7

325 27 7
                                    

يحكون في بلدي...
يحكون بشجن...
عن صديقي الذي مضى....
و عاد في كفن...
                                  محمود درويش










إن الموت لابد منه و هو حقيقة حتمية لا بد منها
إن الإنسان بفطرته متمسك بالحياة و يتجمل بطلاتها بشمسها بمطرها بسعادتها الفانية
لست مختلفة عن الكل فكلنا يحب الحياة و يحافظ عليها يبعد دائما فكرت الموت عن عينيه ليقنع نفسه أن الحياة لا تزال أمامه
يتفنن الكثيرون في هجاء الموت و الطعن فيه بشتى الكلمات و بكل ما أوتيت اللغة العربية من كلمات تسمح بذلك.
و أنا اكتب هذه الكلمات يزف إلي خبر أن اليوم 06.08.2014 يكون قد مر على اندلاع الحرب العالمية أكثر من مئة عام الآن. لقد مرة قرن بحاله الحياة تتسارع صحيح ماذا حصدتم يا بني البشر؟
الموت عكس الحياة هو صريح لا غموض فيه هو سكون بعد ضجيجها هو راحة بعد شقائها هو سكينة بعد ضوضائها.
أحتار أحيانا لماذا تكرهون الموت و أنتم متنصلون منه في الأساس كما قال الله عز و جل في كتابه العزيز في سورة البقرة: [كيف تكفرون بالله و كنتم أمواتا فأحياكم....]
أتلاحظون الآن أن بدايتكم موت و نهايتكم موت لكن الأمر ليس بذلك السوء فكروا قليلا فالحياة نهايتها موت أما الموت فهو بداية حياة أبدية. الموت هو الشيء الصحيح والآتي لا محالة لا موعد له لا رائحة لا صوت صامت. صمته مرعب و هادئ صمت العظماء ليس كأي صمت.... فيه ضجيج لا يسمع قوي كفيل بأخذ الروح من الجسد.
أحيانا تؤثر في كلمات تعبر عن واقع الموت أكثر من تلك التي تعبر عن روعة الحياة و بهجتها فالموت حقيقة و الحياة معبر سبيل
  
     اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا
                                                       و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا

الموت هو حصيلة الحياة حتى و إن كان مرغبا فبعده حياة تعد أكثر جمالا من هذه لا أقول لكم انسوا الحياة و فكروا في الموت فستكرهون حياتكم و تؤرقون أنفسكم لهذا ترك الله الموت علما عنده فقط فلا تدري نفس بأي أرض تموت أو كيف تموت لذا على الإنسان أن يعيش حياته حتى آخر دقيقة لكن لا تدعوه يغيب عن أذهانكم فكروا فيه في كل عيد ميلاد لكم فهو اليوم الذي أتممتم فيه خطوة كاملة نحو القبر .... آسفة على  كلماتي المرعبة لكن ليس كل شيء له ناحية إيجابية فقط فالحياة الممتعة نهايتها                                           
                          

                                                                                  موت.

كل هذا الحديث المشبع بالرائحة الموت جعلني أتذكر أول جنازة شهدتها في حياتي كانت جنازة جدي, جدي الذي كان يودعنا منذ أربعين يوما و أربعين ليلة هكذا يقال فالميت يحس بدنو أجله أربعين يوما من قبل. لا أحد يعلم ما يكون بعد الموت لأن لا أحد يحيى بعد موته ليخبرنا بهذه التجربة هي تأخذ أغلى الأشياء تأخذ الروح... الروح هي كل شيء هي أجمل شيء لهذا هي تطفو للسلام  أما الجسد فيتعفن في التراب... نتمنى دوما أن تكون تلك الأيام الثلاثة مجرد حلم عابر لكن لا هروب من قضاء الله.
تلقينا الخبر على الساعة السادسة تماما يوم الخميس لا زلت أتذكر ذلك اليوم صباحه مساؤه كل شيء فيه.
ذهبت إلى بيت جدي أين كان يعيش أخوالي و خالاتي لم أجد غير خالتين فقط إحداهما تعمل و الدموع تغطي خديها أما الأخرى فجسد يرى لا جسد يحس مات إحساسها فجأة, أخذت على عاتقي واجب التنظيف قبل وصول جسده الخاوي من روحه من دفئه من حنانه و بسمته, خرجت لآتي ببعض الأغراض و أعود ليقابلني جسده المغطى ببرنوسه الأبيض و الأصفر لم يكن كما كل اللقاءات فقد تعود أن يقابلني و هو جالس يحتسي القهوة و ها هو الآن يقابلني و قد احتسى آخر فنجان قهوة في الريف ومعها آخر سكرات الموت.
أصدقكم القول أنني لم أتعرف على بعض الوجوه بسبب حمرتها و انتفاخ عيونها دخلت الغرفة و لم أذرف دمعة واحدة لم أخف لم يرتبني أي شعور بالرعب أو التوتر أزحت الغطاء عن  وجهه لم يتغير شيء في ملامح سوى أنها لم تعد تنبض بالحياة
قبلته على رأسه كما اعتدت أن أفعل لقد كان جامدا و باردا كل البرود.
حان الآن موعد استقبال المعزين إنهم كثر و يتكاثرون مثل الدود في البيت لقد كانوا ينسلون من كل مكان لم أكن أحس بأي تعب رغم أنني استخدمت الدرج أكثر من تسعين مرة ذلك اليوم.
لقد حان وقت إخراجه رغم أنهم أجلوا ذلك إلى صلاة العصر حتى يلحق عليه آخر أولاده الذي كان يدرس بعيد عن هنا. رغم أنه كان في الرابعة و العشرين من عمره إلا أنه دخل محني الظهر محمر الوجه يتكئ على ذراع أحد أصحابه تجاعيد الحزن قد نهشت وجهه و إعياء الطريق و السفر قد أنهكه لكن سرعان ما مسح دموعه هو و إخوته السبعة تاركين البكاء لبناته اللائي  يرفضن تصديق أن أباهم الذي كان يأتي من الريف كل صباح لا لشيء فقط ليسلم على بناته و يطمئن عليهن و يوصهن بإخوتهن و بنسائهم, أتذكر أن الليلة التي سبقت موته لم ينم أحدنا ليلة هانية مطمئنة و كأنهم أحسوا أن زلزالا سيزلزل كيانهم صباح ذلك الخميس.
لكنه كما يقول أولاده مات نظيفا لم يكره أحد لم يظلم أحد ثمانين سنة يشهد له الناس فيها بحسن الخلق و دوام الصلاة و الزكاة و العمل فهو كان دائما يقول لي خاصة بعد أن لازم الفراش هنا في المدينة لازلت أتذكر ذلك اليوم عدت من المدرسة و الجو كان باردا لم يكن أحد في البيت لذا قصدت بيت جدي أكلنا ثم جلس يحدثنا عن تلك الأيام الخوالي الخالية من الأمراض النفسية و البدنية حين كان الناس أصحاء لا يشكون شيئا يتمتعون ببساطة الحياة و برونقها الجميل  دون تكلف أو غطرسة يعيشونها كما هي دون تنميق بسيطة حلوة يقول لي أنه لا خير في امرئ قابع في الفراش حتى و إن كان مريضا يجب أن يتحرك ففي الحركة بركة كما أوصانا النبي عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم.كما قلت لكم حانت تلك اللحظة التي سيخرجونه فيها إلى الأبد لن يروا أباهم مرة أخرى, عودني بيت جدي على أفراح دائمة فمن يلبس الثوب الأبيض عادة كن خالاتي حين تزوجن أو نساء أخوالي...فكرة بسيطة فالزواج هو أساس الحياة و المرأة التي تحمل في أحشائها المولود الجديد تزف بلون أبيض تعتبر جزء من الحياة و كذلك نهاية كل مولود وضعته أنثى ذات يوم نهايته في كفن أبيض.
الحزن لا يدوم و مثلما أتى سيروح لقد نهانا رسول الله عن الحزن على الميت أكثر من ثلاث أيام فالكل فاني لا الندب و لا النحيب سيرجع الفقيد فقط عودوا ألسنتكم على تلك الكلمات إن لله و إن إليه راجعون من جميل ما قرأت أن الصبر سأل الله عز و جل قائلا يا رب لما خلقتني وحيدا قال له عز و جل ألا يكفيك أني معك نعم يا سادة فالله مع الصابرين.
 

عينيك...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن