الفصل السادس

8.7K 149 8
                                    

6 ـ لــم يكن لهـا

فاجأها التصريح وحملقت به وفمها مفتوح , فـابتسم لها ابتسامة
باردة قــاسية :
ـ لقد فاجأك هذا . . . أليس كذلك ؟
أحست بردات فعل متضاربة من جراء ما سمعته , ألم , غضب
وحقــد متأجج .
ـ أنت تكرهني ؟ ولكنـني لست أنا من . . .
فقاطعها رافعاً حاجبيه السوداوين بتحدٍ ســاخر :
ـ ألم تكوني أنت . . . وهل مر وقت طويل , قبل أن تعطي
كراولي ما كان يرغب به منك ؟
اقترب منها , وفقدت الإحساس بمكان وجودهما . . . وقال لها
بهمــس كالفحيح :
ـ متى كان ذلك جيني ؟ تلك الليــــلة ؟ هل هربت من منزلـــي
لترتمــي بين أحضانه ؟
العجرفــة في عينيه الباردتين اخترقت تظاهرها بعدم الاكتراث .
فابتعدت عنه كطفل خائف مرتعب .
ـ ليس لك الحق لتسأل , و أنا لن أجيب عن أي سؤال . لماذا
كذبت على السيد مارشال ؟ أنا لست زوجتك , وسأخبره بأمر
الطـــلاق .
ـ أعرف أنك ستفعلين .
ـ بكــل تأكيد ســأفعل .
وحــاولت جذب ذراعيها من قبضته , إلا أن أصابعه اشتدت أكثر
على لحمها .
ـ ولكنك لن تفعلــي . . . لأنك لن ترينه ثانية . ســأطرده من
الجزيرة الليلة !
ـ لن تستطيع هــذا !
ولكنها تعرف أنه قادر . . سيأمر أي صياد بأخذه إلى أي مكان
وسيفعل دون تردد . ولن يستطيع توماس أن يعترض على أوامره .
ـ ألن أستطيع ؟ بل أستطيع فعل أكثر من هذا . . كلمة واحدة
مني في المكان المناسب وسيطير من إيطاليا كلها , وستذهب
دراسته إلى الجحيم . وسيجد نفســه غير مرغوب به أينما ذهب في
هذه المنطقة , وسيكون على أول طائرة عائدة إلى أميركا قبل أن
يعرف إلى أين هو ذاهب .
.
تمتمت بكــراهية وصوتها يرتجف :
ـ أيهــا الخنزير القذر .
وشــد يده بقسوة على ذراعها ليمنعها من الابتعاد , محدقـاً
بوجهها الغاضب :
ـ قد أكون أكـثر ميلاً للأذية . . . وتذكري هذا عندما تفكرين مرة
أخرى باستخدام ذكاءك للهرب جيني !
فصـــاحت :
ـ لست أدري عم تتكلــم .
ـ أوه . . بلى . تعرفين . . أنا لست غبياً . . . لحظة أن التقيت
بمارشال شــاهدت فيه سبيلاً لخلاصك .
ـ لن تستطيع منعه من أخــذي معه .
فضحك ضحكــة قبيحة :
ـ حاولــي . . . حـاولي فقط . ســأخرجك من المــوكـب في
ثانيتين .
ـ لن تستطيع حجــزي هنا رغماً عن إرادتي !
ـ إرادتك ؟
ابتسم بسخرية قاسية , وامتدت أصابعه إلى حنجرتها , يضغط
عليها , وبدأت نبضاتها تتسارع تحت أصــابعه .
ـ سنرى كم هي قوية هذه الإرادة . . هل نفعل هذا جيني ؟
ـ لا !
وشدها إليه , وغرز أصابعه في عنقها من خلف لتجبر رأسها
على الاقتراب منه , وأطبق عليها بقسوة , وضغط بقسوة عليها
فأخذت تتلوى وتدفعه عنها , ولكنها كانت عاجزة أمام قوته . . ومع
ذلك فقد فات أوان هذا . . فهناك شــيء ما في داخلها قد حدث .
كتلة جليدية عمرها خمس سنوات بدأت فجــأة بالذوبان , ومشاعر
طال نكرانها بدأت تنطلق من عقالها وأحس روبرتو بذوبانها ,
واستجاب عناقه لهذا الذوبان , وارتفعت ذراعاها حول عنقه ,
واندفعت أصابعها إلى شعــره الكث الأسود . وتصلب جسدهــا كله
ليلتصق به . . . وأخذت تتأوه وانفجرت شفتاها , فتمتم روبرتو
وهو يمرر يداه على ظهــرها مداعباً :
ـ يا إلهـــي !
وقع خطوات فرقتهما , فقفزا معاً إلى الخلف . ونظــر إليهما
توماس مارشال بحرج . . .
ـ أوه . . كم أن آســف . لست أدري مـا . . .
استعاد اتزانه . . . وابتســم :
ـ أوه سيد مارشال . . تفضل معنا لتناول القهوة . لا بد أنك
جئت طلباً للغــداء . ماريا ستحضره قريباً .
ـ شكــراً لك .
تأمل توماس بجيني مرتبكاً . فأشــاحت بوجهها عنه وهي تعلم
أنه يظنها كــاذبة . وقالت :
ـ يجب أن أذهب لأبدل ملابســي .
فقال روبرتو بصوت ضاحك , ونبرات صوته توحـــي بأنه
يتسلــى :
ـ افعلــي هذا يا حبيبتي !
ركضت إلى غرفتها , ووقفت تتأمل نفسها في المرآة , منتقده
نفسها , تشاهد بأسى ونفاذ صبر بشرتها المشتعلة بالحرارة وعينيها
المحمرتين . . . ماذا يحاول روبرتو أن يفعل بها ؟ لماذا جـاء بها إلى
هنا ليخدعها ويوقعها في الفخ , ويجعلها سجينته ؟ لقد اكتشفت أنها
لا زالت تذوب تحت وقع عناقه , وقبلاته .
ولكن عليها أن تجبر نفسها على تذكر أشياء أخرى , وأن
روبرتو يستجيب لكل النساء هكذا , إنها مجرد استجابة جسدية
لديه , ولن تتركه يستغلها ليرضي نفسه للحظات .
رفعت رأسها الأشقـــر بتصميم . . . ونزلت إلى الطابق الأرضــي ,
لتواجه نظرات روبرتو المعجب بها , ببرود دفعة إلى الابتســام .
ووضع فنجان القهوة من يده واستدار إلى توماس مارشال يقول
بفخـــر :
ـ زوجتي فنانة . . . وهي موهوبة جــداً .
ومرت عينا تومــاس فوقها , وسحبهما بســرعة :
ـ أوه . . حقاً ؟ هل هي محترفة أم . . . ؟
فانزعجت جيني للســؤال :
ـ أنا محترفة بكل ما في الكلمة من معنى سيد مارشال .
وتمتم روبرتو :
ـ جيني تحب أن تنظر إلى فنها بجدية . . أليس كــّلك جيني ؟
فالتفتت تواجهه بنظرة باردة متحدية إياه أن يسخر :
ـ أجل . . هذا صحيح !
فقال توماس بشكل أخرق . . محاولاً الاسترضــاء :
ـ وهل تدربت ؟ أعني هل ذهبت إلى كلية الفنون ؟
ـ أجــل . .
ســارعت لإخباره بشوق عن مدى تدريبها , وفي عينيها كل
الطموح الذي تشعر به . . وصــاح توماس فجأة , محدقــاً بها :
ـ يا إلهي ! هل أنت . . . لقد قلت إن اسمك نيوهام . . . هل
لك قرابة بدانييل نيوهام . . . مصمم الأزياء الشهير ؟
ـ إنه والدي .
فردد الشاب :
ـ إنه . . . إنه فنان رائع .
ـ أجل , فوالدي مصمم رائع . وأنا فخورة به .
وتدخل روبرتو ليقول ببرود :
ـ ولكن زوجتي أفضــل منه . . .
فردت نظرها إليه غير مصدقة . ولكنه لم ينظر إليها بل إلى
وجه توماس مارشال النحيل , وأكمل :
ـ . . . تعال وأنظر بنفسك .
وقاده تتبعهما جيني , إلى غرفة جلوس صغيرة تستخدمها إيفا ,
وأمام ذهولها أشار إلى رسم بالأسود والأبيض , لوجه طفل . . .
إنه أندرو . . . الرسم الذي أخذته إيفا منها يوم كانت في شقتها . .
لماذا ؟ لماذا يعلق الصورة هنا ؟ أمن أجل ولده أم من أجلها ؟
وأدار روبرتو رأسه إليها .
ـ أمــر مثير للاهتمام . . . أليس كذلك ؟
ربما يكون كلامه موجه إلى توماس , ولكنه في الواقع كان
يتحدث إليها . . . واستدار توماس مارشال وابتسم لها والإعجاب
بادٍ فــي عينيه .
ـ زوجك على حق . . . أنت فنانة جيدة . . . وإذا كنت فخورة
بأبيك , فلا شك أنه فخــور بك أكثر .
أطلت ماريا فجأة من الباب معلنة :
ـ الغــداء جـاهز .
وأضافت بالإيطالية أنه سيفسد إذا لم يتناولوه على الفور , ثم
أضافت بلهجة لاذعة أنه مجنون لخروجه من سريره , فهو ليس قوياً
كفاية . فرد عليها روبرتو بفظاظة بالإنكليزية : اخــرسي ! ولكن عيناه
كانتا تضحكان لها , متقبلاً أنها قلقة عليه . . . فقالت جيني :
ـ أظن أن عليك تناول عشاءك في الفراش . أعتقد أن الممرضة
هي من سمح لك بالخروج .
ـ سمحت لـــــي ؟ لن تستطيع تلك المــرأة أن تملــــي إرادتهـــا علي .
المرأة الوحيدة , التي تستطيع إجباري على الصعود إلى الفراش هي
أنت حبيبتي .
فاحترق وجههــا خجـلاً . . وغضبت منه , وهــي تدرك أن هناك
أكثر من زوج من الآذان تستمع وأن ماريا تبتسم , وأن توماس بدأ
وجهه يحمــر .
فقالت تستخدم مزاحـــه ضده :
ـ إذن ســأقول الكلمة الآن . . اذهب إلى فراشك روبرتو . .
ما كان يجب أن تخرج أصلاً .
فرفع حاجبيه مبتسماً :
ـ لوحدي ؟
فاستدارت غاضبة , محرجة , واتجهت نحو الباب دون كلمة .
غير قادرة على التفوه بشــيء قد يحدث انفجاراُ أمام ماريا
وتوماس . . . كيف يجرؤ على هذا الكلام . . كيف يجرؤ ؟
مرت ساعة الغداء ببطء . . وأحست بالأسى على توماس .
وتعمدت دفعه للكلام عن عمله . فاندفع بلهفة للشرح . . . ولم
يحدث خلال هذه الساعة أي تصادم بينها وبين روبرتو .
وبدأ الشحوب يظهر جلياً على روبرتو , وهم يقفون بعد الوجبة
فقالت له بجدية .
ـ يجب عليك أن تذهب إلى الفراش . تبدو مريضاً جداً
روبرتو .
لا بد أنه كان يشعر فعلاً بالضعف فقد هز كتفيه واعتذر ثم
تحــرك نحو السلم , قائلاً بحدة :
ـ تعالي معي جيني . أود الاستناد إلى ذراعك وأنا أصعد
السلم .
وصاحت به بعد أن وصــلا إلى غرفته وانهار فوق سريره :
ـ لماذا تركت فراشك بحق الشيطان ؟
فقالت الممرضة ببؤس :
ـ لقد قلت له هــذا .
واستلقى على الوسادة ويده تفك ربطة عنقه , جفناه نصف
مغمضتين , يحدق بها بابتسامة ســاخرة :
ـ لم تأتي إلي فجئت إليك .
ـ حسناً ستبقى الآن في الفراش لما تبقى من الوقت .
فقالت الممرضة :
ـ بالطبع يجب أن تبقى . وإذا رفضت نصيحتي سيد باستينو ,
فلا فائدة من بقائي هنا . كنت مريضاً جداً والراحة ضرورية لك .
ـ لا تفتعلي ضجة يا امرأة .
تركته جيني بين يدي الممرضة لتحضره للنوم , فســألها :
ـ أين أنت ذاهبة ؟
فوقفت عند الباب :
ـ أظن أننــي سأنام قليلاً . . . فتلك النزهة صباحاً أتعبتني .
فقالت الممرضة :
ـ هذا هو التعقل بعينه .
فأردف روبرتو سـاخراً :
ـ وهل بدأت تضعفين يا جيني ؟ مشوار صغير وأحسست
بالإرهــاق ؟
فردت بخشونة :
ـ هــذا صحيح .
وتسللت من الغرفة لتسمعـه يضحك وهي تقفل الباب . فــي
الواقع كانت مرهقة أكثر مما تصورت , فما أن أسدلت الستائر ,
واستلقت فـي الفراش حتى غطت في نوم عميق .
عندما استيقظت كانت الغرفة غارقة في ظلام حالك . لا يوفره
سوى الريف حيث لا أضواء صناعية فيه . . ناعسة , تحس بوجههـا
الحـار وشعرهـــا المشعث , نهضت من الفراش , وأضــاءت المصباح
قرب سريرها , فشعشعت غرفتها بأنوار ناعمــة .
نظرت إلى ساعتهــا , وأدركت بـــذهول أنهـا نامــت خمس سـاعات .
ولقد فات وقت العشــاء . . . أحست بالجــوع لدى تذكرهـــا الطعام .
فسرحت شعرها بسرعة , وتركته منسدلاً حول وجهها , ورشت على
بشرتها قليلاً من المـاء , وصبغت شفتيهــــا بقليل من أحمـــر الشفاه
الزهــري .
توقفت لحظة عند باب غرفة روبرتو , متسائلة ما إذا كــان قد نام
أم لا . . وأكملت المسير , لتفاجــأ به يفتح باب غرفته ويقف فــي
بيجامته الحريرية السوداء فوقها الروب الأسود . وسألها ممازحاً :
ـ استيقظت أخيراً ؟ اعتقدت أنك لن تستيقظــي .
ـ كنت تعبة .
ـ كنت تبدين كفلة صغيرة متكورة على جانبيها .
خفق قلبها كــالرعد وقد عرفت أنه دخل غرفتها . . . وأغضبها
هذا , حتى احمرت وجنتاها , ولمعت عيناها الخضراوان وقالت :
ـ ابتعد عن غرفي روبرتو !
واختفى عن وجهه تعبير المزاح , وتحولت عينــــاه إلى
البرود . . . فأمسك بذراعها وجذبها إلى غرفته فصرخت وهي
تقاومه :
ـ اتركــني !
فتجاهلها :
ـ لقد تركت لك ماريا بعض الطعام هنا .
ـ ســـآكل في غرفة الطعام .
ـ ستأكلين حيث أقرر أنــا .
ـ اللعنة عليك , توقف عن دفعـــي هكذا !
أقفل الباب بقدمه , وتركها مستنداً إلى الباب :
ـ اجلســي وتناولــي عشاءك .
أعلنت معدتها الإنذار بأنها جائعة , فرفعت الغطاء الأبيض عن
الصينية . . رائحة الطعام لا تقاوم , ومع أنه بارد . فجلست وبدأت
تأكــل . واستدار روبرتو إلى فجوة في جدار غرفته وأدار الكهرباء
على إبريق القهوة . . . وما هي إلا دقائق حتى تصاعدت الرائحة
الذكية لتملأ الغرفة . وصب لنفسه ولها فنجانين من القهوة التركية
الثقيلة الخالية من السكر . فقالت له :
ـ إنها قوية عليك .
فرد عليها بتقطيبة .
ـ أنا كبير بما يكفي لأقرر ما هو صالح لي وما هو غير صالح .
لقد كان دائماً مدمناً على هذا النوع من القهوة الثقيلة . يحتسي
كوباً وراء كوب منها . . . فقالت :
ـ إنها مضرة لأعــصــابك !
ـ الإحباط هو الســـيء للأعصــاب .
ـ لن أصـغي إلى ترهات كهذه . . كيف تجرؤ على الحديث معي
بهذه اللهجة , خــاصة بعدما فعلت معــي ؟
ـ وماذا فعلت ؟
ـ تعرف جيداً ما أعنـــي !
وبدا على وجهه براءة الملائكة :
ـ أخبرينــي . . .
كادت تقذفه بالقهوة الساخنة , وأخذت يداها ترتجفان راغبة
في صفع ذلك الوجه البارد وقالت ساخـــرة :
ـ لا تتظـــاهر بأنك فقدت الذاكرة ثانية .
فضحك :
ـ ذاكرتي كــاملة . . وكيف حال ذاكرتك ؟
ـ أوه . . . كل التفاصيل فيها كنور الشمس . . . أتعتقد
أنني نسيت مقدار ذرة مما رأيته بعيـني ؟
ورد بخشــونة :
ـ لا . . . لا أعتقد أنك نسيت .
الاعتراف آلمها بوحشية وكأنه سيف يغرز في قلبها . . . لم
يكونا قد تحدثا عن الأمر من قبل . فهي لم تشاهده منذ مغادرتها
لغرفة نومها بعد أن شاهدت جيسكا بين ذراعيه , ونظرت إليه
بكراهية :
ـ وكيف يمكن لك أن تواجه الأمر بكل هذا البرود ؟ أكنت
تتوقع أن أتجاهل ما فعلت ؟ لو كنت أنت من دخل وشاهدني بين
ذراعي رجل آخـر . . . هل كنت ستقول (( آه . . . أن آسف )) وتعود
للخــروج ؟
و نطقت شعلة النار في عينيه قبل أن يتكلم .
ـ ألأنني لم أشاهدك مع كراولي , هل تظنين أن هذا أسهــــل
عـلي ؟
ـ ولكنــني لم . . .
ولم يفته معنى كلامهــا , فسأل بحدة :
ـ ألم تفعلــي ؟ كل هذه السنوات وأنت معه طوال الوقت ,
وتتوقعين أن أصـــدق أنكما بريئان .
ـ علاقتي معه ليست من شأنك . . . وعل كل الأحوال أنا
ســأتزوجه . أتذكر هذا كما أرجو ؟ نحن مخطوبان .
ارتدت شفتاه عن أسنانه مكشراً تكشيرة الغضب :
ـ أوه . . بل أذكر . . . فهذا ما كان يشغل بالي وأنا أقود
السيارة .
ـ عندما حصل الحادث ؟
ـ أجل عندما حصل الحادث ؟
فقالت له ساخرة :
ـ لسوء الحظ أنك لمــرة واحدة لم يكــــن تركيـزك الـــرائع يعمــــل .
علــمــت أنها تـمــــادت , وهـــي تلاحظ الشرر يتطاير من عينيـه . .
وقفت بسرعة ولكن متــأخـــرة , فقد قبض عليهــــا روبرتو بعنف ,
وعندما أطبق بفمه عليهـــا أحست بأنهـــا كانت تنتظر منه هذا مـنذ
دخلت غرفته , لقد تجاوزت مرحـلة الادعـــاء . . . أرادت أن تحـس
بجسده القاسي يجبرها على الالتصاق به . حتى إنها لم تقاومه وهو
يفعل , وتعانقا بجوع , والحرارة تكـاد تشعل جسديهما . وأدركت كم
تتلهف لأن تكون له ثانية . وسمعته يهمس في أذنها :
ـ قولــي لــي . . الحقيقة . . . هل أنت وكروالي . . ؟ هـــل
كنتمــــا . . . ؟
السؤال شتت مزاجها وكأنها تلقت صفعة . . وعــاد إليها
وعيها , فكرهت نفسها على الجنون الذي استولى على جسدها
وجعلها تنسى ما فعله روبرتو بها , وما سيفعل بكل سهولة
مستقبلاً . فشهقت , لتقاوم لتحرر نفسها :
ـ اتركنـــــي . . . !
ـ أجيبي أولاً !
فنظرت بمرارة إلى عينيه وصــاحت :
ـ أجل . . . أجــل !
وضربها , وكــادت الصفعة تطيح برأسها عن رقبتها , فحدقت به
مصدومة وفي أُذنيها طنين حــاد .
ـ أيها الخنزير !
فضربها ثانية , وقفزت الدموع من عينيها , وأخذت ترتجف ,
وذعرت فجأة , فقد ظهرت في عينيه غيرة متوحشة , وأصبح غريباً
تماماً عنها . . . بربري بدائي , عدواني قد يفعل أي شيء .
وقفت تنظر إليه بذعر , وكأنها حيوان خائف . كان ينظر إليها
وهو يتنفس بقوة وكأنه يفكر بما سيفعل تالياً , أو كأنه يكافح كي
يستعيد السيطرة على أعصابه . إنه يحاول السيطرة على مشاعره التي
تجعل دمه يغلي . . ثم قال بأنفاس متقطعة :
ـ لم أكن أنوي أن أراك ثانية .
ـ وأنا تمنيت من الله أن لا أراك .
فتنهد بخشونة . . ثم قال بعد صمت :
ـ صحيح . . لقد آلمنا بعضنا بعمق حتى أننا لن نستطيع أن
نغفر لبعضنــا .
وغلى دمها لكــلامه :
ـ آلمنا بعضنا ؟ ماذا فعلت أنا لك ؟ لقد ارتكبت الخيانة
الزوجية , ولست أن من ارتكبها روبرتو !
ـ لقد اعترفت لتوك أنك هربت من منزلي إلى ذراعي كراولي .
ـ لقد ذهبت إلى منزل والدي . . و غرانت لم يكن هناك .
ـ ولكنك رأيته تلك الليلة ؟
ـ لا !
ـ لا تكذبي علي . أعرف أنك فعلت هذا جيني . كنت فــي
فراشه تلك الليلة .
وصــاحت بغضب :
ـ لا !
ـ أيتها الكاذبة العينة ! لقد اعترف هو بهــذا .
واجتاحتها موجــات من الصدمة :
ـ عم تتحدث ؟ متى قال لك غرانت . . . ؟
ودفعها عنه ثم ســار إلى الطرف الآخر من الغرفة :
ـ لقد جئت إلى منزل أبيك في اليوم التالي . حينما أخبرني !
وأحست ببرودة الثلج . . . وتذكرت العراك الذي سمعته ,
وصوت غرانت الغاضب المرتفع , ولهجة روبرتو الخشنة المتسائلة ,
لقد كذب عليه غرانت . . ولكن لماذا ؟ أم إن عليها أن تكون شاكرة
لهذه الكذبة ؟ إنها تدرك الآن أن غرانت كان يحاول إنقاذ كبريائها ,
ويرد الصاع صاعين لـ روبرتو , بعد معرفته بأنها وجدت جيسكا في
فراشها
وتنهدت . . . تنهيدتها دفعت روبرتو للتحديق بها , ثم قال :
ـ كــان يجب أن أسـتــدعــي كراولي للــشهــــادة في محكـمة
طلاقنا . . . ولكن هذا كان سيعطي الصحف مادة فضائح إضافية
للنشــر .
ـ لقد كان لديهم مـا يكفــي لنشره عندما تزوجت جيسكا , خــاصة
أنها كانت على وشك أن تلد لك ابناً .
التوى فمه وعاد إليها متوتراً :
ـ لم يقــل لــي كراولي متى . . . فهل ذهبت إليه مباشــرة بعد أن
شــاهدتني . . .
عرفت بالطبع ما يعني , وسمعت لهجته المكبوتة فقالت ببرود :
ـ لست أنوي مناقشــة الأمر معك .
فــأمسكها بكتفيها وهزهـــا :
ـ أوه . . بحق الله ! الأمــر مهم لــي , ألا تفهمين , يجب أن
أعــرف ؟
فنظرت إليه ببرود وازدراء .
ـ غرورك بنفسك بحاجة ليعرف أنــني ذهبت إلى غرانت لأنــني
وجدتك غير مخلص لــي . . أليس كذلك ؟
ـ أيتهــا العاهر !
وردت وهي تكافح لتظهـــر البرود :
ـ على الأقل . . لم أحمــل بطفل لأثبت لك هذا .
فهمس بألم :
ـ أوه . . يا إلهي . . يا إلهـــي . . أكاد أقتلك !
ورفعت حاجبيها ببرود وتعالٍ :
ـ تكاد تقتلني ؟ لطالما نظــرت إلى كل شــيء من زاويتك
أنت . . ولكنني لم أكن لأتصور أنك أعمى لدرجة أن تلومني أنا
على فعلتك .
ودفعته في صدره وقالت ببرود وأدب :
ـ هل لــي أن أنصرف الآن ؟ أرجوك ؟ فهذا النقاش يضجرني .
فابتسم , وكانت الابتسامة سلاحاً بحد ذاتها . فقد أغضبتها
وأرسلت قشعريرة رعب فــي أوصالها , لتذكر على الفور أنها تحت
رحمته , ولا يوجد من تطلب العون منه .
وقال بنعومة , نعومة زائدة :
ـ لا . . حبيبتي . . لم أنته منك بعد .
فهمست بصوت خافت مذعور , وقد تخلت عن كل كبريائها :
ـ لو لمستني فـســأكرهك أكثر .
ضحك , وبدت الرغبة واضحة في نظراته . لم ينظـر إليها من
قبل هكذا . . صحيح أنه كان ينظر إليها دائماً برغبة , ولكن ممزوجة
بالحب . . أما الآن , فلم يكن هناك شـيء دافئ أو ناعم في تعبير
وجهه . . لم تشاهد مثل هذا التعبير على وجه رجل من قبل .
ولكنها أصبحت تعرفه الآن . . . إنها الشهوة . إنها كلمة قبيحة لشعور
أقبح . ولكن هذا ما شاهدته في وجهه . . في عينيه بريق شيطاني ,
غير إنساني , وفتحتا أنفه ابيضتا . فهمست :
ـ لا تفعل هذا ! أرجـوك !
وراقبت يداه تتحركان ببطء , ولم تكن تتمكن من الحراك , فقلبها
كان يضج في حنجرتها , وتسمرت في مكانها . وسمعته يقول :
ـ كان أمامك خمس سنوات لتتعلمي فيها كيف تسعدين
الرجل . أريد أن أعرف كم علمك كراولي في هذا المجال .
وأفلتت من الرعب الذي جمدها . . وصاحت به .
ـ أفضــل أن أموت .
ـ بإمكانك الموت بعد أن أنتهــي منك .
وأجبرها على الاستلقاء فوق السرير , ودفع ذراعيها فوق رأسها
حتى أصبحت عاجزة , مثبتة بفعل جسده . وأخذ يراقبها وهي هكذا
وكأنه يتمتع بإذلالها مـراقباً محاولات خلاصهــا .
وواجهت عقم مقاومتها فصاحت به من بين أسنانها :
ـ أوه . . . كم أكرهك !
ـ عظيم . . هذا يجعل الأمــر ألذ بالنسبة لـي .
وأطلق أحد ذراعيها , وأمسك بالبلوزة الحريرية , وتعالى صوت
تمزيق الحرير الرفيع وقالت بطفولية :
ـ لقد أفسدت فستاني .
فضحك وهمس :
ـ ســـأشتري لك آخر . . . يا حبيبتي .
وقاومت المشاعر التي بدأت تظهر كما قاومت تماماً يديه ,
حتى لم تعد تستطيع الادعاء بأن هذا لا يحصل لها , أو إنها تحلم
كمــا كانت تحلم من قبل .
وأخذ يتنفــس بصعوبة , وغطست جيني داخل أمواج الـرغبة التي
تدفقت من بحر ذكرياتها . . ومنذ اللحظة توقفت عن المقاومة
غير المتساوية .
واعترفت لنفسها أنها لم تعد تهتم حتى . فقد ذابت بنعومة بين
يديه , مع علمها الوثيق أنها تركب موجة قد تدمرها . ولكنها كذلك
تعرف , أنها عــادت بعد خمس سنوات إلى روبرتو روحاً وجسدآ......

   الدوامة - شارلوت لامب        روايات احلام  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن