صانع العود "1"

613 49 40
                                    

15فبراير
ذات صباح مميز من ايام شهر فبراير الباردة استيقظ الرجل المتقلب المزاج المعروف بحدة اعصابه، إلمار
استيقظ على صوت قطرات المطر التي تضرب نافدة غرفته بقوة استيقظ على غير عادته نشيطا و الابتسامة تعلو وجهه النحيف المرتب اللحية .
نهض من فراشه و نزع عنه ملابس نومه و استبدلها بملابس العمل بحركة نشيطة و بحماس غريب.

وقع نظره على زوجته النائمة المريضة الهزيلة الشاحبة اللون و قرر ان يوقظها من نومها لانها بدت متعبة و مرهقة جداً حيث انها كانت تعاني من الحمى و كانت تسعل طوال الليل و لم تنم حتى الصباح بعد ان ارتاحت قليلاً من مرضها.
-اه يا مريم تتعبين نفسك باعمال لا فائدة منها هل كان يجب ان تغسلي البيت كله البارحة الم تكوني قد غسلته قبل مدة وجيزة و لكنني اعرف لماذا تتعبين نفسك اعرف تماماً القصة وراء عملك من الصباح حتى وقت اه كم رقيقة انت ان قلبك هذا يستحق ان يلقب باطيب قلب في العالم بل في الوجود يا ترى متى ستفهمين انه لن يعود الى متى ستبكين كطفلة صغيرة اخدوا دميتها القماشية، لا اصدق ان هذه الشوكة خرجت من هذه الوردة لا لا لقد ورث القسوة مني و لم يكن له حض في طيبتك بل ان جوزيف هو من ورث طيبتك انه نسخة منك.
و تذكر ايام زفافهما و استرجع شريط ذكرياته معها مند اول يوم لهما كزوجين من ستة و عشرون عاما و كيف عانت معه من اضطهاد اهله لهما و فقره و طبعه القاسي و مزاجه المتقلب العنيف الى حد ما كم مرت عليها من ليال باتت فيها بدون عشاء بل بدون اكل من الصباح الى ان نامت خاوية البطن تنتظره لياتي و يضربها و يصرخ في وجهها لاتفه الاشياء و يخرج تعبه و غضبه و تعبه منها، لكنه لم يشعر بذنب اتجاهها و لم يؤنبه ضميره لظلمه لها و لهم و
تمم ببعض الكلمات.
- ليس ذنبي انني فقير اذا كانت تعاني من هذا الشيء فعلى الاقل هي لا تتعب كما انا فانا فلتحمد ربها ان الله رزقها زوجا مثلي غير بخيل يصرف عليها و يعيشها حياة كريمة من الذي قام بالذي اقوم به انا.
بقي جالساً في سريره بقربها و فجاة خطرت له فكرة
-صدقا ان اليوم عيد زواجنا السادس و العشرين.
عجيب امر تذكره لهذه المناسبة و راح يغوص بأحلامه و نسي فقره و واقع حاله المرير
-ساشتري لها هدية مميزة. عقدا او قرطا او حلقا من ذهب. اه لا لا ان الدهب شيء تقليدي جداً يجب ان اجلب لها هاتفا او شيء غير متوقع.
و بينما هو كذلك صعق بواقعه و تذكر وضعه المادي و الديون المتراكمة عليه و كروة المحل التي اقتربت و فواتير الماء و الكهرباء و الهاتف.
-ما اين تشتري هذه الاشياء يا ذكي وانت افقر من الفقر يا عجوز النحس.
امتقع وجهه من الحزن و انقلب لون وجهه ليس لاجل شيء بالتاكيد لم يحزن لاجل زوجته و انما حزن على نفسه و نكر ذاته و احتقرها اذا انه امضى حياته من صغره يعمل و يعمل و الان ماذا بعد ان كبر و اصبح عجوزا لا يملك سوى هذا البيت الرث القديم الذي يوشك على السقوط من قدمه. بل انه لا يملك نقودا يشتري بها هدية لهذه المخلوقة التعيسة البائسة التي عاونته على هذه الحياة و لم تتركه رغم أن كان فقيرا و عاشت معه بصعوبة في وقت تركه حتى اهله به.
ارتسمت ابتسامة مخيفة على وجهه المجعد فبدا بشكل مخيف جداً بهذه الابتسامة التي لا تتلام مع عينيه الجاحضتان المحمرتان
- اه، اه ذكي يا إلمار ذكي ايها العجوز النكد نعم ساخدها في نزهة الى المتحف العام ثم المكتبة حيث عشقها و احبائها الكتب التي تتحدث دائماً عنهم ثم سنذهب الى الجسر للنظر الى الطيور في النهر و سناكل في المطعم الشعبي القديم قرب السدة بعدها سنذهب.....
عبس و نظر اليها بنظرة لوم و تمتم
كيف اخدك و انت مصابة بهذا المرض اللعين و لا تستطيعين المشي من هنا الى الشارع تبا لهذه العظام البالية.
قام عن السرير و قد تقلب مزاجه سحب درج الخزانة و اخد علبة السجائر الخاصة به المصنوعة يدوياً من اجود انواع الخشب الذي اهداه له احد رفاق الخدمة، لبس معطفه الجلدي الثقيل ذو الفرو التخين ، الذي كان يلبسه في عمله ايام العسكرية حيث كان ضابطاً.
ترك الغرفة و اتجه الى السلام صاعدا اياها بسرعة متجهاً نحو غرفة ابنه الاصغر متجها.
طرق الباب و ناداه بصوت
-خشن هيا يا جوزيف سنتاخر،
لم يسمع الجواب فدخل العرفة و ايقظه بهزه.
-هيا سنتاخر قم يا جوزيف هيا يا بني الاعواد لن تصنع نفسها.
استيقظ جوزيف من نومه و فتح عينيه بصعوبة بالغة و راح يفركهما بيديه.
-صباح الخير يا ابي، كم الساعة
-صباح الخير. انها الثامنة هيا ايه الكسول كم مرة قلت لك لا تبقى ساهرا على التلفاز لوقت متاخر حتى لا يصعب عليك النهوض من وقت مبكر ثم انظر لعينيك انها حمراء و منتفخة
نهض من الفراش و لبس لباس العمل
-البس معطفك ايضاً الجو بارد و تمطر
-لكني لا اشعر بالبرد يا ابي
-البس معطفك و لا تجادلني هل تقول انك تعرف اكثر مني ثم لماذا تاخرت هيا اسرع.

ديستوبياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن