-3-

536 30 6
                                    


يُوجَّدْ دَّآخِلْ رُوحِيِ أَّشيـآآءْ كَّثِيرة .. ~
يَّصعٌبْ البَّوحْ بِهآ .. وَ إِنْ بُحتْ بِهآ أَّنهكتنِيِ ..
تَّمحُوآ مَّلآمحِيِ .. وَ تَّسرقنِيِ مِنْ نَّفسِيِ
أُرِيدْ نِسيآنهآ .. وَ الإِبتِعآدْ عَّنهآ ..
أُرِيدْ أَّنْ أَّبدآ حَّيآتِيِ مِنْ جَّدِيدْ بَّعِيداً عَّنهآ
أُشَّكِل مَّلآمحِ حَّيآتِيِ .. وَ أَّرسٌمهآ كَّمآ أُرِيدْ ..











رسالة من القلب:
" ابتسمي يا عزيزتي
اضحكي وقهقهي يا عزيزتي كما لو أنك لم تجرحي قط.
أخرجي وتمتعي كما لو أنك لم تعشقي قط.
فأمك على قيد الحياة و صديقتك تحبك و أنت تصلين فروضك.
فلم العذاب إذا؟ "















«الحياة ليست سهلة وهذا ما يجعلها ممتعة»

كم هي كبيرة تلك الجامعة أصابتنا دهشة أنا وصديقتي حين رؤيتها ضخمة, بروجها عالية طرازها عتيق في العصور الوسطى حسبنا نفسينا, فيها الكثير من الصور الجدارية الضخمة وكأنها مدرسة فنون فقط. أقسامها لم تكن عادية كانت تحفا أثرية غرفا من الطراز القديم جدرانها تتمايل فيها الألوان بفعل أشعة الشمس التي تتخللها عبر النوافذ المنتشرة. الأروقة كانت طويلة  تكسوا جدرانها الرسوم والصور الفنية أما الساحة فكانت شاسعة تغطي مساحة بلدة صغيرة بأكملها أما المصابيح التي كانت تتدلى من السقف الواحد تلو الآخر كانت تشعرك بشيء  من الراحة العارمة مررنا في طريقنا على قاعة الدرس الكبرى يا إلهي حجمها بحجم جامعتي السابقة كلها أما المكتبة فكنت لا أمانع أن آتي بفراشي واسكن هنا لم استطع نزع عيني منها كانت بالنسبة لي كمحل ملابس مجاني قادنا موظف الاستقبال نحو مكتب المدير لنكمل تسجيلاتنا أخبرنا أن بعد شهر من الآن ستنطلق الدراسة في طريقنا إلى الخارج قلت لأسيل:

يجب أن نلصق جهاز تحديد المواقع على ألبستنا وإلا ضعنا
معك حق إنها ضخمة لا أدري إن كنت استطيع الخروج منها
فلنذهب إلى كافيتيريا إليزابيث إنه قريب من هنا
حسنا...
كانت الكافيتيريا على بعد شوارع فقط من الجامعة كما توقعت كانت بريطانية . المحل كان ضخما مطل على حديقة صغيرة بها العديد من أشجار الورود أما الاسم فقد اختارت المالكة اسم الأميرة النائمة Aurora
إنها كلمة تعني الشفق وأحيانا تطلق على الورود دخلنا وتوجهنا مباشرة إلى حيث توجد إليزابيث كان المكان يعج بالناس يقدم شايا بكافة الأنواع والنكهات هذا هندي و هذا بريطاني و الآخر فرنسي وأكثر ما لفت انتباهي "شاي الياسمين" لم أعلم بوجوده من قبل أم الكعك فكانت تغلب عليه الأناقة قبل اللذة في حين أن الطاولات كانت موزعة بانتظام تاركة بينها مساحات شاسعة حتى لا ينزعج أحد من غيره في الطابق العلو كان مكان خاص بحفلات الشاي للسيدات الراقيات و هو تقليد شائع في بريطانيا وخاصة في القصر الملكي كان الطابق الأرضي مقسم لجزء جزء كان ممتلئ والآخر فارغ أظنه كان خاصا بالطلبة.مكان يبعث على الارتياح. الكثير من الروائح الطيبة تدغدغ أنفك فور وصولك و تلفت أنظارك تلك الرسومات لمجموعة من الورود والأزهار. النوافذ من الخارج تغطيها الزهور على الحواف ولم يخلو المدخل أيضا من هذه الزينة الأخاذة. كانت مكتب إليزابيث متواضعا إلى حد كبير يوجد على يساره مكتبة و على يمينه بعض النباتات المورقة تحتل زاوية قرب خزانة ضمت ملفاتها أعتقد أنها لازالت تحبذ الطراز القديم في التعامل فلا أثر للتكنولوجيا هنا حتى وإن كان هذا يسهل عليها الأمر لكنها لا زالت تعشق الكتابة رغم كل شيء حينها تذكرت نفسي القديمة التي كانت تأخذ فسحات حتى وسط ساعات الدراسة فقط لتكتب كلمات لم تكن كلها تعبر عن ما بداخلي فأحيانا كانت تقف الثمانية والعشرون  حرفا عالقة في حلقي مهما تفننت في كتابتها لكنها ... فقط لا تفيد أبدا, في الحقيقة أجد متعة شخصية لا حدود لها في الكتابة فهي وسيلة للتمرد وسيلة للحرية وسيلة للحب للاشتياق لكن كثيرا ما كنت أؤمن بالدرجة الأولى أنا وسيلة لنشر الوعي و التشجيع وبث روح الحماس اقتنعت أن الكتابة تعطي الناس حقهم و تعطي لكل عزة نفسه فهي من تنتشل يائسا و تواسي عاشقا و تشجع مثابرا و تهدئ نفس متوتر لكنها جميلة لأنها لا تفصح عن شعورنا لا تبدي الدمعة حين تنزل ولا البسمة حين تظهر ولا القلق ولا الغضب ولا التوتر ولا الخيبة كل ما نحاول أن نخفيه تتولى الكتابة هذا عنا هي وسيلة للقوة و  السيطرة وسيلة للثقافة هي مهد الأمم و أساس كل تراث هي ملكة الأدب و معشوقة الملهمين. لكنني أصبحت لا أكتب لا أدري لما ربما فقدت ما كان يدفعني للكتابة أو أنها لم تشفي جرحا كان بداخلي و لكن رغم هذا مازلت اكتب في بعض الأحيان لا لشيء فقط لأكون أنا.
جلسنا أمامها فأحسنت ضيافتنا كما تعودت وأخبرتنا أن بإمكاننا بدأ العمل. لقد كان الزبائن كثر والمقهى يعج بالحركة أخافتني قليلا رؤيتهم لي بحجابي فلم يتقبلوني لكن لم يكن هذا ليؤثر علي فحجابي هذا بعكس ما يظنه الكثير ليس وسيلة للتعبير عن الإرهاب وليس وسيلة للاضطهاد والأسر إنما هو أسمى من ذلك هو رمز للحياء و الحشمة رمز المرأة الملتزمة بدينها و بعزة نفسها لبسته عن قناعة تامة مني ولم يجبرني عليه أحد  وهو ليس وسيلة لكبت المرأة بل وسيلة لسترتها وبيان حيائها , يختلف الكثيرون عند رؤية امرأة محجبة فتقول بعض النساء أنا لست عورة حتى أغطي جسدي , ومن قال عنك ذلك أنت الوحيدة التي تصف نفسها بالعورة و تعتقد أنه لا يجب عليها ارتداء الحجاب فقط لتعبر عن تمردها وسط مجتمعها , التمرد لم يكن ولن يكون أبدا في شعرك الطول ولا في سيقانك العارية وإنما يكون في  عقلك و فكرك.
تتولى الأيام بسرعة جنونية و لكن حماستي لبدء دراسة كانت كبيرة رغم ما وجهته من مشاكل بسبب بعض المنغلقين فكريا. حدث الأمر في المقهى حين دخل أحد الرجال ضخم الجثة بعينين رماديتان و وشعر أبيض كليا كان أشبه بالشبح منه بإنسان في الحقيقة كان قسا وهذا اتضح لي من خلال الياقة البيضاء التي كان يرتديها حول عنقه بدل الربطة. تقدمت نحوه للترحيب به واخذ طلبه لكنه نظر نحوي بطريقة تنم عن حقد و غضب لم أفهم لما فأنا لم أقابله في حياتي كعادتي لم أهتم أخذت الطلب وذهبت لآتي به , وحين وصولي إلى طاولته حاملة كأس الشاي الساخن انتفض من مكانه وضرب الصينية التي كنت أحملها بكوعه وصرخ قائلا " أيتها الفاجرة" أسرعت بتغطية وجهي حتى لا أحترق لكنه استمر والناس كلها تتأمل لكن لا أحد تجرأ على الاقتراب صرخ في وجهي قائلا:
أنتم المسلمين ستحترقون في نار جهنم كلكم أنتم قتلة... أنت مجرد فاجرة سأقتلك
وحمل أحد الكراسي ليضربني به لكن أسيل ارتمت عليه وسحبته من يده فدفعها لتسقط أمامي تمالكت نفسي بسرعة و هدأت كليا ساعدت صديقتي على النهوض و نظرت نحوه قائلة:
أنت من الكنيسة الكاثوليكية صحيح ... تظن أنني فاجرة صحيح... أريد أن أسألك أيها التقي البار كم بلغ عدد الأطفال الذين اغتصبوا في كنيستكم أو كم بلغ عدد الذين سرقتم خبزهم لتعطوهم إياه فيما بعد تحت اسم المسيح كم من فتاة قتلتموها تحت اسم السحر و الشعوذة كم هو عدد الشباب الذين جعلتم منهم حثالة و زرعتم اليأس في قلوبهم كم بلغ عدد العلماء الذين قتلتموهم و سلبتم أبحاثهم لأنها تثبت كذبكم كم قتلتم من شخص منذ أن بدأت المسيحية إلى الآن فقط لتعلو سلطتكم  سأقول لك دعنا من هذه الإحصائيات فهي عندكم شيء عادي أنتم تباركون المغتصب و تاجر المخدرات و تقولون أنكم ستدخلون الجنة بغير حساب مهما بلغة خطيئتكم سأقول لك أمرا ما رأيك في شخص اغتصب خمسين طفلا ما بين الخمسة و العشرة أعوام ثم قام بشقهم ليستخرج أعضاءهم و يبيعها ثم يرميهم في القمامة لتنهشهم الكلاب فلا يدفن أهلهم سوى قطع مما تبقى منهم لكنه لا يعذب لماذا؟ لأنه مسيحي ومهما كانت خطاياه سيدخل الجنة ولكن فلنفرض أن الأطفال كانوا مسلمين أو بوذيين أو هندوس سيدخلون النار أليس كذلك ... وأنا التي نعتني بالفاجرة لماذا؟ لأنني محتشمة وأغطي شعري و قمت بتقديم الشاي لك ثم ماذا تضرب صديقتي ألم تستطع أن تتطاول يدك على شخص من حجمك مسلمة محجبة و أفتخر وإن لم يعجبك هذا فالباب ضخم يسع جثتك بما أنك جثة بلا عقل
أنت ...
ومد يده لكي يضربني لكنني لم أتحرك من مكاني شعرت بقوة لم أشهدها من قبل كنت استطيع قتله بيدي لو أنه لمسني لكن انتفض اثنان من الزبائن و امسكاه  فسمعت إليزابيث التي شهدت كل شيء تقول بكل حزم:
هذا المقهى ليس لمثلك من الحثالة إن كلمة قس هذه الأيام أصبحت ككلمة كلب لا فرق فالاثنان يجريان وراء شهوتاهما... إذا تكرمتما أيها سيدان أخرجاه من هنا .حين خرج سمعته يشتم المرأة و الرجلين وما أضحكني أنه قال لأحدهما "سأدعو الرب ليلعنك" فابتسم وقال " لا جديد في الأمر" وفجأة سمعت تصفيقات و هتافات قالت لي " أحسنت أريته حجمه..." في الحقيقة لم أكن أنتظر كل هذا فقد ظننت أنهم سيقفون مع القس ويساندونه. استرسلت إليزابيث في قولها " أنا مع حرية المرأة كائنة من تكون ومن لم يحترم بناتي فلا مكان يسعه هنا" لقد كانت تعد نادلات المقهى كبناتها تماما تستمع لهن و تساندهن تقدم لهن الدعم والتشجيع وتحن عليهن. ذهبت بسرعة إلى الحمام و نظرت في المرآة متغيرة أنا... هذا ما تبادر إلى ذهني لكن تلك الدمعة التي أرادت الخروج منعتها فقد قطعت عهدا على نفسي ألا أبكي مجددا عندها دخلت أسيل فسألتها:

عينيك...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن