-02-

844 36 8
                                    

«هناك فرق كبير بين من يفسر الأحلام ومن يحققها »
كنت مسترسلة في أحلامي لكنني كنت أتخبط فقد عاد إلي وجه لم أره منذ مدة وجه ما كان ينبغي أن أسترده لذكرياتي أبدا على صوت حنون أفقت "آنسة انهضي لقد وصلنا" فتحت عينيا ببطء لأجد فتاة أنيقة  بلبس مضيفات الطيران بأحمر شفاه أحمر بارز كانت شقراء جميلة أظنها في 29 من عمرها ابتسامتها رقيقة نحيفة الجسم وطويلة فأومأت لها أنني قد استيقظت لكن ابتسمت حين وجدت اثنتان عند رأس صديقتي تحاولان إيقاظها  فقلت:"سأتولى أمرها بإمكانكم الذهاب للاعتناء بباقي المسافرين" تقدمت نحوها وقمت بنفس الحيلة التي كانت توقظها في الحرم الجامعي طيلة ست سنوات الأخيرة  أخذة من محفظتها كالمعتاد وجدتها كانت حلوى تعشقها تلك المجنونة التي معي مغلف حلوة "امينمز"  قمت بفتحه وقربته لأنفها وحركت لتسمع الصوت وقلت " انهضي لقد بقيت حبة واحدة " وما هي إلا ثواني حتى انتفضت وهي تصرخ "أعطني إياها" ثم تمالكت نفسها لتلقي نظرة حولها كل من في الطائرة كان ينظر نحوها باستغراب فاحمرت خجلا و أسرعت بأخذ حقيبتها وخرجت. كل من في المطار ينظر إلى هاتين البنتين اللتين تتشاجران كان المطار ضخما يعج بالناس من كل الأجناس و الألون الكثير من المستقبلين كانوا يحملون لافتات ترحيب لم أنتبه لتفاصل كنت أجري وراء أسيل لأعتذر ككل مرة :
قلت لك مئة مرة تجنبي هذا الفعل وسط الناس لكنك لا تفهمين
ماذا تريدين أن أفعل أتركك في الطائرة
كان بإمكانك أن توقظيني كما يوقظني الآخرون
متى أخر مرة استيقظت بالطريقة العادية ؟
[فكرت قليلا ] لم يحدث
إذا فلنسرع لأخذ الأمتعة
خرجنا أخيرا من وسط ذلك الزحام الخانق اصطدمنا بهواء باريس العليل مدينة أسرار حتى هواءها يحمل الكثير لا تستطيع أن تميز أهي نسمات ربيع أم هي من وحي المطر الذي ينبأ بحلول الشتاء  أسرعنا وأوقفنا إحدى سيارات الأجرة وطلبنا منه أن يوصلنا إلى العمارة حيث سنسكن كانت أول مرة أزور فيها باريس إنها حقا رائعة عجوز صغيرة كما أحببت تسميتها فهي جمعت بين قدم الأسلوب والطراز والحداثة كانت تعج بالمعالم الأثرية من برج إيفل إلى مدينة ديزني إلى اللوفر كلها أماكن كنت أتعطش لمعرفتها وزيارتها  بالأخص اللوفر فقد قرأت عنه الكثير و الكثير في الروايات كان بالتأكيد أول وجهة سياحية لي لكنن كنت أعلم أن لا شيء أولى من دراستي. كانت العمارة التي نقصدها قريبة من جامعة سوربون نظرة خاطفة ألقيتها على النافذة لأفتح فمي دهشة لم تكن محض جامعة كانت أشبه بقصر ضخم أو كاتيدرائية لم أعلم لماذا تبادرت إلى ذهني صور آيا صوفيا ذلك المعلم الذي جمع بين الديانتين ليصبح الآن من أشهر المتاحف في العالم قرأت مرة عن أيا صوفيا التي جمعت بين العمارة البيزنطية والزخرفة العثمانية  فقد كانت كاتيدرائية قبل أن يحولها العثمانيون إلى مسجد ثم حولت  إلى متحف ديني سنة 1923
الغريب في أيا صوفيا أنها بنية على أنقاض كنيسة أخرى كنت تنتمي للملك قسطنطين العظيم الوثني الذي وضع تعاليم المسيحية و انتسب إليها ساعات قبل موته بعد أن تم تعميده وهو على فراش الموت وقد جعل من المسيحية خليطا من المعتقدات المسيحية والوثنية نلاحظ أن يوم عبادة المسيحيين هو الأحد Sunday  وهو بالعربية يوم الشمس وكان قسطنطين هو من فرض عليهم هذا . كانت الجامعة أكبر على ما أعتقد من أيا صوفيا  كانت أيضا ذات طراز معمارية ينتمي للعصور الوسطى...لكن سرعان ما اختفى منظرها وراءنا علمت أنها ستكون منطلق كل شيء أحسست ببعض الغرور عندما رأيت أن بدايتي ستكون ملكية فالنهاية لا بد لها أن تكون راقية أكثر لذا عليا أن أكون أشد قوة و أشد سيطرة على ما أريد.
أخيرا وصلنا إلى مقصدنا كانت الشوارع ضيقة قليلا للحظة ظننت نفسي أخطأت المدينة كانت أشبه بشوارع ايطالية ريفية تربط بين عمارات شاهقة تبدو خالية. عندما نزلت من السيارة أنا وصديقة توجهنا إلى العنوان المطلوب شعرت ببعض الارتباك من نظرات الناس إلي فقد كنت محجبة أظنهم يعتقدون أنني إرهابية فهذا فكر شائع لدى الغرب متى رأوا اللحية و الحجاب ظنوا أن الإرهاب يترصد بهم لكنني لم أعرهم أي اهتمام ,كانت العمارة ضخمة على غير ما عهدنا أن نراه  في مدينتنا الصغيرة. دخلنا وتوجهنا إلى مكتب الاستقبال رحب بنا رجل عجوز في الستين من عمره أعياه التعب لكن لم تمح الحياة بسمته سألنا أن نتفضل بالجلوس فجلسنا قدم لنا القهوة ,يا إلهي  كم كانت القهوة الفرنسة شهية رائحتها تعمل عمل المخدر وذوقها يجعلك تغوص إلى أبعد الحدود. شكرنا له حسن ضيافته وسألناه بلباقة ما إن كانت هناك شقة محجوزة باسمنا فرد والخيبة بادية على وجهه:
للأسف لم تعد لدي غرف للإجارة أوقن أن جامعتكم أرسلت طلبا للحجز لكنني رفضت و قلت أنه لا توجد غرف شاغرة
غير ممكن فالإدارة لم تخبرنا بهذا
لا بد أنها كانت تمتلك أملا أن تفرغ إحدى الغرف لكن هذا لم يحصل
لكن هذا مستحيل ليس لدينا أين نذهب و لا نعرف أحدا هنا أرجوك اعد النظر فربما تجد شيئا
أنا حقا آسف لا يمكن أن أفيدكما في شيء
نظرت نحو أسيل لم أجد الكلمات أين سنذهب كيف سنتدبر أمورنا ونحن لا نملك النقود الكافية لاستئجار شقة..."يمكنني أن أساعدكما إذا أردتما ذلك  " استدرنا نحو بصيص الأمل و الابتسامة تعتلينا كانت امرأة في السبعين من عمرها أنيقة لكنتها فرنسية أصيلة كانت تلبس سروالا كلاسيكيا أسود تعتليه كنزة بيضاء قليلة الزخرفة لكن أنيقة جدا كانت مستقيمة الظهر شعرها  طغى عليه الشيب كليا لكنها لم تغطه و كأنها تقول للحياة مهما نزعت مني لون شعري سأستمر في الابتسام فأنتي لم تتطاولي على  كبريائي بعد. فقال الرجل بفرحة " أهلا سيدة إليزابيث " الملكة إليزابيث هذا ما تبادر إلى ذهني حينها امرأة قوية ومسيطرة ردت عليه المرأة التحية واستمرت في  كلامها بعد أن جلست  أمامنا جلسة مستقيمة ونظرة نحونا نظرتنا حازمة اضطررت أنا وأسيل للاستقامة في جلستنا نسينا كليا مكتب الاستقبال نحن الآن في البلاط الملكي أمام ملكة انجلترا علينا إظهار بعض الاحترام:
سمعت صدفة عن مشكلتكما وأردت تقديم يد المساعدة فهل تستمعان إلى شرطي
[قلنا معا] مؤكد
[قالت بكل وقار] أنا أعيش وحدي و شقتي تحتوي على غرفة كبيرة بها  سريرين كما أنني مديرة كافيتيريا ضخم في هذه المنطقة و لدي وظيفتين شاغرتين وساعات العمل مراعية لساعات محاضراتكما في جامعة سوربون سواء كان ذلك لفرع إدارة الشركات أو لفرع الطب وسأخصم الإيجار الغرفة من مرتبيكما كل شهر فأريد إجابة فورا
نظرت نحو أسيل غير مصدقة الحمد لله هذا ما كنت اردد في سري مكان للمبيت وعمل للعيش وكل شيء متناسقا ماذا قد نريد أكثر فأجبناها على الفور أننا قبلنا فنهضت من مكانها وقالت اتبعاني . حملت أنا وأسيل حقائبنا وشكرنا روبرت صاحب العمارة وتبعناها كانت شقتها في آخر طابق ملكية, فرشها ذو أسلوب بريطاني أكثر من كونه فرنسي كان الأثاث أساسه من خشب السنديان الغامق تزينه أفرشة فاتحة اللون كانت أنيقة ومنسقة .وجهتنا مباشرة نحو الغرفة وفتح ذلك الباب الذي كان مزينا بوردة الزنبق فابتسمت لها كانت طريقتي في التعبير عن الترحيب فلغة الزهور دائما جميلة. فتحت المرأة الباب على غرفة متوسطة بها سريرين متجاورين ومكتبين في يسار الغرفة جنبا إلى جنب و مرآة تحتها طاولة للتزين وخزانة ملابس ملتصقة في الحائط حتى لا تشغل مساحة كبيرة ومكتبة صغيرة بها العديد من الروايات والكتب المدرسية قالت لنا المرأة لقد كانت هذه الغرفة لفتاتي قبل أن يتوفاهما الأجل وترحلا عنها ...كامرأة صامدة نطقت الجملة بكل إيمان تقشعر منه الأبدان طلبت منا أن نرتب أغراضنا وأن نلحق بها إلى غرفة الجلوس ففعلنا وجدناها قد حظرت الشاي ووضعت معه بعض الحلوى شربت قليلا ثم قالت: هناك بعض الشروط عليكما الالتزام بها وهي: أنا امرأة أومن بأن الانضباط سر النجاح لذا لدي برنامج خاص لكل شيء الاستحمام كل يومين والطعام له مواعيده لا يجوز تفويتها الأكل خارج مائدة الطعام ممنوع يجب إتباع آداب المائدة وأشارت إلى كوعي الذي كان فوق المائدة فأزلته و استرسلت في قولها الاجتهاد في الدراسة هذا ما عليكما الالتزام به لا عمل وقت الامتحانات لدي اشتراك مجاني في المكتبة يمكنكما الذهاب واستعارة ما تريدان من الكتب شرط أن تقدما لي ملخص كل منها كل ثلاث أيام لا أسمح بالخروج بعد الساعة التاسعة ليلا فكما قلت أنا أحب الالتزام ولن آخذ منكما غير أجر الغرفة لا شيء آخر .

عينيك...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن