4 ـ تتــبع قلبهــانظــر دانيال نيوهام نحو ابنته بذهول وقال صراحة :
ـ إنه وقح . . وهذا أكيد . . جيني . . لا يمكن أن تفكــري بالسفر
معه إلى إيطاليا . . مرت سنوات لتتخلصي من آثار الكارثة الأخيرة
التي سببها لك , والأبله وحده يذهب بقدميه ليتلقى المزيد من
العقـــاب .
والتوى فمه وأكمـــل بسخرية :
ـ أو يكــون معقداً منحرفــاً . . أهذا ما أنت عليه جيني ؟ وهل
تتمتعين بالمعاملة التي كنت تتلقينها منه ؟
وشحب وجهها . . واتسعت عيناها ثم هزت رأسهـــا :
ـ بالطبع لا !
ـ لماذا إذن ؟ لمـــاذا تتركين هذا يحدث لك ثانية ؟
وضمت يديها إشــارة عجــز :
ـ لــم أكــن أنوي ترك الأمور تصل إلى هذا الحد . أول مرة
جرتــني إيفا للذهاب . ثم اعتقدت أنه سيموت . . فكيف يمكن أن
أرفـض يا دانــي , وهو على وشــك الموت ؟
فرقع والدها بلسانه , ودفع يده فــي شعره الخفيف المشعث .
ـ حسناً إنه لن يموت الآن . وإذا كان قوياً كفــاية للسفــر إلى
إيطاليا فهوى قوي بمـــا يكفــي ليعرف الحقيقة .
ولم تستطع إنكار هذا , فــأحنت رأسهـــا وتنهدت :
ـ إيفا تريده أن يسترجع ذاكرته بشكـــل طبيعي .
فبدت السخرية على وجهه :
ـ ولا يهم كم يطول الأمور ؟ هل ينوون إبعاد كـــل الصحف عنه ؟
والأمور العملية ؟ لأجل الله جيني , ألا يمكن أن تفهمي ما أقصد ؟
يجب أن يــعرف . . يجب أن يخجل من نفســه . . . ألن يطــرح
الأسئلــــة ؟
فاتسعت عيناها :
ـ الصحف ؟ أنا أقرأهــا له عندما أزوره .
فــابتسم ســاخراً :
ـ صحيح ؟ ألم يعلق أبداً على ما تقرأينه له ؟ ألم تظهر عليه
الدهشــة ؟ لقد تغير الكثير منذ خمس سنوات في العالم !
وجلست على مقعد وراءها وكأن ســاقيها لم تعودا تحملانها :
ـ فهمت مـــا تعنـي . . . وهذا لم يخطــر ببالــــي .
ـ نظرة واحدة لتاريخ صحيفة تجعله يتذكـــر . ألا تظنين أنه
سيســأل عن هوة خمس سنوات فــي ذاكرته ؟
نظــر إليها لحظــات بلطف وأكمــل :
ـ حبيبتي . . ألم تلاحظـــي كم تغيرت أنت خلال الخمس
سنوات . آخــر مرة شاهدك فيها كنت صغيرة . . . وأنت الآن امـرأة . .
تسريحــة شعرك , زينتك , ثيابك . لا بد أن يكــون كــل هذا غريب
عليه . . . ومع ذلك لم يعلق مطلقــاً ؟ أتصدقين هذا ؟
.
ذكـاء داني الحاد الدقيق كان دائماً يتفوق على ذكائها . إنه دائماً
يضع إصبعه على قلب المشكــلة , لا تمنعه قلة تعقلها التي تحد من
تفكيرها . وبتركيز دقيق فعل هذا الآن , وأحـــس على الفور بالتناقض
الذي كان يجب عليها هي أن تراه , ولكن تورطها العاطفي مع
روبرتو منعها من ذلك . بالطبع والدها على حق , من المستحيل أن
يكون روبرتو قد أمضى الستة أسابيع الماضية دون أن يتساءل, ولو
لمرة , عن هذه الهوة في ذاكــرته .
واتسعت عيناها الخضراوان , وســألت بصوت خفيف :
ـ ولِمَ يفعل هذا ؟
ـ لماذا ؟ أنت لست عمياء لهذه الدرجة جيني . أنت تعرفين
لماذا تماماً . . . إنه يريد استرجاعك .
فــاحمر وجهها , وأحست بأن قلبها نســي أن يدق عدة دقــات :
ـ هل لا يزال يحبني ؟
وحملقت بأبيها منتظرة الرد مقطوعة النفس . . . فتجهم وجه
داني :
ـ حب ؟ إنها ليست الكلمة التي قد يستخدمها . . إنه يريدك . . .
إنه رجل يحب التملك , ويدرك مدى قوته . وأنت هربت من بين
يديه . . . ولقد أدهشني يومها لأنه تركك بسهولة . . . يوم جاء إلى
هنا وراءك كان كالحيوان المجنون , واستلزم الأمر وجود غرانت
معي لإخراجــه . أمر واحد علق في ذهني حتى اليوم , وهو قوله
(( إنها لــي ! )) ولطالما ارتعشت كلما تذكرت كيف قالها . إنني لا أطيق
الرجال أمثاله , رجال ينظرون إلى المرأة كنوع من الممتلكات .
كلماته أعادت تدفق الذكريات المؤلمة المريرة التي مرت بها .
وتركها هذا غير قادرة على الكلام للحظات طويلة , تحدق في
الأرض . وعندما استعادت القدرة على النطق , قالت :
ـ مـــاذا ســأفعل ؟
والدها رباها بعد موت أمها . . . وكان مقربان من بعضهما
جداً . ورثت عنه موهبته , ذكــاءه , حبه للجمال . علمها كيف ترى
الجمال في أشياء لا علاقة لها بالجمال . فتح عينيها على الحياة
بكل ما فيها من تسامح . علمها أسس فلسفة هادئة لتبني عليها
نظرتها إلى الحياة . لم تشك لفترة طويلة , أن علاقته بالجميلات
من العارضات اللواتــي مررن في حياته , لها أكثر من الطابع
العملي . . وعندما كبرت لتفهم أنه يحب النساء , كانت قد توصلت
إلى مرحلة تقبلت فيها هذا الواقع دون أن تنزعج . . كمـــا تقبلت
تماماً لورين التي عاد بها معه من باريس , الصغيرة الحجم ,
الصريحة , الأمريكية الأصل , ذات الشعر الأحمر البني , والابتسامة
الواسعة . على الأقل تجيد الطبخ . . . ومع أنها على الأقل تبلغ
نصف عمره , فلديها إخـلاص وصدق جعلها محبوبة . . . وأجابها
داني بقطــع حبل أفكــارها :
ـ ماذا تفعلين ؟ افعلي ما يحلو لك . . ولكني أحذرك . . . إنه
يخدعك . وأنت تعرفين هذا . . . وإذا استمريت في مقابلته
فستتعرضين للألم مرة أخـــرى .
هذا أمــر ممكن . . . إنه يأمل بأن يتمكن من محو الماضــي . .
ومن الممكن أيضاً أنه يعتقد بقدرته على جعلها تقابله حتى يتسنى
لها نسيان ما حــصل . . . وبألم , أحست أن الأمر حقيقــي . . .
وشعرت بغضب يقطع أنفاسها . إذا كان كل هذا ادعاء منه , فهو
شرير خبيث , كذاب قذر .
أقنعت نفسها مئات المرات بأنها لن تذهب لزيارته ذلك
اليوم . . . ولكنها فـــي النهاية ذهبت , توبخ نفسها على ضعفها ,
وتتجادل مع نفسها في كل خطوة من الطريق . حتى وهي واقفة
خارج غرفته , ترددت . . . لقد تجاوزت ساعات زيارته المعتادة
بكثير , ولا تزال أمامها فرصة للرجوع , وهي تقف هناك . . سمعت
صوتاً غريباً في الداخل . . . آهة مخنوقة . إنه يتألم . . وفتحت
الباب على الفور , وعيناها تطيران إليه وشاهدت رأسه مدفوناً في
الوسادة . ولم يتحرك , تاركــاً وجهه مختبئاً عنهــا . فركضت نحوه ,
ولامست كتفه , وهمست :
ـ روبرتو . . . مــا بك ؟
بقــي جامداً للحظات . ثم , ودون أن يرفع رأسه تمتم :
ـ لا شـــيء . . رأســــــي . . .
فجلست قربه , تداعب خصلات شعره البادية من تحت
الرباط , وتدلك له مؤخرة عنقه :
ـ هل يؤلمك ؟ أأستدعــي لك الممرضة ؟
فتنهد :
ـ إنه أفضل الآن . . . استمــري فــي التدليك .
وأحست بعضــلات عنقه تسترخــي . وتنفس بعمق :
ـ آه . . . هذا رائع . . . لك يدان شافيتان يا جيني !
ارتفع الدم إلى وجهها وقد أدركت ما تفعل , وما تشعر . . . كل
نواياها السابقة تلاشت . . كيف يمكن أن تواجهه بعد هذا ؟
استدار ليتمدد على ظهره , ورفع عيناه إلى وجههـــا .
ـ لقد تأخــرت . . . ظننتك لن تأتــي .
ـ كنت أعمــــل .
ـ ترسمـــين ؟
كان وجهه هادئاً , لا قلق فيه , ولو أنه يمثل فهو ممثل
ممتاز . . ماذا لو كان داني و غرانت مخطئان ؟ ماذا لو أنه لا
يخدعها ؟ وهل تستطيع , أو هل تجرؤ , على إجباره ذاكرته على
العودة , لتصدمه وتسبب له نوعاً من الانهيار ؟ أتستطيع أن تعيش مع
ضميرها المعذب لو أضرت به ؟
ونظر إلى أصــابعه التي تمسك بالملاءة البيضاء , والهدوء بادٍ
على وجهه :
ـ هل ترين كراولي كثيراً ؟
فتنفست بحدة , ونظر إليها متسائلاً , فأجابته :
ـ أراه بين حين وآخـــر .
أدار وجهه عنها دون أن يرد . وجهه تعب , شاحب أشفق
قلبها عليه . . . وقالت :
ـ أنت تعب . . الأفضـــل أن أذهب لا تركك تستريح .
مد يده ليمسك بيدها وقال بلهجة لم يكن فيها رجــاء , بل أمر :
ـ ابقي . . . لقد قامت أمـــي بكل الترتيبات لسفرنا إلى ايطاليا .
فــأجفلت وشعر بها , وشد بأصابعه على يدها . . فقالت :
ـ روبرتو . . .
فتحت فمها لتقول إنها لن تذهب معه , لن تستطيع , لن
تستطيع الاستمرار بكل هذا الإدعاء . . . ولكنه قاطعها :
ـ ستكون الممرضة معنا , ولا حاجة لك للقلق علي . أظنهم
سيخدرونــي . . ولا يبدو أنهم مقتنعون بسفري . . ولكنني سئمت من
البقاء في هذه الغرفة , و أريد الإبتعاد عن جو المستشفى , أن أرتاح
في محيط أحبه , لقد سئمت من حياة المستشفى جيني . ستة أسابيع
وقت طويل ويكفــي . وأنا واثق من شفائــي بسرعة أكبر في ايطاليا .
أنت تقرأ
الدوامة - شارلوت لامب روايات احلام
Romanceالملخص. الجراح تكون أكثر إيلامــاً ممن نحب . جيني التي عذبتها ودمرتهــا خيانة زوجها لها , عانت الكثير من هذه الآلام . لكن . . . هل يخبو حبها له بعد انفصـــال خمس سنوات , أم يعود القدر ليجمعهما من جديد ؟ وهل تتزوج من غرانت , الرجل اللطيف المحب , أم...