الفصل العاشر والاخير

11.1K 280 24
                                    


10 ـ صــوم السنين

بعد لحظات صمت مذهول . . سألت جيني :
ـ لمــاذا لم تقل لــي كل هذا منذ زمن ؟
فرد بصوت منخفض :
ـ ما كنت صدقتني , حتى ولو أصغيت إلي . لا . . كان يجب
إحضــار لويس وإيفا إلى هنا لأتأكد من سماعك كل شـيء .
ونظرت إليه عبر رموشها قائلة :
ـ يجب أن تعترف . . . تبدو القصة بعيدة عن التصديق .
فضحــك :
ـ والدي صدق جيسكا . وبالطبــع كان يريد أن يصدق . وكــان
سعيداً لتطور الأمور بهذا الشكــل .
وفكــرت بـ جيسكا لأول مرة بتفهم وعطف :
ـ يا للفتاة المسكينة . . أصيبت بالأذى والألم من كل الجهات .
منك ومن لويس , لا بد أنها يئست .
وأعطاها ابتسامة صغيرة ملتوية :
ـ ولو أنها تألمت , فقد استخدمت مخالبها لتنتقم , فلا تقلقي ,
كانت مستعدة للذهاب إلى شقيقتها . وحتى معرفتها بأنها يمكن أن
تقتلها لم تعنِ لها شيئاً , كانت مستعدة لاستخدام كل الوسائل
المتاحة لها لتحصل على ما تريد . وكانت مصممة على تحميلي ولد
لويس .
ونظرت إليه مقطبة :
ـ كنت أعتقد أنها تحبك .
فهز رأســه :
ـ لا تكوني عاطفية يا جيني . . جيسكا لم تحب سوى جيسكا .
ـ وهل . . .
وأحجمت عن السؤال , وأخفضت عينيها وقد احمر وجهها . .
فسألها بخبث وهو يبتسم :
ـ هل . . ماذا ؟
فنظرت إليه بسرعة :
ـ تعرف ما كنت سأسأل .
ـ هل نمت معها ؟ مـا رأيك . . حبـيبتي ؟
وشدت على أسنانها , تريد أن تضــربه :
ـ وكيف لي أن أعرف ؟ كانت زوجتك لثلاث سنوات .
ـ كانت تحمل اسمي لثـلاث سنوات . ولم تنم لحظة في
فراشـي . . . مع حب أو بدون حب . لم أكن أرغب بها ولم أدَّع هذا
قط . . أوضحت منذ البداية أن زواجنا اسمي فقط . حصلت على ما
أرادت . . . أصبحت زوجتي أمام الناس . . . وعندما غرقت لــم
أستطع الشعور بالأسى عليها .
ـ مسكينة جيسكا .
ونظرت إلى الساعة :
ـ لقد اقترب موعــد العشاء .
فضحك :
ـ تغيرين الموضوع ؟ لمــاذا يا ترى ؟
فوقفت , ووقف معها . أمسك بذراعها محدقاً في وجهها
الـمتجهم :
ـ ما الأمــر الآن ! لقد صدقتني , أليس كذلك . . . لم ألمس
جيسكا تلك الليلة . . أقســم لك .
ـ أصـدقـك . . . ومع ذلك .
ـ مع ذلك . . . مــاذا ؟
ـ خمس سنوات . . . لماذا انتظرت خمس سنوات لــرؤيتي
ثانية ؟
ـ إنه كراولي . . . لقد صدقته , كنت أتصور حالتك الذهنية ,
بعد رؤيتي مع جيسكا . . . وكنت أعرف أنه ينتظر الفرصة . .
وعندما قال إنــك استسلمت له . . صدقته . . . أحسست بغيرة
قاتلة . . . ولكن حتى هذا كنت مستعداً لغفرانه . ولو قابلتـك
لأصلحت الأمور . ولكنك ابتعدت . ثم انشغلت بمشاكل جيسكا
والطفل . وصدقت أنك فضلته عني فقررت أن أزيلك من تفكيري .
فقالت ببرود :
ـ هكذا بكـــل بســاطة ؟
ـ لا . . لم يكن الأمر سهلاً . كنت أعتقد أنك تنامين معه .
ـ ألم تستغرب عدم زواجــي به ؟
ـ بلى . . ولكن كنت أتصور كراولي يحاول إقناعك بالزواج
ويفشــل .
ـ وماذا يؤكد لك أنه لم يكن هناك رجــال غيره ؟
ـ ستقولين لــي أنت هذا .
ـ وهل ستصدقني ؟
ـ أنا مضطر لتصديقك . . فأنا لن أتمكن من تركك تبتعدين
عني ثانية .
ـ لقد أردت الابتعاد عنك , ولكنني لم أستطع .
ـ لا تدعي رجلاً آخر يلمسك وإلا قتلتك وقتلته . . أحبك . .
جيني قولــي لي إنك تحبيني .
ـ لقد قلت لك .
ـ ولكنك كرهت ذلك الاعتراف .
فتنهدت :
ـ وهل تلومني ؟ كرهت نفسي لرغبتي بك بالرغم من كل ما
حــدث .
ـ والآن ؟
.
فمررت أصابعها فوق فمه , فــأحست به يرتجـف للمستها .
فهــمــســت :
ـ الآن ! . . أستطيع القول إننــي أحبك دون أي تحفظ .
فســألها :
ـ ومتى ستتزوجين منــي ثانية ؟
ـ حين تريد .
فلامـس شعرها بخفة :
ـ هنــاك شرط واحـد .
فنظرت إليه بدهشــة :
ـ شـرط ؟
ـ أجل . . . كـراولي . . أريده أن يبتعد عنك . . . وإلى الأبد .
لقد قام بما في وسعه لتفريقنا . . إنه يحبك بقدر ما أحبك أنا . ولا
أريد أن يكون بقربـك .
ووضعــت يديها على كتفيه :
ـ وأنت روبرتو . . . لدي شرط عليك .
فرفع حـاجبيه :
ـ أوه . . وما هو ؟
ـ مـا من امرأة أخــرى . . وإلا فلن أهرب فـي المرة القادمة إلى
منزل أبي . بل سـأقتلك بأحد مسدساتك .
فضــحـك :
ـ لن يكون هناك أي تأكيد أنــني لن أكون مع امرأة أخرى سوى
أن لا تغادري فراشــي مطلقاً .
وعانقها بشــدة وأكمـــل :
ـ أريد أن استيقظ كل صباح لأجدك بقربي . . . وهذا هو ما
جرفني إلى الجنون عندما شاهدت صورة خطوبتك في الصحف
وأدركت إنك ستتزوجين كراولي .
ـ قل لـي الحقيقة . . هل حدث الاصطدام بسبب الصورة ؟
ـ الله يعلم . لا أذكــر شيئاً . كنت أقود سيارتي أفكر بك , ثم لم
أدر إلا وأنـا في المستشفى .
ـ كانت خدعة ممتازة منك وكــان على إيفا أن تكــون أذكرى من
أن تـقــع .
فابتســم :
ـ إنها تحبني . . . وكنت لا زلت ضعيفاً , ولم ترد أن تغضبـني .
ـ أنت حقاً ماكــر لا تطاق .
ـ وهذا ما أبقاني حياً . وتركك معلقة على صنارتي . كنت
أراقبك تتلوين بين رغبة الهرب ورغبة البقاء .
ـ أكــرهك .
ـ لا . . لن تستطيعي , لقد قـاومت قدر استــطــاعتـك وراقبت
محــاولاتك للخــلاص . . . وكنت واثقاً أنـني لو أصبحت معك
لوحدنا . . لاستطعت . . .
ـ استطعت مــاذا ؟
ولكنها كانت تعرف الجواب . رقصت عيناه وهو يجيب :
ـ لاستطعت الانفراد بك .
ونظــر إليها متسائلاً فقالت :
ـ أيهــا . .
وأخرس كلماتها الغاضبة بوضع يده فوق فمها .
ـ ولكنني حصلت عليك . . . ألم أفعــل ؟
ـ لم تحصل علي دون معركــة في البداية .
فرفع حاجبيه سخرية .
ـ بل مجرد مناوشة بدائية , زادت من المتعة بعد قبولك .
ـ أكــرهـك .
ولكنها كــانت تضحك . . وجذبها إليه وعانقهــا طويلاً . . بعد
فترة ســألها :
ـ ماذا عن أندرو ؟ مع أنه ليس ابني فأنا أحبه يا جيني ولطالما
عاملته على أنه ابني طوال حياته ولن أستطيع التخلي عنه الآن .
ـ بالطبع لا . . لقد أصبح سهلاً علي أن أحبه الآن . فلن تقف
الغيرة في الطريق .
واخــذ يلف خصلة من شعرها حول إصبعه :
ـ أولادنا لن يعــانوا من شــيء .
فاحمـر وجهها .
ـ سنفكر بهذا عندما نصل إليه . . ولكني أظن بأنك يجب أن
تسمح للويس برؤيته . . إنه بشــر . وتلقى صدمة فظيعة لمعرفته
أن أندرو ابنه .
ـ إنه يستحق هذه الصدمة . . ! لقد تصرف بكل خبث حتى إنه
غازلك , وأمامي . فقد اعتقد أنني اضعف من أن أمنعه . لقد كان
دائماً غيوراً خبيثاً قذراً . ولكن زوجته امرأة رائعة , وبما أن أندرو
ابن أختها يمكنه البقاء معها معظم الأوقات .
فابتسمت جيني :
ـ فكــرة رائعة .
دقة على الباب أجفلتهما معاً وأدخلت ماريا رأسها ونظـــرت
إليهما ببرود وســألت بالإيطالية :
ـ ستتناولان العشاء الليلة أم لا ؟
فرد عليها بنفس اللهجة :
ـ وماذا يجعلك تظنين أننا لن نتعشى ؟
فكشرت وجهها بطريقة ساخرة . . . فقال روبرتو مبتسماً لها :
ـ نحن قادمان . فاذهبي من هنا واتركــي لـي فرصة لأقبـــل
زوجــتي .
فردت ماريا بخبث :
ـ إذا لم تكن قد فعلت هذا بعد فقد أضعت نصف ساعة من
وقتك سدى .
وخــرجـت من الغرفة وصفقت الباب وراءها . . فقال روبرتو
متجهمــاً :
ـ لقد أضــعــت خمس سنوات سدى . . وأمامي الكثير لأعوض
عنه .
وشد بيديه على جيني :
ـ ليس علينا الانتظــار إلى يوم الزفاف , أليس كذلك ؟
فســألـته , وقد فتحت عينيها على اتساعهما ببراءة لذيذة :
ـ ننتظـــر مـاذا ؟
ـ يا لعينة . . نستطيع الزواج بعد أسبوع , ولكن الأسبوع وقت
طويل بالنسبة لـي .
فقالت برزانة :
ـ الصيــام جيد للروح .
وهربت منه خــارج الغرفة .
ونـظـرت إليهما ماريا :
ـ لقد أفسدتما العشاء . . . اعلما هذا .
فابتسمت إيفا لجيني .
ـ لا تهتمـي يا عزيزتي . . ماريا معتادة على الضجيج .
ولم يكن هناك أثر للويس . جلسوا إلى المائدة , يتبادلون
الحديث , ثم قالت إيفا :
ـ ستكون العائلة على أهبة الاستعداد , وسيسبب الزواج ضجة
في الصحافة .
فهـز روبرتو كتفيه :
ـ ليس كثيراً . أظن أن الجميع عرف الآن أن جيني معـي . .
وسينـشغل الناس بالحساب لما سيحدث .
فقالت جيني ,
ـ ليس بالضرورة , فسبب وجودي هنا سهل التفسير .
ـ حقــاً ؟
ـ أتعلم بمـاذا سيفكــر الناس . . . لن يعرفوا بالتأكيد أنــني جئت
هنا لأتزوجك مرة أخرى .
فابتسم ســاخراً :
ـ وخاصة بعد وقت قصير من إعلان خطوبتك على رجل آخـر .
لا بد أن هذا سيصب كراولي بصدمة .
فـصــاحـت به بغيظ :
ـ أوه . . اصمت . . مسكين غرانت !
ـ وهذا ما يذكرني . . . أعطني خاتم خطوبته لأعيده له مع
رسـالة شرح مناسبة .
ـ لا . . لن تفعل . سـأفعل هذا بنفسي . فأنا أعرف ما ستقـــول
لـه .
فرد ببرود متصلب الوجه :
ـ أنا مدين له بالكثير . ويجب أن أنتهز أي فرصــة لإبلاغه بهذا .
فتوسلت جيني :
ـ لا تفعل روبرتو أرجوك . . إنس الأمـر .
ـ خمس سنوات ؟ أتتوقعين أن أمســح خمس سنوات من الدين
دون كلمـة ؟
ووضعت يدها فوق يده :
ـ لقد انتهى الأمـر .
ونظـر إليها بخبث :
ـ لا . . فأنا دائماً عصبي المزاج وأنا صائم .
فنظرت إليه إيفا بذهول .
ـ صائم روبرتو ؟ بالتأكيد أنت لا تتبع حمية وأنت مريض ؟ فاحمرت جيني تحت وقع عينيه الخبيثتين , واحتجت .
ـ أنت تغش فــي اللعب .
فشهقت إيفا وقد فهمت ما تعنيه كلماتهما , وابتسمت مشيحة
بنظرها عنهما . ونظر روبرتو إلى عيني جيني :
ـ حسنــاً . . ما قولك ؟ هل أصوم أم لا ؟
فتأوهــت :
ـ أيها المبتز الخالي من الحياء . لمــاذا تريد دائماً أن تنفذ مـــا
تريـــد ؟
فرفع يدها ليقبلها . . . مع نظرة خبيثة واعدة , وقال بـصـوت
ناعـم :
ـ أنــا هكــذا دومــاً .
* * *
النهاية

   الدوامة - شارلوت لامب        روايات احلام  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن