبحركة قوية رمى الصدفة في الماء حدق بنجي به مذهولاً وقد فتح فمه من الإعجاب بقوته وحاول أن يقلده برمي حجر آخر لكن من كانا برفقته لم يكونا ينظران إليه .. كانا يتبادلان العناق ...
شعرت بالجنة تحتضنها ثانية وتضمها إليها فما إن تركت الصدفة يده حتى مد يده وضمها إليه بقوة .
قال بصوت خشن : إذن افهمي هذه .
وعانقها بقوة ...
أغمضت ماغي عينيها .. لم تكن واقفة على شاطئ إنكليزي متلبد تنهمر الأمطار فيه كانت تقف تحت نجوم توسكانا ورائحة الزهور تحيط بها وهواء إيطاليا المنعش يملأ رئتيها وليل إيطاليا الدافئ يحتضنها و رافايللو .. رافايللو يعانقها .
التصقت به بيأس كبير وبانفعال لا بد أن ما يحدث هو من نسج خيالها لا بد أنه كذلك فما من سبب يدفعه لمعانقتها ولا سبب يدعوه ليشدها إلى جسمه القوي والرشيق حتى شعرت بنفسها وكأنها جزء منه لا سبب يدعوه ليمسك رأسها الرطب وكأنه مرمر ثمين لا سبب يدعوه ليتمتم لها بكلمات لا تستطيع أن تصدقها .. بل يجب عليها أن ألا تصدقها .
تركها تبتعد عنه قليلاً ثم قال وعيناه تشعان بالفرح : والآن هل فهمت ؟
قالت بضعف : لا !
_ يا إلهي ! إذن تعالي معي إلى بلادي وسأمضي حياتي كلها محاولاً أن أجعلك تفهمين فأنا أحبك كثيراً .
سمعت ما قاله لكنها لم تستطع أن تصدقه رأى رافايللو ذلك على وجهها فقال بصوت منخفض : شكك يخجلني اعتقدت أني جعلت الأمر واضحاً بالنسبة إليك في كل ليلة أمضيناها معاً لكن ...
أصبح صوته أكثر انخفاضاً وهو ممسك بيديها : حتى أنا لم أدرك مغزى ذلك الشعور الذي انتابني نحوك كانت تلك مشاعر جديدة علي ولم أكن أستطيع استيعابها لقد جعلتني أرتبك وجعلتني أسأل لكنها راحت تكبر في داخلي وتكبر حتى رأيتها تماماً كما هي فعلاً لهذا السبب قلت لك إنني لا أريد أن تشتاقي إلي لأنه لن يكون هناك سبب لتفعلي ذلك كنت أريد تحويل الحلم إلى حقيقة لهذا السبب كنت رزيناً جداً ذلك الصباح أدركت أن علينا جعل زواجنا حقيقياً وأنه علي أن أخبر والدي بذلك أن أخبره أنه حتى ولو لم يتحدث إلي مطلقاً قاطعاً كل الروابط معي وحتى لو باع الشركة إلى أول غريب يراه ستبقين زوجتي إلى الأبد لأنني أغرمت بك ولا أستطيع العيش ليوم واحد دونك .
شعرت ماغي كأنها ستنهار للمرة الثانية لكن سعادة عارمة راحت تجري في عروقها حابسة أنفاسها .
سألها وهو ينظر في عينيها غير مصدق : أحقاً لم تري ذلك ؟
قالت بتعجب : وكيف يمكنني ذلك ؟ كيف يمكنني أن أصدق أن مثل هذه الأعجوبة قد تحدث معي ؟
ابتسم وبدت ابتسامته رائعة كالعناق قال : أنت هي الأعجوبة بالنسبة لي ماغي أنت وبنجي تسللتما إلى قلبي كلاكما يوماً بعد يوم و الآن أنتما هناك إلى الأبد حبي لك كان في عيني ولمساتي .
تبدلت ملامح وجهه وهو يتابع : لوسيا رأت ذلك في اليوم الذي كنا فيه في فيونزي رأت أننا أغرمنا ببعضنا البعض وعلمت أنها وجدت وسيلة الانتقام لنفسها بسبب رفضي لها قررت أن تبعدنا عن بعضنا لذلك أتت إليك القصة عن مرض انريكو آه نعم لقد حصلت على الحقيقة منها راحت ترغي وتزبد في الوقت الذي تمكنت فيه من معرفة كل الأكاذيب وكل كلمة قالتها لك .
_ لكن الشيك ؟ لقد أعطتني شيكاً موقعاً منك .
دمدمة خرجت من فمه قبل أن يقول : إنه مزور ! دخلت لوسيا إلى مكتبي بحثاً عن دفتر الشيكات قبل أن تذهب لرؤيتك علمت أنها بذلك ستتمكن من إقناعك أنني بالفعل أريدك أن تغادري إيطاليا على الفور .
ظهر الحزن على وجهه وهو يقول : كيف بإمكانك أن تصدقي أكاذيبها يا عزيزتي ؟
قالت ماغي بعذاب : لقد لعبت على مخاوفي .
_ تماماً كما لعبت على هوس والدي بالحصول على حفيد وعلى هوسي بالشركة محاولة أن تسيطر
علينا جميعاً حسناً ...
أصبح صوته أقسى وهو يكمل : .. انتهى كل ذلك الآن حذرتها إن حاولت مجدداً إثارة المشاكل سأقاضيها بتهمة الاحتيال والتزوير لكن ....أصبح صوته أكثر نعومة : ذلك الشيك أعطاني الوسيلة لأتمكن من العثور عليك وإيجادك في النهاية .
حدقت ماغي به دون أن تفهم شيئاً ابتسم لها بسخرية : أوقفت الشيك لأنه مزور حبيبتي وأعلمني المصرف عنك في اللحظة التي قدمته لتقبضي المال وهكذا تمكنت من ملاحقتك .
تغير صوته للمرة الثانية : أنت لا تعلمين كم عانيت في غيابك كل يوم كان للأبدية بدونك .
ضغط على يديها بقوة آلمتها لكنها تجاهلت الألم شعرت فقط بسعادة عميقة ومجردة سيطرت على كيانها على كيانها كله .
كيف يمكن للأحلام والقصص الخيالية أن تتحقق ؟
نظرت إليه وكل الحب الذي تحمله إليه يشع في عينيها عانقها ثانية فقربت جسمها إليه وبينما كانت ذراعاه تلفانها ممسكتين بها بقوة إلى جسمه كانت تسمع دقات قلبه مع قلبها لكن أمراً واحداً ظل يعذبها رفعت وجهها إليه وقد بدت الحيرة في عينيها : رافايللو ؟
لا مس شعرها بنعومة وقال : نعم ؟
_ والدك ؟
_ إنه بخير قلت لك أن لوسيا كذبت عليك .
_ لا أقصد .. أنا لا أريد أن أفرق بينكما .
لمس حاجبها بإصبعه برقة .
_ لقد قربتنا من بعضاً أخيراً بعد تلك السنين الفارغة المليئة بالعناد والتصرفات الغبية .
نظرت إليه مستفهمة .
_ ما إن رأى والدي يأسي عندما لم أتمكن من إيجادك وحزني على خسارتك شيء ما انكسر بيننا ذلك الجدار القاسي الذي كان يفصلنا عن بعض تحطم هل فهمت ؟
ظهر شيء ما في صوته وهو يتابع : لقد ذكرته بنفسه منذ خمس عشرة سنة عندما توفيت أمي .
شعرت بيدها تمسك بيده بقوة أكبر .
_ لم أكن أعلم ..
_ وفاتها أبعدتنا عن بعضنا .. ما كان يجب حدوث ذلك لكن هذا ما حصل أصبحت شرساً أستطيع أن أرى ذلك الآن ووالدي أقفل على نفسه بعيداً عني كنا معاً نشعر بالحزن القوي لكننا لم نكن نستطيع أن نتواصل من أب إلى ابنه لكي نتمكن من تخفيف حزننا وما إن بني ذلك الجدار بيننا لم يستطع أي منا هدمه أما الآن الفضل لك حبيبتي قلبي فلقد استعدت والدي .
لكن مع ذلك بقيت ماغي تشعر بالحيرة فقالت : لا يمكن .. أنه لا يريدني .
_ بلى !
تنفس بقوة وقال : أخبرته ماغي .. أخبرته كل شيء عنك كيف أخذت طفل امرأة تحتضر لتهتمي به وتحبينه وكم أنت وفية لصديقتك وعن حبك لطفل لا أم له متخلية بذلك عن حياتك مهما كلفك ذلك بدا مصدوماً من الندم كما حدث معي وهو يتوسل إليك أن تسامحيه عزيزتي ويسألك إن كنت تقبلين هذا لترتديه كل يوم من أجله وأجلي .
مد يده إلى جيبه وأخرج علبة خاتم قديمة في داخلها خاتم مرصع بالألماس وحبات الزفير .
_ إنه الخاتم الذي كانت أمي ترتديه أبي قدمه لها كرمز عن حبه الباقي إلى الأبد وأنا أقدمه لك ...
وضعه في إصبعها فانهمرت الدموع من عينيها .
قال رافايللو بصدق : لكن سعداء إلى الأبد .
عانقها بهدوء وبحب غامر أنعش روحها .
كان هناك من يشد ساقه وقال بصوت صغير : احملني .
وعلى الفور انحنى رافايللو ورفع بنجي وضمه إليه بقوة وقف الثلاثة هناك تحت المطر المنهمر والرياح العاصفة بقرب البحر الرمادي البارد وهم يضعون أذرعتهم على بعضهم البعض فكرت ماغي : هذه عائلتي ! وشعرت بقلبها يعتصر بين ضلوعها .
رفع رافايللو بنجي لا تشد شعر والدك أنت الآن ابني وعليك أن تكون مهذباً معي .
وبدأ بالسير نحو المنزل .
نادى ماغي : هيا ! لدينا رحلة بالطائرة علينا اللحاق بها ووالدي يائس ليحسن معاملتك كذلك ماريا وعمتي فهما تريدان بنجي لهما فقط وأنا يائس أنا يائس من الشوق إليك !
ومع انسحاق الحصى الصغيرة تحت قدميها أسرعت ماغي باللحاق بهما زوجها وابنها ها قد أصبح الخيال حقيقة !النهايــــــــــــــــــــــة
أنت تقرأ
روايات احلام / معا فوق النجوم
Romanceالملخص : لم يكن المليونير الايطالي رافايللو دي فيسنتى يملك حلاً فالشركة ستطير من بين يديه تهديد أبيه واضح وصريح تزوج و إلا أبيع الشركة ! وهكذا قطع على نفسه وعداً بأن يتزوج أول امرأة يصادفها وصادف أن تكون ماغي خادمة منزله .. وكيف لماغي أن ترفض تمثي...