اصلان!

251 20 20
                                    

التاسع من شهر تموز
الساعة الثالثة ظهراً
خرجت من بيتي متجهاً الى محل عملي،
الوقت ظهر و الحرارة في اوجها هذه الايام من السنة حيث انك تستطيع قلي بيضة اذا وضعتها تحت حرارة الشمس دون الحاجة الى مصدر للنار تحتها.

رحت اسير بموازاة جدران المباني على طول طريقي متظللا بظلالها امشي وحدي في هذه الشوارع الخاوية من ملامح الحياة و اثر البشر.
و كأنني امشي في ارض مهجورة من سكانها
و كانني في مدينة مدمرة لا وجود لرائحة الورود فيها لا وجود لبهجة الحياة فيها لا وجود للوجود فيها.
الاشجار المغروسة مند مدة ليست ببعيدة في وسط الرصيف المخصص للمشاة  يابسة هالكة،
الارض جافة و التربة ليست بها قليل من الرطوبة حتى.
و في هذا الوقت من العام و في هذه الساعات بالتحديد من اليوم سترى الكلاب و القطط مختبئة من الحرارة الحارقة تحت ظلال السيارات و في اكوام القمامة  داخل العلب الورقية الفارغة المرمية على جانب الطريق و امام المحلات.
ان الشمس من شدتها و نارها الحامي جعلت شوارع الاسفلت تبدو كالاسفنج فحيثما وضعت قدمي منها احسها ذائبة تحت حذائي الصيفي المثقب و احس و كأنني دست برجلي على طريق طيني اكثر منه كطريق اسفلتي مبلط.
لم يمضي شهرين على تجديدهم لاسفلت الشارع
الا انها مليئة بالحفر و التشققات.
ادهشني امر هذا الفتى و تعجبت من جلوسه هناك وسط الشارع وحده.
يجلس قرب إشارة المرور في تقاطع الطريق الرئيسية مديرا ضهره للشمس.
و كأنه يقول لها لا يهمني حرارتكِ او وجودكِ حتی.
و اكوام من اكياس المناديل الورقية الرخيصة تبني جدارا بقربه.
علمت انه احد هؤلاء الاولاد البائعين الذين اكره رؤيتهم.
و اغتاض و افقد صبري لمجرد وقوع عيني عليهم.
ليس كرها لهم او لعملهم انما كرها لهذا المجتمع الظالم الذي تغتصب بين احضانها ابسط الحقوق
و تقتل فيها الاحلام قبل أن تُحلم.
و لسوء حضي و تعاستي ولدت انا هذا المواطن التعيس المعدم بهذه المشاعر العاقة لزمانها و وطنها المتمردة.
لا اعلم ماذا يصيبني كلما رايت فقيراً معدما لا يملك سوى جنسيته الورقية و بعض من الهواء الذي يتنشقه من هواء الوطن الذي لا يملك فيه شبرا مع العلم ان هذا الوطن كله مسجل باسمه و بأسماء كل اقرانه من المواطنين او رؤية متسول متجول بين الأزقة طالباً لقمة يسد به جوعه و جوع فراخه
اني و حيثما و اينما رأيتهم اشعر بالعار،
نعم يا سادة اشعر بالذل و العار بل و اشعر إنني سبب في تعاستهم و فقرهم فأنزل راسي و انا امشي بينهم بالرغم من مساعدتي لهم و الله شاهد علي
. اعطيهم المال رغم انني لا املك الكثير الذي يكفي و لكنني لا امانع ان اشاركهم ما لي. بل لا امانع ان لزم الامر النوم في الشارع اذا كان ذلك ينهي مأساة احدهم.
إن عاثري الحظ يا سادة احق بحسن المعاملة و الاحترام

قررت و بدافع الفضول و الشفقة أن اقترب منه لاكتشف امره ساعيا لاعطاه ما قدر الله له من مال وضعته في جيبي قبل خروجي من المنزل.
رحت امشي نحوه، و الحق انه قد عز علي ترك ظل المباني لوهلة فرحت امشي بخطوات طويلة سريعة دون التفت الى الوراء حانيا راسي لتحت هرباً من الحر
. لما وصلت بقربه ابطات وقع خطواتي و مشيت على مهلي حتى لا افزعه في خلوته و ارعبه ففي نهاية الامر هو طفل!
على بعد خطوات منه وقفت و قلت
-يا بني
التفت نحوي التفاتة سريعة محركا راسه الى نحوي دون ان اكمل كلامي متاملاً رؤية عزيز ينتظر سماع هذا النداء منه
فقداحسست انه شبّه صوتي بشخص كان ينتظر منه سماع هذه الكلمة.
نظر الي و هو يضع يده امام عينيه مغطيا اياهما من اشعة الشمس،
لكنه عندما تمعن النظر في ملامحي و ايقن انني لست الشخص المرجو بسرعة تغيرت ملامح الامل الى الخيبة و مُسحت الابتسامة الجميلة من وجهه الصغير.
حقا ان ملامح الحزن و الضيق لا تليق بهذه الوجوه الملائكية البريئة المعدمة من الاثام و الخطايا غير ولادتها في هذا الزمن العاق الذي يمجد فيه السراق و يعبد فيه العاهرات.
اليست جريمة يتحمل مسؤوليتها احد
اليس لهم حقوق
اليسو مواطنين في هذا البلد العريق الغريق.

ديستوبياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن