2- الفصل الثاني

5K 133 2
                                    

2- الفصل الثاني

استيقظت ميغان باكرا لانشغالها في كثير من الامور, تناولت فطورها واطعمت ميريدث ثم رتبت بيتها الصغير وذهبت لتتسوق. استقلت الحافلة الى شارع مايل رود حيث ملأت سلتها بالاطعمة وعادت مسرعة الى الشقة.
اضفت باقة الدفلى التي احضرتها معها الاشراق الى الغرفة المعتمة التي اضيئت قليلا باشعة شمس خفيفة منبعثة من النافذة, فكرت ميغان بسرور وهي تفرغ السلة, ان ستائر صفراء مزركشة واضواء خافتة بدلا من تلك الالوان الساطعة التي اختارتها المستاجرة الاخيرة. ستضفي بعض اللمسات اللطيفة على الشقة, كل ذلك يمكن ان ينتظر المهم الان هو اعداد العشاء. اعدت لنفسها بعض القهوة مع توست وزبدة, واطعمت القط, ثم بحثت عن قطعة صوف ليجلس عليها.
فرشت مشترياتها بعد ذلك في المطبخ الصغير لتبدا باعداد الطعام.شرحت البصل الخاص بحساء البصل, وقشرت البطاطا وقطعت الجزر, ثم تبلت اضلاع الخروف. بعد ذلك اعدت كل شيء لتحضير الكاسترد. سينتهي عمل اوسكار عند السادسة مما يعني انه سيصل في السادسة والنصف, اذن امامها متسع من الوقت. لذلك باشرت في اعداد عوامة بالجبنة ووضعتها في الفرن. ثم دخلت الغرفة لتجهز الطاولة وتشعل النار, بعد ان تاكدت من كل شيء ورضيت بانجازاتها, ارتدت احد فساتينها الجميلة, ورتبت شعرها ووجهها. بعد ذلك حضرت فنجانا من الشاي وتناولت احدى قطع العوامة وباشرت بالطبخ. كانت حرارة الفرن ملائمة ولكن سعته قليلة, مما اضطرها لاعداد الحساء اولا لتشغر مكانا لوعاء الصلصة.
وضعت ميغان بعض غصون حصا البان حول اضلاع الخروف ووضعته في الفرن ثم حضرت الكاسترد. لم تكن متاكدة من نوع المشروب الذي عليها ان تشتريه لذلك, قررت ان تشتري بضع زجاجات الجعة.
عادت لتلقي نظرة على الطاولة فشعرت بالرضا لان الغرفة بدت رحبة ومرتبة بكرسيها وطاولتها قرب المدفاة. اما باقي الغرفة فكانت مفروشة بطاولة الطعام الموضوعة تحت النافذة بالاضافة الى كرسيين وخزانة رفوف على طول الحائط. باختصر بدت الغرفة بكل محتوياتها مع المصباحين المضاءين مريحة وجميلة, فتحت شباك المطبخ لتدع ميريدث يخرج واعدة اياه بعشاء لذيذ عند عودته. سيصل اوسكار خلال نصف ساعة.
باشرت بتحضير كوكتيل الفواكه. كل شيء اصبح جاهزا الا ان اوسكار لم يظهر بعد. مرت عشر دقائق على الموعد حين رن جرس الهاتف, بدااوسكار فرحا: "ميغان لقد طرا شيء, لن تمانعي اذا لم آت أليس كذلك؟ احد العاملين معنا اعلن خطبته, ونحن نقيم له حفلة صغيرة."
هذا صحيح, فقد سمعت اصوات ضحك وغناء من خلال الهاتف, بالاضافة الى اصوات نساء. الا انها لم تدع الغيرة تاكلها, فهناك الهديد من الطبيبات في الريجينت, سالته اذا كان سياتي لاحقا.
"غير ممكن, فالحفلة ستستمر لعدة ساعات, انا مسرور لاني لست في الخدمة."
قالت والدم يغلي في عروقها: "للاسف العشاء اصبح جاهزا..."
"ضعي البازيلاء في العلبة, سوف نستعملها مرة اخرى."
كان ذلك لا يحتمل فاقفلت الخط.
الروائح التي انبعثت من المطبخ كانت مسيلة للعاب, اطفات ميغان الغاز وهي ترتجف من الغضب وخيبة الامل. فكرت في ان تحتسي الشراب فيما كانت الدموع تتساقط على خدها, لكنها مسحت دموعها بانفعال, عندما سمعت طرقا على الباب, لا بد ان اوسكار قد اتى. فتحت الباب بسرعة فوجدت الاستاذ فان بلفيلد يحمل ميريدث بين يديه.
لم ينتظر ان تدعوه بل تجاوزها, ووضع ميريدث على الكنبة.
"وجدته عند اخر الطريق, ضربته دراجة فيماكان مارا لا اظن انه مجروح ولكن يمكن ان اتفحصه ان اردت."
نظر اليها برقة فتمنت لو انه لم ير دموعها: "ارجوك ان تفعل, شكرا لانقاذه ظننت انه بمامن في الباحة ساحضر منشفة صغيرة."
اخذ الاستاذ وقته في معالجة ميريدث مما اعطاها الفرصة لتمسح دموعها وتصلح من هندامها من دون ان يشعر. كانت المرآة الوحيدة في البيت موجودة في الحمام, لذلك اعتمدت على الحظ كي تبدو طبيعية بقدر الامكان. على كل حال لم تبد طبيعية تماما بل متعبة ومحمرة حول انفها الجميل. لم يعلق الاستاذ على الامر بل قال ان القط لا يعاني من كسور بل من بعض الرضوض السيئة, ثم وضعه قرب النار.
"هل تتوقعين ضيفا؟ اسف اذا عطلت عملك في المطبخ."
"لا لا يهم, لن ياتي اوسكار. هناك حفلة في المستشفى..." رجفت شفتها كفتاة صغيرة: "حضرت العشاء, ولا يوجد احد سواي لاكله, لذلك انا اسفة..."
خلع الاستاذ معطفه قائلا: "هل انفع انا؟ تبدو رائحة الطعام شهية وانا جائع جدا." وعندما ترددت اضاف: "لم اتناول طعام الغداء."
"أصحيح؟ أتود ان تبقى؟ ولكن أليس لديك بيت...؟"
"اجل اجل طبعا لدي, لا انه لا يوجد احد هناك الليلة."
بدا مقنعا جدا بقوله هذا فقالت: "حسنا, سيكون امرا لطيفا ان تبقى, هل ستكون سيارتك بمامن في الخارج؟"
"اوصيت بعض الصبية بمراقبتها."
"ألن يبردوا؟"
"انهم يجلسون في الداخل." ذهب الى الطاولة واخذ الشراب:"اذا كان لديك مفتاح فسافتح هذه الزجاجة."
ذهبت ميغان الى الفرن واشعلته ثانية, وقدمت الحساء في الحال: "اسفة لا يوجد اي شيء لاقدمه لك, لا شيري ولا غيره, فانا لم استقر بعد."
"هذا الحساء لا ينقصه شيء. هل حضرته بنفسك؟"
"اجل فانا اجيد الطهي."
لقد اسعدها كثيرا انه احب الحساء المعد بطريقة ممتازة مع التوست والجبنة, اكل الاستاذ ضلوع الخروف واحتسى الشراب بالشهية والاستمتاع نفسهما. ربما كانت هذه هي المرة الاولى في حياته التي يشرب فيها بهذه الكثرة من شراب يبلغ ثمن زجاجة منه خمسة وعشرين بنسا. لقد وضع السعر على الزجاجة وشك ان لون الشراب كان السبب في شرائها له.
تصرف على سجيته فاندهشت ميغان لكونه رفيقا ممتعا على هذا النحو. في الواقع لم يتكلم كثيرا او يرفع صوته عاليا, الا ان ما قاله كان مثيرا جدا ولا يمت بصلة االى حياة المستشفى, انه الان انسان مختلف عن ذاك الذي حدق فيها بعينيه الزرقاوين عندما انكسر الصحن.
اكتشفت فجاة انها الان تستمتع بوقتها, بعد الانتهاء من التهام اضلاع الخروف الشهية احضرت ميغان بسكوتا وجبنة وبما انه لا يوجد مكان اخر للانتقال اله تناولا القهوة والعوامة بالجبنة الى جانب الطاولة.
لم تكن واثقة بعد تلك السهرة الممتعة عما تحدثا, لكنها كانت متاكدة من انها لم تعرف شيئا عن حياته الخاصة, اذ انها لم تجرؤ على السؤال, وهو لم يقدم لها اية معلومات, صحيح انه اخبرها انه لديها كلب وقطة, الا انه اتى على ذكر ذلك عندما كان ينظر الى مريديث وهو يستلقي بكسل امام النار بعد العشاء.
ولدهشتها ساعدها في غسيل الاواني قبل ان يشكرها على العشاء الشهي والسهرةاللطيفة. كانت ميغان ممتنة لانه لم يذكر كلمة عن اوسكار.عند انتهاء السهرة غادر متجها نحو سيارته, فاعطى الصبية بعض المال وانطلق وهو يرفع يده ليحييها.
لم يكن هناك من امل لترى اوسكار في اليوم التالي, فالجناح كان ممتلئا بكثير من الحالات, الامر الذي اراحها لانها تحتاج الى يوم او اثنين كي تنسى خيبة املها بسبب تصرف اوسكار السخيف. وبالفعل لم تره الا بعد يومين بطريق عودتها من الغداء.
قال: "ميغان انا اسف بسبب تصرفي تلك الليلة, كنت اعرف انك ستتفهمين, ما رايك بيوم عندي, فانا حر في المساء, الا اذا حصل اي طارئ."
"لا لدي عمل, وساكون متعبة جدا حتى لفتح علبة بازيلاء." ثم قالت بابتسامة صفراء: "لا يمكنني التلكؤ اكثر, فهناك حالة تحتاج لعملية, الى اللقاء."
جلست ميغان في مكتبها تبحث عن دوام جيني في جدول العطل: "ارغب في الحصول على عطلة بعد ظهر غد, هل تمانعين بالتغيير؟"
رحبت جيني بالاقتراح فعادت ميغان الى طاولتها وهي تشعر بانها ردت جزءا بسيطا على الاقل من اهانته لها, واعترفت لنفسها ان ذلك لم يكن لطيفا منها خصوصا وانها طيبة القلب وحلوة المعشر. لكن اوسكار اساء اليها وجعلها تشعر بالاحباط. لم يتقابلا كثيرا منذ وقت, ولكن أليس صحيحا ان البعد يلهب المشاعر؟ أم لا؟
بعد تلك الامسية الجميلة لم تر الاستاذ, الا ان ذلك كان طبيعيا, فهو نادرا ما ياتي الى الجناح, وعندما كان ياتي لم يكن ليضيع الوقت في اي حوار. الا اذا كان متعلقا بالعمل, سمعت ميغان صدفة من السيد برايت وهو يخبر ويل جنكن زان الاستاذ غادر الى هولندا.
قال السيدبرايت: "لن يعود قبل عدة ايام, اظن انه يريد رؤية عائلته من وقت لاخر."
اذا هو متزوج, ولكن لدهشتها التفكير بذلك جعلها تشعر وكانها فقدت شيئا.
انتهى يوم العطلة وعادت الى الجناح بطبيعته المشغولة دائما,امضت ميغان احدى الامسيات تتناول العشاء مع اوسكار في احد المطاعم الهادئة قرب حديقة فيكتوريا. تمتعت كثيرا بتلك الامسية, فقد كان اوسكار لطيفا جدا الى حد انها شعرت بالاسف لانها غيرت عطلتها في الاسبوع الماضي. وافقت ميغان بسرور على اقتراح اوسكار بالذهاب الى بيتها في عطلة نهاية الاسبوع القادم.
قال اوسكار: "لا يمكنني الحصول على عطلة نهاية الاسبوع, الله اعلم كم اتوق لواحدة."
"سيكون ذلك رائعا, هل يمكننا ان نذهب يوم السبت ونبقى حتى مساء الاحد؟"
رافقها الى الشقة وبقي حوالي عشر دقائق: "انها لا تعتبر شقة, أليس كذلك؟"
حاولت ميغان ان تعترض على تلك الملاحظة, كل شيء يبدو جميلا, فقد وضعت الستائر الجديدة مع بعض الارائك التي تتناسق معها,ووضعت بعض الازهار الجميلة بالاضافة الى الكتب المرتبة على الرفوف, حتى ميريدث بدا جميلا. ربما بالنسبة لرجل لا تتوافق هذه الشقة مع ما يعرف بالبيت المريح والمناسب. مهما يكن من امر, فهي سعيدة بها جدا.
"على الاقل اذا اردت ان آوي الى الفراش باكرا يمكنني ذلك. في بيت الممرضات هناك دائما الكثير من الضجة, اناس يدخلون ويخرجون واخرون يلعبون بالات التسجيل. لن تصدق كم هو هادئ هذا الشارع."
ضحك اوسكار وعانقها: "اهتمي بنفسك فستتحولين الى عانس عادية اذا لم تنتبهي."
"هذا امر يمكن تسويته. يمكن ان نتزوج." لم تعرف لماذا قالت ذلك الا انها ندمت على قولها عندما اكفهر وجهه.
"امامنا متسع من الوقت لمناقشة ذلك, عندما انتهي من هنا واحصل على عمل اخر."وعانقها ثانية عندما راها مرتبكة.
بعد ان تركها وحيدة فرشت ميغان الكنبة واعدت فنجانا من الشاي. ثم نظفت ميريدث الذي بدا سمينا ولطيفا. فمنذ الحادثة التي وقعت له لم يعد يغادر باحة المنزل. لعق الحليب الذي قدمته له وتمدد امام النار الا انه في اللحظة التي تطفئ فيها الضوء وتاوي الى فراشها سيتسلل اليها وينام طوال الليل عند طرف السرير.
لم تر الاستاذ ثانية الا بعد عدة ايام. بدت متعبة وغير مرتبة بعد ظهر ذلك اليوم المرهق, حين راته واقفا مع السيد برايت في المدخل منهمكين في احدى المناقشات, رآها السيد برايت وحياها: "عمت مساء اخت رودنر." نظر اليها الاستاذ الا انه بدا وكانه لا يتذكر اين التقاها, فحياها تحية مبهمة. تابعت طريقها منزعجة قليلا. لقد تناول عشاء شهيا عندما دعته, او بالاحرى عندما دعى نفسه. صحيح انها لم تتوقع ان تتوطد العلاقة بينهما, اذ انه على حد علمها لم يكن يوطد علاقته باحد, ولكنها تستحق على الاقل تحية احسن من ذلك.
عبرت عن استيائها الى ميريدث فيما كانت تتانول العشاء, قالت وهي تعد الطعام لميريدث: "هذا فظ جدا,لكن ربما يشعر بالحنين لبيته, اذ انه عاد للتو من هولندا."
كانت ميغان ستذهب واوسكار الى بيتها في عطلة نهاية الاسبوع, راته صباح ذلك اليوم متحمسا جدا للذهاب, وقد اسعدها حماسه وادهشها في ان معا, لانها تعرف كم من الترتيبات عليهما ان يتخذا للحصول على اكثر من يوم عطلة في الوقت نفسه.
اقترح اوسكار ان يغادرا الجمعة فيصلا حوالي الساعة العاشرة, هذا اذا لم يكن وقتا متاخرا بالنسبة لوالديها. وافقت ميغان على هذا الاقتراح بكل سرور. سيكون لديها متسع من الوقت غدا لتشتري سلة لميريدث, فقد توقف عن التجوال في الشارع. واذا تركته بمفرده يمكن ان يشرد ثانية. الامر الذي سيزعجها حتما لانها اصبحت متعلقة به الان, ثم ان هذه النزهة الى الريف ستفيده كثيرا.
بدا يوم الجمعة سيئا, كانت تدخل المستشفى عندما رات الاستاذ يخرج من سيارته, كانا قريبين كفاية ليتبادلا تحية الصباح, الا انها كانت لا تزال منزعجة منه الى حد انها دخلت من الباب كما لو انها لم تره. تبعها الاستاذ مبتسما بلطف وهدوء. لم يكن الاستاذ يبتسم كثيرا لذلك نظر اليه رئيس البوابين باندهاش, وقال لاحد عماله: "يبدو الاستاذ فان بلفيلد مختلفا هذا الصباح." ثم اضاف: "لا بد ان شيئا هزه."
علمت ميغان ان الليلة السابقة كانت سيئة في الجناح, فقد وقعت احدى المريضات من على السرير, لا يعتبر هذا خطا احد الا انه يجب ارسال تقرير عن الموضوع واستدعاء طبيب لفحص السيدة. كانت بداية سيئة لليوم على الرغم من ان السيدة السمينة التي وقعت عن السرير لم تصب باي اذى. ميغان التي كانت ترغب في ان تعرف كل شيء كاي انسان ذي مسؤولية, وجدت اعصابها بخلاف العادة متوترة جدا. وقد غضبت اكثر عندما تاخر السيد برايت نصف ساعة عن موعده, مما اضطرها لابقاء عشاء المرضى ساخنا فيما كان يقوم بجولته عليهم بكل بطء.
قالت ميغان بتوتر ظاهر: "كان لا بد لرائحة السمك مع اللحم المشوي بالجزر ان تذكرك بان هناك مرضى بحاجة الى الاكل.
قال اوسكار انه سيكون جاهزا للرحيل عند الساعة السادسة, الا انها لاقت صعوبة لكي تنهي عملها في وقته المعتاد. لم تذهب الى العشاء بل اكتفت بتناول ساندويش مع فنجان قهوة في مكتبها. استمرت بالعمل طيلة بعد الظهر لذلك حين وصلت جيني, تمكنت من الذهاب مرتاحة الضمير. اسرعت ميغان الى شقتها فغير تثيابها ووضعت ميريدث في السلة ثم حضرت حقيبتها قبل ان ياتي اوسكار لياخذها.
تحسن مزاجها حين رات اوسكار, فقد بدامرتاحا وسعيدا لفكرة قضاء عطلة نهاية الاسبوع بعيدا عن المستشفى. وضع اوسكار القط في المقعد الخلفي وحقيبتها في الصندوق, ثم جلس بقربها وعانقها بسرعة وانطلقا.
"يجب ان نصل لهناك قبل الساعة العاشرة, عندما نخرج من لندن سنسلك الطريق السريع هذه المرة." ثم استدار نحوها وقال: "انها امسية جميلة."
وافقت ميغان شاعرة بتحسن كبير:"هل هناك شيء مميز تود ان تفعله. هناك اماكن رائعة للنزهة اذا رغبت بذلك..."
"لنرى ما سيطرأ,ربما كان لعائلتك بعض المشاريع, تبدين متعبة هل كان يومك سيئا؟"
هذا ما كان يعجبها فيه, فهو دائما يتذكر انها تعمل مثله تماما: "في الحقيقة ليس سيئا جدا, فقط بعض الامور الضغيرة التي لم تجر على ما يرام. الا ان كل شيء عاد الى طبيعته عندما انهيت عملي. على كل حال جيني قادرة على ضبط الامور."
استمرا في الحديث لوقت طويل مما اراحهما من الملل الذي يصيب المسافرين وقت الازدحام. الا انهما حالما خرجا من الضواحي التزما الصمت, فكرت ميغان بانه لا حاجة للكلام فهما يعرفان بعضهما جيدا, انها تشعر بالراحة معه ولكن أليس هذا ما يجب ان تشعر به عندماتكون معه؟ ازعجتها هذه الفكرة كثيرا فعبرت عن افكارها: "هل تشعر بالاثارة عندما اكون معك؟ لا تضحك, فانا فعلا اريد ان اعرف."
اصبحا الان على الطريق السريع الخالي من ازدحام السير فاجابها اوسكار من دون اي شرود: "عزيزتي ميغان, بالطبع لن اضحك, انا افهم فعلا ما تعنينه. ان شعوري نحوك, كيف ساعبر لك؟ عميق وصادق الا انني لا اعتقد انني من النوع الذي يثار بالمعنى الذي تقصدينه. على كل حال انا سعيد ومرتاح واظن اننا سنستقر بشكل جيد معا." نظر اليها مبتسما: "هل هذا يجيب على سؤالك؟"
كانت تود ان تجيبه بلا, الا انها قالت: "نعم." ربما هناك وجود لتلك الرومنسية التي تقرا عنها في الكتب. حركت الخاتم بيدها واقنعت نفسها بانها سعيدة.
كان والدها ووالدتها وميلاني في انتظارهما عندما وصلا. قطعا المسافة بوقت قصير فقد وصلا قبل الساعة العاشرة.لذلك جلسوا يتحدثون حول طاولة العشاء بارتيتح, اذ ان اليوم التالي هو السبت, مما يعني انه لا داعي للنوم مبكرا للذهاب الى العمل صباحا.
شعرت ميغان التي كانت تجلس بقرب اوسكار بالسعادة والرضا لانسجامه مع ميلاني, ابتسمت الى اختها, فقد حمتها ورعتها مذ كانت طفلة اذ انها تحبها كثيرا. لقد كان امرا مفرحا بالفعل ان تراها تضحك وتحدثت مع اوسكار بكل انطلاق وحرية.
استيقظت ميغان مبكراحسبما تعودت بسبب عملها في المستشفى. نهضت من السرير وسحبت الستائر, لم تكن الشمس ساطعة الا ان السماءكانت صافية والريف اخضر ومنعشا. تنشقت الهواء العليل ثم تنهدت بصعوبة, لانها رات اوسكار وميلاني يغادران البيت من باب المطبخ, كانا يتحدثان بهدوء وهما يتجهان نحو الحديقة. ثم الى البوابة المؤدية الى الغابة خلف البيت. عادت ميغان الى السرير وفكرت بالامر, ربما لم يستطع اوسكار النوم فقرر ان يتمشى باكرا ولا بد انه صادف ميلاني التي استيقظت باكرا لتحضير الشاي للجميع. لقد تكلم خلال العشاء عن مراقبة العصافير. لا بد انه ذهب لذلك الغرض ومن المؤكد ان ميلاني عرضت عليه ان تريه افضل االامكنة لمراقبة العصافير.
استغرقت ميغان في النوم وهي تفكر بعدة احتمالات ولم تستيقظ الا بعد ساعتين حين وجدت ميلاني جالسة على حافة السرير تحمل كوبا من الشاي. جلست ميغان بشعرها الاسود المتدلي على كتفيها وسالت: "الى اين كنت ذاهبة مع اوسكار؟"
"هل شاهدتنا؟ لم لم تنادي؟ لقد انتظرناك. كان اوسكار يريد ان يشاهد العصافيرأتذكرين؟ نزل فيما كنت في المطبخ فقد استيقظت باكرا لاعد الشاي. اخذته الى غابة نِبْ." ثم نظرت اليها بقلق واضافت: "ميغ انت لا تمانعين؟"
"عزيزتي طبعا لا, في الواقع هذا ما فكرت به تماما, رفقة اوسكار مسلية أليس كذلك؟"
"اوه اجل, فهو لا يهتم لكوني لست ذكية ولا مسلية."
"ومن يهتم؟"
"اه جورج عامل البلدية, والصبية في المزرعة والموظف الجديد في مكتب ابي."
"وهل يقولون ذلك؟"
"ليس بالضبط, الا ان ذلك ما يلمحون اليه."
وضعت ميغان ذراعيها حول شقيقتها وقالت: "عزيزتي لابهي بهم, فانت لطيفة كما انت. اؤكد لك ان كل الرجال اللطفاء الذيم تحبين الارتباط بهم يفضلون فتاة تمثلك."
"اه اتمنى ذلك من كل قلبي."
وضغت ميلاني يدها بلطف على راس ميريدث الذي تمدد عند نهاية السرير ففتح عينيه وتثاءب, قالت ميغان: "يجب ان انهض, انظري الى هذا الحيوان الجائع, هل الافطار جاهز؟"
"بعد نصف ساعة, ماذا ستفعلين اليوم؟"
"ساصطحب اوسكار في جولة على القرية, ثم اساعد امي وبوتر في الحديقة, على كل حال اوسكار يعمل بكد ومن المؤكد انه يفضل ان يكون حرا فيما يفعله."
عندما نزلت ميغان كانت امها في المطبخ تعد البيض واللحم وميلاني تحضر الخبز المحمص.
حملت ميغان القهوة الى غرفة الطعام حيث كان ابوها واوسكار,وتوقفت لتقبيل راس والدها وقدمت خدها لاوسكار, وضع ذراعيه حولها وقال: "استيقظت باكرا وذهبت لااشاهد العصافير. ميلاني كانت مستيقظة ايضا وقد كانت لطيفة جدا فاخذتني الى افضل الاماكن الي يمكن الذهاب اليها. يجب ان اعترف بان الريف رائع,بدات افكر بان استقر في مكان قروي."
اضاف ضاحكا عندما راى وجه ميلاني: "لكنني لن افعل ذلك, فقد عملت جاهدا للحصول على عمل جيد في لندن, وعلى مركز عال في احد المستشفيات التعليمية, ميغان تعرف ذلك, أليس كذلك يا حبيبتي؟"
"اجل طبعا انا اعرف ذلك, على كل حال ستكون ناجحا الى حد اننا سنتمكن من شراء كوخ في الريف لتمضية عطلة نهاية الاسبوع." هذاصحيح فهي تعلم وتفهم انه بذل جهدا كبيرا لينجح في مهنته, الا انه اتخذ قراره ذلك دون ان ياخذ بعين الاعتبار رغبتها في العيش خارج لندن.
كان اوسكار يستحق النجاح فقد عمل بكد واثبت نفسه كطبيب ناجح. راقبته ميغان وهو يلاطف ميلاني. فشعرت بعرفان الجميل لان شقيقتها الخجولة كانت تكلمه بارتياح.
سالت اوسكار في طريق العودة الى الريجينت مساء الاحد: "هل استمتعت بوقتك؟ ألم تضجر؟"
"لا ابدا كانت عطلة رائعة, فانا احب عائلتك, فاخوك فتى رائع."
"اجل هذا صحيح وانت تعجبه ايضا, وكذلك ميلاني لا شك. انك لاحظت كم هي خجولة مع الذين لا تعرفهم, الا انك انسجمت معها جيدا."
لم يجب فظنت انه منزعج من السير الخانق.
قال عندما وصلا الى المستشفى: "ما رايك بعطلة اخرى عندما استطيع الحصول على واحدة."
"هذا رائع, ساذهب الى هناك في خلال اسبوعين, ولكنني لا اعتقد ان باستطاعتك الحصول على عطلة في هذا الوقت القصير."
"لا اظن ذلك, ولكن يمكنني المحاولة في الاسبوع بعد المقبل."
"اعلمني في وقت قريب كي اتمكن من تغيير موعد عطلتي فجيني لن تمانع, ولكن ألا ينبغي الذهاب الى بيتك لرؤية والديك؟"
"ساتدبر نصف يوم خلال الاسبوع."
لم يسالها اذا كانت ترغب في الذهاب معه, ربما لانه لاحظ انها لم تتفق مع والدته.
كان صبح الاثنين منهكا لوجود عدد من العمليات في اليوم التالي, مما يعني اجراء كل الفحوصات العادية وزيارة الطبيب المخدر, ثم معاينات واخيرا زيارة قصيرة من السيد برايت بعد الظهر ليرفع من معنويات المرضى ويلقي نظرة على تقارير الاطباء. كان اخر المرضى الاربعة امراة نحيلة تعبى, امضى السيد برايت معها وقتا اطول من العادي في التحدث معها محاولا تهدئتها قبل ان يفحص اوراقها.
توقف السيد برايت عند تقرير المختبر السريري وقراه ثانية: "هل قرات هذا ايتها الاخت؟"
"اجل يا سيدي."
"غريب ارجوك اذهبي الى المختبر واسالي الاستاذ فان بلفيلد. سنحتاج الى مواد..."
ذهبت ميغان الى المختبر وفتحت الباب, ومن المؤكد ان الاستاذ سينزعج منالشك باحدى قراراته.
كان جالسا الى مكتبه, ترى هل كان جالسا هناك طوال النهار اذ لم يبد عليه اي نوع من الارهاق. رفع راسه حين طرقت الباب فالها بادب: "اجل ايتها الاخت."
"طلب مني السيد برايتان اسالك, فحص الدم هذا, يقول انه غريب."
"غريب لكنه, لقد تفحصته شخصيا. يمكنك ان تنقلي هذا الى السيد برايت مع تحياتي." امسك قلمه واضاف: "اذهبي الان فانا مشغول."
ارتدت على عقبيها فيما الكلمات الفظة تجق اذنيها, اذهبي من هنا. ولكن من يظن نفسه؟
"اقفلي الباب جيدا عند خروجك وقولي للسيد برايتا ني وجدت متبرعا."
اصبحت ميغان الهادئة تغلي من الغضب الان, وقاحة لا تُحتمل. فتحت وقالت بحدة: "اخبره بنفسك يا سيدي." اسرعت ميغان بالخروج تاركة الباب مفتوحا وراءها.
انصعقت فيما بعد لما قالته. بالطبع سيطردونها, لا بد انهم ستهمونها بعدم الانصياع. من المؤكد من المؤكد ان اوسكار سيغضب منها لانها فقدت اعصابها وتصرفت كفتاة سخيفة, وتحزن عائلتها ايضا لهذه الحادثة. لا بد انهم سيعطونها جواب توصية مع القليل المدح, فينتهي بها الامر الى ان ميدلاندز.ضحك السيد برايت حين رآها وقال: "هل اكلك الاستاذ فان بلفيلد حية؟"
"لا لا يا سيد برايت. طلب مني ان اعلمك بانه يوافق على انها فئة دم غريبة وانه قد وجد متبرعا."
"انسان طيب, لا اعرف ماذا كان المستشفى سيفعل من دونه."
ربما لا يستطيع الاستغناء اما هي فبلى, رتبت ميغان الاوراق التي كان السيد برايت قد بعثرها على السرير والخوانة. الا انها تسمرت حين سمعت الاستاذ بلهجته الانكليزية الممتازة: "انا متاكد من الاخت رودنر بطبيعتها المهذبة قد اوصلت رسالتي." ثم اضاف حين ضحك السيد برايت: "آمل ان تسامحيني على فظاظتي."
خفق قلبها عند سماع تلك الكلمات, كانت تبحث عن رد مناسب حين تابع: "ظننت انه من الافضل ان آتي بنفسي لاراك, هناك بعض الاشياء بحاجة لتوضيح."
انشغلت بترتيب الاغطية فوق المريضة. لم يكن ضروريا ان يعتذر هكذا. والان هي الملامة على كل حال يجب عليها ان تعتذر ايضا. ولكن ليس لخوفها من ان يقدم شكوى ضدها. يا له من رجل كم تمنت لو انها راته يجلس على كرسيه والابتسامة على شفتيه, عندما خرجت مسرعة.
قررت ميغان في يوم عطلتها ان تعتذراليه, فاذا كان يريد اتخاذ اي اجراء سيتم استدعاؤها الى مكتب رئيسة الممرضات قبل الساعة التاسعة. بدات تحضر الكلام الذي ستقوله وهي في طريقها الى المستشفى, يجب ان يكون كلاما محترما ومعبرا عن اسفها في الوقت نفسه, ولكنها وجدت ذلك صعبا. كانت منهمكة في هذا الامر جدا الى حد انها لم تر الاستاذ الا بعد ان اصبحا على بعد الخطات. فقد خطفت كلماته الاولى انفاسها: "اه الاخت رودنر, كنت انتظر اعتذارك." بدا هادئا ومرتاحا. ففكرت بتوتر انه كان اسهل عليها بكثير ان تكرهه لو انه صرخ قليلا او حتى رفع صوته.
قالت بسرعة: "لم يكن لدي. انني انوي ان اعتذر لك ولكن ليس قبل غد, فانا انتظر لارى اذا كنت ساستدعى الى مكتب رئيسة الممرضات."
"لماذا؟"
"حسنا, اذا قدمت شكوى لن تضيع الرئيسة وقتا قبل ان ترسل بطلبي المؤكد اني ساطرد. او اخسر ثوب الاخوات. او اي شيء اخر."
"عزيزتي الصغيرة ليس لدي اية نية في تقديم شكوى ضدك, ولو كنت في مكانك لقلت وفعلت اشيء نفسه لذلك يمكنك ان تنسي هذه الحادثة وتعودي الى العمل في الصباح بضمير مرتاح."
ابتسم فجاة فبدا للحظة وجيزة مختلفا عن ذلك الرجل الفظ الصارم الذي تخيلته: "سيسعدني كثيرا ان تقبلي دعوتي الى العشاء كبادرة حسن نية."
"هذا لطف اسفة لانني كنت فظة وشكرا لتسامحك في هذا الموضوع."ٍ
"لطيف لطيف, انها كلمة انجليزية قد تعني كل شيء ولا شيء, انا لست لطيفا كما تعلمين جيدا."افسح لها الطريق وقال: "عمت مساء اخت رودنر."
اكملت ميغان طريقها بارتباك الا انها لم تكن تعرف السبب.
كان اوسكار سياتي الى العشاء ذاك المساء, فعادت مسرعة الى المنزل لتحضر نفسها للقائه. قال انه سياتي الساعة التاسعة, مما اعطاها الوقت الكافي. استحمت وارتدت فستان جيرمي رماديا مع وشاح رمادي فاتح, ثم اطعمت القط وبدات العمل, تتالف لائحة الطعام من انواع مختلفة من الجبنة وخبز فرنسي محمص مع سلطة, اما الشراب فسيكون متنوعا مع بعض زجاجات الجعة. بدت الغرفة مريحة بمصابيحها الجديدة التي تضفي ضوءا زهريا خافتا على الاثاث الرخيص, خاصة الطاولة بغطائها الجميل. فوجئ اوسكار قليلا عندما دخل الشقة:
"يجب ان اعترف بان هذا المكان يبدو جميلا على الرغم من ان الاثاث كالح, اني اتضورجوعا..."
كان العشاء شهيا جدا الى حد انه اكل معظمه حتى قبل يبدا بالخبز والجبنة والتفاح. حضرت ميغان القهوة. فجلسا يحدثها عن يومها ولكنه لم يقل شيئا عن العشاء الى ان اوشك على الرحيل: "كانت وجبة جيدة ميغان, لم اكن اعرف انك تجيدين الطهي, هل علمتك ميلاني؟ غالبا ما اتذكر تلك العوامة..."
"اجل انها تصنع عوامة رائعة فهي طاهية ماهرة."
عانقها اوسكار قبل ان يذهب ولكن ليس بالطريقة التي ترغبها, كانت تود ان يحتضنها ويقول لها انها طاهية ماهرة وانه يحبها اكثر من اي شيء في العالم. هناك خطا ما الا انها لا تدري ما هو, وحين سالته عن الامر قال:
"هل من خطب؟ ما الذي جعلك تعتقدين ذلك؟ طبعا ليس هناك اي شيء,لا بد اني متعب, لا تبالي لقد تدبرت عطلة نهاية الاسبوع هل غيرت عطلتك؟"
"على حد علمي اجل." بعد ان ذهب اوسكار استلقت ميغان على السرير تفكر بيومها التعس. هناك شيء لم يكن على ما يرام وتمنت لو تبكي, الا انه لم يكن هناك شيء لتبكي عليه.
عادت الى العمل يوم الاربعاء وبما انها تبادلت عطلة نهاية الاسبوعمع جيني, لم يعد يحق لها بعطلة لهذا الاسبوع. ذكرت ميغان نفسها كما تفعل عند نهاية كل يوم مرهق, انها ستذهب مع اوسكار الى بيتها في الاسبوع المقبل. لم ترَ اوسكار بعد ان تعشيا معا الا قليلا, فقالت لميريدث قبل ان تذهب للعمل: "غدا سيعود كل شيء الى طبيعته."
لم يكن ذلك صحيحا, فقد اخبرتها احدى الاخوات بعد الظهر عن وجود العديد من حالات الحمى في مستشفى سانت باتريكس الذي يتعاون في هذه الحالات مع الريجينت مما يعني انشغال جناحها لاسبوع اخر, ولم يكن امامها اي خيارات.
ذهبت بعد الدوام في ذلك اليوم لتسأله اذا كانت تستطيع ان ترى اوسكار عندما ياتي. وعندما اتى اخبرته على المدخل عدم استطاعتها الحصول على عطلة.
"يا للحظ السيء. لا استطيع ان اغير عطلتي, فذلك يعني اعادة ترتيب الجدول. يمكنني ان اذهب بمفردي الى بيتك اذا وافقوا على ان يستضيفوني." كتمت ميغان شعورا بالخيبة وحسدته على العطلة التي كان يجب ان يمضياها معا.
"بالطبع سيرحبون بك كثيرا, ساتصل بوالدتي."
"رائع يجب ان اذهب حبيبتي, اسف لعدم استطاعتنا قضاء العطلة معا."
راقبته ميغان يذهب, بدا فرحا فشعرت بغضب لم تستطع تفسيره.
- [ ]

الأستاذ الهادئ - بيتي نيلزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن